الاستحقاق
يمكن أن تكون الكارما جيدة أو سيئة. ويطلق البوذيون على الكارما الجيدة اسم «الاستحقاق» («بونيانيا»، بالسنسكريتية: «بونيا»)، ويبذلون جهودا كبيرة في الحصول عليها. ويصورها البعض كنوع من رأس المال الروحي - مثل المال الموجود في حساب بنكي - بموجبه يزيد الحساب ليصبح وديعة تحت حساب ميلاد سماوي تال. ومن أفضل الطرق التي يمكن للعوام كسب الاستحقاق من خلالها دعم جماعة الرهبان. ويمكن فعل ذلك من خلال وضع الطعام في أطباق الرهبان أثناء مرورهم في جولاتهم اليومية لجمع الصدقات، ومن خلال إعطاء ملابس للرهبان، ومن خلال الاستماع إلى الخطب وحضور الطقوس الدينية، ومن خلال التبرع بأموال لصيانة الأديرة والمعابد، فضلا عن أن الاستحقاق يمكن صنعه من خلال مباركة المتبرعين الآخرين والاحتفاء بكرمهم. ويجعل بعض البوذيين تجميع الاستحقاق غاية في حد ذاته، ويتمادون إلى درجة حمل دفتر لإحصاء مجموع «الحساب» الكارمي. وهذا الأمر يجعلهم يغفلون حقيقة أن الاستحقاق يكتسب باعتباره نتيجة فرعية لفعل الصواب؛ ففعل الأفعال الجيدة لمجرد الحصول على كارما جيدة سيكون فعلا أناني النزعة، ولن يكسب صاحبه الكثير من الاستحقاقات.
في كثير من الثقافات البوذية يوجد معتقد «تحويل الاستحقاقات»، أو فكرة إمكانية مشاركة الكارما الجيدة مع الآخرين، تماما مثل المال. إن التبرع بالكارما الجيدة له نتيجة سعيدة؛ فبدلا من استنزاف رصيد الكارما التابع لأحد الأشخاص، كما هي الحال مع المال، فإن هذا الرصيد يزداد نتيجة لحافز المشاركة الكريم. وكلما زاد عطاء المرء زاد ما يحصل عليه! وليس معروفا على نحو مؤكد إن كانت توجد مرجعيات في القوانين التشريعية البوذية تؤيد مثل هذا النوع من الأفكار أم لا. ورغم ذلك، فإن التحمس لمشاركة الاستحقاق الفردي للشخص في ضوء روح الكرم لهو أمر سليم من الناحية الكارمية؛ لأنه سيؤدي إلى تكوين شخصية كريمة ومحبة للخير.
وجهة نظر غربية
في الغالب يجد الغربيون فكرة الكارما وفكرة الولادة من جديد أمرا محيرا. ويرجع هذا، نوعا ما، إلى الاختلاف الثقافي في الافتراضات السابقة المتعلقة بالزمن والتاريخ كما أشرنا في السابق؛ ففي ظل ثقافة ترى الزمن يسير بطريقة دائرية تبدو فكرة الميلاد من جديد فكرة طبيعية. لكن إذا ولد الأشخاص من جديد فقد يعترض البعض قائلا: «لماذا قليل من الأشخاص يتذكرون حيواتهم السابقة؟» يمكن أن يتمثل التفسير في جانب منه في أن السمات الثقافية تؤثر على التجارب الفردية. وفي ظل غياب إطار يؤمن بتناسخ الأرواح قد لا تلاحظ ذكريات الحيوات السابقة أو لا يعترف بها. وقد يكون الأفراد غير راغبين في تعريض أنفسهم لسخرية الآخرين إذا ما أفصحوا عن تلك الذكريات. وعندما يتحدث الأطفال عن هذه الذكريات عادة يتجاهلها المعلمون والآباء بدعوى أنها نتيجة للخيال فائق النشاط. ورغم ذلك، تكثر الشهادات من قبل أفراد يزعمون تذكر حيواتهم السابقة، وكثير من هذه الشهادات من الصعب تفسيرها إلا إذا كانت الذكريات حقيقية. ومع ذلك، مثل هذه الذكريات نادرة، حتى في الثقافات التي ترى الميلاد من جديد أمرا مقبولا. ولعل التفسير الممكن الذي قد تقدمه البوذية هو أن تجربة الموت والميلاد من جديد تمحو مثل هذه الذكريات من المستويات العليا للعقل، وأن تلك الذكريات يمكن استرجاعها فقط في حالات الوعي المتغيرة مثل ذلك النوع الذي يستثار من خلال التأمل أو التنويم المغناطيسي.
