حياة بوذا
تتسم المعلومات المتعلقة بحياة بوذا التي تتناولها المصادر الأولية بالتناثر وعدم الاكتمال؛ فعندما كان بوذا يلقي تعاليمه حول موضوع ما، كان يتذكر جزءا من حياته الأولى ثم يبدأ في سرده. وبعض هذه السير مذكور بالتفصيل، والبعض الآخر يغلب عليه الغموض، فضلا عن أن الترتيب الزمني لتلك الأحاديث لا يكون واضحا دائما. ولمثل هذه الأسباب فإن مهمة وضع سيرة حياتية لبوذا معتمدة على المصادر الموجودة ليست بالمهمة السهلة. علاوة على ذلك، فإن مفهوم السيرة الحياتية هو اختراع غربي حديث نسبيا، ولم تكن السيرة الحياتية نوعا أدبيا موجودا في الهند القديمة. وقد أعاقت صعوبات مماثلة محاولات تقديم سير حياتية للشخصيات الدينية القديمة الأخرى مثل المسيح، ومن غير المحتمل أن يحظى السعي وراء تقديم «السيرة التاريخية لبوذا» بنجاح أكبر. وما يزيد الأمر تعقيدا هو إيمان البوذيين بتناسخ الأرواح؛ ومن ثم فإن تقديم سيرة حياتية كاملة لبوذا يستلزم تضمين حيواته السابقة! وعلى الرغم من عدم وجود سرد متواتر قديم لحياة بوذا، فإنه يوجد اتفاق على الترتيب الزمني التقريبي لبعض المحطات المهمة في حياته المهنية. وباختصار، فإن الحقائق المتعلقة بحياته هي كالتالي: تزوج وهو في السادسة عشرة من فتاة تدعى ياشودار، أنجبت له فيما بعد صبيا يدعى راهولا (يعني «القيد»)، وبعد فترة قصيرة من ميلاد ابنه، ترك بوذا المنزل في سن التاسعة والعشرين للبحث عن المعرفة الدينية، وبلغ مرحلة التنوير في سن الخامسة والثلاثين. وقضى الخمس والأربعين سنة المتبقية من حياته في إعطاء التعاليم الدينية، وتوفي في سن الثمانين. ويركز البوذيون عادة على أحداث رئيسية معينة في الحياة المهنية لبوذا باعتبارها الأهم، ويحتفون بها بعدة طرق في الأدب والأسطورة والطقوس والحج للأماكن التي حدثت فيها. والأحداث الأربعة الأهم في حياة بوذا هي: ميلاده، وتنويره، وأول خطبة ألقاها، ووفاته.
النصوص الأولى
تعاليم بوذا مسجلة في مجموعات مختلفة من النصوص تعرف باسم «القوانين». وهذه النصوص مأخوذة من تقليد شفهي يعود إلى زمن بوذا، وحفظت عن طريق الإنشاد الجماعي. النسخة الوحيدة من هذه القوانين القديمة التي ظلت محفوظة بلا تحريف هي قانون بالي، وترجع تسميتها إلى اللغة البالية المكتوبة بها، وهي لغة عامية قريبة من اللغة السنسكريتية التي تحدث بها بوذا. دون قانون بالي كتابة في سريلانكا في حوالي منتصف القرن الأول قبل الميلاد، ويتكون من ثلاثة أجزاء أو ثلاث «سلال» (بالسنسكريتية: بيتاكا)، وهي: (1) الأجزاء (سوتا بيتاكا) أو خطب بوذا المقسمة إلى خمسة أقسام معروفة باسم «نيكايا». (2) لائحة قواعد الرهبنة (فينايا بيتاكا) التي تضم قواعد الانضباط في حياة الرهبنة. (3) الأطروحات الفلسفية (أبهيداما بيتاكا)، وهي تكملة متأخرة نسبيا للأعمال الفلسفية. يفترض غالبا أن لكل دين نصا مقدسا واحدا خاصا به، لكن هذا لا ينطبق على البوذية. إن قانون بالي يمثل مرجعية لمدرسة التيرافادا فقط. أما المدارس البوذية الأخرى فقد جمعت قوانينها التشريعية الخاصة بلغات مختلفة، وغالبا ما تنطوي على اختلاف كبير في المحتوى.
ميلاد بوذا
يقال إن ميلاد بوذا، الذي لا يختلف عن ميلاد المسيح، كان محاطا بأحداث خارقة. وتصف نصوص لاحقة كيف حملت والدة بوذا مايا به؛ فلقد حلمت مايا بأن فيلا أبيض يدخل في جانبها. والصورة
2-1
توضح ذلك الحلم. وفسر لها المفسرون معنى هذا الحلم، فقالوا إنها ستحمل ولدا سيصبح إما إمبراطورا عظيما (شاكفاتي) أو معلما دينيا عظيما. وكما جرت العادة عندما اقترب الحمل من أجله، شرعت مايا في رحلة من كابيلافاتو، عاصمة جمهورية ساكيا، إلى بيت أقاربها للولادة. وعندما وصلت الملكة ومرافقوها إلى بستان جميل في لومبيني جاءها المخاض، وولدت وهي واقفة مستندة إلى جذع شجرة شالا. ويقال إن سكان السماء وصلوا للتعجب من هذا الحدث الرائع؛ لأن ميلاد بوذا واقعة سماوية ومهمة. واهتزت الأرض ووضعت الآلهة الطفل على الأرض وغسلوه في حمام ماء معجز. ووقف الصبي على الفور وخطا سبع خطوات وأعلن أن هذه هي آخر مرة يولد فيها. وسمي الولد سيدهاتا جوتاما. ومعنى سيدهاتا هو «الشخص الذي حقق هدفه» أما جوتاما فهو اسم عشيرة مشتق من اسم حكيم هندي قديم. وبعد سبعة أيام فقط من ميلاد بوذا توفيت والدته، وتربى الطفل على يد أخت والدته باجاباتي التي أصبحت الزوجة الثانية لوالده سودهودانا.
قليلة هي التفاصيل التي يقدمها قانون بالي عن طفولة بوذا، لكن الانطباع الذي تركه هو أنه عاش حياة مترفة داخل جدران قصور والده الثلاثة، التي كان كل قصر منها مخصصا لأحد الفصول الثلاثة في السنة الهندية. كان بوذا الشاب يرتدي أفخر الثياب، ويتعطر بالعطور، ويحاط بالموسيقيين والخدم الذين يلبون كل احتياجاته. وعلى الرغم من أن تلك الظروف يظن أنها قد تسفر عن «طفل مدلل» من الطراز الأصلي، فإن شخصية بوذا يبدو أنها لم تتأثر تأثرا مفرطا. ويوصف بوذا بأنه كان طفلا سابقا لسنه يتصرف كالكبار، لكنه كان يراعي مشاعر الآخرين، فضلا عن تمتعه بذكاء حاد وقوى روحانية كامنة.
شكل 2-1: الحمل ببوذا: والدة بوذا، الملكة مايا، تحلم بأن بوذا المستقبلي يدخل جانبها في شكل فيل أبيض صغير؛ رمز مبارك للغاية. جزء من إحدى لوحات تانكا في التبت.
ناپیژندل شوی مخ