البوذية في الغرب
الاحتكاكات الأولى
على الرغم من انتشار البوذية في آسيا، فإنها ظلت مجهولة على نحو شبه تام في الغرب حتى أوقات حديثة. لم تسفر البعثات الأولية التي أرسلها الإمبراطور أشوكا إلى الغرب عن نتائج، ولم يترك الزوار الغربيون الذين جاءوا إلى الهند القديمة سوى آثار ضئيلة في التاريخ.
وقد توغلت الحملة العسكرية للإسكندر الأكبر في آسيا في القرن الرابع قبل الميلاد إلى نهر السند، في باكستان الحالية. وعبر الإسكندر نهر السند في عام 326 قبل الميلاد، لكنه عاد نحو الغرب ومات في بابل بعد ذلك بفترة ليست بطويلة؛ في عام 323 قبل الميلاد. وسرعان ما وجد سلوقس الأول المنصور - خليفة الإسكندر على الجزء الشرقي من إمبراطورية الإسكندر - نفسه في صراع مع السلالة الماورية (321-184ق.م) الموجودة في الهند. وفي النهاية، في عام 303 قبل الميلاد، اتفق الطرفان على معاهدة سلام، وزار سفير إغريقي يحمل اسم ميجاستينيس بلاط تشاندراجوبتا موريا، جد أشوكا، في العاصمة الماورية باتاليبوتا (باتنا حاليا). وبعد هذه الاحتكاكات الأولية، بدأت حكايات عن رجال الهند المقدسين، المعروفين باسم «فلاسفة الهند العراة» في الانتشار في العالم الهيليني. ورغم ذلك، فقد كانت المعلومات المفصلة المتوافرة عن الدين الهندي ضئيلة، وإلى حد كبير كان الحديث يدور عن العجائب المتمثلة في الرجال الذين يسيرون وكل منهم رأسه تحت إحدى ذراعيه؛ ولذلك، ظلت البوذية مجهولة على نحو شبه تام للعالم الكلاسيكي.
وفي القرن الثالث عشر، عبر ماركو بولو آسيا الصغرى متجها إلى الصين، وجعلته هذه الرحلة يتعرف على بوذية الماهايانا. وكتب عن بوذا فقال: «لكن من المؤكد أن بوذا لو كان عمد مسيحيا لأصبح قديسا عظيما إلى جانب الرب يسوع المسيح.» وفي الوقت نفسه تقريبا، أصبحت حكاية «بارلام وجوزيفات» واحدة من أشهر قصص العصور الوسطى، بيد أن قراء العصور الوسطى لم يعرفوا مطلقا أن هذه القصة تقوم على إحدى حيوات بوذا، وألفت في الهند قبل ألف سنة تقريبا. وكلمة جوزيفات هي تحريف لكلمة «بوديساتفا».
ولم تبرز إمكانية وجود تواصل مستمر بين الشرق والغرب إلا مع اكتشاف البرتغاليين لطريق بحري مؤد إلى الهند في عام 1498. ورغم ذلك، لم يكن يولي سكان الإمبراطوريات الآسيوية المزدهرة اهتماما كبيرا بالأوروبيين أو بهذه القارة البعيدة قليلة السكان التي جاءوا منها؛ فالزوار الأوائل من هؤلاء الأوروبيين الذين جاءوا إلى آسيا كانوا يحرصون على العثور على الذهب أو تحويل السكان إلى المسيحية أكثر من حرصهم على دراسة الأديان «الوثنية». وعلى الرغم من أن اليسوعيين الذين احتكوا بالبوذية في الصين واليابان منذ القرن السادس عشر افتتنوا بها، فلم يحدث اهتمام جاد بالبوذية، ولم تتوافر المعلومات التفصيلية المتعلقة بتعاليمها إلا في منتصف القرن التاسع عشر.
