قال: «هاو هاو ... ها هاو ...»
قلت: «يا أخي، إن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.»
قال: «هاو هاو هاو!»
قلت: «أتسمح بأن أقدم لك سيجارة؟ إنها سجاير مصرية لذيذة، تركها لي عمال الجمرك في بيروت، أو على الأصح لم يتركوها، وإنما غابت عن عيونهم في مطاوي الثياب، أو بعبارة أدق، لم يفتحوا الحقائب.»
فأبى أن يتقبل مني السيجارة، فقلت: «آه مفهوم! الدخان عندكم مكروه ... بالطبع! معذرة يا أخي، وإذا كنت تكره أن تراني أدخن أمامك، فإني مستعد أن أرمي السيجارة وأدوسها بقدمي، أطحنها بكعب حذائي، أخلطها بتراب هذا الجبل الجميل، أما العلبة، فسأعود إلى البركة وألقيها فيها، إذا سمحت، فهل تسمح؟»
قال: «هاو هاو ... هاو هاو ...»
قلت: «هممم! يظهر أن المفاوضات بيننا ستطول، فهل تسمح لي أن أفكر في طريقة لاختصارها قليلا!»
فأذن، بالصمت، فشكرته بعيني، ووقفت أفكر في أمري معه وفي ضيق صدره بي ونقمته علي بلا مسوغ، فما جئت إلى لبنان غازيا، ولا خوف مني على الكلاب لو عقلت، وأخرجت يدي ورفعتها إلى جبيني لأفركه وأستعين بذلك على التفكير، فزجرني الكلب وصاح بي: «هاو هاو!»
قلت: «رجعنا؟» ورددت يدي إلى مكانها واستغنيت عن معونتها، فخطر لي أن أتئره النظر وأطيل التحديق فيه - في عينيه - عسى أن ينام، نوما مغناطيسيا، فأتسلل على أطراف أصابعي وأخرج من هذه الورطة الثقيلة، ولكنه على ما يظهر كان لبيبا فطنا، فأدرك أني أدبر له أمرا، وراح ينبحني نباحا عاليا فقلت له لأتألفه: «حلمك سيدي! حلمك! لا تغضب!»
ولكنه أصر على الغضب، لأنه أحمق وليس بلبيب فطن كما توهمت، وأبى إلا أن يواصل النباح، وأحسبه كان يطمع أن يؤلب علي كلاب الجبل جميعا، لولا أن الجبل لا كلاب فيه غيره، وإذا بشجرة وراء الكلب تقول بصوت ناعم: «بيجو! بيجو! تعال!»
ناپیژندل شوی مخ