شكل 3-5: لاما تبتي يصحبه مترهبن صغير في طريقهما لرعاية عجوز محتضر في القرية المحلية. المترهبن يحمل نص «كتاب الموتى التبتي». مشهد من فيلم «كتاب الموتى التبتي» (كندا، 1994).
ثمة سؤال شائع آخر متعلق بالميلاد من جديد، وهو: «إذا كان الناس يولدون من جديد، فلماذا لا يتزايد عدد السكان على نحو أسرع؟» مرة أخرى نجد أن هذا السؤال ناشئ عن افتراضات تتمحور حول الإنسان. إن عالم البشر هو مجرد عالم من عوالم الميلاد من جديد، ونظرا لأن الكائنات من الممكن أن تولد في أي عالم من العوالم الستة، فثمة حركة دائمة فيما بين هذه العوالم. وتعتقد بعض المذاهب البوذية، وأشهرها تلك المذاهب الموجودة في التبت، أنه توجد حالة وسيطة تمثل فاصلا بين الحياتين، وخلالها تبقى روح المتوفى لمدة تسعة وأربعين يوما قبل الميلاد من جديد. وخلال هذه الفترة تشهد الروح كل العوالم الستة للميلاد من جديد قبل الانجذاب - كما لو كان جذبا مغناطيسيا - إلى العالم الأنسب لحالتها الكارمية. رغم ذلك، ووفقا لمذاهب أخرى ، فإن الانتقال من حياة إلى أخرى يكون فوريا، والموت يتبعه على الفور ميلاد في حياة جديدة.
هل من الضروري الإيمان بوجود العوالم الستة والجنان والجحيم ليصبح المرء بوذيا؟ ليس بالضرورة؛ فعلى الرغم من أن معظم البوذيين يقبلون التعاليم التقليدية، فإنه من الممكن إعادة تفسيرها بطرق مختلفة؛ فمثلا من الممكن الإشارة إلى الأبعاد الأخرى للوجود، أو الأكوان الموازية أو مجرد الحالات الذهنية المختلفة. أما مناصرو «الحداثة البوذية»، التي سأقول عنها المزيد في الفصل الأخير، فيميلون إلى رفض عناصر «القرون الوسطى» التابعة لهذا النظام التقليدي، والاستعاضة عنها بأفكار أكثر توافقا مع العصر الحديث. وقد يكون من الممكن أيضا أن يصبح المرء بوذيا مع رفض فكرة الميلاد من جديد رفضا تاما، على الرغم من أن ذلك سيكون على حساب اختزال البوذية في شيء مثل الإنسانية العلمية. إن الإيمان باستمرار الوجود البشري في شكل أو آخر بعد الموت سيبدو مطلبا قليل الأهمية بالنسبة إلى معظم تقاليد الفكر البوذي.
إذن، هل هدف البوذية هو الميلاد من جديد في حالة أوفر حظا؟ على الرغم من أنه من الناحية العملية يرغب كثير من البوذيين - كل من الرهبان والعوام - في هذا الأمر بشدة، فإنه ليس الحل النهائي للمعاناة الذي تنشده البوذية؛ فبوذا لم يكن قانعا بالنعيم المؤقت الذي حصل عليه من خلال الغشيات التي تعلمها على يد أستاذيه، والوجود الروحاني الجليل الذي تستمتع به الآلهة ما هو إلا إطالة لهذه التجربة. وعاجلا أم آجلا فإن الكارما الجيدة التي تسفر عن الميلاد السماوي سوف تقضي أجلها، وحتى الآلهة سوف تموت وتولد من جديد. إن طاقة الكارما محدودة وتنتهي في نهاية المطاف؛ فهي لا تختلف عن طاقة المركبة الفضائية في مدار متلاش.
إن حل مشكلة المعاناة لا تكمن في ميلاد جديد أفضل من سابقه في عجلة التناسخ (سامسارا)، بل النيرفانا وحدها هي ما تقدم حلا حاسما.
ناپیژندل شوی مخ