حَتَّى يَاتِيَكَ اليَقِينُ﴾ [الحجر:٩٩]، وترى هنالك بعين اليقين حقيقة الوجود الدنيوي، من خلال وجودك الأخروي: ﴿وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ. وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ. وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ. لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ [ق:١٩ - ٢٢].
إن المعرفة بالله تملأ قلبك أنسًا بالله، ثم أنسًا بالحياة، وأنسًا بالكون والكائنات، وأنسًا بالموت، الذي لن ترى فيه -إذ تقف عليه- إلا موعدًا جميلًا، للقاء جميل، مع رب جميل. فذلك ذوق الإحسان في قمة المشاهدات الإيمانية. وإنما (الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) (١). ألا يا حسرة على الناس إذ جهلوا بالله!
حتى إذا وجدت ما وجدت، وعرفت من ربك ما عرفت، أبت عليك معرفتك، وما فاضت به عليك من جمال الأخوة الكونية؛ إلا أن تسعى بهذا الخير إلى الناس كل الناس .. داعيًا إلى الله ومعرفًا به، لا يمكن لعارف بالله حقًّا إلا أن يكون داعية إليه، وهل يستطيع المحب أن يكتم من محبته شيئًا؟ إن الوجدان ليضيق عن كتمان جمال، تشرق أنواره على الكون كله! ولا يمكن للنور إلا أن ينير!