بېله محدودیتونه

دینا کډیل غراب d. 1450 AH
150

بېله محدودیتونه

بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية

ژانرونه

ظهر في العقود الأخيرة ظرفان يدفعان البشرية الآن نحو هذا الاندماج النهائي. الظرف الأول هو التهديد المتصاعد بسرعة للبيئة الكوكبية ولجميع المجتمعات البشرية. فلا يمكن لأي دولة بمفردها أو مجموعة دول إقليمية أن تحل مشكلة هذا التهديد العالمي؛ إذ يجب بالأحرى على جميع الدول العمل معا لحلها. الظرف الثاني هو الوسائل المتاحة - التي أصبحت ممكنة بفضل التقنيات الرقمية - للتفاعل السريع والفعال والميسور التكلفة بين سكان جميع المجتمعات والثقافات المختلفة المنتشرة في جميع ربوع العالم. ولا ينبغي التقليل من أوجه التفاعل المحتملة بين هذين الظرفين؛ فالدليل على أن هذه العملية النهائية للاندماج آتية لا محالة يكشف عنه ظهور عناصر اجتماعية وثقافية رئيسية لأول حضارة عالمية للبشرية.

ما لبثت العادات والتقاليد المحيطة بإعداد الطعام - التي يعتبرها اختصاصيو علم الإنسان واحدة من أكثر التعبيرات عن الهوية الإثنية والثقافية تميزا - تمر بعملية اندماج غير مسبوقة؛ فقد انتشرت تقاليد الطهي في أوروبا والأمريكيتين والشرق الأوسط وآسيا الوسطى والشرق الأقصى بعيدا عن ثقافاتهم الأصلية، وأصبحت مفضلة ورائجة في جميع أنحاء العالم.

تمر الموسيقى، وهي تعبير مميز آخر عن الهوية الإثنية والثقافية، بعملية عولمة بدأت مع الانتشار العالمي للموسيقى الكلاسيكية الأوروبية وما يتلوه الآن من انتشار لأنواع موسيقية تقليدية من جميع أنحاء العالم؛ فقد هاجرت أشكال من التناغم والإيقاعات الموسيقية والأنماط المعزوفة من عدد لا يحصى من الإثنيات بعيدا عن ثقافاتهم الأصلية وكونت جماهير عالمية عريضة. في الواقع، بدأ كل من الطعام والموسيقى في دمج تقاليد الثقافات المختلفة في أشكال جديدة من «الامتزاج الغذائي» و«الامتزاج الموسيقي».

إن الاندماج الثقافي الجاري في مجالي الطعام والفنون واضح بالقدر نفسه في المجالات المادية للعلوم والتجارة والصناعة؛ فقد لاقت العديد من العلامات التجارية الاستهلاكية، في مجالات الأطعمة والمشروبات والسيارات والمجوهرات والعطور والساعات والملابس والإلكترونيات، اعترافا عالميا، وتتمتع الآن بالولاء الشديد من مئات ملايين العملاء في جميع أنحاء العالم. وقد أدى صعود الشركات المتعددة الجنسيات - التي تمتلك بعضها اقتصادات يفوق اقتصاد معظم الدول - إلى ربط الاقتصاد العالمي معا بإحكام أكثر من أي وقت مضى.

كان للسعي وراء البحث والتطوير في مجالي العلوم والتكنولوجيا طابع دولي منذ بداياته الأولى، وأصبح منذ فترة طويلة مؤسسة عالمية؛ إذ منح أكثر من نصف جوائز نوبل في الفيزياء والكيمياء والطب خلال السنوات الخمسين الماضية لعلماء متعاونين يعيشون في دول مختلفة.

25

في الواقع، تعد ثقافتنا العلمية التكنولوجية المعاصرة واحدة من أقوى العناصر وأنشطها في هذه الحضارة العالمية الناشئة.

في الوقت نفسه، تتحول مؤسسات التعليم العالي في العالم شيئا فشيئا إلى كيانات عالمية، حيث تتكون كل من هيئات التدريس والهيئات الطلابية على نحو متزايد من أفراد من شتى دول العالم ومتعددي الثقافات. وأخيرا تضاعف عدد المنظمات الدولية أضعافا مضاعفة خلال العصر الحديث؛ فقد كان هناك في عام 1910م ما يقرب من مائتي منظمة غير حكومية ذات طابع دولي. وبحلول عام 2010م زاد هذا العدد إلى ما يقرب من ستين ألفا. وكان نمو المنظمات الحكومية الدولية كبيرا بالقدر نفسه.

لكن حتى مع اندماج الإنسانية في نحو مائتي دولة قومية، فإن كل الجماعات البشرية القديمة التي تشكلت في التحولات السابقة - آلاف لا حصر لها من القبائل والقرى والبلدات والمدن والمناطق التي تشكل نسيج المجتمع البشري - استمرت في الحفاظ على هوياتها المستقلة وتدبر ما يلائمها من أساليب الحياة. وهذا وحده لا بد أن يطمئننا أن الدول القومية في العالم ليست مهددة بالاختفاء؛ فبزوغ الحضارة العالمية ليس المقصود به أن يحل محل دول العالم، وإنما يهدف إلى تيسير الشعور بالهدف المشترك فيما بينها. أخيرا، ليست المؤسسات العالمية إلا شبكات من الناس، ومن أعجب السلوكيات البشرية السهولة التي يستطيع بها البشر التعارف في الوقت نفسه مع جماعات متعددة على مستويات متعددة.

وأخيرا، أظهر التاريخ مرارا أن لا شيء يجمع الناس مثل العدو المشترك؛ فقد كانت مواجهات مع خصم معاد هي المؤدية، ولو إلى حد ما على الأقل، إلى كل حالة تقريبا من حالات الاندماج الاجتماعي والثقافي، التي اندمجت فيها وحدات اجتماعية صغيرة بنجاح في وحدات أكبر. فعندما تضاءلت غابات العالم وموائله البدائية إلى جزء صغير من حجمها الأصلي، وحين استنزفت موارد المحيط إلى حد كبير، وحين أصبحت حتى معجزات الزراعة العلمية غير قادرة على إطعام العدد المتزايد من البشر، لن يكون «عدو» الحضارة الإنسانية سوى التهديدات الوجودية للغلاف الحيوي للأرض التي تنتجها التقنيات البشرية. مع استمرار هذه التهديدات في التضاعف ستضطر البشرية للاختيار بين الاستمرار في المسارات التي تؤدي في النهاية إلى النضوب والانقراض والفناء، أو التحول إلى مسارات جديدة تؤدي إلى الإصلاح والمصالحة والعلاقة المستدامة بيننا وبين الغلاف الحيوي، من خلال التعاون على نطاق عالمي.

ناپیژندل شوی مخ