تمهيد
عام 1863م
عام 1864م
عام 1865م
عام 1866م
عام 1867م
تاريخ بعض رجال هذه الأورطة الذين أنعم عليهم بأوسمة فرنسية في هذه الحرب
كتابات
تمهيد
عام 1863م
عام 1864م
عام 1865م
عام 1866م
عام 1867م
تاريخ بعض رجال هذه الأورطة الذين أنعم عليهم بأوسمة فرنسية في هذه الحرب
كتابات
بطولة الأورطة السودانية المصرية في حرب المكسيك
بطولة الأورطة السودانية المصرية في حرب المكسيك
تأليف
عمر طوسون
شارل جلياردو بك - مؤسس متحف بونابرت بالقاهرة - مع أربعة من ضباط الأورطة السودانية المصرية بالمكسيك من اليمين إلى اليسار: الصف الأول: شارل جلياردو بك، والقائمقام صالح بك حجازي. الصف الثاني: اليوزباشي إدريس نعيم أفندي، والصاغ فرج وني أفندي، والبكباشي عبد الله سالم أفندي.
تمهيد
أساءت حكومة المكسيك معاملة كثير من رعايا فرنسا وإنجلترا وإسبانيا، ونهبت أموالهم على أثر مطالبتهم لها بوفاء ما عليها لهم من الديون؛ فكان ذلك السبب الظاهر لهذه الحرب. ويقال: إن الغرض الذي كان يسره نابليون الثالث في قرارة نفسه ويرمي إليه من وراء هذه الحرب، إنما هو تأسيس حكومة ملكية كاثوليكية في المكسيك؛ ليضمن بذلك وجود التوازن في هذه البلاد مع نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد عقدت هذه الحكومات الثلاث النية على استخدام القوة المسلحة للحصول على مطالب رعاياها، ووجهت كل منها حملة إلى المكسيك في سنة 1861م، ولكن لم يلبث الخلاف أن دب بين هذه الدول، فسحبت إنجلترا وإسبانيا جنودهما من المكسيك في أبريل سنة 1862م، وقامت فرنسا وحدها بأعباء هذه الحرب.
وأرض المكسيك تنقسم إلى جبال ووهاد، ووهادها تسمى الأراضي الحارة، وهي واقعة على سواحلها البحرية، ومناخها وبيل تنتشر فيه الحمى الصفراء والدسنتاريا، وإذا أقام به الأوروبيون فتكت بهم هذه الأمراض فتكا ذريعا. أما الزنوج فيمتازون بحصانة طبيعية ضد هذين المرضين؛ ولهذا استخدمت فرنسا فيها عساكر منهم جندتهم لهذه الحرب خاصة من مستعمراتها.
وخطر بفكر نابليون الثالث أن يرجو سعيد باشا - والي مصر في ذلك الحين - أن يمده بألاي من الجنود السودانيين؛ فقبل سعيد باشا رجاءه، غير أنه لم يرسل سوى أورطة مؤلفة من 453 جنديا بين ضباط وصف ضباط وعسكر. وهذه الأورطة مكونة من أربعة بلوكات، وهي من ألاي المشاة التاسع عشر. وقد اشتركت في حرب المكسيك من عام 1863م إلى عام 1867م. وها نحن نبين ما قامت به في هذه السنين من الأعمال المجيدة ...
عام 1863م
في 8 يناير سنة 1863م أقلعت النقالة الفرنسية لاسين
La Seine
بهذه الأورطة من الإسكندرية مارة بطولون حتى وصلت بها إلى فيراكروز، وهي أكبر فرضة في المكسيك في 23 فبراير بعد سفر 47 يوما. وقد مات منها في أثناء السفر سبعة جنود، وكانت بقيادة البكباشي جبر الله محمد أفندي ووكيله اليوزباشي محمد الماس أفندي.
وجاء في التقارير الفرنسية عنها أنها كانت ذات ملابس حسنة، وسلاح جيد، وهيئة أنيقة، واستعداد عسكري يثير إعجاب كل من يراها، إلا أن سلاحهم كان يختلف عن أسلحة الجنود الفرنسية؛ فنجم عن ذلك متاعب وعراقيل من جهة الذخيرة، فوزعت القيادة الفرنسية عليهم أسلحة فرنسية، وأودعت أسلحتهم في المخازن، ثم أعادتها إليهم عند رجوعهم إلى مصر، كما أن التفاهم معها في بادئ الأمر كان متعذرا لجهل أفرادها اللغة الفرنسية؛ فدعت الحالة إلى استخدام بعض الجنود الجزائريين الذين كانوا معهم في حرب المكسيك للترجمة بينهم وبين سائر الجنود الفرنسية هناك؛ فأمكن بذلك معرفة احتياجاتهم والاستفادة من أهليتهم وكفاءتهم.
وقام جنود هذه الأورطة بأعظم الخدم وأجلها؛ لشجاعتهم وبراعتهم في الرماية وضرب النار. وبذلك أمكن التعويل عليهم في المواقع التي كانت الجنود الفرنسية لا تستطيع المقام فيها؛ فصدوا غارات العصابات التي كانت تجوس خلال هذه الديار، وتشن الغارات على قوافل المئونة والذخيرة، وعلى المخافر التي بها قليل من الحرس.
وقبل مباشرة هذه الأورطة العمل رتبت على النظام الفرنسي. وفي 11 مارس سنة 1863م أصدر الجنرال قائد الحملة قرارا بترتيب جميع أقسام العمل. وفي التاريخ عينه أصدر قرارا آخر بتكميل ما كان ينقص الأورطة من الضباط، وترقية بعض أفرادها ليسدوا هذا النقص، وأرسلت هذه الترقيات إلى مصر لتعرض على صاحب السمو الخديوي إسماعيل لإقرارها، وها هي:
ترقية اليوزباشي محمد الماس أفندي إلى رتبة الصاغ.
ترقية الملازم الأول حسين أحمد أفندي إلى رتبة اليوزباشي.
ترقية الملازم الثاني فرج عزازي أفندي إلى رتبة الملازم الأول.
ترقية الباشجاويشين محمد سليمان وصالح حجازي إلى رتبة الملازم الأول.
ترقية الجاويش فرج الزيني إلى رتبة الملازم الأول.
ترقية الجاويشية خليل فني والفود محمد ومحمد علي وعبد الرحمن موسى إلى رتبة الملازم الثاني.
وعندما وردت هذه الترقيات إلى مصر، وعرضت على سمو الخديوي، أقرها وأعادها الديوان الخديوي إلى نظارة الجهادية المصرية بتاريخ 7 جمادى الأولى سنة 1281ه/ 8 أكتوبر سنة 1864م، ومعها المكتوب الآتي:
الضباط الذين ترقوا بمكسيكا لسد فراغ النقص الذي حدث بين ضباط العساكر السودانية المصرية المرسلة في العهد السابق إلى مكسيكا، وهم: صاغقول أغاسي، ويوزباشي، وثمانية ملازمين، وإن كانت ترقيتهم قد تمت هناك، إلا أنهم التمسوا بعريضة مرسلة منهم عرض الأمر على الحضرة الخديوية لتشريفها بالاعتماد، ولدى عرض أمرهم على الحضرة الفخيمة صدر الأمر شفويا بتجهيز العرائض اللازمة لذلك وتقديمها.
وبناء عليه نرسل عريضتهم العربية والكشف الوارد معها ببيان ترتيبهم وأسمائهم لإجراء اللازم.
وردت نظارة الجهادية على هذا الخطاب بتاريخ 9 جمادى الأولى سنة 1281ه/10 أكتوبر سنة 1864م بالجواب الآتي:
بما أن ضباط العساكر السودانية المصرية السابق إرسالهم في العهد الماضي إلى مكسيكا نقصوا صاغقول أغاسي ويوزباشي وثمانية ملازمين، فإنه وإن كان قد تم ترقية آخرين بدلا منهم هناك، إلا أنه لأجل عرض الأمر على الحضرة الخديوية لتشريفها بالاعتماد طبقا للتبليغ الصادر إلينا لتنظيم العرائض اللازمة لذلك لإرسالها إلى السدة السنية، كما اتضح ذلك من الخطاب الوارد من سعادتكم بتاريخ 7 جمادى الأولى سنة 1281ه/8 أكتوبر سنة 1864م نمرة 13 المرفق به الكشف الموضح به بيان أسماء الضباط المذكورين، قد تم تحرير العرائض اللازمة حسب الأصول، وأقرت من الجهات المختصة، وأرسلت إلى سعادتكم مزينة بالفرمان العالي من حضرة ولي النعم.
ونظرا لأن الضباط المذكورين حازوا تلك الرتب من تاريخ 21 رمضان سنة 1279ه/11 مارس سنة 1863م كما علم ذلك من الاطلاع على الكشف، فلأجل إجراء اللازم لاعتماد ترقيتهم إلى الرتب والمرتبات من التاريخ المذكور كمقتضى الأمر الصادر إلينا قد أجرينا اللازم لاعتماد ذلك. وللعلم حرر هذا إشعارا بما ذكر.
وأجاب الديوان الخديوي بعد ذلك النظارة المذكورة بالجواب الآتي:
علم من إفادة ديوان الجهادية الواردة بتاريخ 9 جمادى الأولى سنة 1281ه/10 أكتوبر سنة 1864م نمرة 20 أن عرائض الترقية الخاصة بالصاغقول أغاسي واليوزباشي والثمانية الملازمين السابق ترقيتهم ليحلوا محل الناقصين من ضباط العساكر السودانية المرسلة في العهد الأول إلى مكسيكا، عرضت على الحضرة الخديوية ووافقت عليها، وقد أرسلت إلى مكسيكا، وهذا للعلم.
وما كادت الأورطة تستقر ببلاد المكسيك حتى صدرت الأوامر لها، وللكتائب الأجنبية، وفرق المتطوعين من المكسيكيين الفرنسيين، بتطهير الأراضي الحارة من زمر اللصوص الذين كانوا يعيثون فيها فسادا.
ولما حوصرت مدينة بويبلا
، وهي المدينة الثانية في الأهمية من مدن المكسيك من 23 فبراير إلى 17 مايو سنة 1863م، حيث سقطت واستسلم من حاميتها 26 جنرالا و900 ضابط و12 ألف جندي، كان من اللازم الاحتفاظ بالمواصلات التي كان المكسيكيون يحاولون دواما قطعها بين الساحل وهذه المدينة.
فكانت الأورطة السودانية المصرية أهم قوات صيانة المواصلات في الأراضي الحارة، حتى قال القائد العام في فيراكروز عن جنودها أن ليس لديه ما يبديه بشأنهم إلا الإطراء والثناء من كل الوجوه.
ثم استخدم قسم من الذين وقعوا في الأسر في بويبلا في أشغال السكة الحديد، وكان كثيرا ما يزعجهم المكسيكيون؛ فدعت الحالة إلى تكليف بلوك ونصف بلوك من الأورطة السودانية لحراستهم والذب عنهم، فقاموا بذلك خير قيام، وتقدمت الأعمال تقدما سريعا.
وفي مايو سنة 1863م، فجعت الأورطة المصرية بوفاة قائدها البكباشي جبر الله محمد أفندي على إثر إصابته بالحمى الصفراء؛ فخلفه القائد الثاني لها الصاغ محمد الماس أفندي بعد أن منح رتبة البكباشي.
وكان لوفاة هذا الضابط العظيم رنة أسى عند الجميع. وجاء في تأبين السلطة الفرنسية له أنه كان على جانب كبير من دماثة الأخلاق والتحلي بصفات عسكرية نادرة، وأنه كان محترما من الجميع؛ لسلوكه الحسن، وقيامه بواجباته على الوجه الأكمل، وتقديره ما على عاتقه من المسئوليات.
وبلغت قيمة تركته 5667 فرنكا أرسلتها السلطات الفرنسية فيما بعد إلى الحكومة المصرية لتسلمها إلى ورثته، مع مبلغ 5000 فرنك على سبيل المنحة منها لهم.
ويدرك المرء مقدار وخامة الأراضي الحارة وفساد مناخها إذا علم أنه مع متانة بنية جنود الأورطة السودانية المصرية ومقاومتها لوخامة ذلك الجو أكثر من المكسيكيين أنفسهم؛ كان لا يوجد في كل بلوك منها أقل من 42 مريضا على الدوام: 30 في المستشفى و12 في الثكنات.
ومع أن هذه النسبة كبيرة بالنظر لمجموع عدد الأورطة، إلا أنه عند مقارنتها بنسبة عدد مرضى فرق الجيوش الفرنسية الأخرى نجدها أقل منها بكثير.
ولما احتلت الجيوش الفرنسية مدينة مكسيكو عاصمة المكسيك، أقيمت احتفالات باهرة في كافة المدن التي في قبضة هذه الجيوش.
وفي 21 يونيو سنة 1863م أقيم في فيراكروز قداس حضره القائد العام، ومثلت فيه جميع السلطات العسكرية والمدنية، فعهد إلى الأورطة السودانية المصرية القيام بمهام التشريفات. وبعد انتهاء الاحتفال استعرضت في أكبر ميادين المدينة.
ولما وقف القائد العام المارشال فوريه
Forey
على ما قامت به هذه الأورطة في عدة وقائع كافأها على ذلك. فأمر في 28 سبتمبر سنة 1863م أن تؤلف منهم كتيبة الجنود الذين يسمون «برنجي نفر»، فألفت منهم هذه الكتيبة، وبلغ عددها ربع عدد الأورطة. وأمر فمنح كل فرد من أفرادها 65 سنتيما يوميا «
ج تقريبا»، وأن يميزوا بشارات صفراء توضع على أذرعتهم؛ فأحدث هذا العمل أثرا عظيما في نفوسهم وفي نفوس ضباطهم، ودل على عظيم عناية القيادة الفرنسية بهم وتقديرها لجدارتهم واستحقاقهم.
وكتب قائد فيراكروز في تقريره الذي أرسله إلى القائد العام عن واقعة نشبت في 2 أكتوبر سنة 1863م ما معربه:
لقد كلل هذا القتال رءوس السودانيين المصريين الذين قاموا بأعبائه بأسمى أكاليل الفخر؛ فإنهم لم يبالوا بالنار المنصبة عليهم من الأعداء، وردوهم - وهم يزيدون في العدد عليهم تسع مرات - على أعقابهم مدحورين.
وقد بلغ عدد الوقائع التي خاضت هذه الأورطة غمارها في عام 1863م ثمانيا.
عام 1864م
في أوائل هذا العام أحصيت وفيات الأورطة من حين سفرها من مصر فبلغت 47. وسبب وفاة هذا العدد الكبير منها أنه عندما وصلت المكسيك كانت في شبه عزلة لجهل الناس لغة جنودها وأذواقهم وعاداتهم. وكان نظام أغذيتهم على غير ما يرام، كما كانت غير كافية لهم خصوصا مع المشاق والمتاعب التي كانوا يتكبدونها.
فدعت الحالة أن يقدموا إليهم طعاما أكثر تغذية، ثم تدرجت الأحوال في التحسن شيئا فشيئا حتى جاءت سنة 1864م مبشرة بحسن الطالع.
وفي 22 أبريل سنة 1864م، كتب قائد فيراكروز إلى القائد العام في شأنهم يقول:
لقد سلك السودانيون المصريون مسلكا برهن على بطولتهم، فقاتلوا عددا يربو على عددهم أضعافا مضاعفة، ولبثوا محتفظين بما بلغوه من قبل من الدرجة السامية في الشجاعة.
وفي 12 يوليو سنة 1864م كتب القائد العام في تقريره إلى وزارة الحربية الفرنسية عقب قتال دارت رحاه في هذا التاريخ ما معربه:
إن هؤلاء السودانيين المصريين الذين لا تسمح نفوسهم أن يبقى الأسير حيا قد أسرفوا في القتل. وإني لم أر في حياتي مطلقا قتالا نشب بين سكون عميق وفي حماسة تضارع حماستهم، فقد كانت أعينهم وحدها هي التي تتكلم، وكانت جرأتهم تذهل العقول وتحير الألباب، حتى لكأنهم ما كانوا جنودا بل أسودا.
وخص المارشال المذكور منهم بالذكر الأشخاص الآتية أسماؤهم:
اليوزباشي حسين أحمد، والملازم فرج الزيني، والجاويشية حديد فرحات، ومرجان الدناصوري، والأونباشي الحاج عبد الله حسين باشه، والجندي كوكو سودان كباشي.
وقد ظلت جموع العدو باقية بدون أن تتشتت عقب هذه الواقعة، وأقدموا على قتال آخر في 14 منه، ولكنهم دحروا، وهاك ما قاله القائد في تقريره:
لقد قاتل السودانيون المصريون قتالا باهرا دام ساعة واحدة. وليس بين الجنود القدماء من لا يذكر مثل هذا الفوز بالإكبار والإعجاب.
وقد نوه في تقريره بأسماء: الملازم فرج عزازي، والجاويشية حديد فرحات، ومرجان الدناصوري، والأونباشي الحاج عبد الله حسين باشه، والجندي كوكو سودان كباشي.
ومنح الأونباشي عبد الله حسين باشه وساما عسكريا لبسالته التي أبداها في هذه الواقعة، والجرح العميق الذي أصيب به، وعدد القتلى الذين أجهز عليهم، ولطعنه بحربة (سنكة) بندقيته جنديا مكسيكيا، فلما نشبت به رفعه بها وذراعه غير منثنية.
وكان عدد الأعداء في هذه المعركة ستة أمثال جنود الأورطة.
وقد ورد إلى نظارة الجهادية المصرية تقرير من الضابط الفرنسي سيجون
Segone
المكلف بالإشراف على الأورطة المصرية، وآخر من الصاغ محمد الماس أفندي، فأرسلتهما إلى الديوان الخديوي مع خطاب مؤرخ في 15 جمادى الأولى سنة 1281ه/16 أكتوبر سنة 1864م لرفعهما إلى سمو الخديوي، وهذا نصه:
أرسل إلينا الضابط الفرنسي مسيو سيجون - الضابط المأمور على العساكر السودانية المصرية بمكسيكا - عريضة وتقريرا باللغة الفرنسية برسم الحضرة الخديوية مع رسم مضيق «بوغاز» «ورود إيرمغي»، وبعد أن ترجما أرسلا مع الأصل إلى سعادتكم، فلدى الاطلاع عليهما تعلمون مضمونهما. وأيضا ورد مع إفادة صاغقول أغاسي الأورطة كشف يومية مبين به أن الباقي من العدد الذي أرسل - وهو أربعمائة وستة وأربعون نفسا
1 - هو ثلاثمائة وثمانية وسبعون؛ حيث توفي خمسون من هؤلاء الجنود لغاية توت سنة 1579، وعشرة توفوا في العام الماضي لغاية 6 برمودة، وأربعة توفوا في الحرب لغاية 18 أبيب، فيكون جملة المتوفين ثمانية وستين؛ فاقتضى تحريره للعلم وعرضه على الأعتاب السنية، وهذا إشعار بما ذكر.
وأجاب الديوان الخديوي نظارة الجهادية بالخطاب الآتي المؤرخ في 20 جمادى الأول سنة 1281ه/21 أكتوبر سنة 1864م:
اطلعت على الخطاب الوارد منكم بتاريخ 15 جمادى الأولى سنة 1281ه/16 أكتوبر سنة 1864م، نمرة 24، وعلى التقرير والرسم المرسل لكم من جانب الضابط الفرنسي المدعو سيجون الخاص بالأورطة السودانية المصرية التي بمكسيكا، وعلى ترجمتها التي أرسلت إلينا للاطلاع عليهما، كما أني اطلعت على كشف اليومية الوارد من صاغقول أغاسي الأورطة المذكورة بعدد الذين توفوا من العساكر المرسلة، وهو ثمانية وستون نفسا من مجموع أربعمائة وستة وأربعين، وأن الباقي بعد ذلك هو ثلاثمائة وثمانية وسبعون. فحرروا منكم جواب تشكر للمأمور المشار إليه، وعرفوه أنكم لدى عرضكم تقريره علينا أظهرنا رضانا وارتياحنا.
أما الضباط والعساكر الذين توفوا وتركوا عائلات وأولادا يتامى هنا، فيصير ترتيب معاش لهم طبقا للقوانين والأصول المرعية كما اقتضت إرادتنا ذلك للإسراع بتنفيذه. والأوراق التي أرسلتموها صار إعادتها لكم ثانيا، وقد صدر أمرنا هذا وكتب لكم لإجراء ما يلزم.
وكتب قومندان الأورطة إلى سمو الخديوي إسماعيل تقريرا بالمعارك العديدة التي خاضت غمارها. فلما علم سموه ما أحرزته من المجد العسكري وما امتازت به من الشجاعة والإقدام؛ أعلن رضاه التام عنها، وأرسل في 23 جمادى الأولى سنة 1281ه/24 أكتوبر سنة 1864م إلى قائدها الصاغ محمد الماس أفندي الكتاب الآتي:
إلى محمد الماس أفندي وكيل الأورطة السودانية بالمكسيك
قد عرضت على مسامعنا عريضتكم المحتوية على الأخبار التي حصلت منكم ومن ضباط الأورطة السودانية المصرية من الثبات والإقدام في الحرب أمام من قابلكم، وما أبديتموه من الشجاعة والمهارة، وما توجه به الالتفات إليكم من الدولة الفرنسية. ولقد ارتحنا غاية الارتياح لما ظهر منكم حيث حافظتم على الشرف الذي حصلتم عليه من الحكومة المصرية، واستوجبتم أنتم ومن معكم من الضباط جميل الثناء والحمد على ما بدا منكم. وأقصى آمالنا حصول ازدياد نشاطكم واجتهادكم، مع امتثالكم وانقيادكم للأوامر والتنبيهات التي تصدر من جناب الجنرال قائد الجيش الفرنسي، حيث إن حصول سرورنا إنما يكون بحصول سرور الجنرال المشار إليه، وسرور الدولة الفرنسية منكم ومن كل أفعالكم وحركاتكم؛ فإن المودة الأكيدة التي بين الحكومة المصرية والدولة المشار إليها تستوجب حسن المعاملة والمعاونة الصادقة. وبما أنكم مبعوثون من طرف الحكومة المصرية، فيلزمكم بذل ما في وسعكم واقتداركم للحصول على رضاهم ومزيد ارتياحهم. وإن شاء الله تعالى عند ختام مأموريتكم وعودتكم إلى مصر يكون لدينا لخدماتكم المشكورة حسن الوقع والقبول. ومن سلك مسالك الصدق والاجتهاد يسره بلوغ هذا المأمول، وقد صدرت أوامرنا على عرائض الضباط الذين ترقوا بدلا من الناقصين، وها هي مرسلة إليكم لتسلموا كل عريضة إلى صاحبها، مع تبليغهم جميعا شكرنا لحسن صدقهم. وهذا ما لزم إصداره.
وفي أثناء عام 1864م كانت الأورطة المصرية قد خاضت غمار إحدى عشرة معركة.
عام 1865م
حدث في 21 و23 و24 من يناير سنة 1865م ثلاث معارك عظيمة اشتركت فيها الأورطة السودانية المصرية ببسالتها المعتادة. وإليك ما قاله القائد العام للأراضي الحارة في تقريره عنها:
من الصعب العثور على كلام يمكن التعبير به عن بأس هذه الأورطة البارعة وبسالتها وصبرها على الحرمان واحتمال المشاق، وحميتها في إطلاق النيران، وجلدها في المشي.
