وأما كاتب العقد فهو كاتب قد ذكره - عز وجل - في كتابه: {فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابا يسيرا} وقال: {كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} وقال: {يرزقون فيها بغير حساب}، وعلم الخاصة والعامة والعقلاء والجهال بمنفعة الحساب، وإقرارهم بالحاجة إليه في سائر أمور معايشهم، وأمر دنياهم وآخرتهم يغنينا عن ذكر فضله، والتشاغل بوصف نفعه، وليس في العلوم كلها ما لا يختلف فيه أهله، ولا تتباين فيه آراء علمائه غيره. وليس في العلوم كلها ما إذا أخطأ المخطئ فيه أو أصاب علم بإصابته أو خطئه المرتضاون فيه كما يعلمه المتمهرون فيه غيره. وإذا تبين متبين أصل تركيبه وجد الحكمة التي فيه، وإتقان الصنعة التي في تركيبه يدلان على أن الله - عز وجل - هو الذي تولى تركيبه، وأنه ليس من صناعات المخلوقين، فإنك إذا فكرت فيه وجدت كل عدد قل أو كثر # يعادل نصف عدد حاشيته إذا جمعتا بعدتا أم قربتا، وذلك مثل الخمسة التي حاشيتاها القريبتان الستة والأربعة، فإن حاشيتيها إذا جمعتا كانتا عشرة، ونصفها خمسة، وكذلك الحاشيتان اللتان هما أبعد من هاتين، وهما السبعة والثلاثة، وكذلك الثمانية والاثنان، وكذلك التسعة والواحد، وهذا مطرد في سائر الأعداد إلى آخر ما يمكن ضبطه منها. ثم إن الواحد أول الأفراد فليس بعدد، ولكنه مبتدأ العدد. وحد العدد إنما هو ما تركب من الآحاد، فإذا أضفت هذا الفرد الأول إلى الفرد الثاني وهو ثانيه، كان من ذلك أربعة هو أول الأعداد المجذورة، وجذره اثنان، وهما أول العدد الزوج، وإذا أضفت إلى الأربعة الفرد الثالث. خمسة اجتمع من ذلك تسعة، وهو ثاني الأعداد المجذورة، وجذره ثلاثة وهو ثاني الأعداد، وإذا أضفت إلى التسعة الفرد الرابع وهو سبعة كان من ذلك ستة عشر، وهو ثالث الأعداد المجذورة، وجذره أربعة، وهي ثالث الأعداد، وكذلك يجري في تركيب الأفراد، وتولد الأعداد منها بجذور الأعداد المجذورة المتركبة من اجتماعها إلى آخر ما يمكن ضبطه من الحساب، وفي ذلك دليل على الفردانية وقدم الواجد، وتنبيه للعقول عليه، على أن الأشياء عن الواحد - عز وجل - تكونت وهو العلة فيها، ولو رمنا استقصاء أعاجيب صنع الله - عز وجل - وآثار حكمته في هذا الباب، لطال به الكتاب، وإنما سنذكر منه ما يشوق المبتدئ إلى قراءة كتب الأوائل والنظر فيما جمعوه، فإنه يهجم به على رياض مونقة، وأحوال معجبة إن شاء الله.
كاتب الحساب:
مخ ۲۸۶