بېله محدودیتونه
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
ژانرونه
سيطر الجنس البشري في العصر الحديث على جميع بيئات الأرض الطبيعية تقريبا، وأحدث تحولا جوهريا في الكوكب بأسره ليصبح وحدة إنتاج هائلة من أجل منفعته وحده. وأثناء هذا استولى الجنس البشري حديث التحرر من قيوده على جزء كبير من البيئة الطبيعية، ولوث تربة الأرض ومحيطاتها وغلافها الجوي، وجعل عالمنا على حافة كارثة.
يتفرد الجنس البشري بين كل كائنات الأرض في قدرته على الاستيعاب والتخطيط للمدى الطويل، إلا أننا ما زلنا نتحرك مدفوعين بغرائز حيوانية قديمة، من بينها التوسع والتكاثر لأقصى حد ممكن. أما الكائنات الأخرى فهي محدودة في قدرتها على التكاثر بطبيعة علاقتها الثابتة نسبيا مع البيئة، لكن التكنولوجيا جعلت استمرارية تكاثرنا أمرا ممكنا من خلال تمكيننا من الفرار من قيود قدرنا الحيوي، حتى بعد أن جعلنا العالم قاب قوسين أو أدنى من مستقبل مبهم وربما كارثي.
منذ خمسة ملايين سنة شجعنا استخدام أسلافنا الشبيهين بالقرود الحراب المصنوعة وعصي الحفر على الوقوف والسير والركض ونحن منتصبو القامة. أثمر هذا التطور في النهاية عن إعادة هيكلة جذرية في تشريح الثدييات حررت القوائم الأمامية من مسئوليات الحركة. استطاع أسلافنا باستخدام قوائمهم الأمامية القوية وأياديهم الماهرة أن يسيطروا على النار ويصمموا الملابس ويشيدوا المساكن. وحررتنا هذه التقنيات من الحاجة للعيش في البيئات المدارية حيث نشأنا، وسمحت لنا بأن نسكن المناطق المعتدلة الشاسعة في أوروبا وآسيا.
منذ مائة ألف عام أو أكثر حين بدأنا استخدام الرموز اللفظية والمرئية للتواصل، حررنا أنفسنا من حدود التجربة الشخصية المباشرة، واكتسبنا القدرة على مشاركة المعلومات عبر الزمان والمكان؛ ما مكننا من تجميع معرفتنا مع الآخرين وتنمية الثقافات التي توارثتها الأجيال في تراث شفهي من الأغاني والحكايات والأساطير.
منذ عشرة آلاف عام حررتنا تقنية الزراعة من البحث الدائم عن الغذاء الذي يشغل اهتمام كل الأنواع الحيوانية الأخرى. وفي أثناء ذلك لم نعد مجبرين على التجوال بلا نهاية، الذي طالما كان مصيرنا حين كنا صيادين وجامعي ثمار؛ فبدأنا نزرع غذاءنا، ونعيش في قرى، ونكدس كلا من الثروة المادية والمعرفة والحكمة التي أورثناها إلى نسلنا.
منذ خمسة آلاف سنة خلت اخترعنا تقنيات جديدة قوية للنقل والاتصال، شملت هذه التقنيات سفنا كبيرة عابرة للبحار، وعربات تجرها الدواب، وأشكالا من الكتابة مكنتنا من تدوين المعلومات للأجيال القادمة ومن التواصل مع الآخرين عبر مسافات بعيدة. أتاحت لنا تقنيات التواصل هذه بناء المدن وتكوين الحضارات، واستحداث أشكال متزايدة التطور من الفن والعلوم والتجارة والحروب والدين التي سرعان ما رفعت البشرية إلى موقع جديد من التفوق على كل أشكال الحياة الأخرى.
منذ خمسمائة سنة عتقتنا الآلات الدقيقة من ساعات وسدسيات وبوصلات ومجاهر وتلسكوبات من قيود أعضائنا الحسية المجردة، ومنذ أكثر من مائتي عام بقليل حررتنا تقنية المحركات المترددة من اعتمادنا القديم على القوة البدنية للجسد الإنساني ولدوابنا؛ ونتيجة لهذا أخضعنا العالم بقوى العلم وآلات الصناعة، وأنشأنا أمما واسعة حيث يعيش ملايين الناس ويعملون معا بوصفهم أعضاء في مجتمع إنساني واحد.
ويجرى الآن تحول ثامن تقود إليه تقنية المعلومات الرقمية المهمة، التي جعلت من الممكن لكل البشر التزاور والاتصال بعضهم ببعض في أي مكان على وجه الأرض؛ وهو ما مكننا من إقامة ثقافة ومجتمع عالميين يتخطيان الحدود القومية. سيكون التحدي الذي سيواجه البشرية هو تبني هذه الحضارة العالمية دون التضحية، سواء بالحريات الشخصية أو الهويات العرقية التي نحتاجها جميعا لتحقيق أهدافنا في الحياة والانتماء إلى شيء أكبر من أنفسنا.
لكن قبل أن نبدأ القصة المهمة عن كيفية تحرير التقنية للبشر من قيود أصولهم البدائية ، أود تعريف أربعة مفاهيم أساسية استخدمتها في هذا الكتاب بطرق خارجة عن المألوف قليلا، وتوضيحها. هذه المفاهيم هي: (1) طبيعة التقنية بالمعنى الأوسع للكلمة. (2) قراري استخدام مصطلح «أشباه البشر» بدلا من مصطلح «أسلاف الإنسان» الأكثر رواجا الآن. (3) المراحل الثلاث المتمايزة لتطور البشر كما حدثت على مدار الخمسة ملايين سنة الماضية. (4) الاختلاف الأساسي بين الثورة والتحول.
طبيعة التقنية
ناپیژندل شوی مخ