وجاءت معرفة البوذية عبر ثلاث قنوات أساسية، هي: جهود الأكاديميين الغربيين، وأعمال الفلاسفة والمفكرين والكتاب والفنانين، ووصول المهاجرين الآسيويين الذين حملوا معهم أنواعا مختلفة من البوذية عند قدومهم إلى أمريكا وأوروبا.
الدراسة الأكاديمية
كان إيبوليتو ديزيدري (1684-1733) المبشر اليسوعي الإيطالي الذي سافر إلى لاسا عام 1716 من أوائل الأوروبيين الذين درسوا النصوص البوذية. درس النصوص التبتية في جامعة سيرا الرهبانية وناقش العقيدة البوذية والمسيحية مع باحثي التبت. وظهر مزيد من الاهتمام الأكاديمي بالبوذية خلال الفترة الاستعمارية؛ حيث بعث مسئولون أوروبيون - كثير منهم كانوا باحثين هواة أكفاء - إلى مناطق مختلفة في آسيا؛ فعدد كبير من مخطوطات الماهايانا المكتوبة باللغة السنسكريتية جمعه في نيبال المندوب السامي البريطاني بي إتش هودجسون. ومن الموظفين الحكوميين البريطانيين الذين قدموا إسهاما رائعا في دراسة بوذية التيرافادا تي دبليو ريس (1843-1922). أصبح ريس دافيدس مهتما بالبوذية أثناء إقامته في سريلانكا، ووصل إلى درجة تأسيس جمعية النصوص البالية في عام 1881. وما زالت هذه الجمعية إلى يومنا هذا أهم منافذ طباعة نصوص وترجمات التراث البوذي المكتوب باللغة البالية.
لعب أكاديميون محترفون من بلدان عديدة دورا مهما في نقل البوذية إلى الغرب؛ ففي عام 1844، نشر الفرنسي يوجين بيرنوف كتاب «مقدمة لتاريخ البوذية الهندية»، وأتبعه بعد سبع سنين بترجمة «سوترا اللوتس». وحفز الاهتمام بالبوذية في ألمانيا كتاب هيرمان أولدنبيرج الذي حمل عنوان «بوذا: حياته ومعتقده ومجتمعه» والذي نشر في عام 1881. وقرب نهاية القرن، نشر الأمريكي هنري كلارك وارين كتاب «البوذية مترجمة» (1896)، وهو عبارة عن مجموعة مقتطفات لنصوص من قانون بالي، وما زال هذا الكتاب يحظى بالشعبية حتى يومنا الحاضر. وفي نفس التوقيت تقريبا، انعقد البرلمان الأول لأديان العالم في شيكاجو في عام 1893، وهو حدث مصمم لتجميع ممثلي أديان العالم المختلفة لاستكشاف الأرضية المشتركة بينها. وكان من بين الممثلين البوذيين أناجاريكا دارمابالا (1864-1933) وهو سريلانكي ترك انطباعا كبيرا في أحاديثه واجتماعاته العامة. وقام بزيارتين أخريين في السنوات العشر التالية، وأسس فرعا أمريكيا لجمعية ماها بودي الحديثة التأسيس، وكانت تلك أول جمعية بوذية دولية، وكان مقرها كلكتا. وكان الفرع الأمريكي لهذه الجمعية أول منظمة بوذية في الغرب. وبعد فترة قصيرة من بداية القرن الجديد اتسع نطاق الاهتمام بالبوذية، منطلقا من بوذية الجنوب الآسيوي لتشمل دراسته بوذية الماهايانا من خلال المصادر التبتية والصينية. وقدم الباحثان البلجيكيان العظيمان لويس دي لا فاليه بوسان و(لاحقا) إتيان لاموت إسهاما هائلا في هذا المجال. ولا بد أيضا من ذكر دي تي سوزوكي (1870-1966) البوذي الياباني الذي عزز الوعي ببوذية الزن من خلال محاضراته وكتبه المؤثرة.
ناپیژندل شوی مخ