فلقد قام كل جندي من جنودها في هذه الوقائع الثلاث بواجبه خير قيام. ويرى قائدها أن كافة جنودها تستحق المدح والثناء، غير أنه لفت الأنظار إلى ثلاثة جنود منها أصيبوا بإصابات شديدة، لكني أرى من واجبي أن أذكر أيضا الأشخاص الآتية أسماؤهم:
لقد أبلى الملازم فرج الزيني في هذه الوقائع بلاء حسنا كعادته، وكان يقود المؤخرة، فأعاد إلى الذاكرة ما لم تنسه من حماسته وبسالته في حروبه السابقة.
وأصيب الملازم الأول محمد سليمان بستة جروح من طلقات نارية؛ فبرهن بذلك على إقدامه، وهذا الضابط الذي أنعم عليه بوسام في 20 ديسمبر قد أظهر الآن مقدار جدارته واستحقاقه لهذا الإنعام؛ فألتمس منحه رتبة اليوزباشية.
أما الجنود الأربعة الآتية أسماؤهم فقد أنعم على كل منهم بالوسام العسكري، وهم:
جادين أحمد، ومحمد الحاج، وإدريس نعيم، وعبد الله سودان.
ورأى الخديوي إسماعيل باشا أن يرسل إلى المكسيك أورطة أخرى لتحل محل هذه الأورطة، فأرسل الديوان الخديوي بتاريخ أول شوال سنة 1281ه/27 فبراير سنة 1865م بناء على أمر سموه إلى جعفر باشا حكمدار السودان العام الخطاب الآتي:
انتخبوا من بين العساكر السودانية المنظمة التي بحكمداريتكم مقدارا من العساكر، وشكلوا أورطة كاملة بالفرز والانتخاب، بشرط أن يكونوا شبانا ذوي بنية قوية ومنظر وهيئة حسنة، وأرسلوهم إلينا صحبة صاحب العزة أميرالألاي آدم بك، حيث إن الضرورة تقضي بذلك. وبعد تمام الفرز والانتخاب على الوجه المشروح يصير إرسالهم بطريق سواكن إلينا. وبما أن جلب هؤلاء العساكر من سواكن إلى هنا يحتاج إلى إرسال وابور لاستحضارهم، فيلزم أن تفيدونا سريعا عن تاريخ اليوم الذي يمكن أن يحضروا فيه؛ حتى يمكننا إرسال السفن اللازمة لأخذهم واستحضارهم، ثم انتخبوا بمعرفتكم واحدا من القائمقامية الذين عندكم ليحل محل أميرالألاي آدم بك المومى إليه، وبكباشيا بدلا من القائمقام المنتخب، وصاغا بدلا من البكباشي، ويوزباشيا بدلا من الصاغ، وملازما أول بدلا من اليوزباشي، وملازما ثانيا بدلا من الملازم الأول، وصف ضابط بدلا من الملازم الثاني، مع تحرير العرائض اللازمة لذلك وإرسالها للعرض على أعتاب ولي النعم لتشريفها بالموافقة كمنطوق الإرادة السنية الصادرة بالتحرير لكم عن ذلك لإجراء اللازم.
وفي ذلك الوقت كان أميرالألاي آدم بك المذكور قائد الألاي الأول السوداني في الخرطوم الذي يبلغ مجموعه 81 ضابطا و2190 من صف الضباط والجنود، وترقى بعد ذلك إلى رتبة لواء. وفي سنة 1868م أسندت إليه القيادة العامة للجيوش السودانية.
وفي 2 مارس سنة 1865م دارت رحى معركة طاحنة قتل في معمعانها الماجور مارشال قائد الفرقة. وفي هذه الواقعة أنعم على الأونباشي مرجان مطر، والعساكر رمضان كوكو وعلي إدريس وأنجلو سودان وكوكو سودان، بأوسمة عسكرية، ونوه بأسمائهم.
وأنعم الخديوي إسماعيل باشا بالوسام المجيدي من الدرجة الرابعة على الماجور مارشال مكافأة له على عنايته بشئون الأورطة قبل أن يعلم بوفاته. فكتب الديوان الخديوي إلى نظارة الجهادية في 10 ذي القعدة سنة 1281ه/6 أبريل سنة 1865م الخطاب الآتي:
لمناسبة إهداء البكباشي مارشال من ضباط الدولة الفرنسية الذين بصحبة العساكر السودانية المصرية بمكسيكا النشان المجيدي الرابع، يلزم تحرير الخطاب اللازم للضابط المذكور باللغة الفرنسية، مع إرسال النشان والبراءة إليه بواسطة وزارة الخارجية كمنطوق الفرمان السامي الصادر بذلك. وقد تحرر هذا للإجراء على مقتضاه.
ولما وصل تقرير قومندان الأورطة السودانية، أرسل إليه الخديوي إسماعيل باشا في 16 ذي القعدة سنة 1281ه/12 أبريل سنة 1865م الخطاب الآتي:
أمر عال إلى صاغ أورطة السودان
قد ورد إنهاؤكم بتاريخ 3 شعبان سنة 1281ه، الموافق أول يناير سنة 1865م، يحتوي أنكم ومن معكم قائمون على أقدام الاهتمام، ومنقادون لأمر مأمور الجيش على الدوام؛ فحصل لنا بذلك مزيد السرور والارتياح منكم ومن جميع من معكم من الضباط والعساكر. فعرفوهم أني أريد منهم أن يداوموا على هذا المسلك الحميد والمنهج السديد حتى يعودوا إلى أوطانهم فينالوا الفخر بين إخوانهم. ثم بلغوهم أننا سننظر في ترتيب عساكر ليرسلوا بدلا منهم إلى تلك الجبهة. وإن شاء الله عن قريب يرسل البدل المذكور، وتحضرون أنتم ومن معكم حيث طالت إقامتكم هناك. وعلى حسب التماسكم أهدي إلى البكباشي مارشال النيشان المجيدي الرابع، وأرسل مع الفرمان المتعلق به.
وأتت الأورطة السودانية المصرية في أثناء انتظارها من سيخلفها من الجنود بضروب الشجاعة والإقدام؛ إذ كانت تحتل في متسع من الأرض مساحته 160 كيلومترا سبعة مواقع بعضها ليس به منها أكثر من 30 جنديا. ومع ذلك فقد استطاعت أن تبعث الخوف والذعر في قلوب عصابات تتراوح كل عصابة منها بين 200 و300 وتوقفها عند حدها. وإليك معرب العبارة التي مدح بها قومندان الأراضي الحارة هذه الأورطة:
يا لها من يقظة! ويا لهم من رجال أبطال تملك حب القيام بالواجب أفئدتهم؛ فهم لا ينفكون عن القيام به، حتى إنه لم يحدث مطلقا أن بوغت يوما جندي منهم في نوبة حراسته ووجد غائبا عن محله. وهم من أنفسهم يضاعفون الحرس ليلا إلى ثلاثة أمثاله بدون أمر ما؛ ليأمنوا أية مباغتة.
وفي 19 ذي الحجة سنة 1281ه/15 مايو سنة 1865م، أرسل حضرة صاحب السعادة باشمعاون الديوان الخديوي إلى ممتاز أفندي مأمور الأشغال بسواكن، خطابا بخصوص الأورطة السودانية الجديدة وسفرها من سواكن، وهذا نصه:
بناء على ما سبق تحريره إلى الحكمدارية بخصوص أورطة العساكر المطلوب جلبها، والمكونة من ألف نفس، قد حرر يوم تاريخه الخطاب المرسل طي هذا إلى حضرة صاحب العزة وكيل حكمدارية السودان؛ لأجل أن يبذل الهمة في سرعة إرسال العساكر المذكورة، فعليكم توصيله إليه بغاية السرعة مع مخصوص. وبما أن حضور العساكر المذكورة سيكون عن طريق سواكن، ويلزم الاستعداد لإرسال باخرة إلى سواكن، فعليه حرر هذا الخطاب إليكم إخطارا بما ذكر لإجراء مقتضاه، وأن تتأكدوا من الوقت المناسب لإرسال الباخرة، وإخطارنا بذلك لأجل إرسالها لاستحضارهم.
ولما لم يرد أي نبأ إلى مصر عن إعداد هذه الأورطة؛ أرسل الخديوي نفسه في 15 محرم سنة 1282ه/10 يونيو سنة 1865م ثلاثة كتب بشأن الإسراع في إحضارها:
الأول:
إلى ممتاز أفندي مأمور الأشغال بسواكن، وهذا نصه:
سبق من مدة صدور أمري إلى حكمدارية السودان بترتيب وتجهيز أورطة واحدة مكونة من ألف جندي من العساكر السودانية، وإرسالها بطريق «تاكه» إلى سواكن لترحيلها من هناك إلى مصر، ولاعتقادي القوي بأن الأورطة المذكورة لا بد أن تكون الآن قد وصلت بأجمعها، أو وصل بعض بلوكاتها إلى سواكن، فعلى هذا الأمل القوي قد أبحرت الباخرة «إبراهيمية» رأسا إلى هناك لأخذهم واستحضارهم إلى هنا. فلدى وصولها - سواء أكانت الأورطة بأكملها وصلت أم بعض بلوكاتها - يلزم أن تبادروا بإنزالهم فيها دون انتظار وترسلوهم. أما إذا لم يكونوا قد حضروا إلى الآن، فيلزم أن ترسلوا رسولا من طرفكم بصورة أمري هذا إلى مديرية «تاكه» لاستعجال المدير في سرعة إرسالهم بدون تأخير. ومن أجل ذلك حرر أمري هذا، وأرسل إليكم للإجراء على مقتضاه.
والثاني:
إلى مدير مديرية التاكة، وهذا نصه:
بما أن الباخرة «فرقاطة إبراهيمية» أبحرت في هذه المرة قاصدة إلى سواكن لجلب أورطة العساكر السودانية السابق صدور الأمر بتشكيلها مكونة من ألف جندي مع ضباطها، وسوقها إلى سواكن لترحيلها من هناك إلى مصر، فإذا لم تكن الأورطة المذكورة أرسلت إلى الآن إلى سواكن فبادروا بسرعة إرسالها حالا بدون تأخير ولا دقيقة واحدة. وقد حرر أمرنا هذا وأرسل إليكم من أجل ذلك، مع العلم أننا قد سبق أن حررنا لكم وللحكمدارية بهذا الخصوص، وكنتم تشكون من كثرة العساكر وقلة المحصول. فبناء عليه يجب أن تبادروا بسرعة إرسالهم، وأن تصرفوا لهم التعيينات اللازمة من «تاكه» إلى سواكن بما فيه الكفاية، وملاحظة عدم تركهم فريسة للجوع هناك كما هو مرغوبي.
والثالث:
إلى قائد الفرقاطة «إبراهيمية»، وهذا نصه:
بمجرد وصول أمري هذا إليكم، بادروا بالقيام رأسا إلى سواكن لأخذ واستحضار أورطة العساكر السودانية المكونة من ألف جندي مع ضباطها، حيث سبق من مدة طلب تجهيزها وسوقها بطريق «تاكه» إلى سواكن كالأمر الصادر بذلك لحكمدارية السودان، فلا بد أن تكون الأورطة المذكورة قد وصلت على ما أعتقد. فلدى وصولكم إلى هناك، إذا وجدتم أن الأورطة المذكورة وصلت فخذوها واحضروا بها رأسا إلى هنا. أما إذا لم تجدوها وصلت كلها، بل وصل بعض عساكر بلوكاتها كثيرين أو قليلين فخذوهم واحضروا بهم رأسا إلى هنا دون انتظار باقي من سيحضر منهم. وللمعلومية حرر هذا.
حاشية : «وفي تاريخه صدر الأمر إلى نظارة الجهادية أن ترسل إليكم التعيينات اللازمة لمدة خمسة عشر يوما للصرف منها على العساكر المذكورة أثناء الطريق. فأرسلوا من يلزم لأخذ المئونة المذكورة قبل قيامكم. أما إذا أحوج الأمر إلى مئونة أخرى للعساكر أو البحارة من سواكن مثل لحوم أو خلافه، فلديكم الإذن منا بأخذه من ممتاز أفندي بسواكن.»
وبعد أن أرسلت هذه الأوامر الثلاثة، سافر الخديوي إسماعيل إلى الآستانة، وبمجرد وصوله كتب خطابين بخصوص إعداد الأورطة الجديدة وتسفيرها إلى طولون:
الأول:
إلى صاحب السعادة شريف باشا، وهذا نصه:
سبق أن قامت الباخرة إبراهيمية رأسا إلى سواكن لأخذ واستحضار الأورطة السودانية المكونة من ألف جندي مع ضباطها السابق طلب إرسالهم من جهة السودان إلى مصر. وكان قد صدر الأمر إلى ربان الباخرة بأنه لدى وصوله إلى سواكن، إذا وجد أن الأورطة المذكورة وصلت بأكملها يأخذها ويحضر. أما إذا لم يجدها وصلت بأكملها ووصل منها بعض بلوكات فيأخذهم ويعود رأسا بدون انتظار باقي من سيحضر منهم. ولما كانت الأورطة المذكورة سترسل بدلا من العساكر السودانية التي بمكسيكا، فقد صدرت إرادتنا إلى ناظر الجهادية باتخاذ الإجراءات اللازمة بخصوص تجهيز ما يلزمهم من الأسلحة والمهمات والتعيينات وسائر اللوازم. فلدى وصول الأورطة المذكورة غدا، أو لدى وصول بعض بلوكاتها، أسرعوا حالا باتخاذ اللازم لإتمام ما يلزمهم، مع إجراء اللازم بخصوص ترحيلهم إلى طولون بالباخرة سمنود من بواخر القومبانية العزيزية إذا كانت موجودة، أو بإحدى البواخر الكبيرة المناسبة من بواخر الشركة المذكورة. وإذا كان ربان الباخرة التي ستحمل العساكر من الذين لم يسبق سفرهم في هذا الطريق، لزم أن يكون معه دليل لمرافقته. وقد كتبنا أيضا لجناب قنصل جنرال فرنسا بخصوص إرسال العساكر المذكورة إلى تلك الجهة للعلم بأنهم من العساكر المتوجهين إلى مكسيكا. فإذا كان يرى من المناسب إعطاء خطاب من طرفه لربان الباخرة بهذا الخصوص فلا بأس. ولأجل ذلك حرر هذا الأمر وأرسل إليكم.
حاشية : وابور الشرقية الذي تم عمله بمعرفة قومبانية الشرق لذمة القومبانية العزيزية، لا بد أن يكون قد وصل إلى الإسكندرية من الجهة التي هو بها، أو يحضر بعد بضعة أيام كما هو متوقع. وبما أن ربان الباخرة إنجليزي ومعه بحارة مستعدون، فالأوفق إرسالهم بتلك الباخرة إلى طولون. وقد حرر هذا للعلم والإجراء على مقتضاه.
حاشية أخرى : «إذا كانت العساكر المنتظر حضورها تحضر من سواكن قبل وصول الباخرة المار ذكرها، فلا بأس من تنفيذ الأمر الأول بترحيلهم بإحدى بواخر الشركة العزيزية كما سبق القول.»
والثاني:
إلى صاحب السعادة إسماعيل سليم باشا - ناظر الجهادية - وهذا نصه:
حيث إن الباخرة إبراهيمية أبحرت رأسا إلى سواكن لجلب أورطة العساكر السودانية السابق طلبها من جهة السودان، وهي مكونة من ألف جندي سوداني مع ضباطها، واستحضارها إلى مصر كما علم ذلك، وحيث إن الأورطة المذكورة سترسل بدلا من الأورطة التي بمكسيكا؛ لذلك طلبنا استحضارها لإرسالها إلى مكسيكا، فلدى وصول الأورطة المذكورة أو وصول بعض بلوكاتها، تسلم لهم الأسلحة اللازمة من النوع الجيد. وفي تاريخه كتبنا إلى سعادة شريف باشا بذلك. وتصرف لهم الملابس من صنف التيل المخصص لعساكر المشاة (سترة قصيرة)، بحيث يكون لكل جندي طقمان كسوة وقميص ولباس وزوج جوارب (شرابات) وسجادة وبطانية وكبود، ولكل ضابط كسوة من الكساوي المخصصة للضباط المشاة، وأسبالتات حسب درجة رتبة كل منهم. ويجهز لهم من التعيينات ما يلزمهم أثناء الطريق، وذلك في ظرف مدة قليلة؛ يعني في ظرف يومين أو ثلاثة على الأكثر تكون جاهزة لأجل صرفها لهم، والخيام التي تلزمهم تنتقى من الخيام الجيدة النظيفة. وبعد الانتهاء من تدبير كل ما يلزم لهم، بادروا بمخابرة سعادة شريف باشا بخصوص اللازم نحو سفرهم.
ومع أن الكشف المحرر من طرفنا بما يلزم صرفه للمذكورين مستوفي الشروط، إلا أني أخشى أن أكون قد نسيت سهوا درج شيء ما يلزم لهم مما لم يخطر ببالي، فيجب أن تلاحظوا ذلك حيث إنكم أدرى مني في مثل هذه الأحوال بما يلزم للسفريات بمقتضى وظيفتكم. فإذا لاحظتم أي نقص يلزم مداركته في الحال، ويجب أيضا الاعتناء التام بنظام العساكر؛ حتى يكونوا بهيئة نظيفة ومنظر جميل مستكملين الشروط اللائقة بالشرف العسكري.
بناء عليه صدر أمرنا هذا لكم للإجراء على مقتضاه.
حاشية : «البنادق التي تصرف للعساكر تكون من نوع الششخانة المقلوب، مع صرف ماهية ثلاثة أشهر للضباط والعساكر .»
حاشية أخرى : «لا تصرفوا ذخائر للعساكر.»
وفي 8 صفر سنة 1282ه/3 يوليو سنة 1865م، أرسل صاحب السعادة شريف باشا رسالة برقية إلى صاحب السعادة رياض باشا بالآستانة؛ ليرفعها إلى صاحب السمو الخديوي إسماعيل، يقول فيها: إن الفرقاطة إبراهيمية رجعت فارغة بسبب ظهور الكوليرا في سواكن.
فكتب إليه الخديوي إسماعيل في 12 صفر سنة 1282ه/7 يوليو سنة 1865م الخطاب الآتي:
علم من التلغراف الوارد منكم بتاريخ 8 صفر سنة 1282ه، الموافق 3 يوليو سنة 1865م، أن الباخرة إبراهيمية التي ذهبت إلى سواكن عادت فارغة من هناك؛ بسبب أن الأورطة السودانية التي كلفت باستحضارها غير موجودة. فإذا كان الأمر كذلك، فقد كان الواجب يقضي عليها بانتظارهم هناك حسب الأمر، أو أن السبب ظهور المرض هناك؟ لم أفهم الحقيقة فعرفوني حالا وسريعا بخطاب مفصل عن كيفية الحالة.
والمفهوم الآن أن استحضار الأورطة المذكورة من هذا الطريق سيطول أمره، مع أن المطلوب استحضارها بغاية السرعة اليوم قبل غد. فبناء عليه أسرعوا بترحيل صاحب السعادة جعفر باشا حكمدار السودان إلى محل مأموريته بطريق أسوان، وبالطبع لدى ذهابه سيمر على دنقلة وبربر، ولدى وصوله هناك يمكنه بغاية السرعة أن يفرز من أرط العساكر السودانية الموجودة هناك العدد المطلوب لتشكيل الأورطة المطلوبة وإرسالها سريعا بطريق النيل بسبب فيضانه الآن، وبذلك يمكن حضورهم بغاية السهولة. فلأجل حضور الأورطة المذكورة بالصورة المار ذكرها بغاية السرعة يجب اتخاذ ما يلزم من جهتكم أيضا بإجراء التسهيلات والتشهيلات اللازم إجراؤها حتى يتم المقصود كما سبق وعرفناكم تلغرافيا بذلك. فيجب إعطاء التعليمات الخاصة بذلك لحضرة صاحب السعادة جعفر باشا - حكمدار السودان - وإجراء التشهيلات اللازمة بكل همة لحضور الأورطة المطلوبة في أقرب وقت إلى مصر كما هو مرغوبي.
حاشية : «إننا وإن كنا أخطرناكم قبل الآن تلغرافيا بالاحتياطات اللازم عملها بالاتفاق مع الأطباء للمحافظة على صحة البحارة بالباخرة إبراهيمية، إلا أنه خوفا من حدوث تحريف بالتلغراف أو تأخير، أرسلنا صورته طيه للاطلاع والعلم بما فيه لإجراء اللازم وتنفيذه.»
فرد صاحب السعادة شريف باشا على هذه المكاتبة بخطاب أرسله إلى رياض باشا في 17 صفر سنة 1282ه/12 يوليو سنة 1865م لعرضه على سمو الخديوي إسماعيل هذا نصه:
قد اطلع هذا العاجز على الإرادة السنية الصادرة من ولي النعم بالاستفهام عن أسباب عودة الباخرة «إبراهيمية» فارغة، وعدم انتظار ربانها هناك حسبما تقضي به مأموريته، وعلى الأمر بسرعة إرسال الأورطة السودانية المراد إحضارها من السودان بمعرفة حكمدار السودان وفرزها من العساكر الذين بدنقلة وبربر، وسوقها إلى مصر لما في ذلك من السرعة. وبناء على ما ورد من وكيل حكومة السودان من أنه طبقا للأمر العالي السابق صدوره قد فرزت الأورطة المذكورة من العساكر السودانية الموجودة في مواقع متعددة، وشرع في سوقها إلى جهة سواكن، ومن المنتظر أن تجتمع كلها بسواكن في 15 ربيع الأول سنة 1282ه، الموافق 8 أغسطس سنة 1865م، قد أرسلت إليه تعليمات بالتلغراف لوضع العساكر الجاري سوقها في المواقع المناسبة بمديرية تاكه وسوقها إلى سواكن، مع أنه ورد خبر بظهور وباء بسواكن. وعلى هذا الحساب يكون معظم العساكر المذكورة مجتمعا الآن بمديرية «تاكه»، وبناء عليه كان استصوب أن تقوم الباخرة «إبراهيمية» لغاية 8 ربيع الأول سنة 1282ه، الموافق أول أغسطس سنة 1865م، وتسافر إلى سواكن، وصمم على ذلك، ولكن الآن إذا اتبع السير طبقا للإرادة السنية الصادرة من حضرة ولي النعم، فإن وصول العساكر المذكورة إلى هنا سيتأخر مدة أخرى؛ ولذلك اضطررنا إلى عرض الكيفية انتظارا لما تقضي به الإرادة السنية. أما بخصوص عودة الباخرة «إبراهيمية» فارغة وعدم انتظارها هناك، فإن ظهور وباء بسواكن وإصابة بحارتها بالعدوى، وكذلك عدم الحصول على خبر عن وصول العساكر؛ كل ذلك جعل الربان يفضل العودة على الانتظار هناك مدة طويلة. وقد توفي ثلاثة من البحارة في أثناء سفرها إلى السويس. والسبب في أصوبية وضع الحجر على البحارة داخل هذه السفينة عند وصولها إلى السويس هو أنه نظرا لضرورة اجتناب الشمس في أثناء هذا المرض قد رئي أفضلية إبقاء البحارة بها مراعاة لصحتهم وراحتهم، بدلا من الحجر عليهم تحت الخيام في أمكنة حارة غير طلقة الهواء.
