(قال الفقيه) رحمه الله تعالى: اختلف الناس في النكاح. قال بعضهم: هو فريضة، وقال بعضهم: هو سنة. ونحن نقول: إن تاقت نفسه إلى النكاح فالأفضل أن يتزوج إن قدر على ذلك، وإن لم تتق نفسه فإن شاء تزوج وإن شاء لم يتزوج واشتغل بعبادة ربه فهو أفضل. أما من قال بأنه فريضة فلما روى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نهيا شديدا، وكان يقول: ((تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة)) وأما حجة من قال بأنه سنة فما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أنه قال لعكاف بن وداعة ألك امرأة؟ قال لا، قال ولا جارية؟ قال لا، قال وأنت شاب موسر؟ قال نعم بحمد الله، قال فإنك من إخوان الشيطان أو من رهبان النصارى، فإن كنت منا فافعل كما نفعل، فإن من سنتنا النكاح، وأما إذا لم تتق نفسه فالاشتغال بالعبادة أفضل لأن الله تعالى مدح نبيه يحيى عليه الصلاة والسلام فقال {وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين} والحصور الذي لا يأتي النساء لا من عجزه: يعني أنه كسر شهوته باشتغاله بعبادة ربه وإذا أراد أن يتزوج امرأة فعليه أن يتزوج بذات الدين كما قال صلى الله عليه وسلم : ((تزوج المرأة لمالها وجمالها وحسبها ودينها فعليك بذات الدين تربت يداك)) وقال علي رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((إياكم وخضراء الدمن، قيل يا رسول الله وما خضراء الدمن؟ قال المرأة الحسناء في منبت السوء)) وقال بعض الحكماء: أفضل النساء أن تكون بهية من بعيد مليحة عن قريب، غذيت بالنعمة وأدركتها الحاجة فخلق النعمة معها وذل الحاجة فيها.
الباب السادس والثمانون: في الكسب
(قال الفقيه) رحمه الله تعالى: كره بعض الناس الاشتغال بالكسب، وقالوا: الواجب على كل إنسان الاشتغال بعبادة الرب والاتكال عليه. وقال عامة أهل العلم: الكسب بمقدار ما يكفي له ولعياله واجب فإن زاد على ذلك فهو مباح والاشتغال بالعبادة أفضل، فإن اشتغل بطلب الزيادة لا يكون حراما إذا لم يرد به الفخر والرياء ولم يترك به الفرائض. وأما من قال إنه لا ينبغي له أن يشتغل بالكسب فلأن الله تعالى قال: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} فقد خلق الله تعالى الخلق لعبادته فينبغي أن يشتغلوا بعبادته لا بالكسب، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((ما أوحى الله إلي بأن أجمع المال ولا أكون من التاجرين ولكنه أوحى إلي بأن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)) وأما حجة من قال: بأن مقدار الكفاية واجب فهو أن الله تعالى فرض الفرائض ثم لا يتهيأ للعبد أداء الفرائض إلا باللباس وقوة النفس وذلك لا يقدر عليه إلا بالكسب وقال تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((تبايعوا بالبز فإن أباكم كان بزازا)) يعني إبراهيم خليل الرحمن. قال عبد الله بن المبارك: من ترك السوق ذهبت مروءته وساء خلقه. وقال إبراهيم بن يوسف: عليك بالسوق فإنه عز لصاحبه. ويقال ترك الكسب على ثلاثة أوجه: للكسل، والتقوى، والعار. فمن تركه كسلا لا بد له من السؤال، ومن تركه تقوى فلا بد له من الطمع، ومن تركه عارا وحمية فلا بد له من السرقة. ويقال: ثلاثة أشياء لا علاج لها. أحدها المرض إذا خالطه الهرم والثاني العداوة إذا خالطها الحسد، والثالث الفقر إذا خالطه الكسل. وقال الحكيم أبو القاسم: كسب الحلال يجمل ذا الفاقة العفيف، ويستر المقتر الضعيف، ويقطع لسان ذي الإحنة السخيف. ويقال لكل شيء حلية وزينة وحلية الشاب وزينته أن يكون وراء عمله. ويقال: ست خصال إذا كانت في الرجل يكون سيد الرجال ثلاث من خارج البيت وثلاث من داخل البيت. فأما اللواتي من خارج البيت فأولها الاستفادة من العلماء، والثاني مخالطة أهل الورع، والثالث طلب قوته وقوت عياله من وجه حلال. وأما اللواتي من داخل البيت فأولها المذاكرة مع أهله ما سمع من العلماء، والثاني استعمال النفس بما رأى من أهل الورع، والثالث أن يوسع على عياله من اللباس والطعام مقدار طاقته.
مخ ۳۶۷