بداءة عصر البطالمة
تعليقات وشروح
المراجع
بداءة عصر البطالمة
تعليقات وشروح
المراجع
بداءة عصر البطالمة
بداءة عصر البطالمة
محاضرة ألقيت في المؤتمر الثامن للمجمع المصري للثقافة العلمية
تأليف
إسماعيل مظهر
بداءة عصر البطالمة
بطلميوس الأول «سوطر» وبطلميوس الثاني «فيلادلفوس»
يحرص أعضاء هذا المجمع شديد الحرص على أن يحققوا ببحوثهم الأغراض التي أنشئ لخدمتها، ونشر الثقافة العلمية في اللغة العربية من أغراضه الأساسية، بل إنه الغرض الأسمى الذي يرمي إليه هذا المجمع وجمهرة المثقفين من أبناء هذه البلاد. لهذا قد يتبادر إلى البعض أن إلقاء محاضرة في «بداءة عصر البطالمة» فيه إقصاء للمجمع عن أغراضه الأصيلة، على اعتبار أن مسائل التاريخ ومشكلاته من الأدب لا من العلم. ولعل للذين يذهبون هذا المذهب مبررات كثيرة، غير أن مشاكل التاريخ ومسائله إن كانت إلى الأدب أكثر منها إلى العلم، فإنها تحتاج إلى أسلوب البحث العلمي؛ تحتاج إلى الاستقراء والمقارنة ومناقشة المقدمات واستخلاص النتائج، وبذلك يستولي عليها العلم بسلطانه الواسع. ويمكن بذلك أن نبرر، من طريق اتصال التاريخ بأسلوب البحث العلمي، أن ندخل في أغراض هذا المجمع بحث مشكلات التاريخ والفحص عن مسائله.
ولكن من الواجب أن أشير هنا إلى حقيقة قد تكون مؤلمة بعض الشيء؛ فإننا في التاريخ - بل وفي كل فروع المعرفة التي ندرسها - لا نجد بين أيدينا من المراجع الأصيلة شيئا يستعان به في الدرس والمقارنة والاستقراء. فكل المدونات التاريخية التي يتخذ بحثها أصلا للدرس، لم ينقل منها إلى العربية غير كتاب أو كتابين، يفضل الباحث الرجوع إلى أصولهما الأعجمية، من أن يظل مكبا على فك تلك الألغاز التي يرميه بها أسلوب الجمل العربية فيهما. أضف إلى ذلك أن مكتبة المدونات التاريخية - وبخاصة القديمة منها، وهي مادة التاريخ الأساسية - تعد مجلداتها بالمئات، ومن الواجب نقل هذه المدونات إلى اللغة العربية. والمؤسسة التي ينبغي لها أن تضطلع بهذا العمل الكبير، هي الجامعة المصرية، وكلية الآداب منها خاصة. وإني لأعتقد أنه لا يكون لنا أدب خاص تتجلى فيه مظاهر الفكر المصري الصميم، إلا بعد أن نعنى بنقل الأصول الصحيحة في مختلف فروع المعرفة؛ فإن جهلنا بهذه الأصول قيد يقيد الفكر، ولا ينتعش الفكر إلا في جو الحرية، فلنبدد القيود! هذا إذا أردنا أن نحيي الفكر المصري، ونجعل له طابعا خاصا. •••
في خريف سنة 332ق.م غزا مصر تحت إمرة الإسكندر المقدوني، جيش من المقدونيين والأغارقة، عدته أربعون ألف مقاتل.
ولقد استطاع المصريون، عقيب كل غزو دهمتهم به أمة أجنبية كالهكسوس وغيرهم، أن يستردوا حريتهم المرة بعد المرة، وأن يقيموا على عرش بلادهم أسرا من الفراعنة، تحيي تقاليد الحكم والثقافة واللغة؛ تلك التقاليد التي نشأت وربت في مدى عصور لا تعيها الذكريات. ولكن هذه الغزوة كانت آخر عهد الملوك - الذين تجري في عروقهم الدماء الفرعونية - بالحكم على ضفاف النيل، وإلى آخر الدهور. فمنذ أن وفد الإسكندر إلى مصر، خضعت مصر ألف سنة لحكام هلينيي الحضارة من مقدونيين ورومان. وفي نهايتها اندمجت مصر في الإسلام فبدلت تبديلا، وأصبحت لها لغة أخرى، ونظام اجتماعي لا عهد لها به، ودين جديد، ونبذ الآلهة الذين عبدوا فيها على أنهم آلهتها الخواص الآلاف من السنين نبذا أبديا، ثم دفنوا في ثراها.
وبقي المصريون طوال ثمان وستين ومائتين وألفين من السنين، تتوالى عليهم وعلى بلادهم الأحداث. حتى هيأت لهم الظروف مرة ثانية أن يستردوا حريتهم سنة 1936، وأن يعود الدم المصري الذي جرى من قبل في عروق الفراعنة إلى تقلد زمام الأمر على ضفاف النيل المقدس. وبهذا نضيف إلى سلسلة المجد التي أفرغ أول حلقاتها آباؤنا منذ ستة آلاف سنة أو تزيد، حلقة جديدة، لعلنا لا نخطئ إذا ترقبنا أنها ستكون أمجد الحلقات.