والآن لله الحمد صحة البحارة جيدة، ومع ذلك فقد حرر هذا لسرعة عرضه على الأعتاب العلية، وما تصدر به الإرادة السنية في هذا الخصوص سيبادر باتباعه وتنفيذه.
وفي 12 أغسطس سنة 1865م، أرسل الملازم صالح حجازي على رأس عشرين جنديا من فيراكروز لتعزيز أحد المواقع، وبينما هو وجنوده سائرون، انقض عليهم في طريقهم مائتا مكسيكي، فلم تجزع هذه الكتيبة الصغيرة، وأصلت العدو نارا حامية أوقعته في حيرة وارتباك. ثم انتهزت فرصة حيرته هذه والتجأت إلى مغار، ولكن سرعان ما طوقها الأعداء من كل صوب وأخذوا في مهاجمتها، إلا أنها صدتهم وحالت دون دنوهم منها إلى أن أتى جنود أنقذوها.
وفي 5 جمادى الأولى سنة 1282ه/26 سبتمبر سنة 1865م، أرسل الديوان الخديوي إلى نظارة الجهادية قائمة الضباط الذين صدر الأمر بترقيتهم في هذه الأورطة.
فأجابته بتاريخ 8 جمادى الأولى سنة 1282ه/29 سبتمبر سنة 1865م بهذه الإفادة:
عدد
1
اليوزباشي محمد الماس أفندي ترقى إلى رتبة بكباشي بدلا من جبر الله أفندي البكباشي المتوفى
1
الملازم الأول محمد سليمان أفندي ترقى إلى رتبة يوزباشي بدلا من محمد الماس أفندي اليوزباشي
1
الملازم الثاني خليل أفندي ترقى إلى رتبة ملازم أول بدلا من محمد أفندي سليمان الملازم الأول
1
الباشجاويش فضل الله أفندي ترقى إلى رتبة ملازم ثان بدلا من خليل أفندي فني الملازم الثاني
4
قد صار تحرير العرائض الرسمية الخاصة بترقية الضباط الأربعة المذكورين المستحقين للترقية من ضباط العساكر السودانية المصرية الذين بمكسيكا، كنص الفرمان العالي الصادر بذلك والمبلغ لنا بإفادة سعادتكم بتاريخ 5 جمادى الأولى سنة 1282ه، الموافق 26 سبتمبر سنة 1865م نمرة 39. وها هي العرائض بعد تحريرها قد أرسلت إلى سعادتكم حسب الأمر.
وفي 19 جمادى الأولى سنة 1282ه/10 أكتوبر سنة 1865م، أرسل الخديوي إسماعيل إلى صاحب السعادة علي غالب باشا - قائد لواء المشاة المؤلف من الألايين الخامس والسادس - أمرا بسرعة إحضار عساكر الأورطة السودانية الجديدة التي ستحل محل الأورطة التي بالمكسيك، وها هو:
الألف عسكري الجاري فرزهم بمعرفة حضرة صاحب السعادة جعفر باشا - حكمدار السودان - من بين العساكر السودانية الذين بجهات «دنقلة» و«بربر» والذين سيرسلون إلينا، مطلوب حضورهم في أقرب وقت ممكن لشدة لزومهم. ولمناسبة صدور أمري هذا إليكم أيضا لإجراء المساعدة اللازمة من طرفكم والتشهيلات الممكنة، وعدم تأخير أو توقيف العساكر التي سيرسلها أثناء الطريق، وأن ترسلوهم أولا فأولا دون انتظار بعضهم بعضا، مع سرعة إرسالهم إلى جهة «كورسكو» وإركابهم المراكب من هناك، وإرسالهم حالا إلينا. وللإحاطة حرر أمري هذا وأرسل إليكم.
وفي شهر أكتوبر من هذا العام، أرسل بلوك لعقاب فرقة من الأعداء يربو عددها على ثلاثة أضعافه، كانت قد أخرجت قطارا عن الطريق وذبحت المسافرين به ومن معهم من النساء، فهزمها وولت الأدبار بعد أن منيت بخسائر فادحة. وقد نوه قومندان الأراضي الحارة بأسماء: الملازم الثاني عبد الرحمن موسى، والأونباشي محمد سليمان، والجندي علي سليمان؛ لما أبدوه من الحمية والجرأة. وقد نالوا على أثر ذلك أوسمة عسكرية.
وكان قد تقرر من مدة إنشاء كوكبة راكبة مؤلفة من خمسين فارسا من جنود الأورطة السودانية المصرية؛ لتقوم بالاستكشاف وحراسة السكة الحديدية على الأخص، على أن تعامل معاملة المساعدين المكسيكيين من حيث الراتب، فيستولي أفرادها على مكافأة إضافية من بلدية فيراكروز نظير معاونتهم لشرطة المدينة.
وظهرت بعد زمن يسير أصالة هذه الفكرة والفائدة التي يستطاع جنيها منها. ولما كان السوداني المصري بطبيعته مطواعا وفارسا مقداما، فقد أبدى الذين وقع الاختيار عليهم لأداء هذه الخدمة الجديدة حماسة وجدا متواصلا، وأظهروا كل المؤهلات التي صيرتهم مثالا حسنا للجنود الفرسان، فتألفت منهم كتيبة من خيرة الكتائب.
وفي غضون شهر ديسمبر سنة 1865م، بلغ قائد فيراكروز أن إمبراطورة المكسيك ستمر بها في ذهابها إلى اليقطان (إحدى ولايات المكسيك)؛ فاتخذ الاحتياطات اللازمة لاستتباب النظام وتأدية مراسم التشريفات لدى وصولها إلى الأراضي الحارة.
وفي صبيحة 14 منه، سافر حرس مؤلف من ثلاثين جنديا من الأورطة السودانية المصرية بالقطار المخصوص الذي ركبه الحاكم والأعيان الذين وفدوا لمقابلة جلالتها.
ولما وصلت إلى فيراكروز، أطلق رجال مدفعية الأورطة بقيادة أحد ضباطها واحدا ومائة مدفع إكراما لجلالتها. وتألف من الحامية المؤلفة من جنود الأورطة وجنود آخرين صفان من المحطة إلى القصر، وأقيم قره قول شرف من خمسين جنديا من جنود الأورطة في القصر بقيادة يوزباشي وملازم.
ولما كانت الإمبراطورة قد أزمعت مبارحة فيراكروز في صباح الغد، فقد سافرت قبلها كوكبة الفرسان السودانية المصرية لتستكشف الطريق وتصطف على طول السكة الحديدية. ولم تلبث الإمبراطورة سوى بضعة أيام. ولدى إيابها عمل لها جميع ما عمل من التشريفات والاحتفالات عند مرورها بفيراكروز. ولما رجعت إلى مكسيكو، أعربت للإمبراطور مكسيميليان عن رضاها وارتياحها لهندام الجنود السودانية ومؤهلاتهم العسكرية التي حازت إعجاب جميع رجال البلاط؛ فتكرم الإمبراطور وأعلن عطفه السامي عليهم بمنح كل جندي من جنود الأورطة علاوة يومية على الراتب قدرها
سنتيما (1,15ج تقريبا)، وأنعم على الضباط ببعض الأوسمة المكسيكية.
وقد خاضت الأورطة في غضون عام 1865م غمار ثماني عشرة معركة.
عام 1866م
انتهت أدوار الوقائع الحربية الكبرى على أثر انقضاء العام الفارط. وكان من المعتزم تمضية الأشهر الأولى من هذا العام الجديد في توطيد إدارة منظمة في الأقاليم، والإقبال على تنمية قوات الإمبراطورية الجديدة وتعزيزها. لكن حال دون ذلك انضمام أحزاب جديدة في كل يوم إلى رجال الفوضى وعصابات اللصوص، فكان ذلك باعثا إلى زيادة تقدير الخدم الجلى التي كانت تقوم بها الأورطة السودانية المصرية يوميا. ولم يستتب الأمن في المنطقة المخفورة بالنقط التي يحتلها هؤلاء الجنود إلا بفضل مواظبتهم على مطاردة تلك العصابات المتحازبة. وكثيرا ما كانت تنقلب هذه المطاردات إلى حرب عوان تنتصر فيها دوما الجنود السودانية المصرية مع قلة عددهم في كل المرات عن عدد أعدائهم.
وفي بداية عام 1866م، لم تكن الأورطة السودانية المصرية الجديدة قد استعدت بعد للذهاب إلى المكسيك لتحل محل الأورطة السودانية التي بها، مع أن الخديوي إسماعيل أصدر في 10 ذي القعدة سنة 1282ه/27 مارس سنة 1866م أمرا إلى وكيل الشركة العزيزية «الشركة الخديوية فيما بعد» ليصدر التعليمات اللازمة لنقل جنود الأورطة الجديدة إلى مصر، وهذا نصه:
علمنا من الخطاب الوارد من حضرة صاحب السعادة جعفر باشا - حكمدار السودان - أنه أرسل من «تاكه» إلى ميناء سواكن أربعمائة جندي سوداني مع عائلاتهم لإرسالهم إلى مصر. ولمناسبة عدم وجود ركاب أو بضائع بكثرة في هذا الأوان بجدة لنقلهم إلى السويس، فبدلا من عودة بواخر الشركة التي بجدة ببعض ركاب أو بضائع قليلة، يمكن لإحدى بواخر الشركة التي بجدة أثناء العودة المرور على سواكن وأخذ هؤلاء العساكر منها وأيضا البضائع التي تجدونها، وذلك أفضل من عودتها فارغة، وبذلك تستفيد الشركة. وقد حرر هذا لإصدار التعليمات اللازمة.
ورغم كل هذه الأوامر والتعليمات، لم تسافر هذه الأورطة إلى المكسيك لمجاوزة مدة تجهيزها الحد المألوف بسبب ما حدث من الطوارئ، ولما تبين أن الحرب أوشكت أن تضع أوزارها، وأن الأورطة التي بها قد دنا رجوعها إلى وطنها.
وفي يوليو سنة 1866م مرت الإمبراطورة بفيراكروز لتبحر منها إلى أوروبا، ولم يكن بهذه المدينة من الجنود غير عساكر الأورطة السودانية المصرية لتأدية التشريفات اللازمة لها.
وفي ليلة 25 يوليو سنة 1866م، هاجمت فرقة مؤلفة من 200 مكسيكي نقطة يحتلها 26 جنديا من جنود الأورطة السودانية المصرية. ورغم أن الهجوم عليهم كان فجأة مع قلة عددهم، فقد استمرت رحى الحرب دائرة إلى الساعة
صباحا. ثم انسحب العدو تاركا في حومة الوغى تسعة من القتلى وعددا كبيرا من الجرحى.
وإليك ما قاله قومندان الأراضي الحارة في تقريره عن هذه المعركة:
لقد استحقت الفرقة السودانية المصرية جزيل المدح والثناء لسلوكها العجيب.
وقد نال اثنان من جنودها وسام الحرب، وهما: بخيت إبراهيم الشربيني، وبخيت بركة.
وكان العدو يزداد جرأة وإقداما يوما بعد يوم ، فرئي أنه من أصالة الرأي تحصين مدينة فيراكروز. وقد قامت الأورطة السودانية المصرية بالشطر الأكبر في هذا العمل.
وفي 15 أغسطس سنة 1866م، أقيم استعراض بمناسبة عيد الإمبراطور نابليون الثالث، فانتهزت هذه الفرصة للاحتفال بتسليم الجنود السودانية المصرية الأوسمة الفرنسية التي اكتسبتها ببطولتها في وقائع هذه الحرب. ثم حدثت بعد ذلك عدة وقائع بلغ بها عدد المعارك التي اشتبكت فيها الأورطة السودانية المصرية إحدى عشرة معركة في سنة 1866م.
عام 1867م
كان قد تقرر في سنة 1866م جلاء الجيوش الفرنسية التي في المكسيك، فأخذت تنسحب من 13 يناير سنة 1867م، وتم جلاؤها في 12 مارس من هذه السنة.
ولما كان تعداد جميع الأعمال الحربية التي قامت بها الأورطة السودانية المصرية بالمكسيك في كل مدة إقامتها أمرا يطول شرحه، فقد اكتفيت مع رغبتي الزائدة في توفية هذا الموضوع حقه بما ذكرته من أعمالها الهامة آنفا. وأضيف إلى ما سبق ذكره أنها اشتركت في 48 واقعة حربية في المدة التي قضتها هناك من 23 فبراير سنة 1863م إلى 12 مارس سنة 1867م؛ أي أربع سنوات وسبعة عشر يوما، وأنها فازت على أعدائها في جميع المعارك مع أنها كانت دائما أبدا أقل منهم عددا. وقد نيطت بها فوق ذلك أعمال أخرى قامت بها خير قيام.
أما المدائح المستطابة التي وجهت إليها من السلطات الفرنسية المختلفة عقب كل معركة فكثيرة جدا، وهي تشرف بالطبع الجيش المصري الذي هي جزء منه إلى أقصى حدود التشريف.
ولما أخذت الأورطة في الرحيل أبحرت من فيراكروز في 12 مارس سنة 1867م، ووصلت إلى «سانزير» ثم إلى باريس في أواخر شهر أبريل.
وكانت في مدة إقامتها بباريس تحت قيادة المارشال قائد الحرس الإمبراطوري، فقدمها بنفسه إلى الإمبراطور نابليون الثالث. وعندما استعرضها جلالته في 2 مايو سنة 1867م في الساعة الثالثة بعد الظهر، كان بمعيته صاحب السعادة جاهين باشا - ناظر الجهادية المصرية - وكان يزين صدور عدد كبير من ضباطها وجنودها وسام «لاكروا دي لا ليجيون دونور»، أو وسام الحرب، وكان هندامهم جميلا أنيقا لا عيب فيه. وقبل انصرافهم هنأ جلالته قائد الأورطة البكباشي الماس أفندي بمقدرة عساكره وأهليتهم، ووزع بيده على الذين أصيبوا بجروح - وكانوا كثيرين - المكافآت. أما البكباشي الماس أفندي الذي كان حائزا لرتبة «شفالييه دي لا ليجيون دونور» منذ 20 أبريل سنة 1864م، فقد منح في هذا اليوم وسام «لا كروا دوفسييه».
ثم غادرت الأورطة فرنسا، ووصلت إلى الديار المصرية وعددها 313 بعد أن كانت 453؛ فتكون خسارتها 140 نفسا.
وفي 28 مايو سنة 1867م، استعرضها الخديوي إسماعيل في فناء قصر رأس التين بالإسكندرية. وفي مساء هذا اليوم أقام لها لطيف باشا - ناظر البحرية - حفلة حافلة رأسها شريف باشا، جمعت ضباط الأورطة والضباط الفرنسيين المقيمين بالإسكندرية والمارين بها، وحضرها قنصل فرنسا العام، وموظفو القنصلية، وقائد الأسطول الفرنسي، وكثير من عظام الضباط المصريين. وكانت قاعة الاحتفال مزينة بالأعلام الفرنسية والمصرية.
وفي اليوم التالي لإقامة هذه المأدبة أرسل صاحب السمو الخديوي إسماعيل إلى ناظر الجهادية الأمر الآتي بتاريخ 25 محرم سنة 1284ه/29 مايو سنة 1867م، متضمنا الترقيات التي تعطف فأحسن بها إلى الضباط وضباط الصف بمناسبة الخدم الجليلة القيمة التي قاموا بأعبائها في المكسيك؛ تلك الخدم التي ترفع مجد مصر وشرف جيشها:
إنه بحضور الأورطة السودانية التي كانت بمكسيكا وحصر مقدارها، وجدت 313 جنديا بما فيهم الضباط والصف ضباط بموجب كشف تقدم من بكباشي وضباط الأورطة. فأما الضباط والصف ضباط فقد أحسنا عليهم بإصعادهم إلى رتب، والذين منهم من رتبة الصاغقول أغاسي فصاعدا قد أصدرنا لهم البيورلديات حسب رتبهم، والذين من رتبة اليوزباشي أصدرنا لهم أوامر خصوصية. وأما من ترقوا إلى رتبة الملازمين وإلى رتبة المساعد فهؤلاء يعطى لهم إعلانات من ديوان الجهادية تشعر بترقيتهم وإصعادهم إلى رتبهم. وبمعرفة الجهادية يجري اعتبار كل بالرتبة التي صار إصعاده إليها حسب الموضح بالكشف طيه. وأما الجنود فقد أصدرنا أمرنا في تاريخه إلى راتب باشا فريق عساكر الغارديا (الحرس) بأن يجري إصعادهم إلى رتب باشجاويشية وجاويشية حسب ما يراه فيهم من اللياقة والاستعداد والقابلية، وما يجريه يصير اعتماده بالجهادية. ثم من حيث إنه يوجد بالأورطة المذكورة أشخاص سقط من الأونباشية الذين ترقوا مساعدين، ثم من الأنفار الذين سيترقون جاويشية وباشجاويشية بمعرفة راتب باشا، فهؤلاء يصير اعتبارهم بالرتب التي صار وسيصير إصعادهم إليها، وتحسب لهم ماهياتهم وتعييناتهم وكساويهم، ويربط لهم ذلك معاشا، ويخصص لهم محل في طرا لإسكانهم وتوطنهم فيه. وهذا ما لزم إصداره إليكم لاعتماد الإجراء بمقتضاه.
وهذا هو الكشف المنوه عنه في هذا الأمر:
عدد
1
البكباشي محمد أفندي الماس
ترقى إلى رتبة أميرألاي
برنجي بلوك.
عدد
ضباط
1
اليوزباشي حسين أحمد
ترقى إلى رتبة بكباشي
1
الملازم الأول فرج عزازي
ترقى إلى رتبة صاغقول أغاسي
1
الملازم الثاني فضل الله حبيب
ترقى إلى رتبة يوزباشي
1
الباشجاويش عبد الله سودان
ترقى إلى رتبة ملازم أول
4
عدد
جاويشية
1
حديد فرحات
ترقوا إلى ملازمين ثانين
1
حسن أحمد
1
مرجان سليمان
1
مسعود طاووس
4
عدد
أونباشية
1
أمين عزت
ترقوا الى رتبة مساعدين
1
مرجان كورمكره
1
علي سليمان
1
مرسال رجب
1
جبر حماد
1
مرجان يوسف حسام الدين
1
محمد سليمان
1
سلطان عبد الله
1
فرج وني
9
2 جي بلوك.
عدد
ضباط
1
محمد سليمان يوزباشي باق بفرنسا
ترقى إلى رتبة بكباشي
1
الملازم الأول خليل فني
ترقى إلى رتبة صاغقول أغاسي
1
الملازم الثاني الفود محمد
ترقى إلى رتبة يوزباشي
1
الباشجاويش بخيت بتراكي
ترقى إلى رتبة ملازم أول
4
عدد
جاويشية
1
فرج أحمد هاشم
ترقوا الى رتبة إلى ملازمين ثانين
1
فرج بدوي
1
الحاج عبد الله حسين
1
بشير محمد قبطان
4
عدد
أونباشية
1
محجوب حبيب أونباشي بلوك أمين
ترقوا إلى رتبة مساعدين
1
عبد المولى أحمد سودان
1
أبو عنين بخيت
1
فرج يوسف السيد
1
عبد الخير إدريس
1
فضل المولى الغرباوي
1
عبد الجبار بخيت
1
بخيت بدر
1
حامد آدم
9
3 جي بلوك.
عدد ضباط
1
الملازم الأول فرج محمد الزيني
ترقى إلى رتبة صاغقول أغاسي
1
الملازم الثاني محمد علي
ترقى إلى رتبة يوزباشي
1
الباشجاويش عيد راضي سودان
ترقى إلى رتبة ملازم أول
3
عدد جاويشية
1
مرجان محمد الجمال
ترقوا إلى رتبة ملازمين ثانين
1
سليمان علي الخضري
1
بخيت أحمد
1
مرجان شريف
1
سرور بهجت
5
عدد أونباشية
1
زايد سعيد
ترقوا إلى رتبة مساعدين
1
سرور محمد عبد الله
1
كوكو آدم كباشه
1
إدريس عيسى
1
مرسال عبد الله راضي
1
مرسال محمد الكوه
1
بلال محمد
1
محمد بحر
8
4 جي بلوك.
عدد ضباط
1
الملازم الأول صالح حجازي
ترقى إلى رتبة صاغقول أغاسي
1
الملازم الثاني عبد الرحمن موسى
ترقى إلى رتبة يوزباشي
1
الباشجاويش عبد الله سالم
ترقى إلى رتبة ملازم أول
3
عدد جاويشية
1
مرجان سليمان شريف
ترقوا إلى رتبة ملازمين ثانين
1
مرجان علي الديناصوري
1
أبو بكر الحاج محمد
1
سليم سيد أحمد
1
البلوك أمين مبروك عبد الله
5
عدد أونباشية
1
حسام النوه
ترقوا إلى رتبة مساعدين
1
عبد الله علي
1
محمد الحاج خليل
1
سيد أحمد حمزة
1
عبد الله علي عصر
1
بخيت أبو العنين
1
سعيد معوض سليمان
1
بخيت مسلم
8
بيان لما قبله.
عدد
1
أميرألاي
2
بكباشية
4
صاغقول أغاسية
4
يوزباشية
4
ملازمين أول
18
ملازمين ثانين
34
مساعدين
67
وهذه نسخة بيورلدي أميرألاي الموجهة من لدن سمو الخديوي إلى محمد الماس أفندي:
افتخار الأكابر والأكارم محمد الماس بك الذي كان بكباشي الأورطة السودانية المصرية التي كانت بمكسيكا، ورقي إلى رتبة أميرألاي زيد علوه.
بما أنه من عادتنا المألوفة، وسجيتنا المعروفة، مكافأة ذوي الاجتهاد، وأرباب الصداقة والرشاد، وتبليغهم المراد. وقد سرني ما بدا في جهات مكسيكا من الفرقة المصرية التي قمت بحسن إدارتها، وما شهدت لها به الألسن في ميادين القتال، من براعتها في فنون الحروب ومهارتها إعلاء لشأن الراية العسكرية، وإعلانا لشرف العساكر المصرية، مع غربة الأوطان وتباعد المكان. وسرني أيضا ما ثبت لها من الأخلاق البهية، والسيرة المرضية، والاستقامة الكلية. كما سرني الآن عودة هذه الفرقة للديار، رافعة أعلام الفخر والمسرة والاستبشار. فشرفتك برتبة أميرألاي تكريما لشأنك، وإعلاء لقدرك بين إخوانك وخلانك، وتحسينا لخدمتك التي أديتها، ومكافأة لك على حسن همتك التي أبديتها، وإعلاما بمزيد التفاني إليك، وترادف حسن أنظاري عليك. فاعرف لهذه النعمة حق قدرها، ودم على ما عهد فيك من الصداقة والاستقامة قياما بشكرها، واجتهد فيما يزداد به حسن حالك ومآلك، وترقيك في بلوغ آمالك، إلى غاية كمالك.
