د بطلیموس د دور پیل
بداءة عصر البطالمة: محاضرة ألقيت في المؤتمر الثامن للمجمع المصري للثقافة العلمية
ژانرونه
أما أن هنالك علاقة عرضية ربطت بين الإله «سرافيس» وبين موضعين متباعدين، لهما اسم واحد، فأمر يخرج عندي من مجال الترجيح، وربما كانت العلاقة غير عرضية. فلنفرض أن تمثال «سرافيس» قد جلب من مدينة «سينوفية» حقيقة، وأن هذا كان بوحي رؤيا رآها بطلميوس، فهل في ذلك ما ينافي أن يكون عقل الحاكم، وهو في جولة البحث عن أقوم سبيل يمكن أن يمثل به إله «سينوفيون» للإغريق، قد اتجه سياله الخفي نحو «سينوفية»، لمجرد الاتفاق في الجرس بين الاسمين؟ ولا يغيب عنا أن القدماء كانوا يستهدون في مثل هذه الحالات بالأحلام، والأمثال على ذلك كثيرة، تثبتها قراطيس البردي والنقوش، وسواء أصنع هذا التمثال أصلا ليكون في معبد «سينوفية» (147) أم في معبد الإسكندرية، فالغالب أن الخبر المنقول الذي ينسب صنعه إلى المثال المشهور «برويكسيس» (148) الذي اشتهر في القرن الرابع، صحيح غير مدخول بالشك.
وعلى قدر ما نستطيع أن نحدس اليوم، أرى أن بطلميوس في العهد الذي قضاه واليا على مصر كان يعتقد أن مصر ملكه الدائم، فخيل إليه أن يقيم عبادة دينية جديدة ينشرها في البلاد؛ ليؤلف بين قلوب الإغريق والمصريين. وكان له مستشارون منهم «طيموثوس الأثيني (149)»، وهو أحد أفراد أسرة «أومولفي» (150) الكهنوتية، وكان حجة ثبتا في العقائد الإغريقية، والكاهن المصري «مانيثون» (151)، وكان من أئمة العارفين بالديانة المصرية؛ ولذا يظهر أنه لم يكن هنالك من إله إلا الإله المصري «أوزيريس» الممفيسي، وأنه بعينه الذي اعتنق الأغارقة المتمصرون عبادته باسم «سرافيس»، فبادر بطلميوس إلى اتخاذ هذا الأمر ركيزة لإقامة دين جديد.
ويصعب أن يكون المصريون قد شعروا أن في هذا الدين شيئا جديدا؛ فإنهم عندما يتكلمون عن «سرافيس»، فكأنما هم يتكلمون عن «أوزير-حابي»، شأنهم في الزمن الخالي. ويقول «مقروبيوس » (152): إن المصريين اعتنقوا عبادة «سرافيس» جبرا، ويأخذ من وجود هياكل «سرافيس» في خارج أسوار المدن المصرية الأصيلة، بضد ما كان في الإسكندرية دليلا على ذلك. والغالب - كما يذهب فكلن - أن الفكرة في أن المصريين قاوموا عبادة «سرافيس» ليست أكثر من وهم، يدلل على فساده بقول «مقروبيوس» نفسه، أو بقول كاتب إغريقي متقدم عليه، من أن هياكل «السرافيون» (153) المصرية جميعها كانت تقام في العادة في خارج أسوار المدن وعلى حافة الصحراء، والتعليل الثابت لهذه الحقيقة أن هذه الهياكل إنما تعتبر بيوتا لإله الموتى؛ ولذا كانت تشاد بالقرب من المدافن.
لما أن ثبت «بطلميوس» قدم الإله «سرافيس» في مدينة الإسكندرية، على أنه الإله الرئيس للإغريق المتمصرين، وصوره لهم في صورة مشابهة لصورة الإله الإغريقي، أضفيت عليه صفات ونسبت إليه خصيات مشابهة لتلك التي كانت تضفى على غيره من آلهة الإغريق الأولين، وانتحلت له على الأخص صفات «أسقلفيوس» (154)، فأصبح إله الشفاء، وما على المرضى إلا أن يناموا في داخل الهيكل فينزل عليهم من طريق الرؤيا إلهامات تبين عن أمراضهم. ولم يكن للإله «أوزير- حابي» الممفيسي - على قدر ما يبلغ إليه علمنا - شيء من ذلك، وهذه الصفات لا بد من أن تكون قد خلعها الإغريق على «سرافيس» منذ البداية. ولقد عثر في أنقاض معبد إغريقي صغير كان قائما بجوار الطريق المرصوف الذي يصل بين «السرافيوم» الممفيسي و«الأبيوم» على رقيم، يستدل من شكل حروفه على أنه كتب حوالي سنة 300ق.م وفيه أن إغريقيا يتقدم إلى «سرافيس» بالشكران؛ جزاء ما شفاه.
