الحجة الرابعة : كل ما كان تكونه عن علة غير متحركة فهو فى وجوده غير متحرك، وذلك أن الفاعل إن كان غير متحرك فهو غير متغير، وإذا كان غير متغير فإنه إنما يفعل بنفس وجوده من غير أن ينتقل من أن يكون يفعل إلى أن يكون لا يفعل، ولا من أن يكون لا يفعل إلى أن يكون يفعل. لأنه إن انتقل فقد حدث له تغير بنقلته من شىء إلى شىء غيره. ومتى حدث له تغير، لم يكن غير متحرك. فإن كان إذا شىء غير متحرك: فإما ألا يكون يفعل فى حال من الأحوال، وإما أن يكون يفعل دائما، كيلا يكون متحركا من قبل أنه يفعل حينا. فمتى كانت علة ما غير متحركة [شيئا] لشىء 〈ما〉 ولم يكن يسبب علة له فى كل حال، ولا علة له حينا، فهى علة له أبدا. وإن كان ذلك 〈كذلك〉، فلم يزل علة له. فإن كانت علة الكل غير متحركة — كيلا تكون، إن كانت متحركة، غير كاملة أولا ثم تصير بأخرة كاملة — لأن كل حركة فإنما هى فعل غير تام، وكيلا يكون إن كانت متحركة تحتاج إلى زمان ومساوق الزمان — فيجب ضرورة أن يكون الكل أزليا، إذ كان إنما كان عن علة غير متحركة. فإن ظن ظان أن بقوله: علة الكل وحدها أزلية وإن العالم ليس بأزلى — تورعا وقربة إلى الله تعالى، فقد أوجب فى العلة التى هى الله تعالى [على] أنها متحركة، لا غير متحركة. ومتى قال فيه بأنه متحرك، لا غير متحرك، فقد قال بأنه ليس كاملا أبدا، بل حينا، وبأنه ناقص، من قبل أن كل حركة فهى فعل غير تام محتاج إلى ما دونه، أعنى إلى الزمان، من قبل الحركة. وإذا قال بأنه حينا غير كامل وليس هو أبدا كاملا، وأنه محتاج إلى ما دونه فقد استبدل بالقربة بعدا وسحقا وبالورع كفرا وفجورا. فإن ظن إذا ظان أن بقوله فى علة الكل إنها وحدها أزلية قربة إلى الله تعالى، فقد بلغ أقصى المبالغ فى الكفر بالله.
[chapter 5]
مخ ۳۸