وهذه أيضا نسخة بيورلدي الرتب المنعم بها من سمو الخديوي على كل من الضباط الآتية أسماؤهم، وهم:
الأسماء
الرتب المنعم بها
حسين أحمد أفندي
بكباشي
محمد سليمان أفندي
بكباشي
فرج عزازي أفندي
صاغ
خليل فني أفندي
صاغ
فرج محمد الزيني أفندي
صاغ
صالح حجازي أفندي
صاغ
فضل الله حبيب أفندي
يوزباشي
الفود محمد أفندي
يوزباشي
محمد علي أفندي
يوزباشي
عبد الرحمن موسى أفندي
يوزباشي
بما أن من عاداتنا المرعية مكافأة ذوي الصداقة والحمية، قد سرني ما بدا في جهات مكسيكا من الفرقة المصرية، التي أنت من جملتها، وما ثبت لها من البراعة على مقتضى الشجاعة الفطرية المركوزة في جبلتها؛ إعلاء لشأن الراية العسكرية، وإعلانا لشرف العساكر المصرية، مع غربة الأوطان، وتباعد المكان. وسرني أيضا ما شهدت لها به الألسن من الأخلاق البهية، والسيرة المرضية، والاستقامة الكلية . فلزم أن أكافئ كل أحد على صدق اهتمامه، وأعامل كل واحد بما يستحقه من مزيد إكرامه. فشرفتك برتبة ... تحسينا لخدمتك، ومكافأة لك على حسن استقامتك، فاعرف قدر ذلك، ودم على أحسن المسالك.
وكتب أيضا صاحب السمو الخديوي بالتاريخ عينه إلى الفريق راتب باشا - قائد الحرس - بصدد ترقية جنود الأورطة؛ ليمنحهم المكافآت على هذه الخدم القيمة التي قاموا بها في حرب المكسيك، الأمر الآتي:
إن الأورطة السودانية التي حضرت من مكسيكا، وجرى حصر تعدادها، وجدت 313 شخصا بما فيهم الضباط والصف ضباط، حسب ما علم من الكشف الذي تقدم من بكباشي وضباط الأورطة. فأما الضباط والصف ضباط، فقد أحسنا عليهم بإصعادهم إلى الرتب التي تعلقت إرادتنا بإصعادهم إليها حسب ما يعلم من الكشف المرفوق معه. وأما الأنفار فهؤلاء تجرون إصعادهم بمعرفتكم إلى رتب باشجاويشية وجاويشية حسب ما ترونه في كل منهم من اللياقة والاستعداد والقابلية كما أفهمناكم شفهيا، وترسلون كشفا بذلك إلى ديوان الجهادية؛ ليجري اعتماده حسبما صدر أمرنا لوكيل الجهادية في تاريخه. وهؤلاء بما فيهم الأشخاص السقط أيضا، حيث بإصعادهم إلى الرتب التي يصعدون إليها يصير معاملتهم بالجهادية حسب ما توضح بأمرنا الصادر إليها. وبذلك لزم إصداره لكم للإجراء بمقتضاه.
وهذا كشف بأسماء ورتب أفراد الجهادية التابعين إلى 19 جي ألاي بياده الحاضرين من مكسيكا، وترقوا بناء على استحقاقهم:
برنجي بلوك.
عدد
أسماء وألقاب
الرتب القديمة
الرتب الجديدة
1
فرج صدقي
ترنبيته جي
جاويش
1
عبد النبي عبد الكريم
بروجي
جاويش
1
علي إدريس
برنجي نفر
باشجاويش
1
إبراهيم شيحه
برنجي نفر
باشجاويش
1
علي مهله
برنجي نفر
باشجاويش
1
وادي الشريف
برنجي نفر
باشجاويش
1
إبراهيم عبد الرحمن
برنجي نفر
باشجاويش
1
علي إبراهيم
برنجي نفر
باشجاويش
1
رمضان كوكو
برنجي نفر
باشجاويش
1
سعيد الضو
برنجي نفر
باشجاويش
1
نافع سودان
برنجي نفر
باشجاويش
1
بخيت أحمد
برنجي نفر
باشجاويش
1
كوكو سودان
برنجي نفر
باشجاويش
1
جاه الله عبد الله
برنجي نفر
باشجاويش
1
الحاج حسن سدير
برنجي نفر
باشجاويش
1
مرجان رافع
برنجي نفر
باشجاويش
1
محمد عبده
برنجي نفر
باشجاويش
1
جابر آدم
برنجي نفر
باشجاويش
1
محمد حامد
نفر عادة
جاويش
1
عمر محمد
نفر عادة
جاويش
1
أنجلو حبيب الله
نفر عادة
جاويش
1
بخيت محمد
نفر عادة
جاويش
1
رزق سعيد
نفر عادة
جاويش
1
نور كومي
نفر عادة
جاويش
1
خير الله محمد
نفر عادة
جاويش
1
إبراهيم رمضان
نفر عادة
جاويش
1
بشارة محمد
نفر عادة
جاويش
1
بخيت فضل الله
نفر عادة
جاويش
1
مرسال محمد سر الدين
نفر عادة
جاويش
1
خميس محمد
نفر عادة
جاويش
1
كوكو سودان
نفر عادة
جاويش
1
عبد الخير خميس
نفر عادة
جاويش
1
محمد أحمد
نفر عادة
جاويش
1
بخيت أحمد
نفر عادة
جاويش
1
خليفة سودان
نفر عادة
جاويش
1
بخيت خميس
نفر عادة
جاويش
1
فتح الله عبد الله
نفر عادة
جاويش
1
علي يوسف
نفر عادة
جاويش
1
محمد عبد الرحمن
نفر عادة
جاويش
1
سليمان آدم
نفر عادة
جاويش
1
محمد علي عبد الكريم
نفر عادة
جاويش
1
كودي الفيل
نفر عادة
جاويش
1
سعير الجيش
نفر عادة
جاويش
1
محمد موسى
نفر عادة
جاويش
1
علي إبراهيم
نفر عادة
جاويش
1
أرباب عبد الجليل
نفر عادة
جاويش
1
مرسال سودان
نفر عادة
جاويش
1
بلال محمد
نفر عادة
جاويش
1
رحمة آدم
نفر عادة
جاويش
1
حمد علي
نفر عادة
جاويش
1
فرج سالم النقي
نفر عادة
جاويش
1
خير عبد الله
نفر عادة
جاويش
1
عبد النضرة مرجان
نفر عادة
جاويش
1
جامع محمد
نفر عادة
جاويش
1
مبروك نسيم
نفر عادة
جاويش
1
أحمد عبد الله
نفر عادة
جاويش
1
أمان عبده أغا
نفر عادة
جاويش
1
مرسال آدم
نفر عادة
جاويش
1
زائد قزقز
نفر عادة
جاويش
1
كوكو سنداله
نفر عادة
جاويش
1
عبد الله دائم
نفر عادة
جاويش
1
سرور حسن
نفر عادة
جاويش
62
إيكنجي بلوك.
عدد
أسماء وألقاب
الرتب القديمة
الرتب الجديدة
1
نسيم نفعي
ترنبيته جي
جاويش
1
سعيد فضل الله
بروجي
جاويش
1
إدريس نعيم
برنجي نفر
باشجاويش
1
مرجان سليمان
برنجي نفر
باشجاويش
1
فضل الله الضو
برنجي نفر
باشجاويش
1
سعيد كوردكتلي
برنجي نفر
باشجاويش
1
جادين أحمد
برنجي نفر
باشجاويش
1
سعيد عيسى
برنجي نفر
باشجاويش
1
نياننده
برنجي نفر
باشجاويش
1
بركة أحمد علي
برنجي نفر
باشجاويش
1
سليمان إبراهيم هلال
برنجي نفر
باشجاويش
1
فرج الله حمدان
برنجي نفر
باشجاويش
1
جفولة درع الفيل
برنجي نفر
باشجاويش
1
الحاج سيد محمد
برنجي نفر
باشجاويش
1
محمد الحاج
برنجي نفر
باشجاويش
1
عبد الله سودان
برنجي نفر
باشجاويش
1
بخيت عامر
برنجي نفر
باشجاويش
1
حسنين علي
برنجي نفر
باشجاويش
1
عبد الرجال عبد الله
برنجي نفر
باشجاويش
1
نياللوي
نفر عادة
جاويش
1
محمد إسحاق معتوق
نفر عادة
جاويش
1
مرسال حماد
نفر عادة
جاويش
1
زايد سودان
نفر عادة
جاويش
1
بخيت محمد
نفر عادة
جاويش
1
كافي النوفي
نفر عادة
جاويش
1
مرجان مصباح
نفر عادة
جاويش
1
شمس أحمد
نفر عادة
جاويش
1
عبد النبات رحمة
نفر عادة
جاويش
1
محمد رمضان
نفر عادة
جاويش
1
ملس أرمين
نفر عادة
جاويش
1
كوكو عبد الرحمن
نفر عادة
جاويش
1
أنجلو كوكو
نفر عادة
جاويش
1
رحمة علي
نفر عادة
جاويش
1
بركة عبد الله
نفر عادة
جاويش
1
بلال سودان
نفر عادة
جاويش
1
بخيت عبد الله
نفر عادة
جاويش
1
خميس سعيد
نفر عادة
جاويش
1
فضل ركومي
نفر عادة
جاويش
1
جمعة عبد البخيت
نفر عادة
جاويش
1
رحمة أحمد آدم
نفر عادة
جاويش
1
فرنسي سعيد
نفر عادة
جاويش
1
رحمة أحمد
نفر عادة
جاويش
1
مرجان عمر
نفر عادة
جاويش
1
فضل الله فضل الله
نفر عادة
جاويش
1
مرسال سودان
نفر عادة
جاويش
1
كوكو كوري
نفر عادة
جاويش
1
جمعة إبراهيم
نفر عادة
جاويش
1
عبد الله البسطويسي
نفر عادة
جاويش
1
بخيت محمد الفقي
نفر عادة
جاويش
1
فرج سيد أحمد
نفر عادة
جاويش
1
عبد الله حسنين
نفر عادة
جاويش
1
مرسال ولددوه
نفر عادة
جاويش
1
محمود منصور
نفر عادة
جاويش
1
خميس دوجل
نفر عادة
جاويش
1
علي هجاوي
نفر عادة
جاويش
1
جوهر عمر
نفر عادة
جاويش
1
فضل النبي عبد المحمود
نفر عادة
جاويش
1
جمعة محمد
نفر عادة
جاويش
1
حامد حاوي
نفر عادة
جاويش
1
عبد الرحمن محمد
نفر عادة
جاويش
1
رزق الله سودان
نفر عادة
جاويش
1
بركة سعيد
نفر عادة
جاويش
1
دعان معوفي
نفر عادة
جاويش
1
نسيم سليمان
نفر عادة
جاويش
1
عنبر صبحي
نفر عادة
جاويش
65
أوجنجي بلوك.
عدد
أسماء وألقاب
الرتب القديمة
الرتب الجديدة
1
سعيد طب
ترنبيته جي
جاويش
1
مبروك محمد
بروجي
جاويش
1
خبير جابر
برنجي نفر
باشجاويش
1
إبراهيم الحجر
برنجي نفر
باشجاويش
1
كوكو فيدون
برنجي نفر
باشجاويش
1
بخيت إبراهيم الشربيني
برنجي نفر
باشجاويش
1
عبد النبي أبو يس
برنجي نفر
باشجاويش
1
احمد حمدان
برنجي نفر
باشجاويش
1
خير محمد شكور
برنجي نفر
باشجاويش
1
زايد البربري
برنجي نفر
باشجاويش
1
جوهر سليمان وهبة
برنجي نفر
باشجاويش
1
سعد علي
برنجي نفر
باشجاويش
1
مرسال خميس
برنجي نفر
باشجاويش
1
ريحان أحمد زيتون
برنجي نفر
باشجاويش
1
أنجلو سودان
برنجي نفر
باشجاويش
1
بخيت محمد سليمان
برنجي نفر
باشجاويش
1
فضل الله محمد
برنجي نفر
باشجاويش
1
مرسال عباس
برنجي نفر
باشجاويش
1
نسيم محمد فايد
برنجي نفر
باشجاويش
1
الشيخ فرج الله
نفر عادة
جاويش
1
ناصر سودان
نفر عادة
جاويش
1
خير إبراهيم الحناوي
نفر عادة
جاويش
1
خير الله محمد
نفر عادة
جاويش
1
فرج كوري
نفر عادة
جاويش
1
مرجان كوري
نفر عادة
جاويش
1
مرجان إسماعيل
نفر عادة
جاويش
1
فضل الله ريان
نفر عادة
جاويش
1
إبراهيم اللامين
نفر عادة
جاويش
1
مبروك سيد أحمد الشريف
نفر عادة
جاويش
1
سعيد بخيت
نفر عادة
جاويش
1
عبد المولى جمعة
نفر عادة
جاويش
1
سرور رزق الله منصور
نفر عادة
جاويش
1
سليمان زايد
نفر عادة
جاويش
1
خميس عبد المولى
نفر عادة
جاويش
1
بحر النيل عبد الرحمن
نفر عادة
جاويش
1
ريحان عبد الله
نفر عادة
جاويش
1
سعيد عطا الله
نفر عادة
جاويش
1
مرسال حاوي
نفر عادة
جاويش
1
زويرة كوكو
نفر عادة
جاويش
1
عبد الله إدريس
نفر عادة
جاويش
1
جبريل محمد
نفر عادة
جاويش
1
آدم الفقي
نفر عادة
جاويش
1
رحمة جمعة
نفر عادة
جاويش
1
أنانو أبو سرية
نفر عادة
جاويش
1
سرور إبراهيم أبو قفة
نفر عادة
جاويش
1
بشير نحايل
نفر عادة
جاويش
1
أبو بكر سودان
نفر عادة
جاويش
1
عبد الخير بخيت
نفر عادة
جاويش
1
حمد عبد السلام
نفر عادة
جاويش
1
بركة بياوي
نفر عادة
جاويش
1
آدم عبد السيد
نفر عادة
جاويش
1
عبد الله سودان حمدان
نفر عادة
جاويش
1
محمد بن علي
نفر عادة
جاويش
1
بخيت بركة
نفر عادة
جاويش
1
فضل الله علي فرج
نفر عادة
جاويش
1
آدم حسين
نفر عادة
جاويش
1
عبد الله حسين
نفر عادة
جاويش
1
سعيد محمد
نفر عادة
جاويش
1
فضل جمعة
نفر عادة
جاويش
59
درنجي بلوك.
عدد
أسماء وألقاب
الرتب القديمة
الرتب الجديدة
1
حسين سودان
ترنبيته جي
جاويش
1
إبراهيم الضوا
بروجي
جاويش
1
سعيد خضر يوسف
برنجي نفر
باشجاويش
1
بخيت السامع موسى
برنجي نفر
باشجاويش
1
سعيد محمد
برنجي نفر
باشجاويش
1
زكريا النور
برنجي نفر
باشجاويش
1
محمد عبد الله
برنجي نفر
باشجاويش
1
عمر محمد
برنجي نفر
باشجاويش
1
سعد حراوي
برنجي نفر
باشجاويش
1
رحمة محمد
برنجي نفر
باشجاويش
1
سعيد أحمد
برنجي نفر
باشجاويش
1
ونيس آدم
برنجي نفر
باشجاويش
1
مبروك علي
برنجي نفر
باشجاويش
1
فرج إبراهيم ربيع
برنجي نفر
باشجاويش
1
أنجلو علي
برنجي نفر
باشجاويش
1
فرج محمد أبو شنب
برنجي نفر
باشجاويش
1
محمد عيسى
نفر عادة
جاويش
1
رجب عفيفي
نفر عادة
جاويش
1
مرسال عثمان
نفر عادة
جاويش
1
إدريس عدلان
نفر عادة
جاويش
1
جمعة نور
نفر عادة
جاويش
1
جمعة محمد
نفر عادة
جاويش
1
بركة عبد الرازق
نفر عادة
جاويش
1
الطاهر محمد
نفر عادة
جاويش
1
حماد حسن
نفر عادة
جاويش
1
عثمان آدم
نفر عادة
جاويش
1
فضل سليمان فضل الله
نفر عادة
جاويش
1
لغيدا سعيد
نفر عادة
جاويش
1
عبد الله العبد
نفر عادة
جاويش
1
صادق آدم
نفر عادة
جاويش
1
ولدون بنعجة
نفر عادة
جاويش
1
عبد الله عبد النبي
نفر عادة
جاويش
1
إسماعيل آدم
نفر عادة
جاويش
1
خير يوسف السيد
نفر عادة
جاويش
1
حسن حماد
نفر عادة
جاويش
1
توكل محمد
نفر عادة
جاويش
1
بخيت أبو القمصان
نفر عادة
جاويش
1
بخيت أحمد المصري
نفر عادة
جاويش
1
بخيت حسن أغا
نفر عادة
جاويش
1
عبد الخير بركة
نفر عادة
جاويش
1
عبد الرجا مختار
نفر عادة
جاويش
1
كوكو كورنك
نفر عادة
جاويش
1
جمعة خميس
نفر عادة
جاويش
1
أحمد إبراهيم
نفر عادة
جاويش
1
عبد الرحمن أدرن
نفر عادة
جاويش
1
بخيت إبراهيم
نفر عادة
جاويش
1
بخيت كونجاري
نفر عادة
جاويش
1
علي أحمد
نفر عادة
جاويش
1
علي إبراهيم
نفر عادة
جاويش
1
مرسال إبراهيم أغا
نفر عادة
جاويش
1
آدم أحمد
نفر عادة
جاويش
1
بلال موسى
نفر عادة
جاويش
1
هلال جمعة
نفر عادة
جاويش
1
سعيد محمد عبد الحليم
نفر عادة
جاويش
1
سرور حسنين
نفر عادة
جاويش
1
خير نور
نفر عادة
جاويش
1
فضل الله محمد
نفر عادة
جاويش
1
بخيت حسن
نفر عادة
جاويش
1
بخيت بحر
نفر عادة
جاويش
1
سعيد عبد الكريم
نفر عادة
جاويش
60
بيان لما قبله.
64
برنجي نفر
باشجاويشية
8
ترنبيته جيه وبروجيه
جاويشية
174
أنفار عادة
جاويشية
246
الجملة
وعند وصول الأمر العالي السابق المؤرخ في 25 محرم سنة 1284ه/29 مايو سنة 1867م إلى ديوان الجهادية، حرر في 10 صفر سنة 1284ه/13 يونيو سنة 1867م إلى أميرالألاي محمد الماس بك الخطاب الآتي:
لدى عودتكم من مكسيكا في هذه المرة، قد أنعم عليكم برتبة أميرألاي نظرا لأهليتكم وجدارتكم، وكذلك أنعم برتبة البكباشي على حضرات الأفندية اليوزباشية حسين أحمد، ومحمد سليمان الذي بقي بفرنسا، وبرتبة الصاغقول أغاسي على الأفندية الملازمين الأول فرج عزازي، وخليل فني، وفرج محمد الزيني، وصالح حجازي، وبرتبة اليوزباشي على الأفندية الملازمين الثواني فضل الله حبيب، والفود محمد، ومحمد علي، وعبد الرحمن موسى، وبرتبة الملازم الأول على كل من الباشجاويشية عبد الله السوداني، وبخيت بتراكي ، وعبد الرحمن راضي السوداني، وعبد الله سالم الفقيه، وبرتبة ملازم ثان وبرتبة مساعد على كل من الجاويشية والأونباشية الآتية أسماؤهم:
الجاويشية المنعم عليهم برتبة الملازم الثاني.
عدد
1
حديد فرحات
1
حسن أحمد
1
مرجان سليم
1
مسعود طاووس
1
فرج أحمد هاشم
1
فرج بدوي
1
الحاج عبد الله حسين باشه
1
بشير محمد قبطان
1
مرجان محمد الجمال
1
سليمان علي الخضري
1
بخيت أحمد
1
مرجان شريف
1
سرور بهجت
1
مرجان سليمان شريف
1
مرجان علي الدناصوري
1
مبروك عبد الله بلوك أمين (جاويش)
1
أبو بكر الحاج محمد
1
سليم سيد أحمد الأشقر
18
الأونباشية المنعم عليهم برتبة مساعدين.
عدد
1
أمين عزت
1
مرجان كورمكره
1
علي سليمان
1
مرسال رجب
1
مرجان يوسف حسام الدين
1
جبر حماد
1
محمد سليمان
1
سلطان عبد الله
1
فرج وني
1
محجوب حبيب أونباشي بلوك أمين
1
عبد المولى أحمد سودان
1
أبو عنين بخيت
1
فرج يوسف السيد
1
عبد الخير إدريس
1
فضل المولى الغرباوي
1
عبد الجبار بخيت
1
بخيت بدر
1
حامد آدم
1
زايد سعيد
1
سرور محمد عبد الله
1
كوكو آدم كباشة
1
إدريس عيسى
1
مرسال عبد الله راضي
1
مرسال محمد الكوه
1
بلال محمد
1
محمد بحر
1
حسام النوه
1
عبد الله علي
1
محمد الحاج خليل
1
سيد أحمد حمزة
1
عبد الله علي عصر
1
بخيت أبو العنين
1
سعيد معوض سليمان
1
بخيت مسلم
34
وقد صار إصدار البيولوردي الخاص بذاتكم البهية، وبحضرات البكباشية، والصاغقول أغاسية، وكذلك أوامر اليوزباشية.
وبناء على الأمر الصادر للجهادية من حضرة ولي النعم بتاريخ 25 محرم سنة 1284ه، الموافق 29 مايو سنة 1867م بمنح باقي الرتب لحضرات الملازمين الأول والثواني والمساعدين، فقد صار اعتماد ذلك منها بتاريخ 6 صفر سنة 1284ه، الموافق 9 يونيو سنة 1867م.
أما إدارة أعمال 19 جي ألاي الذي صار تشكيله، فقد صدر الأمر شفويا بإحالته إلى عهدة صاحب السعادة الباشا فريق غارديا ووكيل السردار؛ لإعلان ذلك إلى ذاتكم البهية بتاريخ 9 صفر سنة 1284ه، الموافق 12 يونيو سنة 1867م نمرة 33 للمعلومية، واعتماد قيد ترقية الضباط ومرتباتهم اعتبارا من تاريخ صدور الفرمان العالي الخديوي.
بناء عليه؛ يلزم إطاعة الأوامر والتنبيهات الأصولية القانونية التي تصدر إلى اللواء خسرو باشا، كمنطوق الأمر السامي الصادر للباشا المومى إليه، والحذر من مخالفته، وهذا للمعلومية.
وبعد زمن يسير، عاد إلى مصر من كان قد تأخر من عساكر الأورطة عن العودة إليها.
ففي 25 يونيو سنة 1867م، رجع من فرنسا الجندي نسيم سليمان الذي كان بمستشفيات باريس على أثر مرض بعد شفائه فرقي كإخوانه.
وفي 2 سبتمبر سنة 1867م رجع أيضا إلى الإسكندرية الجنديان إدريس محمد، ورزق أحمد اللذان كانا معتقلين عند المكسيكيين وأطلق سراحهما، فرقيا إلى الدرجات التي رقي إليها سائر جنود هذه الأورطة.