وما أجدرنا ونحن نستقبل عهدا جديدا؛ عهدا من الاستقلال والحرية، ألا ننسى الماضي، وأن نتخذ من أحداثه عبرا، تنير سبيلنا في عالم تتجمع في جوه عواصف القدر، عواصف أشبه بتلك التي أخذت تتجمع في جو الدنيا في أواخر عصر بطلميوس الأول.
في شهر يونيو من سنة 323ق.م حدث بالإسكندر حدث الموت فجاءة بمدينة بابل، بعد أن أسس قيصرية مقدونية أقامها على أملاك القيصرية الفارسية القديمة وزاد عليها. وبعد موته بخمسة أشهر، هبط مصر «بطلميوس بن لاغوس» واليا عليها من قبل ملك مقدونيا الجديد «فيلبس أرغيدايوس».
1 (1) وكان الملك الجديد، أخو الإسكندر من أبيه، أحمق ضعيف العقل، فانتقل السلطان كله إلى القواد المقدونيين، الذين خدموا تحت إمرة الإسكندر، وبخاصة في يدي «فردقاس» (2) الذي إن ظلت حقيقة الوظيفة التي شغلها خفية على الباحثين في العصور الحديثة، فإنها كانت موضع خلاف وجدل بين عظماء المقدونيين في أثناء المعارك المهوشة، التي تلت موت الغازي الأعظم، وتركه الميدان فجأة. ولا خفاء في أن «فردقاس»، وكان أقوى رجل في بابل، قد عقد النية على أن يعمل بدعوى الوصاية على القيصرية، ولكن حدث في تلك الآونة أن اتفق القواد في ندوة عقدوها على توزيع جديد للولايات؛ ليختص كل منهم بولاية منها.
وفي تلك الفترة التي ملأ جوها الشك، وسادتها الفوضى، اتجه نظر «بطلميوس» توا وبحزم نحو مصر، وهي الشيء الذي أراد أن يختص به، ولقد منحه «فردقاس»، وبالحرى مجلس القواد، الإمارة التي رغب فيها باسم الملك الأحمق، فسارع مرتدا إلى موضع أمين، بعيد عن ميدان المواقع التي ترقب نشوبها. ولا بد من أن تكون قد دارت مساومة بين «فردقاس» و«بطلميوس». وكانت مصر وتنصيب «أرغيدايوس» (3) (أحد الزعماء المقدونيين لا الملك) مشرفا على نظام الجنازة الملكية، الثمن الذي تقاضاه «بطلميوس» تلقاء اعترافه بدعوى «فردقاس».
2
وفي رواية أثبتها «ديودورس»
3 (4) أن من الأشياء التي تم اتفاق القواد عليها في بابل، أن يدفن جثمان الإسكندر في معبد أبيه الأقدس «أمون» بواحة «سيوة». وعهد إلى «أرغيدايوس» أحد القواد أن ينشئ عربة جنائزية فخمة، وأن ينظم مشهدا لتشييع الجثة لم يسبق له من مثيل عظمة ومهابة. ولقد تبادر إلى بطلميوس أنه مما يزيد الولاية التي أراد أن تكون من نصيبه كرامة ومجدا، أن تضم رفات البطل المقدوني العظيم، فتصبح بقاياه بمثابة نصب قدسي، لا حد لسلطانه على عقول الناس.
ولا شك أن مدينة «أيغا» (5)
Aegæ
مقر ملوك مقدونيا ومربى الأسرة الملكية، كانت أمثل مكان يتلقى رفات «الإسكندر»، ولا يبعد أن تكون الفكرة قد اتجهت إليها أول الأمر؛ لتكون لجثمان العاهل المقر الأخير، لا الواحة المنفردة المعزولة، هذا على الأقل ما استقر عليه رأي «فردقادس». ولكن «بطلميوس» عاجله، وكان «فردقاس» في آسيا الصغرى، فعمل «أرغيدايوس»، باتفاق سابق مع «بطلميوس»، وخرج من «بابل» بمشهد الجنازة الملكية، سالكا الطريق الذي يؤدي إلى مصر. أما إذا كانت الجثة سوف تنقل إلى سيوة، فلا بد من أن تعرج على «ممفيس» أولا، ما لم تنقل إلى «فرطونيوم» (6) بحرا.
ولا يبعد أن يكون «أرغيدايوس»، عندما غادر بابل، قد عدل عن الذهاب بالجثة إلى الواحة. غير أن «بطلميوس» استقبل مشهد الجنازة في سورية، ومعه حرس عظيم تام القوة والعدة، وتولى زمام الأمر. ولما وصل المشهد إلى «ممفيس» (7) بقي بها، ولم يتقدم خطوة نحو سيوة. ولا ندري أعقد «بطلميوس» (8) العزم منذ ذلك الحين على أن تكون الإسكندرية مقر الإسكندر الأخير؟ غير أن «فاوزنياس» (9) يقول: إن الجثة بقيت في «ممفيس» حتى نقلها ابن «بطلميوس» إلى «الإسكندرية»، بعد أربعين سنة من ذلك العهد.
