(قال الفقيه) رحمه الله: كره بعض الناس نقش المساجد بماء الذهب وغيره وأباحه الآخرون وهو قول أبي حنيفة رحمه الله، وعندي أنه لا بأس به إذا لم يكن من غلة المسجد. فأما من كره ذلك فقد ذهب إلى ما روي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال: ((ليأتين على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه مساجدهم يومئذ عامرة بالبناء وقلوبهم خاوية من الهدى، علماؤهم يومئذ شر علماء تحت أديم السماء من عندهم تخرج الفتنة وفيهم تعود)) وروى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن أقواما يزخرفون مساجدهم ويطولون مناراتهم ويسمنون أبدانهم ويميتون أفئدتهم، واعجبا كيف ضيعوا دينهم)) وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: أمرنا أن نبني المساجد جما والمدائن شرفا. وروي ((أن الأنصار جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمال فقالوا: يا رسول الله خذ هذا المال وزين مسجدك فقال صلى الله عليه وسلم : إن الزينة والتصاوير للكنائس والبيع بيضوا مساجد الله)) وأما من قال لا بأس به فقال: لأن فيه تعظيم المساجد والله سبحانه وتعالى أمر بتعظيم المساجد بقوله تعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه} يعني تعظم وقال في آية أخرى: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر}. وروي عن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه أنه بنى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالساج وحسنه. وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه نقش مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وبالغ في عمارته وتزيينه وذلك في زمن ولايته قبل خلافته ولم ينكر عليه أحد. وروي أن الوليد بن عبد الملك أنفق في عمارة مسجد دمشق وتزيينه مثل خراج الشام ثلاث مرات. وروي أن سليمان بن داود عليهما السلام بنى مسجد بيت المقدس وبالغ في تزيينه. وفي الخبر أنه أقام في عمارته كذا وكذا ألف رجل سبع سنين ووضع آجرة من الكبريت الأحمر على رأس قبة الصخرة، وكانت الغزالات يغزلن في ضوئها بالليل على اثني عشر ميلا، وكان على حاله إلى أن خربه بختنصر وغيره.
الباب السابع والتسعون: في كراهية البصاق في المسجد
(قال الفقيه) رحمه الله تعالى: إذا كان الرجل في المسجد فإنه يكره له أن يبزق فيه ولكن ينبغي أن يبزق في ثيابه ويدلكه لأن الله تعالى قال: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه} يعني تعظم والبصاق فيه ترك التعظيم. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن المسجد لينزوي من النخامة كما تنزوي الجلدة من النار إذا ألقيت فيه)) وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((أنه أبصر نخامة في المسجد فحكها وقال: أيحب أحدكم أن يؤتى في صلاته فيبزق في وجهه فإذا أراد أحدكم أن يبزق فلا يبزق عن يمينه ولا يبزق أمامه ولكن يبزق عن يساره أو تحت قدمه فإن لم يجد مكانا فليبزق في ثوبه ثم ليفعل هكذا)) يعني يدلكه. وروي عن بعض الصحابة أنه قال: إذا استرد الرجل النخامة تعظيما للمسجد أدخل الله في جوفه الشفاء وأخرج منه الداء وإذا كان في غير المسجد فأراد أن يبصق ينبغي أن يبصق تحت قدميه أو عن يساره ولا يبزق عن يمينه ولا أمامه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا بزق أحدكم فلا يبزق عن يمينه ولا يبزق أمامه)) وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أنه بزق في مرضه عن يمينه ثم قال: ما بزقت عن يميني منذ أسلمت. وعن بعض الصالحين أنه أراد أن يخرج إلى الحج فاختار الجانب الأيسر من المحمل فقيل له: لم اخترت الجانب الأيسر؟ قال: لأني إذا بزقت عن يساري كان أيسر علي.
الباب الثامن والتسعون: في كراهية صلاة الرجل وهو ناعس
مخ ۳۷۶