فيفي
تلقت «فيفي» نبأ - بالتليفون - بأن في وسعها الآن - إذا كانت لا تزال راغبة في ذلك - أن تزور «الضحية» وتراه وتجالسه وتحادثه. وكانت تتوقع هذه الدعوة التي ألحت في طلبها، ولكن سرورها بها كان مع ذلك عظيما، وكانت تغالط نفسها وتزعم أن فرحها إنما هو بشفائه وزوال الخطر عنه، ولم تكن تعرف أن هذه مغالطة، فما رأت ضحيتها إلا هنيهة قصيرة على ضوء مصباح السيارة وهو ملقى على الأرض أمامها، وقد فقد وعيه من الصدمة، وكان معها أخوها - وهو ضابط في الجيش - فأسرع إلى المصاب ليرى مبلغ ما حل به، وانحنى عليه يجسه وإذا بصوت يقول: «الذنب ذنبه. لقد قطع الشارع من غير أن يعنى بالتلفت والنظر، ورأيت أنا السيارة مقبلة بسرعة فخفت عليه ودفعت يدي لأرده ولكنه كان قد مضى ... هو هكذا أبدا ...» ومال على صاحبه ثم رفع رأسه وقال: «لا أظنه أصابه شيء خطير ... لعل الصدمة التي أصابته من وقوعه على الأرض أقوى من صدمة السيارة ... على كل حال تعال نحمله إلى البيت ومن هناك ندعو الطبيب.»
وجاء الشرطي وهما يحملانه إلى السيارة، ورأى بزة الضابط فجنح إلى التساهل، وساعده على ذلك أن صديق المصاب كان يهون الأمر ويؤكد أن لا شيء هناك يستحق وجع الرأس، وكانت فيفي هي التي تقود السيارة فمضت بها إلى حيث أشار الصديق، وكان المصاب لا يزال مغشيا عليه. فدعى الطبيب وخلا به، وشرع يفحصه، والصديق معه، وفيفي وأخوها في غرفة أخرى يتمشيان ولا يطيقان الجلوس أو الكلام من فرط قلقهما على الشاب المسكين، وقد كبر في وهمها من طول الغيبوبة أنه لا محالة ميت، وخرج عليهما الطبيب بعد دهر طويل فابتسم وقال لهما إن الذي أصاب الرأس طفيف لا قيمة له، وإن الخدوش الأخرى لا خوف منها، ولكن الذراع مكسورة، وإنه سيبعث إليه في الصباح بطبيب يجبر الكسر إلا إذا آثروا المستشفى، ولكنه هو لا يرى حاجة إلى ذلك.
وانصرف الطبيب بعد أن اتخذ من تدابير الوقاية والعلاج ما رأى أنه لازم، وبقيت فيفي وأخوها زكريا مع طاهر نحو نصف ساعة، فعلما منه أن اسم المصاب «حمادة» وأنه طالب في السنة الأخيرة من كلية الطب، وأنه ابن عمه وهو يقضي إجازته الصيفية ضيفا عليه - أي على طاهر - في الإسكندرية، حيث يعمل في بنك مصر، وقد سر الأخوين أن طاهرا أبى أن يعد أحدا غير حمادة نفسه مسئولا عما وقع، وكانت فيفي تحدث نفسها بأن تعرض على طاهر أن تقوم هي وأخوها بنفقات العلاج، ولكنها خجلت أن تخاطبه في ذلك بعد الذي رأته من مروءة نفسه وحلاوة طباعه، وآثرت أن تشاور أخاها أولا عسى أن يستطيع أن يحتال للأمر من غير أن يجرح إحساس هذا الرجل الكريم.
وكانت فيفي وزكريا أشبه بالصديقين الحميمين منهما بالأخوين، فقال لها وهما عائدان: «غريب ... لقد استلطفت حمادة ... بمجرد وقوع عيني عليه وهو ملقى في الطريق.»
فلم تقل فيفي شيئا، فقد كانت تحس أنها مشفية على البكاء.
وعاد زكريا يقول - أو يصيح على الأصح - بعد قليل: «لماذا لم تدوسي واحدا ممن لا خير فيهم ...؟ لماذا حطمت هذا المسكين ...؟»
فقالت: «لو لم أمر بك لآخذك ... لو كنت مضيت إلى البيت مباشرة لما حدث هذا، فظاعة ... أواثق أنت أنه سيفيق من هذه الغيبوبة؟»
فقال زكريا: «الطبيب يؤكد ... فلنصدقه ... وسنرى غدا ... اسمعي ... إني أريد أن نقوم بنفقات العلاج ... إنه طالب وابن عمه موظف متوسط الحال ... وقد دسناه على كل حال وكسرنا له ذراعا، فما قولك؟»
قالت: «لقد فكرت في هذا ولكنني خجلت أن أعرضه على طاهر ... اسمع ... تعال نقتسم النفقات ... واسمع ... لا داعي لإخبار ماما ... ألا توافق؟»
ناپیژندل شوی مخ