4
ولقد اتفق «ديودورس» و«إسترابون» وغيرهما من ثقاة الأقدمين على أن «بطلميوس» الأول هو الذي أودع «السيما» (10) في مدينة الإسكندرية، جثمان الإسكندر، حيث ظلت فيه إلى العهد الروماني. ولا يبعد أن يكون ذلك القول حقا، وأن ما في رواية «فاوزنياس» من حقيقة، لا يتعدى أن الجثة بقيت في «ممفيس» بضع سنوات، حتى تمت إقامة الضريح بالإسكندرية، ثم نقلت إليه. وأبان «مهفي» (11) أن الطريق المسلوك من سورية إلى الإسكندرية، لم يكن عبر الدلتا، ولكن عن طريق «ممفيس». والراجح أن «فاوزنياس» كان يرتكن إلى حقيقة تاريخية وثيقة؛ إذ يعد من نقائص بطلميوس الثاني نقله جثة الإسكندر من مقرها في «ممفيس» إلى الإسكندرية. ومهما يكن من أمر ذلك، فإن الشواهد تدل على وجود نظام ديني رسمي أنشئ في عهد بطلميوس الأول. وكان من خصائص كاهنه الأكبر، أن يعين بدء السنين لتأريخ الصكوك في أنحاء المملكة، وكان الكهنة يسجلون في صكين بإشراف منلاوس (12) أخي الملك. ومنذ ذلك الحين فصاعدا، كان كاهن الإسكندرية رئيسا لشعبة الحكومة الدينية. والراجح - ولو لم يذكر ذلك - أن منلاوس كان كاهن الإسكندرية، فإذا صح ذلك، فإن هذه الشعبة الدينية الرسمية، كانت مستقرة أصلا في هيكل اتخذ ضريحا للإسكندر في مدينة «ممفيس»، ومن ثم نقله «بطلميوس» الثاني إلى «السيما» بمدينة الإسكندرية.
5 •••
كان البطل المقدوني الذي يحمل الاسم الإغريقي «إفطولماوس»
6
والذي هبط مصر سنة 323ق.م حاكما جديدا عليها، من سلالة رجل يدعى «لاغوس» (13)
Lagos or laagos
والرسم المطول للاسم مذكور في ورقة البردي التي كتبت في ذلك العصر ووجدت بجزيرة «ألفنطينية» (14)، ويرجح أنها عين اللفظة الإغريقية، «لا-آغوس»
La-agos
ومعناها زعيم الشعب أو الأمة.
7
وبعد أن تسنم بيت بطلميوس ذروة العظمة العالمية، أخذت الثقة بالقول بنشوء البيت من صلب «لاغوس»
Lagos
المغمور، يدخلها الشك وتساورها الريب. وهنالك قصة يظهر أنها وضعت عمدا، تروي أن بطلميوس سأل أحد النحويين عن أبي «فيلوبس» (15)، وهي مسألة ميثولوجية غامضة، فبادره ذلك النحوي بالقول متهكما: «أخبرك به إذا أخبرتني أولا عمن كان والد لاغوس». ويغالي «يوستن» (16) بأسلوبه الخطابي، في إظهار الفرق بين أصل «بطلميوس» الوضيع وما أصبح فيه من عظمة، فيقول إن الإسكندر رقاه من الصفوف. غير أننا نعرف يقينا أن «بطلميوس» كان في صباه من النبلاء الملحقين بخدمة الملك في بلاط «فيلبس»، وأنه كان من أصدقاء الإسكندر المقربين إليه قبل اعتلائه العرش.
8
وكانت أمه تدعى «أرسنوية» (17)
Arsinoe
وقد ألحقها صك النسب الرسمي، فيما بعد، بأقرباء الأسرة المالكة، ولا يبعد أن يكون ذلك حقا. كذلك حاز «بطلميوس» كثيرا من المراتب الرفيعة في غزوات الإسكندر، حتى لقد أصبح أحد الحراس السبعة الذين يلازمون الملك، وكان له في الهند - على الأخص - أثر رئيس. •••
كان «بطلميوس» على قدر ما نستشف الحقائق من حجب الزمان أيدا ذا مرة، من ذلك الطراز المقدوني المملوء فتوة، وفيه من النهى ما يتصف به زعماء الأمم التي يكون أفرادها زراع الريف، فكان ثاقب الفكر أريبا، حذرا نافذ البصيرة، يجنح دائما إلى أن يكون في كل عمل يأتيه إلى جانب الأمن والسلام؛ ليفوز بغنائم مادية محققة الفائدة. وكان فوق ذلك حيواني الشهوات، فاستمتع وأرضى شهوته بكثير من النساء. ولكن كان فيه من الظرف وأنس المعشر ما جعل كثيرا من الجنود البارزين يلتفون من حوله، وافدين إليه من نواحي العالم الإغريقي. وعلى الجملة كان رجلا فتيا، بدنا وعقلا، وليس خوارا ضعيفا.
كان يتذوق الأدب الإغريقي ويحبه، شأن شباب المقدونيين من أهل الطبقات العليا، وكانوا قد عكفوا مدى أهل أو أهلين، على تعلم الإغريقية كلاما وقراءة. ولم يكتف «بطلميوس» بأن يستهبط أدباء الإغريق وفلاسفتهم وفنانيهم بلاطه الملكي، بل كان مؤلفا أغنى أدب التاريخ الإغريقي بمؤلفات موثوق بها، وله في غزوات الإسكندر مؤلف امتاز بالصدق في رواية الحقائق، والاحتراز من الترسل الخطابي.
