(قال الفقيه): وقد كره بعض الناس اتخاذ الخاتم وأجازه عامة أهل العلم، فأما من كرهه فقد احتج بما روي في بعض الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن لبس الخاتم إلا لذي سلطان. وروي عن بعض التابعين أنه قال: لا يتختم إلا ثلاثة: أمير أو كاتب أو أحمق وروي في الخبر أن خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في يد أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ثم أخذه عمر رضي الله تعالى عنه وكان في يده، ثم أخذه عثمان رضي الله تعالى عنه حين ولي وكان في يده عامة خلافته ثم سقط منه في بئر أريس. وأما من قال يجوز للسلطان ولغيره فاحتج بما روي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أنهم كانوا يتختمون ولم يكن لهم إمارة، وهو ما روى جعفر بن محمد عن أبيه أن الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما كانا يتختمان في يسارهما وكان في خواتمهما ذكر الله تعالى. روى يعلى بن عبيد عن ابن سيرين عن رشيد بن كريب قال: رأيت محمد بن الحنفية يتختم في يساره. وعن يونس بن أبي إسحاق قال: رأيت قيس بن أبي حازم وعبد الرحمن بن الأسود والشعبي وغيرهم يتختمون في يسارهم فهؤلاء لم يكن لهم سلطان ولا إمارة ولأن السلطان يلبس للزينة ولحاجته إلى الختم والسلطان وغيره في حاجة الزينة والختم سواء فلما جاز للسلطان جاز لغيره وبه نأخذ، والمذهب الترك أفضل لغير القاضي والسلطان.
الباب الحادي والمائة: في نقش الخاتم والكتابة عليه
(قال الفقيه) رحمه الله تعالى: روى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تستضيئوا بنار المشركين ولا تنقشوا على خواتمكم عربيا)) فسئل الحسن عن تفسير ذلك فقال: معناه لا تشاوروا أهل الشرك في أموركم ولا تكتبوا في خواتمكم محمد رسول الله. وروى أمامة عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان نقش خاتم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أسطر محمد سطر ورسول سطر والله سطر، وكان نقش خاتم أبي بكر رضي الله تعالى عنه: نعم القادر الله، وكان نقش خاتم عمر رضي الله تعالى عنه كفى بالموت واعظا يا عمر، وكان نقش خاتم عثمان رضي الله تعالى عنه لتصبرن أو لتندمن. وكان نقش خاتم علي رضي الله تعالى عنه الملك لله، وكان نقش خاتم عمر بن عبد العزيز اغز غزوة تجادل عنك يوم القيامة.
(قال الفقيه) رحمه الله: لو كان خاتم في فصه تماثيل فلا يكره، وليس كالتماثيل في الثياب والبيوت لأن التمثال في فص الخاتم صغير تقصر العين عنه فلا يتبين، إنما تكره التماثيل إذا كانت ظاهرة في عين الناظر فصارت كالعلم في الثوب فإنه يجوز وإن كان حريرا أو إبريسما لأنه قليل، فكذلك التماثيل في الخاتم. وروي عن أبي هريرة أنه كان على فص خاتمه ذبابتان. وعن أبي موسى أنه كان على فص خاتمه كوكبان. وروي عن حذيفة هكذا. وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنه كان على فص خاتمه أسد بين رجلين أو رجل بين أسدين، ولو كان على فصه اسم الله تعالى أو اسم نبي من الأنبياء فإنه يستحب له إذا دخل الخلاء أن يجعل فص الخاتم في كفه، فإذا أراد أن يستنجي يستحب له أن يجعله في يمينه لأنه لو استنجى مع ذلك كان فيه استخفاف وترك التعظيم.
الباب الثاني والمائة: في معاريض الكلام
مخ ۳۷۹