عبد الرحمن الكواكبي
عبد الرحمن الكواكبي
ژانرونه
قبل أن ننتقل من الكلام على المؤلف إلى الكلام على مؤلفاته نبدأ القول ببيان الموقف الذي أوحى إليه اختيار موضوعه في تلك المؤلفات؛ بل أوحى إليه اختيار رسالة في الحياة، وهو موقفه بين قضية الاستقلال وقضية الجامعة الإسلامية، وكيف اتفق له الإيمان بالإصلاح الديني، والإصلاح الوطني في وقت واحد.
لقد فتح عينيه على المسائل العامة في إبان المشكلة الشرقية بين حوادث جبل لبنان وحوادث أرمينية، وأوفى على الكهولة في إبان حركة الجامعة الإسلامية والخلافة العثمانية التي ابتعثها السلطان عبد الحميد الثاني.
وكلتا الحركتين - الجامعة والخلافة - كثيرة الشعب مترامية الأطراف، يبلغ من تشعبهما أن يرى فيها الرأيان المتناقضان وكلاهما من وحي الإخلاص والغيرة على الوطن وعلى الدين.
فكان من دعاة الإصلاح من يرى أن الجامعة الإسلامية بزعامة الدولة الإسلامية الكبرى هي القوة التي بقيت لأمم الإسلام في عصر الاضمحلال، وقد أعوزتها قوة المال والعتاد وقوة العلم والصناعة وقوة السياسة والسيطرة الدولية، فلا أقل من قوة التضامن والاتحاد.
وكان في تلك الوجوه المتشعبة أن الجامعة الإسلامية بزعامة الدولة العثمانية تحمل هذه الدولة تبعات المشاكل والأزمات التي تتعرض لها شعوب الإسلام في الشرق والغرب، ويخشى عليها في ضعفها واضطراب أحوالها أن تنوء بها، فلا هي تنفع شعوب الإسلام بمجهودها ولا هي تنجو بنفسها من عواقب ذلك المجهود.
ومن وجوه هذه القضية المتشعبة أن الإطناب في لقب الخلافة يضفي على صاحب ذلك اللقب قداسة تحميه من نقد الناقدين ومآخذ طلاب الإصلاح، وتؤخر أعمال الإصلاح التي يرجى منها الخير للدولة العثمانية، وقد تؤخرها على سبيل القدوة في سائر بلاد المسلمين.
ومن وجوهها المتشعبة أنها تحرج الشعوب التي تطالب بحقوقها في ظل الحكم التركي، فلا تدري كيف تقدم أو تحجم بين رعاية حقوقها وبين العمل بما تقتضيه علاقتها بالخلافة وبالجامعة الإسلامية .
وليس من وجوهها الضعيفة أن إعلان الجامعة الإسلامية في العالم يعزز نشاط الحزب المتعصب وأحزاب التبشير بين الغربيين، ويقوي حجتهم في مناهضة الأحزاب السياسية التي ترمي إلى فصل السياسة عن الدين؛ بل يقوي حجة المستعمرين الذي يتلمسون الذرائع لغزو البلاد الشرقية، ويتلقفون هذه الذريعة لترويج مطامعهم كلما أعوزتهم ذرائع السياسة.
هذه طائفة من تلك الوجوه المتشعبة التي يتجه لها أنصار الجامعة وخصومها، ومصدر هذا التشعب أنها مسألة واحدة تجمع في طيها ثلاث مسائل كبرى، كل منها مزدحم مكظوظ بالخفايا والنقائض والعراقيل.
فهي في الواقع مسألة الدولة العثمانية ومسألة الخلافة ومسألة الجامعة، وكل منها مسائل شتى تتفرق في كل وجهة، ولا يجمع بينها غير العنوان.
ناپیژندل شوی مخ