تاريخ بعض رجال هذه الأورطة الذين أنعم عليهم بأوسمة فرنسية في هذه الحرب
(1) الصاغ محمد الماس أفندي
دخل خدمة الجيش المصري في سنة 1844م، وسافر من مصر وهو قائد ثان للأورطة، ورقي إلى رتبة بكباشي، وعين قائدا لها محل سلفه البكباشي جبر الله أفندي الذي توفي في مايو سنة 1863م على أثر إصابته بالحمى الصفراء، ونال وساما من رتبة «شفالييه دي لاليجيون دونور» في إبان هذه الحرب عام 1864م ووسام «لاكروا دوفسييه» سنة 1867م عندما وضعت الحرب أوزارها. وبعد إيابه إلى مصر رقاه الخديوي إسماعيل باشا رتبتين فصار أميرألاي. وفي سنة 1869م عندما كان جعفر باشا حكمدارا عاما للسودان، كان قائدا لألاي المشاة الثاني السوداني بالخرطوم المؤلف من 81 ضابطا و2190 صف ضابط وجنديا، والخدمات التي قام بها بعد ذلك غير معروفة. (2) اليوزباشي حسين أحمد أفندي
دخل خدمة الجيش المصري في سنة 1854م، ونال وسام «شفالييه دي لاليجيون دونور» في سنة 1864م. وبعد عودته إلى مصر، رقاه الخديوي إسماعيل باشا رتبتين، فصار بكباشيا. وخدماته التالية غير معلومة. (3) اليوزباشي محمد سليمان أفندي
دخل خدمة الجيش المصري سنة 1846م، ونال وسام «شفالييه دي لاليجيون دونور» عام 1865م. وبعد رجوعه إلى مصر رقاه الخديوي إسماعيل باشا رتبتين فصار بكباشيا. وفي سنة 1877م كان قائد إحدى الأرط التي كانت بجيش دارفور. وترقى في تلك السنة إلى رتبة قائمقام، وعين قائدا لجيوش مديرية داره «دارفور». وخدماته التالية غير معروفة. (4) الملازم الأول فرج عزازي أفندي
دخل خدمة الجيش المصري عام 1849م، ونال وسام «شفالييه دي لاليجيون دونور» سنة 1867م. وبعد عودته إلى مصر رقاه الخديوي إسماعيل رتبتين فصار صاغا. وخدماته التالية غير معروفة. (5) الملازم الأول فرج الزيني أفندي
دخل خدمة الجيش المصري عام 1852م، ونال وسام «شفالييه دي لاليجيون دونور» في سنة 1865م. وبعد عودته إلى مصر رقاه الخديوي إسماعيل رتبتين فصار صاغا. وفي سنة 1881م في إبان الثورة العرابية كان حائزا لرتبة قائمقام وقائدا ثانيا للألاي السوداني الذي كان مرابطا في طرا بصفة حامية، وتابعا لأميرالألاي عبد العال أبي حشيش بك (باشا). واتهم العرابيون فرج الزيني بك بالتآمر عليهم بأمر الخديوي توفيق، وأحالوه على مجلس عسكري، فحكم هذا المجلس بتنزيله إلى رتبة بكباشي. غير أن الخديوي لم يوافق على هذا الحكم، وأرسله برتبته إلى مصوع، ثم نقل إلى الخرطوم وهو برتبة أميرألاي. ووقتما جاء غوردون باشا إلى هذه المدينة في سنة 1884م، كان قائدا للألاي الأول السوداني. وكان هذا الألاي قسما من الجنود التي تتألف منها حاميتها، فمنحه غوردون رتبة لواء وعينه كبير قواد الجيوش المصرية والسودانية القائمة بحماية الخرطوم. وفي إبان حصارها رقاه إلى رتبة فريق، وقتل عند سقوطها في أيدي الدراويش. (6) الملازم الأول صالح حجازي أفندي
دخل خدمة الجيش المصري عام 1853م، ونال وسام «شفالييه دي لاليجيون دونور» في عام 1864م. وبعد إيابه إلى مصر رقاه الخديوي إسماعيل باشا رتبتين فصار صاغا. وفي سنة 1877م كان في جيش دارفور، ورقي فيه إلى قائمقام. وخدماته التالية غير معروفة. (7) الملازم الأول خليل أفندي فني
دخل خدمة الجيش المصري في سنة 1853م، ونال وسام «لايكوراسيون مكسيكان دونوتردام دولاجواديلوب» في سنة 1865م. وبعد رجوعه إلى مصر رقاه الخديوي إسماعيل باشا رتبتين فصار صاغا. وخدماته التالية غير معروفة. (8) الملازم الثاني الفود محمد أفندي
دخل خدمة الجيش المصري في سنة 1850م، ونال وسام «شفالييه دي لاليجيون دونور» عام 1867م. وبعد رجوعه إلى مصر رقاه الخديوي إسماعيل رتبتين فصار يوزباشيا. وخدماته اللاحقة غير معروفة. (9) الملازم الثاني عبد الرحمن موسى أفندي
دخل خدمة الجيش المصري في سنة 1850م ، ونال وسام «شفالييه دي لاليجيون دونور» في سنة 1866م. وبعد إيابه إلى مصر رقاه الخديوي إسماعيل رتبتين فصار يوزباشيا. وخدماته اللاحقة غير معروفة. (10) الملازم الثاني محمد علي أفندي
دخل خدمة الجيش المصري سنة 1852م، ونال وسام «شفالييه دي لاليجيون دونور» عام 1865م. وبعد إيابه إلى مصر رقاه الخديوي إسماعيل رتبتين فصار يوزباشيا. وخدماته اللاحقة غير معروفة. (11) الملازم الثاني فضل الله حبيب أفندي
دخل خدمة الجيش المصري سنة 1853م، ونال وسام «شفالييه دي لاليجيون دونور» عام 1867م. وبعد رجوعه إلى مصر رقاه الخديوي إسماعيل باشا رتبتين فصار يوزباشيا. وخدماته اللاحقة غير معروفة. (12) باشجاويشية البلوكات الأربعة (12-1) باشجاويش البلوك الأول عبد الله السوداني
نال وسام الحرب سنة 1864م. وبعد رجوعه إلى مصر منحه الخديوي إسماعيل باشا رتبتين فصار ملازما أول. وكان في سنة 1870م أحد ضباط الأورطة السودانية التي سافرت مع سير صمويل بيكر باشا لفتح مديرية خط الاستواء، وكان برتبة صاغ. وعين قائدا لحامية فاتبكو إحدى النقط العسكرية بهذه المديرية. وخدماته اللاحقة غير معروفة. (12-2) باشجاويش البلوك الثاني بخيت بتراكي
نال الوسام الحربي في سنة 1867م. وبعد رجوعه إلى مصر منحه الخديوي إسماعيل رتبتين فصار ملازما أول. وأتى بعد ذلك يوم كان فيه بخيت بتراكي أفندي هذا أحد الضباط البارزين في الجيش المصري في السودان. وقام بخدم جلى وبالأخص في مديرية خط الاستواء، حيث عين قائدا لجيوش هذه المديرية برتبة قائمقام. ولما عين عبد القادر باشا حلمي حكمدارا عاما للسودان، أمر بنقله إلى الخرطوم، حيث عينه قائدا ثانيا للألاي الأول السوداني الذي كان يقوده أميرالألاي فرج الزيني بك كما سبق القول. ولما ترقى فرج الزيني بك في سنة 1884م بأمر غوردون باشا إلى رتبة لواء، وتولى قيادة حامية الخرطوم، ترقى بخيت بتراكي إلى رتبة أميرألاي بأمر غوردون باشا، وعين قائدا لهذا الألاي. وقد أتى في الدفاع عن الخرطوم عندما حاصرها المهديون بما يسجل له أسمى درجات البطولة. وكان نصيبه أن قتلوه بعد استيلائهم عليها. (12-3) باشجاويش البلوك الثالث عبد الراضي السوداني
نال وسام الحرب سنة 1865م. وبعد عودته إلى مصر منحه الخديوي إسماعيل باشا رتبتين فصار ملازما أول. وخدماته بعد ذلك مجهولة. (12-4) باشجاويش البلوك الرابع عبد الله سالم الفقي
نال وسام الحرب سنة 1864م. ولما عاد إلى مصر رقاه الخديوي إسماعيل باشا رتبتين فصار ملازما أول. وتاريخ حياته بعد ذلك مجهول.
ومن بين الجاويشية الذين نالوا وسام الحرب ورقاهم الخديوي إسماعيل بعد رجوعهم إلى مصر رتبتين وصاروا ملازمين ثانين، ثلاثة عرفنا ما حصل لهم بعد ذلك، وهم:
سرور بهجت:
خدم في مديرية خط الاستواء وفي نواح متعددة في السودان. وكان آخر أيامه في حامية الخرطوم برتبة قائمقام، فقتله المهديون عند سقوط هذه المدينة في أيديهم سنة 1885م.
مرجان الدناصوري:
قضى معظم أيام خدمته في مديرية خط الاستواء، وبلغ رتبة صاغ، وكان قائدا لمحطة أمادي بالمديرية المذكورة. ولما استولى المهديون عليها عام 1885م، قتلوه.
مرجان شريف:
كان من ضباط حملة صمويل بيسكر باشا التي أرسلت لفتح مديرية خط الاستواء سنة 1870م برتبة يوزباشي. ومعلوماتنا عنه تقف عند هذا الحد.
وقد نال أيضا وسام الحرب الفرنسي غير هؤلاء الجاويشية ، سبعة أونباشية، وثمانية وثلاثون جنديا. وهؤلاء وكذلك باقي الأورطة وهو 34 أونباشيا و246 جنديا، ومجموعهم 280 رجلا، رقاهم الخديوي إسماعيل رتبتين كما سبق القول؛ مكافأة لهم على خدماتهم الجليلة في حرب المكسيك التي توجت بطولة هذه الأورطة فيها الجيش المصري كله بأكاليل المجد والفخار.
كتابات
هذا؛ وقد سبق أن نشرنا ملخص ما قامت به الأورطة السودانية المصرية في المكسيك بجريدة الأهرام الغراء، وطلبنا ممن يطلعون عليه أن يوافونا بمعلوماتهم إن كان عندهم معلومات أخرى فوق ما ذكرناه. فوردت إلينا كتابات في هذا الشأن رأينا إثباتها بالتتابع حسب تواريخها في هذا الكتاب إتماما للفائدة، وها هي:
1
كتب إلي باشمعاون دائرتنا حضرة الباحث المطلع حامد أفندي القرضاوي الموظف المنتدب بحسابات وزارة المالية بمصر بتاريخ 5 سبتمبر سنة 1933 بعد الديباجة ما نصه:
الضباط (1)
الأميرألاي محمد بك الماس: أنعم عليه برتبة اللواء، ولا أعرف التاريخ بالضبط، ولكني أذكر أن جريدة الأهرام نشرت في عام 1930 أو 1931 لمحة عن تاريخ ألماظ باشا بقلم أحد موظفي دار الكتب، فلما اطلعت عليها كتبت إليه أسأله عن مصدرها، وأجابني عن ذلك في حينه. (2)
الصاغ فرج أفندي عزازي (وترتيبه الرابع في بيان سمو الأمير): رقي إلى رتبة بكباشي فقائمقام، وكان قائدا لحامية كسلا أثناء الحصار، وواقع الدراويش في وقائع الجمام وسدينة وسيدرات وقلوسيت من فبراير سنة 1884 حتى مارس سنة 1885. وعندما أبت الحامية التسليم للمحاصرين وأصرت على التسليم للمهدي، وجه إليهم هذا «أمناء» من لدنه يحملون كتابا منه بتأمينها. وجه الخطاب في استهلاله إلى أحمد عفت «باشا» المدير والقائمقام فرج «بك» عزازي - رئيس العساكر - ثم إلى باقي الضباط. وحدث أن نعي المهدي قبيل ذلك إلى الحامية، فسري عنها واستأنفت الدفاع، ولكن الجوع اضطرها إلى التسليم للأمناء بعد لأي. ومن الغريب أنني لم أقع على اسم عزازي بك ضمن الأسرى، ولم يرد له ذكر بعد كتاب المهدي مطلقا. وأرجح أنه مات حتف أنفه قبيل سقوط المدينة في 29 يوليو سنة 1885. (3)
الأميرألاي فرج بك الزيني (وترتيبه الخامس في البيان: حصل على رتبة لواء أثناء حصار الخرطوم عندما عين قائدا للحامية. ولو أنه حصل على رتبة فريق لتحتم أن يحصل عليها فوزي باشا ونصحي باشا، وكلاهما رقي إلى رتبة لواء قبله، والمفهوم أنه لم يكن من حق مصر منح تلك الرتبة وقتئذ، بل كان ذلك من حق جلالة السلطان وحده. صحيح أن غوردون خول نفسه سلطة غير محدودة، وصار يمنح الرتب بلا حساب حتى قفز ببعض الضباط من أصغر الرتب إلى أسناها، ولكنه لم يكن ليجرؤ على تحدي جلالة السلطان، وإن كان قد اختلس كل حقوق الخديوي توفيق. وشاهد ذلك وآيته أن المؤرخين المعاصرين وشاهدي العيان من أمثال فوزي ونصحي وسلاطين وأوهلدر لم يذكروا شيئا عن هذا. (4)
اليوزباشي الفود محمد أفندي (وترتيبه الثامن): يغلب على الظن أن هذا الاسم محرف؛ لأنه غير مألوف بالسودان. وقد كنت أراجع مرتبات 1500 جندي هم قوة الهجانة بكردفان ما بين أعراب وزنوج وأشباه زنوج من جميع القبائل ومختلف العشائر وكافة النواحي، فوق أن الضباط والكتاب والمترجمين والأهلين كثيرا ما كانوا يتنادرون أمامي بغريب الأسماء التي تصادفهم، فما سمعت من أحدهم هذا الاسم على الإطلاق. فإذا صح لهذه الاعتبارات أن حقيقة الاسم النور محمد، فصاحب هذا الاسم وصل إلى رتبة أميرألاي، وكان قائدا لحامية سنار التي كانت آخر ما سقط من حاميات السودان في عهد الثورة المهدية، وذلك في 19 أغسطس سنة 1885، وقد جرح وأسر ولم يسمع عنه شيء بعد ذلك. وهناك اسم آخر يشبهه وهو البكباشي محمد أفندي الفولي أحد القتلى في حصار الأبيض. على أن هذا كله مجرد ظن «والظن لا يغني من الحق شيئا». (5)
اليوزباشي محمد أفندي علي (وترتيبه العاشر): هذا الضابط رقي إلى رتبة صاغ، فبكباشي، فقائمقام، فأميرألاي. وكان قومندانا للألاي البيادة السوداني الأول أثناء حصار الخرطوم، وكان من أبسل وأشجع قواد الحامية. وقد انتصر على الدراويش وسحق قوات قائدهم الحاج محمد أبو قرجة في وقائع بري والجريف والحلفاية الثانية في يوليو وأغسطس سنة 1884، فرقاه غوردون إلى رتبة لواء، وعاد فانتصر في موقعتي أبو حراز والعيلفون في أغسطس سنة 1884، وكاد يقضي على المحاصرين لولا أنهم استدرجوه إلى الغابات وحصروه وأفنوا جيشه في موقعة أم ضبان في 4 سبتمبر سنة 1884، وعز عليه الفرار بعد تلك الهزيمة، فافترش فروته على عادة أبطال السودانيين وشجعانهم حتى كر عليه الثوار وقتلوه.
الباشجاويشية (6)
عبد الله السوداني، وأظنه عبد الله الدنسوي؛ لأن هذا هو الذي اشترك مع السير صمويل بيكر وعين وهو برتبة صاغ قائدا لحامية فاتوكه لافاتبكوا (وأظنها خطا مطبعيا)، فإن كان ذلك كذلك فقد رقي إلى رتبة بكباشي بعد ذلك. وكانت آخر خدمات عبد الله أغا الدنسوي تنصيبه بمعرفة غوردون مديرا للرجاف.
الجاويشية (7)
سرور بهجت: يوجد ضابطان بهذا الاسم؛ أحدهما القائمقام سرور بك بهجت الذي جاء في بيان سمو مولانا. والآخر الصاغ سرور أفندي بهجت قائد حامية بارا، وقد أسره المهديون عند سقوطها في 5 يناير سنة 1883. وكان هذا آخر العهد به.
هذه هي المعلومات المتواضعة التي لا تزال تعلق بذاكرة العاجز الضعيف، بادرت بإرسالها لعزتكم نزولا على أمر سيدنا ومولانا، ولو كانت صحتي تسمح لي بموالاة البحث لترددت على دار الكتب وراجعت جميع المصادر مرة أخرى؛ لأني كنت نسخت ما يهمني من بعض الكتب ومجموعات الجرائد وفقدت مني كلها.
2
وكتب إلينا حضرة سليم أفندي الحاج - العضو بكلوب روتاري بحاجيا لبنان بتاريخ 8 أيلول «سبتمبر» سنة 1933 - ما نصه:
سيدي الأمير: قرأت في الأهرام بيان سموكم بطلب معلومات عن الفرقة السودانية في المكسيك. وبما أني شاهدت أثناء وجودي بتلك البلاد في بلدة تدعى غومس بلاسيو
Gomez Palacio
على عتبة باب كنيسة الكتابة الآتية باللغة العربية: «باسم الله الرحمن الرحيم.» ويعزون تلك الكتابة إلى الجنود المصرية التي أرسلها نابليون بحملة على تلك البلاد، ولعل ذلك ينفع سموكم بالكتابة عن تلك الفرقة.
3
ونشر حضرة الأستاذ محمد إسماعيل أفندي - الحاصل على شهادة ليسانسيه في التربية والآداب - بعدد الأهرام الصادر في 10 سبتمبر سنة 1933 المعلومات الآتية:
إجابة لطلب سمو الأمير عمر طوسون في أن يدلي كل بما يعرف عن أبطال هذه الأورطة، أتشرف بأن أبين ما يأتي:
الملازم ثاني فرج أحمد هاشم:
أصله من السواحليين المقيمين عند مدخل المحيط الهندي والبحر الأحمر.
سافر بعد عودته من المكسيك إلى خط الاستواء مع السير صمويل بيكر سنة 1869 لمنع تجارة الرقيق. وكان ضمن فرقته المخصوصة «اللصوص الأربعون»، وقد دعاهم بهذا الاسم لضروب الشجاعة التي أبدوها في الانسلال ومباغتة الأعداء.
وكان يعهد إليهم بالمهمات السرية، وله الفضل في الاتصال بإسماعيل باشا أيوب - حاكم السودان - للقبض على أبي السعود أحد أفراد شركة عقاد إخوان لتجارة الرقيق.
ورقي إلى رتبة ملازم أول (انظر كتاب الإسماعيلية للسير صمويل بيكر).
عبد الله سالم الفقي:
كان مع السير صمويل بيكر أيضا، ورقي إلى رتبة يوزباشي.
مرجان شريف:
أظهر مع السير صمويل بيكر ما أوجب الثناء عليه مطولا؛ إذ كان أول من اقتحم استحكامات قبيلة الباري عند جبل بلينيان، وكان الأهالي يطلقون بنادقهم في الخفاء خلال أسوار من خشب الحديد.
وكان مع سير صمويل بيكر أيضا في فرقة اللصوص الأربعين كثير من العساكر وصف الضباط ممن خدموا في المكسيك، ولكنهم قتلوا عن آخرهم مع المسيو لينان دي بلفون في معركة عند موجي ضد قبيلة الباري.
4
وجاءنا من حضرة البكباشي محمد أفندي، حمدي عبد الجبار مندوب الداخلية بعنيبة في صرف تعويض النوبيين، ومن أولاد جنود الأورطة السودانية المصرية بالمكسيك بتاريخ 14 سبتمبر سنة 1933 الرسالة الآتية عن طريق باشمعاون دائرتنا:
أتشرف بأن أقدم لجنابكم بعض معلوماتي عن ضباط الأورطة السودانية المصرية المنشورة صورهم بعدد الأهرام بتاريخ 4 الجاري، وهاك أسماءهم: الواقفون من الشمال لليمين: (1) اليوزباشي إدريس أفندي نعيم، (2) الصاغ فرج أفندي وني، (3) الصاغ عبد الله أفندي سالم الفقي، الجالس: (4) القائمقام صالح بيك حجازي، وليس الأميرألاي محمد الماس بك حيث إنه توفي بالخرطوم.
أما الأربعة المذكورة أسماؤهم، فقد حضروا إلى مصر بعد سقوط السودان بيد الدراويش، واستولوا على معاشهم وتعويضاتهم وبقوا بها. وقد توفي الثاني والثالث والرابع بمعادى الخبير. أما اليوزباشي إدريس أفندي نعيم فعاد إلى الخرطوم في سنة 1902 وتوفي بها.
الميرالاي فرج الزيني بك، هذا البطل بعد أن قام بالخدمات الجليلة في تأدية الواجب وما سجله له التاريخ، وبعد أن نال رتبة اللواء والفريق، قتل في واقعة الخرطوم بيد الدراويش في 26 مايو سنة 1885.
وقد ترك بنتا وحيدة لها من العمر سنتان، توفيت والدتها وتولت تربيتها عمتها، وهاجرت بها إلى كسلا بعد أن استولى الدراويش على جميع ممتلكات والدها. وفي سنة 1890 تقريبا قامت عمتها ومعها ثلاثة من الأرقاء ودادة البنت تريد الوصول إلى مصر، فاعترضتهم الأعراب والدراويش في الطريق ما بين سنهيت وكسلا، وقتلوا العمة المذكورة والثلاثة أرقاء، وأخذوا البنت ودادتها، فأراد الله أن يستعرف بالدادة المذكورة والبنت بعض العساكر الذين تجندوا بأشبوزق بالطليان، فأخذوهما وقدموهما لحاكم سنهيت الذي أرسلهما إلى مصوع فسواكن فمصر. ولما أن حضرت بمصر كان القائمقام صالح بيك حجازي حيا يرزق، فالتزم بهما وقام بالواجب، وأبقى البنت ودادتها بمنزله، وقدم طلبا للحكومة طالبا ربط معاش تعيش به البنت وتعويضا أسوة بالضباط والموظفين والصف والعساكر والباشبوزق. وكان الرد لا معاش لها ولا تعويض؛ لأن والدها سبب سقوط الخرطوم، إلى أن قال: وها هي الآن حية ترزق، ومقيمة بمعادي الخبير، وهي تنتمي لي؛ أي ابنة عمي، ولها ولدان: أحدهما موظف ظهورات بالمساحة بمديرية الجيزة مرتبه أربعة جنيهات، والآخر عامل يومية.
