بېله محدودیتونه
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
ژانرونه
ويتكرر ظهور رقم دنبار في كل أنواع الجماعات الاجتماعية البشرية؛ فهو متوسط عدد بطاقات التهنئة بالكريسماس التي عادة ما يرسلها الإنجليز إلى قائمتهم المفضلة من الأصدقاء والأقارب. وهو الحد الأقصى الفعلي لقرى اليانومامي والأميش، الذي عادة ما تنفصل بعده إلى وحدات جديدة أصغر حجما. وما يزال هذا العدد منذ قرون هو الحجم المعهود للسرية العسكرية، بل إنه حتى الحجم المثالي للمكتب الحديث، الذي عند تجاوزه تتكون الشلل والفرق التي ينتج عنها تنافر واختلال بين شاغليه. ويعكس رقم دنبار القدرة الفطرية للذهن البشري على إقامة علاقات معقدة. وعلى كل حال، لم يكن البشر بحاجة على مر ملايين سنين التطور في سبيل الحفاظ على علاقات مكتملة إلا لبضع عشرات من الأقارب الذين كانت عادة ما تتكون منهم جماعة الصيد وجمع الثمار.
وبالإضافة إلى عشرات قليلة من العلاقات المتكاملة، يوجد أيضا الناس الذين نعرفهم ولكن قد لا يربطنا بهم أي نوع من العلاقة. فكم عدد الأسماء والوجوه المختلفة التي تستطيع التعرف عليها أو تذكرها؟ من شبه المؤكد أن الإجابة ستكون أقل من ألفين. في قرى المجتمعات الزراعية التي يقل سكانها عن ألفي شخص، يعرف كل شخص كل شخص آخر تقريبا ويألفه. لكن بمجرد عبور هذا الحد، وزيادة المجموعة البشرية عن ألفي فرد، يزيد عدد الأشخاص الذين يعدون أغرابا بعضهم عن بعض.
عدد الألفين شخص الأكبر هذا هو أيضا قدرة ذهنية فطرية؛ فقد تطور في عصور ما قبل التاريخ بدافع حاجة كل فرد للتعرف على أفراد الجماعات الاجتماعية الأخرى التي كان يتواصل معها أحيانا: المعارف العابرة، وأصدقاء الطفولة، وشركاء التجارة العابرون، والأشخاص الذين تربطهم بالفرد قرابة بعيدة، وأعضاء جماعات الصيد وجمع الثمار الأخرى. هكذا كانت القدرة على التعرف على هويات من خمسمائة إلى ألفي شخص وتذكرها هي كل ما احتاج إليه عضو مجتمع الصيد وجمع الثمار على الإطلاق.
لكن حين توسعت قرى العصر الحجري الحديث الزراعية إلى مدن أكبر حجما زاد عدد سكانها عن ألفي شخص، فكانت القدرة على معرفة أعضاء مجتمع واحد بأكملهم والتعرف عليهم مما يفوق الحدود الطبيعية للمخ البشري. ورغم ذلك، فإن الثقافات القبلية التي نشأت خلال العصر الحجري القديم العلوي مع ظهور التواصل الرمزي مكنت الناس الذين قد يكونون أغرابا من الشعور بحس جماعي بالانتماء والتضامن. وكان تكون القبائل والأعراق هو ما مكن غرباء بلدات العصر الحجري الحديث الكبيرة من الثقة بعضهم في بعض والتفاعل بارتياح بعضهم مع بعض، حتى إن لم يكونوا جميعا على معرفة شخصية.
إلا أن تحول المجتمع البشري إلى حضارات مدنية انطوى على اندماج كبير بين الناس والمجتمعات في جماعات كبيرة، لدرجة أنه لم يكن ممكنا الارتباط بعلاقات شخصية مع أكثر من نسبة صغيرة منهم. لكن القدرة البشرية على التضامن القبلي كانت توحي بأنه لا يوجد حرفيا حد أقصى للحجم الذي قد تصل إليه الجماعة البشرية. وإذا اعتبرنا سنة 3000 قبل الميلاد هي الوقت الأقرب إلى اندماج كل عناصر الحضارة المدنية الذي أطلق شرارة هذا التحول الجديد، فإن الأمر لم يستغرق إلا خمسة آلاف سنة حتى تسيطر الدول القومية الكبرى، التي استحوذت على كل شبر من العالم المأهول، على البشرية بأسرها. •••
كان من ثمار الحضارات المدنية الجديدة دراسة الرياضيات والفلك والفلسفة والتاريخ والأحياء والطب، وهي التي طورت تقنيات التعدين والحدادة والمعمار والنجارة وبناء السفن والأسلحة وارتقت بها بدرجة كبيرة، كما اخترعت فن الكتابة وعلم الهندسة العملي. كذلك فإنها ابتكرت الأشكال الحديثة من الدراما والشعر والموسيقى والرسم والنحت. وهي التي أقامت الترع والطرق والجسور والقنوات المقنطرة والأهرامات والمقابر والمعابد والأضرحة والقلاع والحصون بالآلاف في جميع أرجاء العالم، وهي التي بنت السفن التي أبحرت في عرض البحار وطافت حول الكرة الأرضية في النهاية. ومن ثقافاتها انبثقت الديانات العالمية الكبرى؛ المسيحية والبوذية والكونفوشيوسية والإسلام والهندوسية، وهي التي ابتكرت كل شكل من أشكال حكومة الدولة والنظام السياسي التي نعرفها، بدءا من الأنظمة الملكية الوراثية وصولا إلى الأنظمة الديمقراطية التمثيلية.
وقد تبين أن الحضارات المدنية الجديدة بمنزلة محركات ديناميكية للتجديد، وخلال بضعة آلاف من السنوات فقط حررت البشرية من القيود التي ورثتها من ثقافات الصيد وجمع الثمار الغابرة.
لكن حين اخترع صانعو الساعات في أوروبا خلال العصور الوسطى تقنية الآلات الدقيقة في سعيهم لاختراع ساعات دقيقة بحق، أطلقوا بهذا العنان لعملية من التطور الثقافي جعلت المجتمع البشري في النهاية يتحول تحولا أكثر اكتمالا وأكثر عمقا من أي من التحولات التقنية التي وقعت من قبل. وسوف نتناول هذا التحول السابع - الذي ما يزال يشكل الحياة اليومية لكل البشر الموجودين على قيد الحياة في الوقت الحاضر - وذلك في الفصل التالي من هذا الكتاب.
الفصل الثامن
تقنية الآلات الدقيقة
ناپیژندل شوی مخ