أي إنها تقنع الفكر ولكنها لا تثير الشعور، ولا تستجيش الخيال كما يحدث عند قراءة الحوار الدرامي الذي ينوع الكاتب شخوصه، ويبرز فيه الأمزجة والدوافع النفسية، فتستجيب لها نفس القارئ بما تثيره من دوافعه وطواياه.
وهذه الرسائل التي نترجمها مقتبسة بغير عناء في الاختيار من أشتات رسائله الخاصة والعامة، لا نتوخى فيها إلا أن تكون معبرة عن فرنكلين في عادة فكر أو سجية شعور أو طريقة عمل، ولا حاجة إلى العناء الطويل في الاختيار لهذا الغرض؛ لأن كتاباته كما قدمنا فرنكلينية بطبيعتها في صفة واحدة على الأقل من هذه الصفات.
رد على خطباء القهوات
كتب هذه الرسالة، بتوقيع مستعار، إلى صحيفة لندن كرونيكل
London Chronicle
بتاريخ التاسع من أبريل سنة 1767 ردا على خطباء القهوات الذين كانوا يحرضون الشعب الإنجليزي على قمع الولايات الأمريكية وأخذها بالعنف والصرامة بدلا من الإصغاء إلى مطالبها الوطنية. قال:
لقد كان لأثينا خطباؤها، وقد صنعوا لها في بعض الأوقات خيرا كثيرا، كما صنعوا لها الشر الكثير في أوقات أخرى، وكان أسوأ ما صنعوه من شر على الخصوص يوم نجحوا في إغرائها بشن الغارة على صقلية، فناءت بأعبائها وخسائرها، وكان من جرائر تلك الحرب أن الدولة الزاهرة سقطت ولم ترجع إلى ازدهارها بعد ذلك أبدا .
وإن هؤلاء الصياحين بالدهماء بين الأقدمين يخلفهم في العصر الحديث كتاب نشراتكم السياسية، وكتاب الصحف، وخطباء القهوات.
ومما يلفت النظر أن رجال الجندية المنقطعين لهذه الصناعة، وهم أناس متصفون بالشجاعة التي لا جدال فيها، قلما يشيرون بالإقدام على الحرب إلا عند الضرورة القصوى، بينما يتعالى اللغط بالحرب لأتفه الأسباب من أناس كأولئك الصياحين والثراثرة والمحدثين الذين هم بطبيعتهم يهابون أو بحكم أعمالهم البدنية تعوزهم تلك النخوة التي تنبعث منها الشجاعة الصادقة، ويبدو عليهم كأنهم أشد بني آدم تعطشا إلى الدماء.
وإننا لفي هذا الزمن الذي لم نكد فيه نتنفس في أعقاب الحرب الشعواء المرهقة التي أهدرت الدماء والأموال على نحو لم يسبق له مثيل في القارة الأوروبية، نرانا أمام طوائف ثلاث من الخطباء يجتهدون اجتهادهم في إثارتنا على أصدقائنا والاندفاع بنا إلى حرب مع البرتغال، وحرب مع هولندا، وحرب مع مستعمراتنا.
ناپیژندل شوی مخ