د بدایت المسرح التسجيلي په مصر کې
بداية المسرح التسجيلي في مصر: مسرحية الأزهر وقضية حمادة باشا نموذجا
ژانرونه
قليلة ونادرة هي الكتب القديمة المجهولة التي تغير حقيقة ثابتة في مجال الأدب المسرحي، وتضيف - في الوقت نفسه - تاريخا مجهولا لم يك معروفا من قبل في تاريخ المسرح المصري. والأمر الصعب الذي يصادف الباحثين دائما هو كيفية الوصول إلى هذه الكتب؛ خصوصا إذا كان الحصول عليها أشبه بالمستحيل، وذلك لقدمها وندرة نسخها! ولحسن طالع مصر أن حباها الله بوجود المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، الذي يعتبر صرحا شامخا تفتخر به الأمة المصرية والعربية؛ لما يحتويه من كنوز تراثية فنية وأدبية يندر وجودها في أي مكان آخر.
والكتاب الذي تطلع عليه الآن - أيها القارئ العزيز - هو أحد إصدارات المركز القومي، وهو أحد الكتب القليلة النادرة التي ستغير حقيقة ثابتة في مجال الأدب المسرحي؛ تلك الحقيقة التي تغنى بها الكتاب والباحثون، والتي تقول إن بيتر فايس «الألماني» هو رائد المسرح التسجيلي في العالم منذ 1964، ولكن بعد قراءة هذا الكتاب - وتحديدا بعد قراءة البحث المرفق به - سينتابك الشك في هذه المقولة الشهيرة شيئا فشيئا؛ لتصل في النهاية إلى الاطمئنان بأن حسن مرعي «المصري» هو رائد المسرح التسجيلي منذ عام 1906.
كما أن هذا الكتاب - بالإضافة إلى بحثه المرفق - سيضيف تاريخا مجهولا لم يك معروفا من قبل في تاريخ المسرح المصري؛ حيث إن دراسات الباحثين السابقين أثبتت أن الألمان هم رواد المسرح التسجيلي في العالم منذ منتصف القرن العشرين، ولكن هذه الحقيقة التاريخية ستقف عاجزة أمام هذا الكتاب الذي يحتوي على أدلة منطقية تثبت أن مصر كانت سباقة إلى ريادة المسرح التسجيلي عالميا منذ أوائل القرن العشرين.
والكتاب الذي بين أيدينا الآن يحمل بداخله نصا مسرحيا تراثيا تم طبعه لأول مرة عام 1909، والطبعة التي بين أيدينا الآن هي طبعته الثانية؛ حيث أراد الأستاذ الدكتور سامح مهران؛ رئيس المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، إعادة نشره، فكلفني بكتابة كلمة عنه على سبيل التقديم، ولكن عندما قرأت النص قراءة متأنية اكتشفت أنني وقعت على كنز ثمين لا يمكن وأده في مقدمة أو دراسة عادية، بل يجب علي أن أكتب بحثا علميا يليق به ويتناسب مع قيمته؛ لأنني أعتبر هذا النص المسرحي اكتشافا كبيرا يضاف إلى اكتشافات الباحثين في تاريخ المسرح المصري.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا» لها قيمة تاريخية تعليمية وتربوية، بالإضافة إلى قيمتها الفنية؛ حيث إنها تؤرخ لأول اعتصاب قام به طلاب الأزهر الشريف طوال تاريخ الأزهر الديني والتعليمي، وهذا الاعتصاب أخذ شكل ثورة ومظاهرات قام بها الطلاب من أجل إلغاء قانون الأزهر عام 1908، الذي كان يهدف إلى تغيير بعض المناهج الدراسية، وإضافة مناهج جديدة ومواد علمية معاصرة؛ بهدف تطوير الأزهر علميا في الظاهر، وتقليل أهميته الدينية والتعليمية وإضعاف أثره الاجتماعي في الباطن.
لذلك رفض طلاب الأزهر هذا المخطط، وقاموا بالاعتصاب، وامتنعوا عن تلقي الدروس، وأصبح الأزهر خاويا من طلابه وعلمائه طوال شهر كامل، فقام الخديوي وحكومته بتهديد المعتصبين بقطع جراياتهم، فلم ينجحوا في إثناء الطلاب عما عزموا عليه، فقاموا بقطع رواتبهم فصمد الطلاب أكثر فأكثر! فقاموا بمخالفة القوانين بتجنيدهم في الخدمة العسكرية، فتقبل المعتصبون الأمر بشجاعة فائقة! فقاموا بإحاطة الأزهر بالعساكر والسلاح، فلم يكترث المعتصبون بالأمر! فقاموا بإدخال القوة العسكرية إلى صحن الأزهر، فكظم المعتصبون غيظهم! فقام حمادة باشا وأعوانه بجلد الأزهريين داخل الجامع الأزهر، وحول الرواق العباسي إلى سجن زج فيه المعتصبين ... وهنا هاج الشعب المصري ووقف بجانب الأزهريين، وأصبحت القضية قضية رأي عام لم يستطع الخديوي وأعوانه الصمود أمامها، فرضخ أخيرا لمطالب الأزهريين وألغى قانون الأزهر الجديد، وأعاد العمل بالقانون القديم!
الأزهر الشريف.
هذه الحادثة التاريخية التي حدثت منذ قرن تقريبا لا يستطيع المرء حيالها إلا أن يتساءل: أكان الأزهريون مصيبين حقا في ثورتهم ضد تغيير المناهج الدينية وإدخال بعض العلوم العصرية في النظام التعليمي للأزهر الشريف؟ أم كانوا مخطئين؟! أليسوا بثورتهم هذه قد أخروا تطوير التعليم في الأزهر عدة أعوام؟! ماذا كان سيحدث لو قبل الأزهريون تغيير المناهج وإدخال العلوم العصرية في مناهج الأزهر الشريف الدينية منذ عام 1908؟! وهل كان هذا الأمر له علاقة بما حدث منذ وقت قريب - وما زال يحدث حتى الآن - من الدعوة إلى إعادة النظر في مناهج التربية الإسلامية ومناهج اللغة العربية في البلدان الإسلامية والعربية بحجة التطوير والإصلاح؟! أم أن هذه الدعوة تهدف إلى عزل العربي والمسلم عن هويته وعقيدته؟! ... مجرد سؤال!
وفي نهاية هذه الكلمة، أتوجه بخالص الشكر إلى الأستاذ الدكتور سامح مهران؛ رئيس المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية؛ لتكليفه إياي بكتابة هذا البحث الخاص بمسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا»، وإتاحة الفرصة كي أضيف حجرا جديدا في بناء تاريخ ومكانة مسرحنا المصري؛ فإقدام الدكتور سامح مهران على نشر هذه المسرحية يعتبر خطوة جديدة من خطواته السديدة في سبيل الحفاظ على تراث أمتنا المصرية، وكذلك أتوجه بالشكر إلى كافة العاملين بالمركز القومي، وفي مقدمتهم: رضا فريد يعقوب، وأحمد محمد عبد الله، ورانيا عبد الرحمن ... باعتبارهم قادة إدارة التراث المسرحي؛ تلك الإدارة التي تمثل عصب تراث المسرح المصري في المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية.
أولا: الإطار العام (1) الموضوع
ناپیژندل شوی مخ