يعرف المكان الذي حصل فيه بوذا على التنوير باسم بود جايا، وظل بوذا في ذلك المكان لمدة سبعة أسابيع يفكر في مستقبله. وتساءل عن وجوب أن يصبح معلما دينيا لكن أثناه عن ذلك صعوبة توصيل الإدراك العميق الذي اكتسبه للآخرين. ولفترة من الوقت مال إلى حياة الانزواء والعزلة، لكن بعد طلب من أحد الآلهة (تزخر البوذية بعدد هائل من الآلهة التي تشبه إلى حد ما الملائكة في المسيحية) تأثر من باب الشفقة وقرر نشر تعاليمه - الدارما (بالبالية: «الداما») - للعالم. وعندما أدرك من خلال قدراته الروحية أن معلميه السابقين قد ماتا، ذهب بوذا إلى بيناريس على نهر الجانج، حيث علم أنه سيجد في هذا المكان مجموعة من خمسة زملاء سابقين أداروا ظهورهم له في السابق عندما رفض طريق التقشف.
الخطبة الأولى والحياة المهنية باعتباره معلما
بعد أن وصل بوذا إلى حديقة مخصصة للأيائل الملكية قريبة من بيناريس، وبعد بعض التردد المبدئي، رحب به زملاؤه السابقون الذين سرعان ما أدركوا التحول الذي حدث له. وأعلن بوذا نفسه «تاتاجاتا» (أي «الشخص الذي وصل إلى الحقيقة») وألقى أولى خطبه، وهذا حدث عظيم في البوذية. والخطبة الأولى محفوظة في صورة نص ديني (سوتا) يسمى «إدارة عجلة الدارما». وتحتوي هذه الخطبة على التعاليم الأساسية للبوذية موضوعة في شكل صيغة تعرف باسم الحقائق الأربع النبيلة، التي سنناقشها بمزيد من التفصيل في الفصل الرابع. والعجلة رمز مهم في البوذية، وتستخدم غالبا لتمثيل الدارما. وكانت الخطبة الأولى هي الحدث الذي أعطى الدفع المبدئي لعجلة الدارما؛ تلك العجلة التي سوف تدور للأمام بلا توقف مع انتشار البوذية في أنحاء آسيا.
شكل 2-2: بوذا يكتسب التنوير: بوذا مصورا هنا في وضعية اللوتس بعد اكتسابه التنوير مباشرة، يطلب من الأرض أن تشهد على إنجازه، وذلك من خلال لمسها بيده اليمنى. التبت الغربي، في القرنين الحادي عشر والثاني عشر بعد الميلاد.
عند سماع الخطبة الأولى أدرك الحقيقة على الفور أحد أعضاء الجمهور، وأصبح «على الطريق» أو شخصا حقق الدرجة الأولى من الفهم الروحاني. ومع شرح بوذا لتعاليمه على نحو موسع حقق النساك الأربعة المتبقون هذه الحالة أيضا. وأصبح النساك الخمسة حوارييه ومنحوا صفة الرهبنة («بيكو») خلال مراسم بسيطة. وعند سماع الخطبة الثانية لبوذا، اكتسب النساك الخمسة التنوير الكامل. وعرف كل واحد من هؤلاء الخمسة وآخرون على شاكلتهم باسم آرهات (القديسين) ولم يعرفوا باسم البددة؛ لأن لفظة البد (بوذا) تقتصر فقط على الشخص الذي اكتشف طريق التنوير بنفسه وليس من خلال السماع عنه من شخص آخر.
شكل 2-3: الخطبة الأولى: بوذا رافعا يديه في إيماءة (مودرا) ترمز إلى العجلة، في إشارة إلى الخطبة الأولى المعروفة باسم «إدارة عجلة الدارما». وتظهر قاعدة التمثال عجلة الدارما في المنتصف وعلى يمينها ويسارها أيل يرمز إلى حديقة الأيائل القريبة من بيناريس حيث ألقيت الخطبة.
شكل 2-4: قمة ستوبا سوايامبونات، كاتماندو، نيبال. ويوجد غالبا في قبة ستوبا الرفات المقدس أو غيره من الأشياء المقدسة.
سرعان ما انتشرت التعاليم، وخلال وقت قصير اكتسب التنوير عدد كبير من الأشخاص. وتحكي النصوص الأولى عن مجموعة من قديسين (آرهات) يصل عددهم إلى ستين قديسا، وقد كلف بوذا هؤلاء بالذهاب باعتبارهم مبشرين ونشر تعاليم البوذية إشفاقا على العالم. وبعد خمس سنوات عندما تكونت مجموعة الرهبان، أقنعوا بوذا بتأسيس مجموعة مماثلة من أجل الراهبات. وعلى الرغم من تردد بوذا في البداية - لأن الرهبنة نفسها كانت تطورا جديدا، وتأسيس جماعة للراهبات كان شيئا غير مسبوق - فإنه وافق في النهاية. ولم تتوسع جماعة الراهبات بالقدر نفسه الذي شهدته جماعة الرهبان، وعلى العموم، في الوقت الحاضر تمجد «سانجا» جماعة الرهبان في الأساس.
هناك ندرة في تفاصيل السيرة الحياتية لبوذا في النصف الثاني من حياته. ورغم ذلك، من الواضح أنه قضى وقته في السفر سيرا على الأقدام، متجولا في المدن والقرى في شمال شرق الهند، مخاطبا أنواعا عديدة من الأشخاص من خلفيات دينية واجتماعية واقتصادية مختلفة. وغطت رحلات بوذا منطقة بلغ طولها 150 ميلا، وبلغ عرضها 250 ميلا؛ أي منطقة أصغر إلى حد ما من أيرلندا أو ولاية بنسلفانيا. وغالبا ما يصور بوذا وهو يخاطب الجمهور في الموضوع الذي يلقي فيه تعاليمه ويجيب عن الأسئلة وينخرط في مناقشات مع أشخاص من مختلف المستويات. كان أسلوبه يتسم دائما باللطف والهدوء، وكثير من أتباعه المذكورين في النصوص الدينية يشهدون على قدرته على الإقناع وجاذبية شخصيته. وفي بعض الأحيان يصور بوذا وهو يصنع المعجزات؛ تلك القدرة التي تعود إلى القوى الروحية التي اكتسبها من خلال ممارسة التأمل. ومع ازدياد شعبيته وتزايد عدد أتباعه، أسست مراكز سكنية يمكن للرهبان المكوث فيها لجزء من العام، ولا سيما في موسم المطر الذي يصعب فيه السفر. وغالبا ما كان الملوك أو المناصرون الأثرياء هم من يتبرعون لجماعة الرهبان بمساكن الإقامة، وتحولت تلك المساكن فيما بعد إلى مؤسسات دائمة تعرف باسم «فيهارا» أو الأديرة.
وفاة بوذا
ناپیژندل شوی مخ