فأعلاها طبقة من قارب محله عقلك، وإن كان دونك، ثم طبقة من جرت # لك رياسة عليه أو وليت عملا هو من رعيتك فيه، ثم طبقة الحاشية وممن جرى مجراهم من الخدم والأولياء. ولكل طبقة من هذه الطبقات مرتبة في المخاطبة، ومنزلة من الدعاء متى زيد عليها، أو قصر به عنها وقع في ذلك الخلل والخطأ، وعاد بالضرر والأذى، وذلك أن الرئيس متى قصر به عما يستحقه أغضبه ذلك وأحقده، والتابع [إن] زيد على استحقاقه أبطره ذلك وأفسده، اللهم إلا أن يكون قد أتى في الخدمة ما يستحق به رفع المنزلة، فيجعل الزيادة له في المكاتبة، والرفع في المخاطبة ثمرة فعله وليس في الطبقات من الأتعاب زيادته على مقدار استحقاقها إلا الصديق، فإن كل ما تخاطبه مما تريد أن تستخرج مودته به، وتمكن منابينك وبينه باستعماله الجميل، وقد قال شيخنا أبو علي الحسن بن وهب - رحمه الله - وكان قدوة في الأدب: "كاتب رئيسك بما يستحق، ومن دونك بما يستوجبه، وكاتب صديقك كما تكاتب حبيبتك، فإن غزل المودة أرق من غزل الصبابة". وقال # أبو أيوب - رضي الله عنه وكان إماما في الكتابة -: "طرق الصداقة أملح من طرق العلاقة، والنفس بالصديق، آنس منها بالعشيق"؛ فسرق أبو تمام هذا القول منهم فنظمه فيهم فقال:
(وأجد بالخليل من برحاء الشوق وجدان غيره بالحبيب)
مخ ۲۷۳