هذا مثل من الرجل الذي هبط مصر واليا عليها من قبل الملك «فيلبس أرغيدايوس» والملك الإسكندر القاصر، وهو الطفل الذي أعقبه الإسكندر الأكبر، وكان «بطليموس» في ذلك العهد، يبلغ من العمر الرابعة بعد الأربعين. •••
قضت القرارات التي أبرمت في بابل أن يبقى «إقليومنس» (18) وكان من صنائع «فردقاس» وكيلا لبطلميوس، حتى يصبح سلطانه في مصر بمثابة عقبة تشل مطامع الوالي الجديد. ولكن «بطلميوس» استولى على جثة الإسكندر عنوة، متحديا بذلك «فردقاس» مزدريا به، فكانت الحرب المكشوفة بين الوالي ووصي الملك، كما كان منتظرا أن يكون. ولا شك في أن «إقليومنس» كان يستطيع أن يظل عقبة في وجه «بطلميوس»، ما دام هذا يخشى أن يجابه «فردقاس» علانية، أما وقد جابهه جهرة، فلا أقل من أن يوجه «بطلميوس» تهمة إلى «إقليومنس» تنتهي بإدانته، ثم بقتله. ولم يرتب «بطلميوس» في أن «فردقاس» سوف يهاجمه بكل ما يستطيع من قوة، حالما تطلق يده في الأمر. ولكنه برغم هذا، مضى يوسع من أطراف مملكته على شاطئ البحر المتوسط الأفريقي بامتلاك «قورينا» (19)، المستعمرة الإغريقية القديمة، وربائبها من المدن.
وكانت الحرب الأهلية قد استعرت في تلك الأصقاع، خلال عصر الفوضى الذي عقب موت الإسكندر، فرأس مرتزق
Condottiere «إسبرطي» يدعى «ثبرون» (20) أحد الأحزاب، ورأس كريتي يدعى «إمنا سقلس» (21) حزبا آخر. فهبط مصر لاجئون من الحزب المهزوم يتشفعون بواليها أن يتدخل في الأمر، فأرسل «بطلميوس» قوة حربية، برية وبحرية، تحت إمرة «أفلاس» (22) وهو «أولنثي» (23) كان في خدمته؛ ليحتل البلاد. فجمع المرتزقان قواهما ليواجهاه بها، غير أن «أفلاس» نكل بهما، وأسر «ثبرون» وصلبه. ثم وفد «بطلميوس» بنفسه ليفتح «قورينا» وكان ذلك في أواخر سنة 322ق.م.
ولا شك في أن إذلال دويلة نبه ذكرها ولمع سناها، بيد عامل مقدوني، ومن ورائها تقاليد قرن بطوله متعت فيه منذ أن سقطت أسرتها الإغريقية الحاكمة بالحرية الجمهورية، كان حدثا له أثره البالغ في العالم الإغريقي. ولم يسبق لأهل «قورينا» أن عالجوا الخضوع وذلة الحكم الأجنبي؛ ولذا قدر لأهل هذه المدينة أن يكونوا في مستقبل أيامهم شوكة حادة في جنب الملوك المقدونيين في مصر، بدل أن يكونوا مصدر قوة وعزة لهم. ومع هذا فقد أمدت قورينا مصر البطلمية، كما أمدت أيرلندا بلاد بريطانيا، بعدد من الرجال النابهين مثل «قليماخوس» (24) الشاعر و«أراطوثنيس» (25) الجغرافي، وعدد عديد من رجال الحرب. فإن قراطيس البردي تحصي من القواد المستعمرين للفيوم ومصر العليا، عددا من «القورينيين» تلفت نسبته الأنظار، وترك بطلميوس «أفلاس» حاكما على تلك البقاع إلى حين.
وحدث هجوم «فردقاس» على مصر في خريف سنة 321ق.م ولقد ظهر في تلك الآونة مقدار الحكمة التي أبداها «بطلميوس» في أن يتخذ لقوته قاعدة برية يصعب مهاجمتها؛ فإن «فردقاس» عجز عن أن يقتحم فرع النيل الشرقي، وقتل في معسكره. وكان من الجائز أن يظفر «بطلميوس» إذ ذاك إلى مكانته، ولكنه كان يعلم حق العلم، أن من الأصوب أن يظل حاكما لمصر، على أن يكون وصيا على القيصرية.
كذلك حدث في خريف سنة 321ق.م أن عقد المنتصرون من زعماء الحزب الذي كان ينابذ «فرقاس» اجتماعا في «إتريفاراديسوس» (26)، وهي محلة يظهر أنها كانت في ناحية ما من شمال سورية، وأبرموا اتفاقا جديدا، أقروا فيه توزيع الوظائف وحكم الولايات في أنحاء القيصرية، وتم على أن يظل لبطلميوس الولاية على مصر وبرقة.
في خلال أربعين سنة تلت ذلك العهد، وهي سنون اشتعلت فيها نيران الخلاف بين الزعماء المقدونيين الذين تعلموا فن الحرب تحت إمرة الإسكندر، ظل «بطلميوس بن لاغوس» في ولايته الأفريقية، آمنا أمن السلحفاة حوتها الصدفة، والجيوش تمر رواحا وجيئة عبر آسيا، والأساطيل تطاحن في بحر «أيغا».