وبالرغم من أن الأغارقة قد صوروا «سرافيس» على مثال الإله الإغريقي، وألقحوا عبادته بعناصر إغريقية، فإن الجانب المصري فيه ظل بين الطابع، حتى بعد أن ذاعت عبادته في البلاد الإغريقية فيما وراء البحار، فكان يشترك وآلهة مصرية أصيلة مثل إيزيس وأنوبيس وحوروس (155) والعجل أبيس. ولما كان «سرافيس» نفسه ليس إلا صورة محورة من «أوزيريس»؛ فإنه كان يحتل عند الإغريق مكان «أوزيريس»، إذ يظهر إلى جانب «إيزيس»، غير أن «أوزيريس» كان يظهر معهما بعض الأحيان. ويشير «فلكن» إلى أن الآلهة المصرية التي كانت تشترك مع سرافيس، هم بعينهم الذين كانوا يشتركون غالبا مع «أوزير-حابي» في السرافيون الممفيسي. وكذلك كان يقدم «الإوز» قربانا لسرافيس، وهو مما لا يتقرب به إلى إله من آلهة الإغريق الأصلية.
وشيد لعبادة سرافيس معبد جديد؛ أي سرافيوم آخر في رقوطيس (156) وهو الحي الوطني من مدينة الإسكندرية أعظم وأضخم؛ ليستظهر به على الهيكل الذي أقام الإسكندر قواعده لإيزيس. وقد بقيت مسلات الهيكل القديم قائمة في خارج فناء المعبد الجديد، وكان مهندسه إغريقيا اسمه فارمنسقوس (157)، وكان طابعه الهندسي - على قدر ما نعرف مما وصل إلينا من أوصافه ومن نقوش العملة - إغريقيا، وواجهته المعمدة الضخمة مشرفة على منحدر عظيم مكون من درجات. وكان هذا الهيكل معدودا من أضخم هياكل العالم الحاف بحوض البحر المتوسط وأضخمها، ولا يفوقه كما يقول أميانوس (158) إلا الكابتول (159) في رومية. وأضحى سرافيس إله الإسكندرية الأعلى خاصة، ومصر عامة.
وفي عصر بطلميوس الثالث كان القسم الرسمي؛ أي القسم الذي كانت تصوغه الحكومة ليقسم به أمام المحاكم وفي المعاملات الشرعية، يتضمن ذكر الملوك، وسرافيس وإيزيس وكل الآلهة والآلهات الأخر، ولا يذكر بالاسم غير سرافيس وإيزيس، دون غيرهما من الآلهة. غير أنا نستطيع أن نظهر أنه منذ بداية العهد الذي كان بطلميوس فيه واليا على مصر، كان بلاط الإسكندرية قد أحل عبادة الإله الجديد محلا رفيعا. نثبت ذلك برقيم كتبته أرسنوية (160) في هليكارناسس (161) هذه عبارته: «بنعمة بطلميوس المخلص الإله، أقامت أرسنوية الهيكل لسرافيس وإيزيس.» والظاهر أن تاريخ هذا الرقيم يرجع إلى عصر لم يكن بطلميوس قد أخذ فيه اللقب الملكي. كذلك أظهرت ورقة زينون البردية (162)، أن عبادة سرافيس كانت من التقاليد المرعية بشكل خاص، في قصر بطلميوس الثاني.
ومن الإسكندرية انتشرت عبادة سرافيس وذاعت في غيرها من المدن الإغريقية، وأخذت معابد سرافيس - أو بالأحرى سرافيس وإيزيس - تشاد في مكان بعد مكان على مدى قرون تالية من حول حوض البحر المتوسط. ولقد استمدت هذه العبادة عونا جديدا في خلال القرن الأول من التاريخ الميلادي، عندما استغل القصر الإمبراطوري في رومية نفوذه، منذ بداية عصر القياصرة الفلاويين (163) فصاعدا؛ لتأييد عبادة سرافيس وإيزيس في رومية وفي أنحاء الإمبراطورية.
لم يكن سرافيس الإله الوحيد الذي عبده المقدونيون والأغارقة، علاوة على آلهة آبائهم الأقدمين؛ فإن تأليه رجال ماتوا، أو ما يزالون أحياء، كان طابع العالم الإغريقي بعد الإسكندر، وهو طابع هليني أصيل، وليس منتحلا من تقليد شرقي كما كان يظن. وفي خلال القرن الخامس كانت الفكرة في إضفاء تشاريف وألقاب إلهية على الرجال؛ تعبيرا عن الاحترام الفائق أو الشكران، من الأشياء التي تجري على ألسنة أهل «أثينا».
24
ناپیژندل شوی مخ