5
ثم جاءنا أيضا من حضرته الرسالة الآتية بتاريخ 18 سبتمبر سنة 1933 ردا على خطاب أرسلناه إليه مع صورة أربعة من ضباط هذه الأورطة؛ ليوافينا بمعلوماته عنهم وعن والده المرحوم الملازم الأول عبد الجبار بخيت أفندي أحد ضباطها، وعما إذا كان من بين هؤلاء الضباط الأربعة أو لا، وهاك نصها بعد الديباجة: (1)
الصورة مرسلة وقد وضعت اسم كل منهم، وإن هذه الصورة سبق أن نشرت بعدد اللطائف رقم 34 سنة 1926، وكانت أسماؤهم مذكورة بأسفلهم. (2)
والدي الملازم أول عبد الجبار بخيت لم يكن معهم وقت أخذ هذه الصورة. أما خدماته بعد عودة الأورطة من المكسيك فكانت في حامية هرر، ثم مصوع وسنهيت ثم بمصر 2 جي آلاي بطره سنة 1881، ثم كسلا لغاية سنة 1885، حيث انتدب لتوصيل خزنة لحامية القلابات، وبعد وصوله سقطت كسلا، وبقي بالقلابات إلى أن استتب الأمن فعاد إلى كسلا. وفي سنة 1890 حضر إلى مصر طالبا بمعاشه وذلك عن طريق سنهيت فمصوع بمساعدة الحامية الإيطالية. ولما أن وصل إلى مصر أعطي تعويضا فقط، وبقي بها إلى سنة 1901، ثم قام للخرطوم فكركوح بمديرية سنار، وتوفي بها سنة 1902. (3)
إدريس أفندي نعيم: أعرفه جيدا، وهو بصلة القرابة ابن عم والدي، وفعلا سبق والدي إلى مصر؛ لأنه كان بحامية مصوع. ولما أن وصل والدي إلى مصر نزل في منزله بمعادي الخبير، وكان إذ ذاك المرحومون القائمقام صالح بك حجازي، والبكباشي عبد الله سالم أفندي، والصاغ فرج أفندي وني، وكثير من الضباط السودانيين والسناجق الباشبوزق الذين حضروا مع المرحوم خشم الموس باشا وسكنوا بالمعادي. أما خدماته فكانت بهرر وزيلع وتاجورة وسنهيت ومصر سنة 1881 فمصوع، وإن بعضا منهم رافق ساكن الجنان سمو الأمير حسن للحبشة. (4)
الصاغ فرج أفندي وني: آخر خدماته كانت بحامية كسلا، وله مواقف مشهورة ما بين سنة 1884 وسنة 1885 وانتصارات عديدة في مواقع الجمام والعشرة وقلوسيت، وكان معه المرحوم اليوزباشي (بكباشي) فضل الله حبيب، وقتل في واقعة قلوسيت، كما قتل اليوزباشي حديد أفندي فرحات الذي ترقى من جاويش إلى ملازم ثان بعد عودة الأورطة من المكسيك. أما خدماته (الصاغ فرج وني) السابقة لسنة 1881 فكانت بحامية زيلع وتاجورة ومصوع وسنهيت. ولطول المدة من سنة 1867 وصل إلى رتبته الأخيرة. (5)
البكباشي عبد الله أفندي سالم، آخر خدماته كانت بحامية الجيزة والقلابات. وبعد سقوط السودان عاد عن طريق مصوع فسواكن فمصر، وإنه خدم بحامية هرر ومصوع وسنهيت. ومعرفتي لهم كانت حقيقية، كما سبق وقلت إن والدي لما أن حضر من كسلا نزل بهم بالمعادي، وعلى كل كنت أود أن أكون بمصر كي أتمكن من جمع ما يمكن جمعه، وإن شاء الله سأرسل كل ما يصل إلي من المعلومات.
6
وأرسل إلينا حضرة الفاضل محمد أفندي عبد الرحيم - من موظفي حكومة السودان ومحاسب بمديرية دارفور بالفاشر - بتاريخ 24 نوفمبر سنة 1933، يثني على ما نشرناه عن الأورطة السودانية المصرية بالمكسيك ويعرفنا بنفسه، وجاء في آخر كتابه ما نصه:
هذا؛ ومما أوضحته تعلمون سموكم بأنني أكثر السودانيين علما بتاريخ هذه البلاد، ولي في الرد على ما حاكته أقلام الأجانب مواقف مشهورة. راجع مقالاتي بالمقطم تحت عنوان «ضوء جديد على مصير الجنرال غوردون باشا» بالعدد 12991 في أول نوفمبر سنة 1931، والعدد 12997 في 8 نوفمبر سنة 1931، وقد تجدون شيئا عن بعض الضباط الذين تريدون إتمام الكلام عنهم. وبمذكراتي ما بها من أخبار كثيرة عنهم، وهم كصالح بك حجازي، وفرج بك عزازي، ومحمد بك سليمان، وأبي بكر بك الحاج، وغيرهم. وسأوافيكم بها في فرصة أخرى، هذا وإن تشابهت لديكم السبل وتنكرت معالم الحقيقة، فعبدكم الخاضع يرى أسعد أوقاته ما يقضيه بين المحابر والطروس؛ لتدوين ما تريدون الوقوف عليه من أخبار السودان الماضية.
وقد رجعنا إلى ما نشره بعددي المقطم الأغر اللذين أشار إليهما في رسالته السابقة، فوجدنا بالعدد 12997 عن اللواء فرج باشا الزيني، والقائمقام بخيت بك بطراكي ما نصه:
لما رفض المهدي قبول منصب السلطنة على السودان الغربي، وأخذ يلح على الجنرال غوردون في التسليم والانخراط في سلك أنصاره؛ تميز الجنرال غيظا وحسر عن ساعد الجد وعول على الدفاع، فأخذ يرسم خططه، وكانت المدينة محاطة بخندق عميق من النيل الأبيض إلى النيل الأزرق يمثل نصف دائرة، له ثلاثة أبواب، وهي: «أ» باب الكلاكلة مما يلي النيل الأبيض، و«ب» باب المسلمية، وهو في مكان محطة سكة الحديد بالخرطوم الآن، و«ج» باب بري مما يلي النيل الأزرق، وذلك من أعمال عبد القادر باشا حلمي، فزاد الجنرال غوردون في تقوية الأخيرة، وشيد سورا من وراء الخندق - إلى أن قال - وكان في الخرطوم 12 باخرة سلحها بالمدافع، وفيها من الجنود 5 أورط نظامية اثنتان من الجنود المصرية، وثلاث من السودانية، و25 أرديا من الباشبوزق، فجند 7 أرادي أخرى، وهذا علاوة على المتطوعين من الموظفين والأعيان - إلى أن قال - فقسم الجنرال تلك القوات إلى خمسة أقسام؛ قسم بقيادة الميرألاي حسن بك البهنساوي المصري، ناط به الدفاع عن الطابية الأولى؛ أي طابية الكلاكلة، وقسم بقيادة اللواء فرج باشا الزيني السوداني، ناط به الدفاع عن طابية المسلمية، وقسم بقيادة القائمقام بخيت بك بطراكي السوداني، ناط به الدفاع عن طابية بري - إلى أن قال - وفي مساء 25 يناير سنة 1885، جاز المهدي النيل الأبيض على فلائك صغيرة في جنح الظلام، ولم يكن معه إلا خلفاؤه وبضعة أشخاص من حاشيته، ودعا إليه أمراء جنده وأمرهم بالهجوم في غسق الليل، ثم حضهم على الثبات وودعهم ودعا لهم بخير، وأذن لهم في الانصراف إلى مراكزهم في خط النار، وقفل هو راجعا لأم درمان. فما كاد يصل حتى سمع الناس دويا عظيما يكاد يصم الآذان، وهب المحصورون من سباتهم وأطلقوا صواريخ لإنارة الأفق لكي يتبينوا طريق الهاجمين، وهناك أطلقوا النار عليهم، إلا أن العدو تمكن من كسر الضلع اليمنى، واجتاحوا قوة الأميرألاي حسن بك البهنساوي، ولكنهم لم يدخلوا المدينة، بل عرجوا إلى باب المسلمية، فهزم الجنود إلى داخل المدينة وتبعهم الأنصار يعملون السيف في رقابهم - إلى أن قال - أما القتلى من الضباط والأعيان فهم القائمقام بخيت بك بطراكي، وقد دافع دفاع الأبطال، واللواء فرج باشا الزيني، وقد فر من الميدان بعد أن خلع بذلته العسكرية، ولكن قبض عليه، ولما فتش وجدت معه ساعة ذهب وخاتم نقش عليه اسمه فقتلوه ... إلخ، إلخ. ا.ه.
7
ثم طلبنا منه أن يوافينا بمعلوماته عن أشخاص من يعرفهم ممن ورد ذكرهم في رسالتنا، فجاء منه في 5 يناير سنة 1934 الخطاب الآتي، وهو ما بعد الديباجة:
إن قولكم «الأورطة السودانية» ولئن كانت نسبة شاملة لسكان هذا القطر، سواء في ذلك العربي والزنجي والخلاسي، لا يأباها أحد يؤمن بآيات التنزيل التي نسبت إلى المكان، كهذه مكية وتلك مدنية. ونسبة أولئك الأبطال إلى السودان أدعى إلى الوحدة وأقوى دعامة إلى القومية. ولكني رأيت أن أوضح لسموكم قبائلهم ما دام ذلك لا يخل بجوهر النسبة الأولى؛ لعلمي أن لكل منها عشيرة تتعصب له وتباهي بمواهبه. وهذه عادة متأصلة في عرب السودان الآن، وإليكم شاهدا من مفاخرهم: قال رجل من البطاحيين سكان أبي دليق شرق النيل تجاه شندي:
من منا وليمنا
كذبوا القالوا مثلنا
يكفي مراره فسلنا
ويصد القوم عاطلنا
أي من هنا إلى هناك كذبوا الذين يقولون إنهم مثلنا كرما وشجاعة. ويكفي مراره فسلنا، فالمرارة لحم نيئ كالكبد وغيرها يغسل جيدا ويضاف عليه ملح وشطة وبهورات أخرى، ثم يقدم للضيوف قبل الأطعمة. والفسل هو البخيل. ويصد القوم عاطلنا، فالقوم هم العصابة من الأعداء الذين يغيرون على غيرهم بقصد القتل والنهب. والعاطل معروف وهو فاتر الهمة بطيء الحركة. فالخلاصة يقول: بخيلنا كريم وعاطلنا كبير الهمة مقدام ... فإن تفضلتم وذكرتم جنسية كل بطل فقد أصبتم الوتر الحساس، وهززتم مشاعر القوم الذين ملئت مناطقهم بحبكم، وإنهم سيقدسون شهادة زكيتموها بطهارة ذيلكم وكرم شمائلكم ... (1)
القائمقام محمد بك سليمان «شايقي الأصل سرورابي»، كان قائدا لأورطة نظامية بالخرطوم. ولما نادى الفور بهارون الرشيد ابن الأمير سيف الدين ابن السلطان محمد الفضل سلطانا على دارفور، وثاروا على حسن حلمي باشا الشركسي الذي كان مديرا عاما لدارفور، وحصروه في مدينة الفاشر ومنعوا وصول النجدات إليه حتى تجهم الخطب وسقطت هيبة الحكومة، انتدب الجنرال غوردون بعض الأورط النظامية وأرادي الباشبزق الموجودة إذ ذاك بالخرطوم وكردفان، وعقد لواء القيادة العامة إلى التهامي
1
بك وكيل الحكمدارية بالخرطوم، ورافقه من الضباط العظام القائمقام محمد بك سليمان، وعلي بك شريف نائب مدير كردفان، ومن السناجق السر سواري مصطفى أغا التوتنجي، وخشم الموس بك (باشا)، وبشير أغا كمبال، وغيرهم.
فسارت تلك الحملة إلى الفاشرن، ولما بلغتها تلقت الأوامر بمواصلة الزحف على المقدوم سعد عرجون في مليط في الشمال الشرقي من الفاشر، تبعد عنها 63 ميلا، وحدثت هناك حروب هائلة كان الظفر فيها حليف الجنود المصرية. وكانت الواقعة الفاصلة في سانيه حيي في شمال مليط مما يلي الصحراء الكبرى، حيث قتل هناك سعد عرجون وانفرط نظام جموعه، ففر جزء منهم إلى وداين، وجنح الآخرون إلى السلام ... فانتدب القائمقام محمد بك سليمان بأورطته لإرجاع الفارين كبادية الزيادية التي كان زعيمها رجل يدعى علي كوع النمر صعب المراس جموحا، فنشر محمد بك سليمان أورطته في نقط عديدة فيما يلي حدود دارفور مع وداي، وصار يطلق النار على الفارين ما لم يذعنوا لطاعة الحكومة. وأذاع التهامي بك منشورا دعا فيه قبيلة الزيادية إلى الاستكانة، وحذرها شر الانقياد لعلي كوع النمر قائلا: إنه رجل بلغ من العمر مبلغا صيره لا يبالي بالحياة، فسيان في نظره الموت أو النجاة، أما أنتم فاحذروا عاقبة هذا العناد؛ ففي طاقة حكومة سمو الخديوي المعظم طلبكم من سلطان وداي، وإنه سوف يرغمكم إلى العودة إلينا، وإننا نعاقبكم شر العقاب لما عرفتم به من جفاء وإباء، وإن رضيتم بالطاعة فأنتم في حل من رضاء الحكومة.
ولما عادت قبيلة الزيادية حكم عليها بغرامة تؤديها من الإبل. وعندما استتب الأمن في شمال دارفور عاد محمد بك سليمان مع تلك القوات إلى الخرطوم، إلا أنه ما لبث بها طويلا حتى تأجج ضرام ثورة المهدية في آبا، وفتك دعاتها بحملة راشد بك أيمن مدير فشوده. وقد طلب محمد رءوف باشا لمصر وقبل أن يصل عبد القادر حلمي باشا، عين جيكلر باشا - نائب الحكمدارية - قوة عظيمة تتألف من الأورط النظامية، وأرادي الباشبزق، وكثير من المتطوعين، فسار محمد بك سليمان ضمن تلك الحملة التي سارت إلى جبل قدير.
وفي يوم الأحد 10 رجب سنة 1299ه/28 مايو سنة 1882م، وصل يوسف حسن الشلالي باشا بحملته إلى جبل الجرادة، واستحكم في داخل زريبة من الشوك متينة. وقد شاهدته كوكبة من الفرسان بقيادة الأمير أبي هداية عم المهدي الذي خرج لمراقبة حركات الحملة، فأرسل فارسا إلى المهدي في جبل قدير ليعلمه بوصول العدو، فأبلغ ذلك إلى المهدي بعد فراغه من صلاة العصر، فقال المهدي لأنصاره: اذهبوا إلى منازلكم وتأهبوا للزحف بعد صلاة المغرب؛ فتفرق الناس في الحال، وما كاد يأتي الوقت المضروب لذلك حتى ضاقت بهم رحاب المكان، فأمر المهدي كل أمير أن يقف أمام بيرقه، ولا يتقدم أحد حتى يؤذن بذلك. وبينما كان المهدي مشغولا بنظام الجيوش، إذا به شاهد ثلة من الأنصار تقدمت في طريق العدو رافعة بيرقها، فانتهرها قائلا: لمن هذه البيرق؟ فقيل له: للمناصير. قال: إذن فلتتقدم تفاؤلا باسم المناصير، الذين هم من قبائل السودان المشهورة. ثم أخذت القوات يتلو بعضها بعضا.
ولما بلغت جبل الجرادة باتت قريبا من الحملة المصرية التي كانت على تمام اليقظة، وما كاد يبدو حاجب الشمس من يوم الاثنين 11 رجب و29 مايو حتى بدأ الأنصار بهجوم عنيف، وقابلهم رجال الحملة بنار حامية. وقد تولى القائمقام محمد بك سليمان إطلاق مدفع من طراز متراليوز حصد به الهاجمين كما يحصد الزرع، حتى تطرق الوهن إلى عزائمهم، فتقدم أحمدود سليمان - أمين بيت مال المهدية - ومسك سرع لجام جواد المهدي وقال له: «يا مولاي، إن العدو فتك بجيشنا فتكا ذريعا، وقد قتل أخوك السيد حامد وعمك أبو هداية، وبلغ الظمأ منا مبلغا عظيما، فارجع بنا لنشرب الماء ونلم شعثنا ثم نكر غدا فنقضي على العدو إن شاء الله.» وكان الخليفة محمد شريف واقفا قريبا من المهدي، فقبض على يد أحمدود سليمان وأطلقها من سرع لجام جواد المهدي وصفعه على خده، ثم قال للمهدي: «لا تلتفت يا مولاي إلى حديث هذا المرجف، بل اهجم بنا على الأعداء لنحاربهم حتى ننتصر أو نقتل فنرزق فضل الشهادة.» فشكره المهدي ودعا له بخير، ومن ثم أصلت سيفه، وقال الله أكبر ثلاث مرات، وكبر أنصاره لتكبيره وصاحوا صيحة مزعجة، وهجموا على الزريبة فسحقوها بسنابك خيلهم، واشتبكوا مع العدو طعنا بالرماح وضربا بالسيوف، حتى اضطرت الجنود المصرية إلى ثقب الزريبة من الخلف، وتراجعت إلى مزرعة كانت قريبة من حصنها لتدافع بداخلها، وهيهات، فتخطفها فرسان المهدية بأطراف الرماح، وقد وجدت جثث اللواء يوسف باشا حسن الشلالي وعبد الهادي ود صبر أحد قواد المتطوعين وغيرهما بالمزرعة. أما القائمقام محمد بك سليمان فوجدت جثته مطروحة على المدفع، وقد بز الأخير جميع أقرانه بدفاعه المجيد الذي ختم به حياته، تغمده الله برحمته. (2)
القائمقام أبو بكر بك الحاج الدنقلاوي البديري؛ أي «عباسي»: وهو من بلدة أبكر غرب النيل وشمال الدبة بمديرية دنقلا. كان أبو بكر بك قائدا لإحدى الأورط النظامية بالخرطوم. وقد سافر بأورطته إلى بحر الغزال بعد عودة حملة جسي باشا الإيطالي منها. ولما ثار الفور وشددوا النكير على الحاميات المصرية كما أسلفنا، صدر له الأمر بإنجادها؛ فسار بأورطته من ديم زبير الذي يبعد عن واو 139 ميلا غربا إلى بلدة تلقونا، ومنها إلى بحر العرب شمالا بين غابات متعانقة وآجام كثيفة، ومستنقعات وخيمة، ووحوش كاسرة. ولما بلغ أبي جابرة التي كانت عاصمة لمديرية شكا، غادرها توا إلى مديرية دارا، وبها تلقى أمرا يقضي عليه بمواصلة الزحف غربا إلى بلدة كاس لمحاربة
2
المقدوم دقسا الفوراي، الذي كانت له جموع يسطو بها على حاميات الحكومة المتفرقة لجباية الضرائب وحفظ الأمن، حتى اجتاحها ولم يبق له منازع في تلك المناطق، فأغارت عليه الأورطة المصرية بقيادة أبي بكر، وحاربته حربا قضت على نفوذه هناك. وقد لجأ أتباعه إلى الاعتصام بقنن الجبال وكهوفها. وبعد القيام بهذه المهمة سار أبو بكر بك بأورطته لتعزيز حامية كبكابية، ولم يزل بها حتى جهر المهدي بدعوته في آبا، وتغلب على حاميات الحكومة. ولما احتل مديرية كردفان، هاجر إليه جماعة من الزغاوي
3
سكان شمال دارفور. وبعد مبايعته عاد منهم رجل يدعى حسابو محمد ينيو إلى مديرية شكا، وزعم أن المهدي بعثه خليفة عنه في دارفور. فما كادت القبائل تسمع منه ذلك حتى التفت حوله قبائل المعاليا والأسرة والزيادية والحوطية والماهرية والشطية وتنجر وزغاوي. وسار في جحفل تخفق فوقه الأعلام والبنود لحرب مديرية كبكابية
4
التي كانت بها طابية عظيمة مسلحة ببضعة مدافع، وبها أورطتان من الجنود النظامية كان يقود أحدهما أبو بكر بك الحاج كما ذكرنا، ويقود الثانية القائمقام آدم بك عامر التنجراوي.
5
ولما بلغ العدو كبكابية عسكر في شمال الاستحكام على مرأى من الجنود، وفي اليوم التالي هاجم الجنود المصرية التي قابلته بنار حامية، ودامت الحرب سجالا بينهما من شروق الشمس إلى ما بعد الزوال. ولما عجز الثوار عن اقتحام الاستحكام تراجعوا بعيدا عن مرمى قذائف المدافع وبدءوا بحصره. وكانت خيلهم تمنع كل من خرج ليحتطب أو ليأتي بالقش لعلف دواب الحملة، حتى شعر الناس ببعض الضيق. وهناك رأى آدم بك عامر - نائب المدير - ضرورة الخروج لضرب ذلك الطاغية وخضد شوكته، أو على الأقل طرده بعيدا عن المدينة قبل اتساع الخرق على الراقع، فانتدب لذلك الغرض نحو 500 جندي بقيادة أبي بكر بك الحاج، ورافقه بضعة ضباط كاليوزباشية حسن أغا العريفي، وعلي أغا تقل من أورطة آدم بك، ومرسال أغا برنقل، وغيره من أورطة أبي بكر بك. فخرجت تلك القوة في جنح الظلام من طابية وسارت شرقا كأنها تريد الوصول إلى الفاشر. وبعد ساعتين عرجت في سيرها نحو الشمال، وبعد قليل عطفت غربا حتى بلغت معسكر العدو في الثلث الأخير من الليل وهو في سبات عميق من النوم لا حارس ولا رقيب له، فصف أبو بكر بك الجنود نصف دائرة وصاروا يتختلون وراء الأشجار حتى أحدقوا بالعدو وباغتوه بإطلاق النار؛ فهب الأعداء من سباتهم مذعورين هاربين بعد خسائر فادحة. وكان ضمن قتلاهم الشيخ حسب الله زعيم بادية الحوطية وغيره من الأعيان. وعاد أبو بكر بك إلى الطابية بكثير من الغنائم والخيل والمؤن، وهناك أطلقت المدافع إيذانا بالنصر، ودهش الناس لفوز تلك القوة الصغيرة على جند يقدر بنحو 8000 مقاتل. أما حسابو بعد هذه الصدمة فقد تحقق عجزه عن مقاومة طابية كبكابية؛ ومن ثم سار منها إلى حصر مدينة كلكل التي لم يكن بها سوى بلوك واحد ومدفع جبلي.
وفي ديسمبر سنة 1883 عين المهدي السيد محمد خالد زقل أميرا لدارفور، فسار إليها في جيش جرار، وما كاد يصل دارا حتى قابله مديرها العام سلاتين باشا بالتسليم بعد أن اختتن وأعلن إسلامه. وواصل أمير المهدية زحفه على الفاشر التي كان بها مدير مصري يدعى السيد بك جمعة، وهذا هو الذي تجلت فيه صفات البطولة ولم يأبه لإسلام سلاتين باشا وانضمامه إلى العدو، بل حسر عن ساعد الجد، وقابل جند المهدية كما يقابل العدو عدوه، إلا أن الأمير السيد محمد خالد زقل قسم جنده على ثلاث نقط حول الفاشر، وهي في وداي ودبيرى جنوب المدينة على بعد ساعتين منها، وفي سويلنق الذي هو غدير شرق الفاشر على بعد ساعتين أيضا. وفي جبل حلوف في الشمال الشرقي من المدينة على بعد ساعة واحدة؛ ومن ثم أخذ في مهاجمة الجنود المصرية التي كانت في حصن به مزاغل. وكان السيد بك جمعة يراقب إطلاق المدافع بنفسه بحرص وإباء عظيمين. هذا وقد كتب أمير المهدية خطابا رقيقا إلى آدم بك عامر وأبي بكر بك، دعاهما فيه إلى التسليم بعد أن أفهمهما بانتصارات المهدي على حملة يوسف حسن الشلالي باشا في قدير، وتسليم محمد سعيد باشا مدير كردفان وحامياته، وهلاك حملة الجنرال هكس، وحملة علي بك لطفي، وحصر سنار والخرطوم، وإسلام سلاتين باشا وإيمانه بالمهدية. فما كاد يصل ذلك الخطاب إلى ضباط كبكابية حتى عقدوا مجلسا قرروا فيه التسليم حفظا لكرامتهم، وكتبوا الرد بذلك للأمير، وأخلوا الطابية وساروا مع العائلات والأولاد إلى الفاشر، وقابلوا السيد محمد خالد زقل في وداي ودبيري فبايعهم بالنيابة عن المهدي، وانخرطوا في سلك أتباعه، ولم يكلفهم شيئا سوى لبس جبب المهدية ذات الألوان. وهناك زاد الطين بلة على المحصورين، حيث دفن الآبار التي كان يشرب الجنود منها، وتقدم رجل يدعى جدو سلطان قبيلة ميما
6
بجيشه في جنح الظلام، حتى دخل مدينة الفاشر وأشعل بها حريقا هائلا التهم كثيرا من دور المدينة؛ فاضطر السيد بك جمعة وحاميته إلى التسليم.
