أما إذا كان المؤشر ظاهرة سطحية، كاستمرار استخدام الألقاب في المحادثات اليومية حتى اليوم، فإنني أستأذن في أن أضع في مقابل هذه الظاهرة أشياء تحتاج إلى تفسير، مثل: القوانين العمالية التي أصدرتها الثورة، تمثيل العمال في مجالس إدارات الشركات، والمشاركة في الأرباح، ونظام الحوافز المادية والمعنوية، والدور الفعال للتنظيمات النقابية على مستوى وحدات الإنتاج، وغير ذلك من إجراءات أعطت للعامل كفاية وإحساسا بكرامته كعضو في المجتمع، وأنه لم يعد مجرد سلعة تباع وتشترى كما كان يحدث في الماضي، وقد عبرت الطبقات البورجوازية في مناسبات مختلفة عن ضيقها الشديد بهذه الإجراءات.
أدعياء البطولة
على أن ما ورد في بحث الدكتور زكريا هو ثورته العامة على اليسار المصري لاتخاذه موقف التأييد والدفاع عن التجربة الناصرية أو ثورة يوليو سنة 1952م، وكأنه من المفروض بل من الضروري أن يتخذ اليسار نفس الموقف الذي يتخذه اليمين حيال هذه الثورة، وأن يهيل عليها التراب وأن يصب عليها أقذع أنواع السباب كما يفعل اليمين.
لمصلحة من يطلب الدكتور فؤاد زكريا ذلك؟ هل لمصلحة الشعب المصري بملايينه الكادحة من عمال وفلاحين حطمت الثورة القيود التي كانت تمنع انطلاقهم سياسيا واجتماعيا؟ أم لمصلحة أصدقاء صيدناوي وأفرينو - حسب تعبيره - الذين يطلب من اليسار أن ينافسهم في مهاجمة الناصرية.
إن العجيب حقا هو أنه يتهم اليسار بقصر النظر لاتخاذه موقف الدفاع عن الثورة، وفي نفس الوقت يقول : «إن دعوة اليمين الرجعي دعوة عدوانية ينبغي التصدي لها بكل قوة» أي المنطقين نصدق؟ وإذا لم يكن اليسار هو القوة المؤهلة لكي تتصدى لليمين الرجعي فما هي القوة التي يطلب منها الدكتور زكريا القيام بهذا التصدي؟
الأدهى من ذلك أننا نجده يثير اليسار بقوله: إن قرارات التأميم صدرت واليساريون في السجن، وبعدها ظلوا في السجن أيضا. كأنما القضية المطروحة للمناقشة قضية شخصية ... وليست قضية شعب، وقضية ملايين من هذه الأمة يتطلعون إلى مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، وقضية نظام يحقق لهم آمالهم في التحرر عن عبودية واستغلال الماضي.
والأدهى أيضا هو القول بأن اليسار يدافع دفاعا مستميتا عن التجربة الناصرية؛ بسبب تعيين أفراد منه في بعض المناصب الرفيعة. فنحن نعلم أن اليسار (سواء الذي كان في السلطة أو خارجها) كان القوة الوحيدة التي تنقد وتنبه إلى الأخطاء والانحرافات، في حين أن الذين يدعون البطولة اليوم كانوا أول من ارتكبوا الأخطاء والانحرافات، وكانوا يسبحون ويوافقون على كل إجراء مهما كان.
ولقد كان اليسار وسيظل دائما الحارس الأمين على القيم والمبادئ، ولن يكون الحارس الغافل بأي حال من الأحوال ولن يكون الذي تجهض الثورة مبادئه.
وقد كنا نود لو ألقى الدكتور فؤاد زكريا بعض الضوء على ما يعني بكلمة «اليسار» نفسها. قضية أخرى كنت أود أن يلقي عليها الدكتور فؤاد زكريا بعض الضوء؛ هي هل الماركسيون أم أن هناك آخرين يندرجون تحت هذا المفهوم؟ وإذا كان هناك يساريون فما هو موقفهم من التجربة الناصرية؟ وما هو موقف الناصريين أنفسهم، وهم عناصر معروف أنها يسارية، كما أن هناك عناصر اشتراكية لها مفهومها الخاص بالنسبة للتطبيق الاشتراكي. لماذا لم يحددها د. فؤاد زكريا ويحدد مواقفها من التجربة الناصرية؛ حتى لا يتيح فرصة لتفتيت قوى اليسار، وإغراء جزء منهم باتخاذ موقف معاد للتجربة، واتهام الذين يقاومون الفكر اليميني الرجعي بالشيوعية والإلحاد، ثم التحريض على قتلهم وسحلهم كما نادت بذلك بعض أبواق الرجعية والإمبريالية أخيرا، إن الأمانة العلمية كانت تقتضي من الأستاذ الدكتور أن يكون أكثر وضوحا في هذه النقطة بالذات.
من هو الإنسان المصري
ناپیژندل شوی مخ