روما
6
لكتمه، وهذا إلى أن بسمارك يود إخافة خصومه ببرلين.
وبسمارك قبل قيامه بزيارة الشكر هذه يستدعي ضابطا ليعلم منه تفاصيل عن الزي الرسمي المناسب، ثم يسأله هازئا: «وما هي أقوم طريق لإمساك السيف وفق النظام الجديد؟»
والواقع أن لبس البزات الرسمية مع تقلد السيوف من الأمور الشائعة في برلين، ويود الإمبراطور أن يقنع نفسه ويقنع الآخرين بأنه يستقبل جنرالا، فينظم كل أمر بين كتيبة الشرف المحيطة بعربة البلاط وكتيبة الشرف أمام القصر كما لو كان الشيخ مولتكه هو الزائر، والآن على الإمبراطور أن يسمع صابرا هتافات الترحيب بخصمه العظيم، والآن على الإمبراطور أن يطيق تصفيق الجمهور لشخص غيره.
ولا يسر بسمارك بهذا الرئاء الشعبي، ويصفه من رأوه جالسا في عربته في ذلك الحين بطيف لابس بزة بيضاء شاحب اللون شارد الذهن كما لو كان يفكر في أمور بعيدة جدا، ولا بد من أن تكون مشاعره آنئذ مزيجا من الهزوء والازدراء، وهو إذا ما رجع بصره إلى الذكريات التاريخية لم يغب عن باله أن واحدة من زياراته النافعة للبلاط لم تثر مثل هذا الابتهاج الذي اتفق للرواية الراهنة الخالية من الخير، ومما لا ريب فيه أنه يتمثل حينما ينحني الآن احتراما ما أتاه من تلقين في أربعين سنة بأن الملك وكيل الله، فيرى ما في هذا التلقين من باطل ما دام يحتقر من أعماق فؤاده ذلك الرجل الذي يبدي له إجلالا على ذلك الوجه! وكيف يحتمل مع كبريائه مثل تلك الساعة إذا لم يقنع نفسه بأن العاهل يبجله كذلك؟
ولم يكد بسمارك يبلغ درجات القصر المعهودة، ولم يكد بسمارك يبصر تلك الوجوه التي لم يرها منذ أربع سنين حتى أخذ يناكد الجميع فيأتي بهربرت معه خلافا للبرنامج المقرر، ويأتي زعيم
7
لتحيته فلا يقول له غير كلمة: «كيسل؟ يلوح لي أنك أصغر مما كنت عليه في ذلك الحين.» وكل واحد في غرفة الانتظار يسمع كلام بسمارك، وكل ما يقوله بسمارك يطبق عليهم، ويلزمون جانب الصمت جميعا، ويدخل بسمارك على الإمبراطور وحده، وينحني احتراما ويعدله الإمبراطور ويقبله هذا العاهل البغيض، وتمضي دقائق قليلة فيأتي الأمراء الصغار وتسفر أصواتهم الصبيانية عن بهجة، ويقدم الغداء في الساعة الرابعة، ويرجى من بسمارك أن يداري نفسه بعد متاعبه.
وفي الليل تقام له حفلة عشاء كبيرة فتحضرها الحاشية، ويصل بيل غير مدعو كهربرت، ويجلس بسمارك بين ابنيه فيشعر بأنه أكثر أمانا، ويحس - أبا - أنه أعلى من العاهل الهوهنزلرني، ولا يؤدي وجود ابنيه إلى غير اشتداد الحقد عليه، فيعم الجميع روح انقباض، ولم يشعر أحد بأنه في مأمن حول المائدة حتى عندما يأتي بسمارك الشيخ بالنوادر، وهل هنالك من يحمر وجهه بفعل الخمر، فتخرج من فيه كلمة قاسية كما جاء في الأساطير التوتونية؟
ناپیژندل شوی مخ