هذا؛ وقد نقل أبو بكر بك الحاج إلى القلابات بناء على طلب خاله النور بك عنقره الدنقلاوي الذي كان مديرا لكبكابية كما ذكرنا، وصار أخيرا من قواد المهدية المبرزين، وهو الذي رد الكتائب الإنكليزية التي تألبت لإنقاذ الجنرال غوردون بعد أن فتك بقائدها الجنرال استيوارت في المتمة. ولما بلغ الأمير الزاكي طمل زحف الإمبراطور يوحنا بجيوشه للغارة على جيوش المهدية بالقلابات، انتدب أبا بكر بك الحاج في قوة تتألف من نحو 3000 مقاتل لمقابلة الأحباش والسير أمامهم ورفع أخبارهم إليه، وأرفق معه رجلا يدله على الطريق التي جاء بها الأحباش، وكان الدليل ماكرا خبيث الطوية؛ ففر منه ليلا وسار إلى الإمبراطور يوحنا وأبلغه بقرب العدو، فانتدب النجاشي أحد رءوس الأحباش بقوة تقدر بنحو 10000 مقاتل، سارت بدلالة ذلك الرجل العاق لوطنه العامل على تخريب بيته بيده وأيدي بغاة الأجانب، حتى باغتت أبا بكر بك بهجوم عنيف، وأنه قابلهما بدفاع مجيد، ولما شعر بتفوق العدو وتهوره في الهجوم، أخذ ينسحب من أمامه بطريقة عسكرية مثلى، وهي أن يدافع قسم وينسحب آخرون، إلى أن تجاوز منطقة الخطر، وبعد وصوله القلابات أخبر الزاكي القائد العام بذلك. وقد تحصنت جيوش المهدية بداخل زريبة من الشوك. وفي يوم 9 مارس سنة 1889 بعد أن بزغت الشمس وأضاءت الأفق بنورها، عاد الجو وتلبد بالعجاج، واكفهر بظلام حالك، وجاءت الوحوش فارة من الغابات أمام جيوش الأحباش التي كانت تقدر بمئات الألوف، يقود كل فيلق رأس كالرأس ألولا، والرأس هيلو مريم، والرأس منقاشي، والرأس تسما، والرأس ودهنشوم، والرأس مكيال، والرأس برنبرص، وغيرهم. وهناك أحاطوا بأنصار المهدية كإحاطة السوار بالمعصم، وبدءوهم بهجوم عنيف تحت وابل من مقذوفات البنادق وكرات المدافع التي برحت بهم تبريحا فظيعا، حتى صيرت منهم أكداسا حول الحصن، وكان بعض المقتولين قابضين بأيديهم على أغصان الزريبة وهم جثث هامدة.
ورغما عن ذلك فقد توفق الهاجمون إلى كسر ضلع من الزريبة، ودخل قسم منهم بقيادة الرأس الولا والرأس ودهنشوم، والرأس منقاشي والرأس برنبرص، وكان الأمير الزاكي يقف في وسط الزريبة ومعه قوة احتياطية تتألف كالآتي:
1300
مقاتل بقيادة الزاكي نفسه
500
مقاتل بقيادة أبي بكر بك الحاج
500
مقاتل بقيادة عبد الله ود إبراهيم
2300
فكرت الثلاث فرق الاحتياطية هذه على الأحباش الذين ولجوا الزريبة وفتكت بكثير منهم، وقتل الرأس ودهنشوم بالجامع، وأكره الباقون على الخروج من الزريبة. ولما أخفق الأحباش في هجومهم، عطفوا على الديم حيث تقيم العائلات، وأشعلوا النار في المنازل، وسبوا العائلات والأولاد، وفروا بها يريدون العودة إلى بلادهم؛ لأن الإمبراطور قتل ولكن أخفي موته ووضع داخل صندوق.
هذا؛ وقد تأثرهم الأنصار فأدركوهم في نهر العطبرة، وباغتوهم بهجوم عنيف في غسق الليل، فترك الأحباش العائلات، وكانت النساء المسبيات يزغردن بين الأعداء سرورا بهمم أبطالهن، وكان الرصاص يفتك بهن وبأطفالهن وبالأعداء الذين قذفوا بأنفسهم في نهر العطبرة فقتلوا به، حتى تغير لون الماء بدمائهم وعاف الناس الشرب منه زمنا طويلا. وقد مثل أبو بكر بك الحاج في غضون هذه الملحمة من ضروب الشجاعة ما يدعو إلى الإعجاب، ولنرجئ البقية إلى فرصة أخرى.
8
ثم كتب إلينا بتاريخ 24 فبراير سنة 1934 الرسالة الآتية. وهاك نصها بعد الديباجة:
فاتني أن أذكر لسموكم الزمان والمكان اللذين توفي بهما القائمقام أبو بكر بك الحاج لاختلاف الرواة الذين قال بعضهم: إنه قتل في حرب الشلك في أعالي النيل، وذهب آخرون إلى أنه توفي قضاء وقدرا في كردفان في غضون حكم المهدية، وكتبت لبعض الأصدقاء بالخرطوم فورد لي الرد من أحدهم يقول: إنه سأل غير واحد ولم يصل إلى نتيجة حاسمة، ولم أزل في انتظار الرد من آخرين. (1)
اللواء الماس باشا، كان هذا حبشيا، عين مديرا لدنقلا بدلا من حسين باشا أبي خليفة العبادي، إلا أن الجنرال غوردون عزله من هذا المنصب حوالي سنة 1291ه لأسباب لم نقف عليها؛ ومن ثم بقي كضابط في الخرطوم إلى حضور محمد رءوف باشا حكمدارا للسودان، فعينه مديرا للخرطوم بعد عزل محمود بك أحمداني الذي كان من صنائع التهامي بك الذي أسلفت لسموكم عنه في جوابي الثاني، ولكنه لم يبق في هذا المنصب أكثر من شهرين فقط حتى توفي إلى رحمة مولاه، وقبر بالخرطوم في المكان الذي قبر به موسى باشا حمدي، وأحمد باشا أبو ودان أمام جامع الخرطوم الحالي. (2)
القائمقام فرج بك عزازي. كان هذا تقلاويا نسبة إلى جبال تقلى الواقعة في الجنوب الشرقي لمدينة الأبيض عاصمة كردفان، وقد خطفه النخاسون صغيرا، وباعوه في مدينة أسوان لرجل هواري من سكان بني سويف. ولقد انتظم في سلك الجندية في عهد المغفور له عباس باشا الأول، ومنح رتبة الملازم الثاني في إبان ولاية المرحوم سعيد باشا خديوي مصر، وقام لحرب المكسيك، وبعد عودته منها منحه سمو إسماعيل باشا رتبة البكباشي، وهناك انتدب للخدمة في السودان، فكان قائدا لإحدى الأورط المصرية النظامية. ولما تمرد دردنجي ألاي في كسلا سنة 1863م، واشتدت وطأته على نفوذ الحكومة، انتدب ألاي من الجنود السودانية بقيادة الميرالاي آدم بك العريفي،
7
فكان فرج عزازي أفندي أحد ضباط هذا الألاي الذي توفق قائده إلى إخضاع المتمردين بلا حرب وعناء،
8
وعندما رقي آدم العريفي إلى رتبة اللواء، ونقل لرياسة الجيش بالخرطوم، سرحت الحكومة جنود دردنجي ألاي، وحل مكانها جنود الألاي الذي جاء به آدم باشا. فبقي فرج عزازي أفندي بفرقته في التاكا (أي كسلا). ولما استتب الأمن وعادت المياه إلى مجاريها، نقل فرج عزازي لنقطة «كوفيت»، وبعد أن أقام بها ردحا من الزمن، ألغيت هذه النقطة ونقل إلى نقطة «سنهيت» الداخلة الآن في مستعمرة إرتريا.
ولعل ذلك كان لبطر الأحباش وتحرشهم على أملاك الحكومة المصرية بعد إبادتهم للأورط المصرية التي كان يقودها أراكيل بك الأرمني، وتغلبهم على حملة راتب باشا، وكانت إذ ذاك توجد حامية أخرى بقيادة البكباشي صالح حجازي أفندي في نقطة «متتيب» في شمال كسلا. ولما قام قائدها بمأمورية لمصر، خلفه الميرالاي محمد سعيد بك، الذي ما لبث بها طويلا حتى رقي إلى رتبة اللواء، ونقل بعد أن سلم قيادة الحامية إلى فرج أفندي عزازي، الذي صادف أيام وجوده في متتيب دخول عصابة من الأحباش في حدود الأملاك المصرية، فاعتبر ذلك عملا عدائيا ضد الحكومة المصرية مبررا حربه لتلك العصابة، فخرج لها في استعداد عظيم، وحاربها حربا عظيمة، حتى بددها، ولم يفلت من رجالها إلا النادر، وكتب بذلك تقريرا إلى الحكمدارية بالخرطوم التي أقرته على عمله، وكافأته بالترقية إلى رتبة القائمقام، ونقلته قومندانا لحامية سنهيت كما كان أولا، فكان ذلك في سنة 1293ه، وبعد حين من الزمن نقل قومندانا لحامية كسلا، ثم عاد إلى سنهيت للمرة الثالثة، وبقي بها إلى سنة 1297ه، وهناك قدمت إلى كسلا أورطة مصرية بقيادة القائمقام خسرو بك عزمي، الذي بقي قومندانا لحاميات كسلا، إلا أنه رقى هذا إلى رتبة الميرالاي وتوجه لمصر، فخلفه فرج بك عزازي إلى سنة 1301ه، وبعد أن سقطت مديرية كردفان في يد المهدي، عين عثمان دقنه أميرا للسودان الشرقي، وزوده بمنشورات شديدة اللهجة في الحض على الثورة، فصادف نداؤه هوى في نفوس القبائل التي اعصوصبت حوله، فبعث جندا منها بقيادة مصطفى هدل
9
لاحتلال مديرية كسلا، فاستدعى فرج بك عزازي إلى كسلا للدفاع عنها. وبعد وصوله إليها خرج في قوة تتألف من الجنود النظامية وبعض أرادي الباشبزق، لطرد العدو من حول المدينة. وكان معه كثير من الضباط، ومدفع جبلي يتولى إطلاقه ضابط برتبة ملازم ثان، وبضعة عساكر طوبجية، فما كادت تلك القوة تجاوز محيط المدينة، حتى تألبت عليها جيوش المهدية في مكان يعرف «بالجمام» في شمال المدينة قريبا منها، ولكن ما استطاعت تلك القوة الثبات أمام عدوها، بل فرت مدحورة إلى ورائها. ومن أغرب ما رواه لي أحد الذين شهدوا تلك الحرب، أن بلوكا من الجنود السودانية أدغم في الهاجمين لم ينج منه أحد قط .
هذا؛ وقطعت البغال الشرايح وفرت من ميدان القتال لدوي السلاح وجلبة الهاجمين، فلذلك ترك الطوبجية المدفع في مكانه وفروا مع الفارين، إلا أن بشير بك كمبال الشايقي أحد سناجق الباشبزق، لما رأى ضابط المدفع ضمن الفارين سأله عن مدفعه، فأجابه بأنه ترك لفرار البغال وتعذر حمله، فما كاد يسمع بشير بك كلامه حتى نادى في أرديه، وكر على العدو وأطلق عليه النار حتى دحره عن مكان المدفع، ثم أمر بعض الجنود بجره وحال بينهم وبين العدو، ولم يزل يدافع عن المدفع حتى عاد به إلى كسلا، وقد أعجب عفت بك - مدير كسلا - إعجابا عظيما لبسالة هذا الضابط واحتقاره للحياة حرصا على واجبه العسكري. ثم تولى فرج بك قيادة الجنود في حرب أنصار المهدية في بلدة «قلوسيت» ودافع دفاع الأبطال، ولكنه أخفق في هذه أيضا بعد خسائر فادحة وفر بجنده. ولما تقلص ظل النفوذ التركي وهيمن المهدي على أغلب جهات السودان، وبلغ اليأس من الضباط مبلغا عظيما حتى فر بعضهم إلى بلاد الحبشة وجنح آخرون إلى السلام، كتب مدير كسلا إلى المهدي كتابا طلب منه مندوبا ليسلم على يده، فبعث إليه العلامة الشيخ الحسين إبراهيم زهراء، وهناك وضعت الحرب أوزارها، وسلمت حامية كسلا مع قائدها فرج بك عزازي، الذي أرسل لأم درمان وضم بها إلى عثمان جانو التعيشي الذي تعين أميرا لدارفور. ونظرا لحذق فرج عزازي ودهائه، اتصل بذلك الأمير حتى صار من أقرب الناس إليه وأمينه، وأخيرا عين قائدا للإمدادية التي كانت عبارة عن قوة احتياطية تكون دائما ملازمة للأمير لإنجاد الجيوش وقت الحاجة. وقد شهد فرج بك عزازي الذي نسب إلى الأمير إذ ذاك؛ أي كان يدعى «فرج عثمان»، الحروب الآتية وهو كأمير من أمراء المهدية: (أ)
واقعة دارا بين جند المهدية وجند الفور الذي كان بقيادة المقدوم رحمه قومو، والذي قتل وتبدد جيشه. (ب)
واقعة وادي بيرى في جنوب الفاشر بين جند المهدية وجند الفور بقيادة السلطان يوسف إبراهيم قرض، فبدد جند الفور وهزم السلطان إلى جبال مرة ، ولكته أدرك وقتل في سنة 1304ه. (ج)
واقعة أبو حميزة في جبل شالا في طرف مدينة الفاشر في سنة 1306ه. (د)
تمرد الجهادية على الأمير محمود أحمد بمدينة النهود سنة 1309ه، وقد كبح جماح المتمردين وقتل زعماء الثورة ومثل بهم. (ه)
غزا مع الأمير محمود أحمد دار تاما غرب دارفور في سنة 1312ه. (و)
واقعة المتمة في سنة 1315ه. (ز)
واقعة عطبرة التي أسر فيها الأمير محمود أحمد، وبددت جيوشه في الفتح الأخير. (ح)
واقعة كررى في سنة 1316ه التي هزم فيها خليفة المهدي، فعاد فرج عزازي إلى دارفور مع السلطان علي دينار الذي كان سيئ الظن بأتباعه، فاتهم خمسة من أعيان جيشه كان منهم فرج بك عزازي بالمؤامرة على قتله، وأمر بهم فقتلوا بمدينة الفاشر في أواخر سنة 1316ه، وإليك أسماءهم:
فرج بك العزازي.
فضل السيد أبو جماع.
فضل الله يونس.
الماس الشيخ.
خير السيد فقس.
هذا؛ ولقد جمع الله بفرج بك عزازي وقار الكهول ورشاقة الشبان، فرغما عن بلوغه سن الهرم، فإنك ترى منه اعتدال القامة وكبر الهمة، وله في حروب المهدية من جلائل الأعمال ما يدعو إلى الإعجاب. وليته سلم للجيش المصري بعد احتلال أم درمان وطالب بمعاشه، ولكن سبحان القائل:
وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت . (3)
القائمقام صالح بك حجازي، برناوي الأصل،
10
كان هذا برتبة بكباشي قومندانا لحامية متتيب في كسلا كما أسلفنا. ثم قام بمأمورية لمصر وعاد منها إلى الخرطوم حوالي سنة 1290ه، وقد صادف إذ ذاك أن الزبير رحمه احتل دار الرزيقات في جنوب دارفور وتنازل عنها لحكومة مصر، وتعهد لها بفتح دارفور كترضية لها نظير قتله البلالي بك أول مدير لبحر الغزال،
11
فقبل سمو الخديوي إسماعيل باشا هذا الشرط، وأنعم عليه برتبة البكوية، وأمده ببعض الجنود والجبخانة، إلا أن الخديوي كان يشك في إخلاص الزبير بك، فأوعز سرا إلى إسماعيل أيوب باشا حكمدار السودان بأن يسرع في القيام ببعض القوات المصرية إلى دارفور ليدخلها على أثر احتلال الزبير لها قبل أن يفكر في تشكيل حكومة مستقلة هناك؛ فلذا قام إسماعيل أيوب باشا بالأورطة الموجودة في الخرطوم وسنار وكردفان، فرافقه البكباشي صالح أفندي حجازي، وقد دخل إسماعيل أيوب باشا إلى دارفور وهي غضة بعد احتلالها، وقسم الإقليم إلى خمس مديريات، وهي: الفاشر، ودارا، وكبكابية وكلكل، وأم شنقا، وشكا، كما أسلفنا، وهناك رقي صالح حجازي إلى رتبة القائمقام وعين مديرا لمديرية دارا التي تقع في الطرف الجنوبي من الإقليم. وكان يقيم هناك زهاء 12000 مقاتل من أتباع الزبير باشا بقيادة ابنه سليمان بك، الذي كان شابا طائشا متهورا، وكان واجدا على الحكومة المصرية التي استدعت والده لمصر وأبت عليه العودة لإتمام فصول روايته في دارفور.
وبينما هو كذلك؛ إذ بلغه قدوم الجنرال غوردون باشا إلى دارا ومنها إلى الفاشر، فتآمر مع ضباطه على اغتيال غوردون باشا والقضاء على حامية دارا، ومواصلة الزحف على المديريات الأخرى، والاستقلال بدارفور، والاستئثار بالحكم فيها، واعتقال كل الضباط والموظفين بها حتى يضطر الحكومة المصرية إلى إعادة والده إلى السودان، وكان معه ضابطان أكثر خبرا وأثقب فكرا منه، وهما النور عنقرة والسعيد حسين الجميعابي؛ فنصحا إليه في الكف عن عدائه، ولما لم يرعو، كتب الأخير كتابا سريا إلى الجنرال غوردون باشا في طريقه إلى دارا يحذره شر هذه المؤامرة، وبعث به مع رجل من التجار، وهناك كتب الجنرال غوردون إلى صالح بك حجازي مدير دارا يأمره بالاستعداد لدفع أي طارئ. وكانت المديريات محاطة بسور عظيم مفتحة به المزاغل، وعلى زاوية منه برج به مدفع، ويحيط بذلك السور خندق عميق، وتوجد هناك حامية من أخلاط الجنود المصرية.
فأخذ المدير في الاستعداد ومنع دخول الاستحكام، وزاد القره قولات، واستدعى الجنود المتفرقة لجباية الأموال. ولما رأى المتآمرون شدة حرص المدير، أحجموا عن تنفيذ ما كان منويا من قبل. وقد قابل الجنرال عمله بغاية الرضا، وله في شأن تلك المؤامرة قصة ضافية الذيول لا أرى ضرورة لبيانها. أما صالح بك حجازي، فلم يزل يشغل منصب مدير دارا إلى أن توفي إلى رحمة مولاه حوالي سنة 1293ه في دارا. (4)
البكباشي مرجان أغا الدنسوري. لم أقف على محل ولادته وأصله، إلا أنه زنجي كما ذكر لي غير واحد من الرواة. ولما سار السير صمويل بيكر في سنة 1871م، ورفع العلم المصري في مدينة كندكرو، نشر أورط خط الاستواء في نقط عديدة كالتوفيقية ولادو وأمادي وغيرها لمنع تجارة الرقيق، فبقيت تلك النقط في عهد الكولونيل غوردون باشا وكذا في عهد إبراهيم فوزي باشا وأمين باشا. وفي عهد الأخير كان البكباشي مرجان أغا الدنسوري قومندانا لحامية لادو التي هي مركز رياسة مديرية خط الاستواء.
ولما تغلب المهدي على مديرية كردفان في سنة 1301ه، انتدب جندا عظيما بقيادة الأمير كرم الله كركساوي لاجتياح الحاميات المصرية المبثوثة إذ ذاك في مديريتي بحر الغزال وخط الاستواء، فسار ذلك الأمير بطريق شكا حتى دخل بحر الغزال في سنة 1301ه، وأسر مديرها لبتن بك بعد مناوشة بسيطة، وأوغل شرقا حتى بلغ رومبيك التي تبعد عن شامبي في شمالي بحر الجبل غربا بمائة ميل وواحد، وهناك أنفذ جندا لإخضاع نقطة أمادي التي تبعد عن الرجاف بمائة وأربعة وعشرين ميلا. ولما سمع البكباشي مرجان أغا الدنسوري زحف دعاة المهدية على نقطة أمادي، قسم جنده شطرين ترك نصفه لحماية عاصمة المديرية في لادو، وسار بالنصف الثاني لإنجاد حامية أمادي. وقد تمكن من الدخول إليها رغما عن خطر المحاصرين لها، وتولى الدفاع عنها بهمة لا يعتورها الملل، ودامت الحرب سجالا بين الفريقين من أوائل رجب سنة 1301ه، إلى أواسط رمضان سنة 1301ه. ورغما عن ذلك الحرص المقرون بالجراءة والإقدام، فإن المهديين تمكنوا من خضد شوكة الجنود المصرية، ودخول خندق أمادي عنوة تحت وابل من مقذوفات أعدائهم، حتى اضطروهم إلى إخلاء أمادي والفرار منها إلى طومبي بعد خسائر مهمة. وقد أدرك البكباشي مرجان أغا في طومبي، وقتل ومن معه من الجنود المصرية، وحز رأسه وحمل على كعب رمح حتى جيء به إلى الأمير كرم الله كركساوي، الذي جاء إلى أمادي في آخر أيام حصرها .
هذا؛ وتكرموا بإعادة النظر إلى كتابي الثاني، حتى إذا وجدتم به أني قلت عن جنسية القائمقام محمد بك سليمان «الشايقي السرورابي» فصلحوها إلى «الشايقي السورابي».
9
ثم كتب إلينا بتاريخ 5 مارس سنة 1934 الرسالة الآتية، وهاك نصها:
مولاي، سبق إخباركم باختلاف الرواة في الزمان والمكان اللذين توفي بهما القائمقام أبو بكر بك الحاج، وقد علمت أخيرا من غير واحد من بطانته العارفين به أنه قتل في محاربة الشلك سنة 1309ه كما ذكرت لكم في إحدى الروايتين.
10
وجاءنا بتاريخ 3 أكتوبر سنة 1933 من حضرة الفاضل إسكندر أفندي حداد بعبية لبنان، الرسالة الآتية عن طريق باشمعاون دائرتنا، وها هي بعد الديباجة:
قرأت ما ذكرته جريدة الأهرام بتاريخ 5 سبتمبر سنة 1933 عما يتعلق بالأورطة السودانية المصرية في المكسيك وأفعالها. وبما أني كنت مستخدما نحو سنة 1892 في سواكن، تعرفت في ذلك الحين على أحد ضباط الأورطة برتبة بكباشي يدعى علي جفون (معروف عند كثيرين من الضباط القدماء)، كان ملحقا بإحدى الأورط السودانية (أظن 11 جي أورطة)، وكان يقص علينا كثيرا من الأعمال المجيدة والبطولة عما قاموا به في تلك البلاد النائية. وإذا شئتم حضرتكم أن تعرفوا عنه أكثر، يمكنكم الاستفهام من أحد الضباط القدماء إذ هو معروف عند الجميع.