غير أن «بطلميوس» كان يخرج بعض الأحيان من صدفته، ولكن بقصد وقدر؛ ليشترك في الملحمة الدائرة، ذلك بأن القوة الحربية التي حكمت مصر بعد الفراعنة كانت ذات صبغة هلينية (27)، ولها علاقات عديدة - سياسية واقتصادية وثقافية - بغيرها من الدويلات الإغريقية الأخرى. وأخذت هذه القوة تولي وجهها شطر الشمال؛ أي في اتجاه البحر، ومن خلال الإسكندرية، وملء نفسها مصالح لم تجش في صدر أحد من وطنيي الفراعنة.
وفي الوقت الذي رغب فيه «بطلميوس» رغبة صادقة في أن يظل كرسيه وقوته في أمن وسلام في داخل إقليم النيل، مضى يتطلع إلى أقاليم مجاورة يحتلها؛ لتكون لمصر ربائب وتوابع، وأن يكون له من الجزائر وشواطئ بحر الروم مواطن ارتكاز تأوي إليها قواته الحربية: برية وبحرية؛ ذلك بأن مصر البطلمية قد أصبحت دولة أكثر نشدانا لمصالحها في حوض البحر المتوسط منها دولة أفريقية، على العكس من مصر الفرعونية، وقد كانت تمد سلطانها أحيانا إلى جوف السودان؛ فإن البطالمة لم يعنوا أبدا بأن يغزوا من أعالي النيل أرضا تقع بعد الشلال الأول. ولكن «بطلميوس» أحب أن يملك جنوب سورية، كما أحب ذلك الفراعنة الذين درجوا من قبله؛ لتصبح دريئته من الشرق، كما أن برقة دريئته من الغرب. وأحب أيضا أن يملك جزيرة قبرص، كما فعل الملك «أحمس» (28) في القرن السادس قبل الميلاد، وأن يتقدم خطوة أخرى فيبسط سلطانه على أغارقة الجزر الأيغية (29)، وعلى بقاع من آسيا الصغرى، بل على بقاع من إغريقية القديمة بالذات.
وإلى هذا الحد حاول «بطلميوس» أن يمتد إلى خارج صدفته، ليخاطر ويمعن في المخاطرة؛ فإن مصر إذا شاءت أن تصبح دولة قوية هانئة، معتدا بها في معترك السياسة والتجارة العالميين، فإنها لن تصل إلى ذلك إذا هي بقيت حبيسة في داخل حدودها، مكفية الحاجة بغلاتها، منها وإليها ؛ فإن الخشب الضخمة التي ينتفع بها في بناء السفن، لا أثر لها في وادي النيل، وكانت ترد مصر من جبال «لبنان» ومن تلال «قبرص». والطريق التجاري الذي كان يختط طوال النيل من الإسكندرية وإليها، كان له خصيم؛ هو ذلك الطريق الذي كان يمر من خليج العجم عبر بلاد العرب إلى «غزة»، ولا شبهة في أن من فائدة من يحكم مصر، أن يحتكم في الطريقين معا. •••
لما كان هذا البحث خاصا بفترة من تاريخ مصر، وموضوعه أمس بها مما هو ببيت بطلميوس بالذات، فإنه مما يخرج عن نطاقه ومرماه، تتبع أعمال «بطلميوس» وخليفته وأوجه نشاطهما في الحرب والسياسة، من حيث إنهما قوة من قوى العالم الإغريقي. وليس لنا على أية حال أن نلحظ دوران السياسة العالمية وصروفها، إلا بقدر ما يمس تاريخ مصر الداخلي، ففي خلال عامين بعد تسوية «إتريفاراديسوس»
9
امتلك «بطلميوس» سورية من حدود لبنان جنوبا، وهي الرقعة التي نسميها اليوم فلسطين، وكان يسميها الأغارقة سورية الخالية
Cœle Syria ، وهو اسم أخذ من منخفض وادي الأردن، وكان حاكم هذه المنطقة بتسوية «إتريفاراديسوس» إغريقي من «أمفيبولس» (30) يدعى «لومادون» (31) فساومه «بطلميوس» أول الأمر في أن يشتري منه البلاد، فلما رفض احتلها عنوة. وفي هذا الظرف عقد «بطلميوس» النية على أن يفتح «أورشليم» (32) يوم السبت، وفيه يحظر الدين على اليهود أن يقاوموا بأية صورة، ولأي سبب.
10
أما «بوشيه لكلار» فيرجح أن ذلك وقع سنة 312ق.م غير أنه مما يشق على بطلميوس أن يفوته الاستيلاء على مدينة ذلك الشعب الفذ (وكان الإغريق يعتقدون أن في اليهود فذاذة) عندما بسط سلطانه على فلسطين بين سنتي 320 و318 قبل الميلاد.
