وازدادوا منهم قربا، فوضح لأعينهم أنهم فوارس يعدون خلف واحد منهم، إما أنه يتقدمهم وإما أنهم يطاردونه. فلما أن دنا من هدفهم صحصح لهم ما كانوا منه في شك مريب، فإذا بالمتقدم امرأة على ظهر جواد عار، وقد انحلت ضفائرها وبعثرت وطارت خلفها مع الهواء، كأنها أعلام في رأس شراع، وقد أنهكها التعب فخارت قواها، ولحق بها العادون خلفها وأحاطوا بها من كل جانب ...
وتصادف حدوث ذلك مع وصول فرعون وجنوده، وكان الركب الفرعوني قد اضطر إلى تهدئة عدوه تفاديا للصدام، ولم يحفل فرعون ولا أحد من رجاله بالمطاردين والمطاردة، وظنوا أنهم شرطة يؤدون واجبا من واجباتهم، وكادوا يمرون بهم مر الكرام لولا أن صاحت بهم المرأة قائلة: الغوث أيها الجنود ... الغوث! إن هؤلاء يقطعون علي الطريق إلى فرعون ...
هنا توقف فرعون فتوقفت العربات من ورائه، ونظر إلى الرجال المحيطين بالمرأة وصاح بهم بصوته الآمر: دعوا هذه المرأة.
ولكنهم لم يصدعوا بالأمر الذي جهلوا آمره، وتقدم فارس منهم برتبة ضابط إليه وقال بخشونة: نحن قوة من حرس أون جئنا ننفذ أمر كاهنها الأعظم، فمن أي مدينة أنتم، وماذا تريدون؟
وتبدى الغضب على الوجوه لحماقة الضابط، وهم أربو بانتهاره وتحذيره، ولكن فرعون أشار إليه إشارة خفية فسكت وهو كظيم، وصرف ذكر كاهن رع فرعون عن الغضب إلى التفكير والتأمل، وأراد أن يستدرج الضابط إلى الكلام فسأله قائلا: ولماذا تطاردون هذه المرأة؟
فقال الضابط بصلف: أنا لا أؤدي حسابا عن مهمتي إلا أمام رئيسي.
فصاح فرعون غاضبا بصوت كالرعد: أطلقوا سراح هذه المرأة.
وذعر الجنود وأيقنوا أنهم أمام رئيس خطير، فتركوا التي هرولت إلى عربة الملك وارتمت تحتها في خوف ووجل وهي تصيح: الغوث ... يا سيدي الغوث ...
وترجل القائد أربو عن عربته، وتقدم من ضابط القوة، فلما رأى هذا علامة النسر والشارة الفرعونية على كتفه تولاه الرعب، ووقف وقفة نظامية وسل سيفه وأدى عليه التحية العسكرية، وصاح بجنده: حيوا قائد الحرس الفرعوني.
فسل الجنود سيوفهم ووقفوا كالتماثيل.
ناپیژندل شوی مخ