11
فكتبنا إلى حضرة صاحب العزة حمدي بك سيف النصر - من كبار ضباط الجيش المصري الذين حضروا فتح السودان، ومدير الجيزة سابقا - ليوافينا بمعلوماته عن المرحوم البكباشي علي أفندي جفون، فأرسل إلينا بتاريخ أول نوفمبر سنة 1933 ما يأتي:
وصل إلي خطابكم الخاص بالمرحوم البكباشي علي أفندي جفون الشلكاوي. أما معلوماتي الشخصية عنه فتلخص في أني قابلته لأول مرة في أول دخولي خدمة السواري بالجيش المصري سنة 1896 بوادي حلفا عندما قمنا لحملة استرجاع السودان، وكان هو في ذلك الوقت برتبة الصاغ في 12 جي أورطة سودانية. وكانوا يطلقون عليه لقب «أبو السودانية»، مع أنه لم يكن وقتها أكبر الضباط السودانيين رتبة، بل كان على الأرجح أكبرهم سنا وأحبهم إلى قلوب الضباط والعساكر المصريين والسودانيين على السواء. وأذكر أنه كان يروي لنا بعض الأحيان نوادر عن خدمته بحملة المكسيك لما كان بالسواري، وكان دائما يترأس حفلات الدلوكة (الرقص السوداني) واحتفالات الألعاب التي تقام بالأورط السودانية، وظل معنا في تقدمنا مع الحملة ببلاد السودان حتى دخلنا بربر، وكان قد ترقى لرتبة البكباشي، وهناك أقام الجيش مدة مرض في خلالها علي أفندي جفون، وتوفي إلى رحمة الله في أواخر سنة 1898، فاحتفل الجيش بمأتمه احتفالا عسكريا عاما، وحزنا عليه جميعا لما كان عليه من الأخلاق الحميدة والسيرة الحسنة. ولا زال إخوانه وأبناؤه القدماء يذكرونه بالخير ويترحمون عليه، ومع هذا بيان مختصر عن حياته حصلت عليه من أحد الضباط السودانيين القدماء، وهو:
تاريخ حياة المرحوم البكباشي علي أفندي جفون
من ضباط الجيش المصري
ولد المرحوم علي أفندي جفون بفشودة سنة 1812 ميلادية، أو سنة 1227هجرية، والتحق بالجيش المصري نفرا تحت السلاح سنة 1842م، أو سنة 1258ه، واستمر بالخدمة تحت السلاح حتى أرسل مع طابور من الجيش المصري من الطوابير السودانية إلى حرب المكسيك في عهد ولي النعم المرحوم سعيد باشا. وبعد انتهاء حرب المكسيك أعيدت القوة المذكورة إلى مصر، وأنعم عليه برتبة ملازم ثان في الجيش المصري في عهد المرحوم إسماعيل باشا، واستمر في خدمة الجيش حتى تولى المرحوم توفيق باشا وإلى أن جاء عهد الاحتلال.
وبعد سقوط السودان صار تنظيم الجيش المصري حسب النظام الحالي، وعين علي أفندي جفون ملازما ثانيا في 10 جي أورطة بيادة سودانية بجهة سواكن سنة 1887، وفي هذه السنة خرجت هذه الأورطة لرد غارات عثمان دقنه. وقد امتاز علي أفندي في هذه الموقعة؛ ولهذا ترقى لرتبة ملازم أول.
ولما ترقى إلى رتبة يوزباشي في 12 جي أورطة بيادة سودانية بسواكن، كان يطلق عليه اسم أبو الأورطة، حيث كان صاحب سياسة حسنة مع الجند السوداني، وكان ينهي كل الصعوبات مع العساكر بطريقة مرضية.
وفي مارس سنة 1891 رافق الجيش المصري لفتح مدينة طوكر، وبعد انتهاء فتح المدينة نال من السير جرنفيل ذكرا حسنا. وفي سنة 1892 نقل إلى حلفا ضمن قوة 12 جي أورطة بيادة سودانية. وفي سنة 1895 ترقى إلى رتبة صاغقول أغاسي. وفي سنة 1896 اتخذ قومندانية مركز 12 جي أورطة بيادة سودانية عند قيام الجيش لحملة دنقلا لاسترجاع السودان، وبقي بحلفا حتى فتوح مدينة دنقلا سنة 1896. وفي سنة 1898 نقل مركز الأورطة المذكورة إلى بربر وترقى إلى رتبة بكباشي. ثم توفي إلى رحمة مولاه في نهاية سنة 1898 عن أربعة أولاد؛ اثنين ذكور وهما حسن وحسين، واثنتين إناث وهما حميدة ورقية، وقد توفيت منهما رقية. أما أولاده الأحياء فلا زالوا بأم درمان إلى الآن.
12
وجاءنا من حضرة البكباشي علي خير الدين أفندي من الضباط الذين كانوا بالسودان والآن في المعاش الخطاب الآتي، وها هو بعد الديباجة:
أتشرف وأبدي معلوماتي إلى سمو الأمير عن محمد علي باشا الضابط السوداني: إن محمد علي باشا أصله من أهالي السودان مثل النور بك، ومحمد أفندي عثمان، وصالح بك المك، وخشم الموس باشا وغيرهم. ولكنهم ليسوا من قبيلة واحدة، بل فيهم من هو من الشايقية ومن الجعلية ومن الدناقلة. ومحمد علي باشا كان ضابطا نظاميا ترقى في السودان، وإني رأيته مرة واحدة حالما كنت بالخرطوم سنة 1294 هجرية. وبعدها توجهت من الخرطوم إلى حامية سنار للانضمام بهذه المديرية، وكان في ذلك الوقت حاكم السودان محمد رءوف باشا. ولما حضر غوردون باشا حكمدار السودان بدله رقى محمد علي باشا إلى رتب كثيرة لكونه كان كلما أرسل إلى مأمورية أو غزوة ينتدب إليها كان يصادف نجاحا عظيما. ولما قامت ثورة المتمهدي بالسودان، فحكمدار السودان رقاه حتى بلغ رتبة الميرالاي. وفي الوقت نفسه كان المتمهدي أسقط الأبيض وكردفان، ونزل بجيشه على الخرطوم وحاصرها، فأرسل الحكمدار محمد علي بك وقتها ومعه من عساكر الباشبوزق والنظاميين خمسة آلاف مقاتل، وخمس بواخر مصفحة بالفولاذ لمهاجمة أبي خرجة، وسافر بهم وضايق العدو برا وبحرا، وبعد يومين تمكن من الاستيلاء على الطوابي، وفر أبو خرجة من أمامه بعدما قتل من العدو جمع كثير، وهذه واقعة الجريف.
واقعة الحلفاية
بعد عودة محمد علي بك من الجريف، أرسله الحكمدار بهذه القوة مرة ثانية إلى جهة الحلفاية، وكان بها أولاد الشيخ العبيد، وهجم على حصونهم، فدافعوا ثلاث ساعات وانهزموا بعد ذلك بخسائر كثيرة، واستولت العساكر على ما كان عندهم من الغلال وغيرها، ورجع ظافرا؛ فأنعم عليه الحكمدار برتبة اللواء، وتلقاه بالإكرام حين عودته.
واقعة أبي حراز
أرسل إليها محمد علي باشا في خمس بواخر ومعه أربعة آلاف من العساكر. ولما وصل يدعو أهلها إلى الطاعة فروا من وجهه ولم يحاربوه، فنهبت الجنود ما فيها من الغلال والمواشي والبن الحبشي، وشحن من هذه المئونة بواخره الخمس، ورجع ولم يصادفه شيء في طريقه.
واقعة العيلفون
أرسل الحكمدار محمد علي باشا إلى العيلفون ومعه خمسة آلاف جندي، وكثير من المتطوعين توجهوا معه وكانوا أكثر من العساكر، وجميعهم من أهالي الخرطوم لأجل الكسب، وكان معه أيضا خمس بواخر وخمسة صنادل، وهجم على العصاة فقابلوه في أول الأمر بثبات عظيم. ولما أصلتهم العساكر نارا حامية وقتل منهم عدد كبير، فروا ومعهم الشيخ مضوي ولحقوا بأم ضبان، وعاد بالجيش الذي معه، ووصلت الانتصارات إلى غوردون فسر بها وأعجب بمهارته.
واقعة أم ضبان
لما انتصر في هذه الواقعة لم يكتف بذلك، والعساكر كانت في غاية التعب، فأرسل جواسيس إلى أم ضبان فعادوا وأخبروه كذبا بأن الشيخ العبيد في عدد قليل من الرجال لا يبلغ الألف، والظاهر أن الجواسيس كانوا من طرف الشيخ المذكور، وقصده بذلك اغترار العساكر، وقد كان؛ لأن محمد علي باشا سمع كلام الجواسيس وقام بالحملة يتأثر العدو حتى دخل الغابة، وكان العدو عمل له كمينا، فعندما توسط الكمين خرج عليه من أمامه ومن ورائه وبطش بالحملة أشد بطش، وأثخن العدو فيها قتلا وذبحا. ولما نظر القائد ذلك نزل من على دابته وكذلك أركان حربه، وجلسوا على الأرض حتى قتلوا، وهذه عادة يتبعها أهالي السودان، خصوصا من كان رئيسا أو مشهورا بالشجاعة؛ لأنه لو فعل غير ذلك لعيره أهل قبيلته عارا شديدا. وقد وقعت هذه الواقعة وقعا سيئا عند غوردون وأسقطت منزلته؛ فقد قتل الجيش ولم ينج منه إلا القليل، وهذه الواقعة كانت ضربة قاضية على الخرطوم. وهذا كل ما أعلمه.
13
وكتب إلينا حضرة الأستاذ محمود بك سبع، رئيس نيابة الزقازيق بتاريخ 21 ديسمبر سنة 1933 بعد الديباجة ما نصه:
قرأت بشغف زائد مقال سموكم الممتع بجريدة الأهرام عن الفرقة المصرية بالمكسيك. ولقد شغلني موضوع هذه الحملة زمنا ما وتقصيت أخبارها، وقد كان أهم ما وقع عليه نظري ما كتب عنها بمجلة مصر للمرحوم جالياردو بك
Revue d’Egypte
في عدة أعداد، وأظن أن سموكم قد اطلعتم عليه. وقد كتب المرحوم سرهنك باشا نبذة عن الحملة أيضا في كتابه دول البحار. وكنت قد اطلعت أيضا على نبذة وتقرير كتب عنها في مؤلف
Amédée Sacré & Louis Outrebon ، واسم الكتاب
L’Egypt et Ismaïl Pacha . ولما لم يكن الكتاب في متناول يدي إذ ذاك؛ لم أبادر بالكتابة لسموكم بشأنه.
أما وقد عثرت عليه أخيرا، فقد كتبت هذا لسموكم حتى إذا لم يكن قد سبق أن اطلعتم عليه، كان لي الشرف بإرسال الكتاب إلى سموكم.
فطلبنا من حضرته أن يرسل إلينا الكتاب الأخير الذي أشار إليه في آخر خطابه، وهو «مصر وإسماعيل باشا» لساكري وأوتربون، فتفضل بإرساله، وعربنا منه الفصل الذي ورد به عن هذه الأورطة من ص292 إلى ص297، وهو بصدد المعركة التي نشبت بينها وبين المكسيكيين في 2 أكتوبر سنة 1863، وقد ذكرناها بالصفحة 11 من هذا الكتاب، وهاك معرب هذا الفصل:
لا يخلو التقرير التفصيلي الذي بعث به رئيس قواد فيراكروز إلى الحكومة الفرنسية عن موقعة 2 أكتوبر عام 1863 من المدح والثناء على ما أظهرته فيها الأورطة السودانية من رباطة الجأش والبسالة؛ مما دعا القائد الفرنسي أن يقدر ما قامت به من الأعمال في هذه الموقعة حق قدره، ويدونه بعبارات تغني عن التعليق وتشرفها كثيرا وتعلي من شأنها. قال: في 2 أكتوبر سنة 1863 وفي الساعة السابعة صباحا، بارح القطار العادي محطة فيراكروز ميمما السوليداد
Soledad .
وكان يقوم بحراسة هذا القطار 14 جنديا، منهم سبعة من البلوك الأول من بحارة جزر الأنتيل
Antilles
والسبعة
12
الآخرون من الأورطة السودانية المصرية. وإليك أسماء هؤلاء:
بخيت بدرم
الجندي الأول ورئيس الفصيلة
بلال حماد
الجندي الثاني
أتوم سودان
جندي
إبراهيم عبد الرحمن
جندي
محمد عبد الله
جندي
عمر محمد
جندي
محمد علي
جندي
وكان القطار مؤلفا من عربات للمسافرين وأخرى للبضاعة. أما عدد المسافرين من الأهالي فكان أربعين، وكان من بين هذا العدد:
مسيو ليجييه
M. Ligier :
رئيس أورطة في ألاي الأجانب.
ومسيو شرر
M. Schèrer :
ملازم من بلوك المهندسين الوطني ومن أهالي جوادلوب
Guadeloupe .
ومسيو بوتنايل
M. Boutenaille :
ملازم ثان في حرب القارات (جريلا).
ومسيو ليونز
M. Lyons :
مدير السكك الحديدية.
ومسيو فرنك
M. Franc :
رئيس مهندسي السكك الحديدية.
ومسيو سافيللي
M. Savelli :
قس السوليداد.
وعدد كبير من النساء والأولاد.
وكان القطار متجها إلى تيزاريا
Tézéria
بسرعة تتراوح بين 15 و16 كيلومترا في الساعة، ووصل إلى موضع يقال له: لوما دولا ريفيستا
Loma de la Revista
حيث الطريق عرضه أربعة أمتار تقريبا بين سفوح الجبال المجللة من الجانبين بالأحراش والآجام الكثيفة، وكان فيها منحن وعر، وعندئذ لمح سواق القطار بعض القضبان منزوعة من أماكنها، وفي الحال حول قوة البخار محاولا الرجوع إلى الخلف، غير أن القطار برمته استمر هنيهة سائرا في طريقه مدفوعا بقوة سرعة سيره، فسقطت عندئذ العربات الأولى، ولم يستطع أحد أن يدفع حدوث الكارثة.
وفي هذه اللحظة دوى إطلاق البنادق بشدة من جانبي الطريق، وكان اتجاه الطلقات من أعلى إلى أسفل، ولم يكن في حيز الاستطاعة رؤية المهاجمين، فجرح سائق القاطرة وشخص من المسافرين. وعلى أثر ذلك أسرع بالرجوع إلى العربات كل من كان نزل منها، واتخذ القائد ليجييه خطة الدفاع، ونزل ليفحص الموقع وينظر فيما إذا كان في الإمكان الهجوم على العدو من الجنب.
وفي غضون هذا الاضطراب الشامل وبلبلة الأفكار الناشئة من خروج القطار عن طريقه، ومن ولولة النساء وصياح الأولاد وحيرة كافة المسافرين؛ ما كان يساور رءوس السبعة المصريين غير فكرة واحدة؛ ألا وهي القيام بواجب وظيفتهم، وأن يستعدوا لإطلاق النيران على الأعداء إذا لاحت أشباحهم وبانت. وكانوا ينتظرون وهم متخذون من جوانب العربات موقى لهم الوقت الذي يشتبكون فيه في القتال مع العدو برباطة جأش جديرة بالثناء العظيم والإعجاب المتناهي.
وعندما وقع نظر جميع رجال الحرس على القائد ليجييه وهو نازل من العربة، تبعوه ليقوموا بتنفيذ أوامره، ورغم شدة إطلاق النيران، أمكن استكشاف مواقع العدو بلا عائق؛ لأن هذه النيران مع شدتها لم تكن فتاكة، وما ذلك إلا لأن المكسيكيين كانوا مضطرين أن يلبثوا محجوبين عن الأعين لكيلا تصوب نحوهم طلقات البنادق.
ولما تحقق القائد أنه ليس في الاستطاعة الهجوم على العدو من الجنب، أراد أن يهاجمه وجها لوجه، فقذف بالأربعة عشر جنديا إلى المرتفعات، ولكن هذه كانت مغطاة بالآجام المتناهية في الكثافة، فما استطاعوا تسلقها، واضطروا أن يرتدوا على أعقابهم، واتخذوا من العربات مرة أخرى وقاية لهم. وفي غضون هذه الحركة أصيب القومندان ليجييه بجرح مميت، وجرح أيضا جنديان من البحارة. فبث هذا الفوز الحماسة في نفوس المهاجمين، فضاعفوا الطلقات، وصار لا محيص من التقهقر. وفي اللحظة التي كان يصعد فيها القومندان ليجييه إلى العربة بمساعدة بلال حماد، أصيب هذا بطلق ناري فخر صريعا وقضى نحبه. وعندئذ تطوع بخيت بدرم وأتوم سودان وحملا أولا القومندان ليجييه ووضعاه في عربة السكة الحديد، ثم رجعا إلى بلال حماد وكانت تحميهما في هذه الفترة نيران من بقي من الحرس المبعثرين خلف جميع العربات.
ومن هذه الساعة تسلم الملازم شرر القيادة العامة، ورتب رجاله بطريقة تلاشي كل محاولة هجوم يقوم بها المكسيكيون لأخذهم عنوة، ثم أرسل أحد رجال السكة الحديد إلى تيجريا
Téjéria
وإلى فيراكروز
Vera-cruz
ليعلموا رياسة القومندانية بموقفه ويطلبوا منها إرسال نجدات.
وكانت تيجريا في ذلك الوقت تحتلها فصيلة من السودانيين المصريين، مؤلفة من ضابط واحد و45 جنديا، وكانت هذه الفصيلة تحت إمرة الملازم الثاني رازود
Razaud
من ضباط الألاي الأجنبي. وهذا الضابط كان قد أخبره جواسيسه من الصباح الباكر بأن عددا عديدا من المكسيكيين يتألف من 250 إلى 300 رجل تقريبا يضربون في جوانب القفار، وعلى ذلك أخذ عدته وتأهب لمقابلة الطوارئ، فما كاد يبلغه هذا النبأ حتى قام بكتيبته المصرية السودانية مسرعا، وولى وجهه شطر اللوما دولاريفيستا سالكا أقصر طريق.
واستمرت رحى الحرب دائرة في غضون هذه الفترة، وكان رجال حرس القطار يصوبون بإحكام بنادقهم على المكسيكيين، ولا بد أن نيرانهم ألحقت بهؤلاء أضرارا بالغة، ويستدل على ذلك من أنهم أرادوا مرارا تخلصا مما حاق بصفوفهم من الضيق والكرب أن يحاولوا النزول من الجبل لينازلوا الحرس جسما لجسم، ولكن كل محاولاتهم ذهبت هباء وفشلت فشلا تاما، وقتل المدعو أتوم سودان رجلين منهم كانا قد وصلا إلى مكان لا يبعد عنه سوى بضعة أمتار.
وظل العدو يشن الغارة أكثر من ساعة حتى بدا في طلقاته النقص، ثم فترت فجأة وانقطعت بعد دقائق معدودات، ومع هذا لم يشأ مسيو شرر أن يخرج عن دائرة خطة الدفاع؛ خوفا من أن يكون انقطاع النيران حيلة مدبرة، وظل وقتا يسيرا ملازما التربص، ثم عقب ذلك ذهب رجل من الهنود المحليين للاستكشاف، ولم يلبث أن عاد وأخبر أن المكسيكيين زايلوا أماكنهم ولم يبق منهم ديار، والسبب في ذلك أن كشافة المكسيكيين أخبروا رئيسهم بقدوم حامية تيجريا
Téjéria ، فشدوا رحالهم وتركوا الميدان؛ اتقاء الوقوع بين نارين.
وتسنى عندئذ لحراس القطار أن يستريحوا ويتنفسوا الصعداء ويعاونوا المجروحين، وبلغت الخسائر مبلغا لا يستهان به؛ فأدركت المنية القائد ليجييه وبلال حماد وسائحا مكسيكيا، وجرح مسيو ليونز - مدير مصلحة السكة الحديدية - والقس سافيللي وجندي جروحا خطيرة. وأما مسيو شرر وبوتنابل وتسعة أشخاص من الجنود والمسافرين فجروحهم لحسن الحظ كانت أقل خطرا من جروح من سلف ذكرهم. وفي الحال صار الاهتمام بأمر الجرحى فضمدت جراحهم وأسعفوا بكل ما يلزمهم، وبعد ذلك بقليل؛ أي قبيل الساعة العاشرة والنصف، كان الجميع قد عادوا إلى فيراكروز، ونقل البعض من الجرحى إلى منزله، والبعض الآخر إلى المستشفى.
وأبلى السبعة المصريون في هذه الموقعة بلاء حسنا، وأظهروا من الحزم والعزم ورباطة الجأش ما يندر وقوعه. وكان الجميع موضع إعجاب الضباط والعساكر الذين كانوا يقاتلون معهم جنبا إلى جنب. ولم يكن هنالك أدنى شك في أن النجاح يرجع معظمه إلى ثباتهم وشدة مقاومتهم تلك المقاومة الجديرة بالمدح والثناء المستطاب، خصوصا أنه اتضح من المعلومات التي وردت بعد ذلك أن عدد المكسيكيين كان زهاء 300 رجل بين راجل وفارس.
وبعد هذه الموقعة ترقى بخيت بدرم العسكري الأول إلى رتبة أونباشي، وأتوم سودان وإبراهيم عبد الرحمن ومحمد عبد الله وعمر محمد ترقوا عساكر أول. وفوق ذلك تقدم طلب بمنح بخيت بدرم وأتوم سودان الوسام العسكري.
وقد منحا فعلا هذين الوسامين في أول مارس 1864.
رئيس القواد
الإمضاء
ه. مارشال
نظر: جنرال اللواء والقومندان السامي في أوريزابا
الإمضاء
دوموسيون
تحريرا بفيراكروز في 24 مارس سنة 1864
هذا؛ وإننا نشكر هؤلاء الكاتبين الكرام الذين تفضلوا بموافاتنا بمعلوماتهم السابقة، ونختتم باب هذه المراسلات بنصين عن المرحوم فرج باشا الزيني عثرنا عليهما في جريدة الوقائع المصرية، وها هما:
جاء في عدد الوقائع المصرية رقم 536 بتاريخ 9 ديسمبر سنة 1873م ما نصه:
وجهت رتبة أميرألاي إلى حضرة عزتلو فرج الزيني بك مدير التاكة. ا.ه.
وجاء بالعدد رقم 811 بتاريخ 18 مايو سنة 1879م ما نصه:
تعين لمحافظة بربرة جناب عزتلو فرج بك الزيني الذي كان من مستودعي الجهادية. ا.ه.
ومن هذين النصين الرسميين يعرف أنه نال رتبة أميرألاي في عهد الخديوي إسماعيل وقبل الثورة العرابية بمدة طويلة، لا كما ذكرناه عنه سابقا بالصفحة 79 من هذا الكتاب من أن نيله لها كان في عهد الخديوي توفيق، فليستدرك ذلك.
ناپیژندل شوی مخ