لما قفل «أنطيغونس» (33) عامل «فروغيا» راجعا من الولايات الشرقية في سنة 316ق.م بعد انتصاره على بقايا حزب «فردقاس» أصبح في نظر أحلافه القدماء في منزلة «فردقاس» خطرا عليهم. وكان «سلوقوس» (34) عامل «بابلونيا» (35) قد هرب إلى مصر، وتكونت شعبة جديدة من الزعماء تنابذ «أنطيغونس». على أن احتلال «بطلميوس» سورية الخالية، قد زود كل المتطلعين إلى الاستيلاء على الإمبراطورية بسبب للشكوى، له خطره ووزنه. ففي سنة 315ق.م غزا «أنطيغونس» سورية الخالية، فارتد «بطلميوس» أمامه مستهديا ببصيرته النقادة، وانكمشت السلحفاة في داخل صدفتها، واحتل «أنطيغونس» مدن الشاطئ السوري حتى «غزة». ولكن أسطول «بطلميوس» تحت إمرة «سلوقوس» كان في الوقت نفسه يشن الغارات بحرا على «أنطيغونس». وأنزل «بطلميوس» قوة حربية في قبرص، وكان سكان الجزيرة، وهم أخلاط من الأغارقة والفينيقيين، منقسمين شيعا، وكل مقاطعة من مقاطعاتها العديدة خاضعة لحاكم مستقل استقلالا جزئيا، وكان بعضهم من ممالئي «أنطيغونس». فاحتل «بطلميوس» ولايات صولي (36) وسلاميس (37) وفافوس (38) وختري (39). ولما أن وطئت قوات «بطلميوس» ثرى الجزيرة، أخذ سلطانه يمتد ويثبت في أطرافها، وكان يريد أن يتخذها قاعدة بحرية يناجز بها «أنطيغونس» الذي تملك كل الموانئ الفنيقية الواقعة على الشاطئ السوري.
في سنة 313ق.م فقد «بطلميوس» سورية الخالية، كما فقد «قورينا» إلى حين. فإن هذه المدينة بعد أن خضعت تسع سنوات لسلطان حاكم مقدوني غريب عنها، ثارت، وحاصر أهلها حامية «بطلميوس» في القلعة، ولكنه وجه إليها مددا حربيا، قضى على الثورة، وأخضع المدينة لسلطة «أفلاس» حاكمها. وفي هذه السنة نفسها هبط «بطلميوس» جزيرة «قبرص» وأتم غزوها، ثم قتل أمير «قطيوم» (40) الفنيقي واسمه «فوماياطون» (41) أو (فغماليون) وكان من صنائع أنطيغونس.
وفي سنة 312ق.م خرج «بطلميوس» من مصر مرة أخرى، وزحف على فلسطين؛ ليشد عليها بجيشه، لعله يستردها. وكان أنطيغونس قد ترك فيها ابنه «دمطريوس» (42) وهو فتى في العشرين من عمره، قائدا على حاميتها. ولقد قدر لهذا الفتى أن يكون ذا مستقبل باهر مملوء بالمجازفات الفذة، حتى عرف في التاريخ باسم المحاصر
، ولكنه هزم في المعركة التي دارت في خريف سنة 312ق.م على حدود فلسطين، أمام المجرب الكبير الذي حارب في صفوف الإسكندر. وكانت هزيمته كاملة، مزقت شمل جيشه.
وتعتبر معركة غزة بدء عصر تاريخي، فإنه عقيب الهزيمة التي مني بها «دمطريوس» وجد سلوقوس أن الطريق ممهود أمامه ليعود إلى بابل. ومنذ ذلك الوقت بدأ تاريخ الدولة السلوقية في آسيا، وللمرة الثانية تم امتلاك بطلميوس لفلسطين، وعاد سلطانه على المدن الفنيقية.
وسرعان ما قلب الحظ لبطلميوس ظهر المجن فجاءة، شأن الحياة في تلك الأيام المرتجة الخئون. فإن «دمطريوس» هزم جيشا لبطلميوس سنة 311ق.م في شمال سورية، وسارع أنطيغونس بالزحف منحدرا نحو فلسطين من الشمال. وللمرة الثانية انسحب «بطلميوس» من فلسطين، منكمشا في داخل صدفته. وفي ذات الوقت ثارت قورينا مرة أخرى، ولكنها لم تثر على أفلاس، بل تحت إمرته وبزعامته.
وكانت فترة عصيبة على «بطلميوس»، ففي سنة 311ق.م عقد وحليفاه من الزعماء المقدونيين؛ قصندر (43) حاكم مقدونيا، و«لوسيماخوس» (44) حاكم «تراقيا» (45) معاهدة مع «أنطيغونس» ترك ل «لبطلميوس» بمقتضاها سورية الخالية. ولم تكن إلا برهة تصعد فيها الأنفاس بعد طول الجلاد والعراك، لم تلبث الحرب أن عادت بعدها سجالا، كما كانت من قبل. وانحصرت جهود «بطلميوس» حينذاك في أن يمد سلطانه على البحار. ولئن فقد سورية الخالية وفنيقية، فإنه كان مالكا جزيرة «قبرص».
ومضى الزعماء المقدونيون يدعون الأمانة لمبدأ «الاستقلال الذاتي للهلينيين» (46)، واعتمادا على هذه الدعوى، كان كل منهم يطرد جيش زميله من أية مدينة إغريقية يحتلها؛ ليثبت مكانه قدم جيشه، بدعوى أنه حامي حريات المدينة.
ونشطت قوات بطلميوس البحرية في خلال الأعوام التي تلت سنة 311ق.م متخذة من شواطئ آسيا الصغرى مرسحا لجولاتها الحربية، مغتصبة - حيثما استطاعت - مدنا من قوات «أنطيغونس». وسعى وسطاء «أنطيغونس» في أن يشتروا أمراء «قبرص» بالمال؛ ليناصروا دعواه، فنجحوا مع واحد منهم، أو على الأقل اعتقد بطلميوس أنهم نجحوا، ولا ندري أكان هو «نيقوقلس» (47) أمير فافوس، على ما يقول «ديودورس»؟ أم «نيقوقريون» (48) أمير «سلاميس» الذي كان حاكما عاما من قبل بطلميوس على الجزيرة؟
11
وسواء أكان هذا أم ذاك، فإن بطلميوس أجبره على أن ينتحر. ومهما يكن من أمر ذلك، فإن بطلميوس استطاع أن يحتفظ بالجزيرة مؤقتا، برغم الدسائس التي كان يحيك عدوه شبكتها من حوله. وفي سنة 308ق.م
12
تمكن من أن ينزل بقوة حربية في إغريقية نفسها، واحتل «ماغرا» (49) «وقورنثوس» (50) و«سقيون » (51). وفي تلك السنة نفسها خطا أول خطوة في سبيل بسط الحماية البطلمية على أرخبيل «قوقلادس» (52) في بحر أيغا، بأن حرر جزيرة «أندروس» (53) من حامية معادية له كانت بها. وقد قدر لهذا الأرخبيل أن يصبح في مقبل الأيام عاملا ذا بال في التسلط على البحر المتوسط. ومن الجلي أن جزيرة «دلوس» (54) كانت بمنزلتها الدينية، المحور السياسي في جزائر ذلك الأرخبيل، فاغتصبها «بطلميوس» وفصلها عن أثينا (55). وقد ظلت هذه الجزيرة تابعة لها حوالي مائتي عام. وجاء في قائمة أحصيت بها مملوكات الهيكل في «دلوس» ذكر آنية عليها إهداء من «بطلميوس بن لاغوس» إلى «أفروديت»، ويرجح أن جيشا تحت إمرة «ماغاس» (56)، ابن زوجة «بطلميوس»، استرد برقة سنة 308ق.م ثم ظل بها حاكما.
13
في سنة 306ق.م تحطمت قوى «بطلميوس» البحرية، وحلت بها كارثة عظمى؛ فإن «دمطريوس» هاجم جزيرة قبرص على رأس أسطول، ونشبت معركة بحرية بالقرب من «سلاميس»، فأوقع «ببطلميوس» هزيمة، تشبه في مرارتها ونتائجها الهزيمة التي أوقعها به «بلطميوس» في «غزة» (57) قبل ست سنوات، وراح كثير من رجاله أسرى، ومنهم أخوه «منلاوس» حاكم الجزيرة، و«ليونتسقوس» (58) ولده من إحدى حظاياه الكثيرات، ومعهما عدد من كبار ضباطه. غير أن «دمطريوس»، بما عرف عن أشراف المقدونيين من نبل الأخلاق في معاملة بعضهم بعضا، وتنويها بروح الفروسة، رد إلى «بطلميوس» كل من أسر من النبلاء، بغير فدية. وقضي بذلك على حكم بطلميوس في جزيرة قبرص (59) وأتت الهزيمة على قوته البحرية إلى حين.
كذلك فقد بطلميوس في معركة واحدة نتائج كل الجهود التي جهدها خلال ستة عشر عاما ليملك في خارج أفريقية: (60) سورية وقبرص. ولكن بقيت له «مصر وقورينا»، فظل السيد المطلق اليد في مملكة النيل، الغنية بالمال والأرواح، المقفلة الحدود أمام العالم كله بالصحاري القاحلة، والشواطئ الخشنة، التي لا تئوي سفينا. وبالرغم من كل هذه الكوارث الشداد، استطاع «بطلميوس» أن يتريث، وأن ينتظر انقلاب دورة الحظ متلبثا، فانسحب بسلام من وسط العاصفة التي كانت ترسل بأهازيجها في الخارج. ولقد بان أن حكمته في اختيار هذه الخطة، كانت أبلغ مما ظهر بديئة الأمر. •••
كان موقف «بطلميوس» في مصر خلال ذلك الوقت، غيره عندما هبطها سنة 323ق.م؛ فإنه في تلك السنة لم يكن أكثر من وال تابع للملكين «فيلبس أرغيدايوس» (61) والملك «الإسكندر الصغير» (62). أما «فيلبس أرغيدايوس» فكان قد قتل سنة 317ق.م بسعاية أم الإسكندر الأكبر. كما قتل الملك قصندر (63) الملك «الإسكندر الصغير» سنة 311ق.م؛ فلم يصبح هنالك أي وزن للقول بوجود قيصرية مقدونية موحدة. غير أن القواد المقدونيين لم يجنحوا توا إلى الألقاب الملكية، بعد موت الإسكندر الصغير. وكان أنطيغونس أول من فعل ذلك في سنة 306ق.م بعد انتصار سلاميس (64). وتدلنا المراجع على أن «بطلميوس» تابعه في ذلك وشيكا؛ ليظهر بذلك أن الهزيمة لم تلن قناته، ولم تفل من عزمه. ومذكور في «سجل الملوك» الإسكندري أن ملوكية «بطلميوس» لم تبدأ قبل نوفمبر سنة 305ق.م وذلك ما يؤيده عدد من أوراق البردي «الديموطيقية»
14 (65)، على أن المراسيم الرسمية في مصر، استمرت تؤرخ إلى ذلك العهد بسنوات «الإسكندر الصغير»، حتى من بعد موته،
15
احتفاظا بمظهر وهمي. غير أن هذا الوهم كان له أثره في أن يحتفظ بطلميوس بعرش ظل شاغرا طوال فترة توسطت حكم ملكين، وقد ترقب فيها «بطلميوس» سير الحوادث؛ ليعين أي شكل سوف يتشكل به حكمه في مصر، والدنيا من حوله في حالة لم يسبق لها من مثيل.
ولقد يظن أن تغيير لقب «بطلميوس» من وال إلى ملك، أمر غير ذي بال، ولكن يجب أن نعي أنه إذا كانت سيادة ذلك الصبي الذي كان يقيم بعيدا في مقدونيا، لم تكن أكثر من وهم، حتى حال حياته، فإنه كان وهما له أثره في عقول الجماهير الغفيرة التي تعيش على ضفاف النيل؛ فإن المصريين كانوا يرون فيه شخصا مقدسا، يكمن من وراء ذلك الدولاب الحكومي الظاهر، وينعت بنفس الصفات والألقاب التقليدية القديمة التي كانت تخلع على فراعينهم مثل «حوروس الفتى» (66) و«صاحب التاجين» (67) و«سيد العالم كله» (68) و«ملك الوجهين: البحري والقبلي» (69) و«قرة عين آمن» (70) و«المختار من الشمس» (71)، وأن حاكمهم الجديد «إبطلوميس»
16 (72)، كما كان يدعوه المصريون غالبا، إنما هو حاكم حازم، قوي الشكيمة، يحكم باسم فرعون ، شأن «عونا» (73) في الزمان الخالي. •••
في لوح هيروغليفي استكشف في القاهرة سنة 1871، ويرجع تاريخه إلى صيف سنة 311ق.م عبارات تبين بعض الشيء عن علاقة «بطلميوس» بالكهنة الوطنيين، في خلال الوقت الذي كان فيه واليا اسميا للملك الإسكندر الصبي.
17
وقد جاء فيه:
في سنة سبع (أي: في السنة السابعة من حكم الملك الصبي الإسكندر الرابع، الذي بدأ حكمه الشكلي بعد موت فيلبس أرغيدايوس) عند بدء الفيضان، لما كان الفتى المشمول بقداسة حوروس الكلي القوة، صاحب التاجين، المحبوب من الآلهة الذين منحوه عظمة أبيه، حوروس الذهبي (74)، سيد الدنيا بأسرها، ملك الوجهين البحري والقبلي، وصاحب الأرضين، فرحة قلب آمن (75)، المختار من الشمس، ابن الإسكندر الخالد، صديق آلهة مدينتي «بي» (76) و«تب» (77)، ملكا في بلاد الأجانب بداخلية آسيا، كان في مصر حاكم عظيم اسمه بطلميوس.
كان قويا فتيا، مفتول الساعدين، متزن العقل والروح، حازما بين الناس، شجاع القلب، ثابت القدم، ينكل بالعابثين المرهبين، لا ينكص على عقبيه، بل يضرب أعداءه في وجوههم أثناء المعركة، إذا أمسك بالقوس، فإنه لا يصوب نحو عدوه من بعيد، بل يحارب بالسيف. ولم يكن في مستطاع أحد أن يقف أمامه في الوقيعة، فإن قوة ساعديه، لا تمكن أحدا من الإفلات من ضربات يديه. لا ينقض أمرا أمر به وتحركت به شفتاه، ليس له من مثيل في كل بلاد الأجانب. ولقد أعاد كل تماثيل الآلهة التي وجدها في آسيا، وكذلك أعاد الأثاثات والكتب التابعة لكل هياكل الشمال والجنوب إلى أماكنها. واتخذ من قلعة الإسكندر، المختار من الشمس وابن الشمس، وتدعى الإسكندرية، القائمة على شاطئ بحر اليونان الكبير، وكانت تدعى من قبل «رقوطيس» (78) مستقرا ومقاما. ولقد جمع كثيرا من اليونان، منهم فرسان، وجمع سفنا كثيرة العدد فيها ملاحوها، عندما ذهب مع زحفه إلى أرض السوريين الذين كانوا في حرب معه، فأخذ أرضهم وأوغل فيها، فحاكت شجاعته شجاعة الباشق بين بغاث الطير. وبعد أن أسرهم أجمعين، حمل أمراءهم وفرسانهم وسفنهم وآثارهم الفنية إلى مصر. وبعد أن غزا إقليم «مرمرتي» (79) - «قورينيقا»، وبسط يده على أهله، جلب إلى مصر رجاله ونساءه أسارى، كما سلب خيلهم؛ جزاء ما فعلوا بمصر.
ولما عاد إلى مصر أظهر فرحه بما أوتي من نصر، فأقام مهرجانا وزينة. وكان هذا الحاكم يسعى دائما في أن يعمل كل خير يستطيعه، لعله يرضي آلهة الوجهين: القبلي والبحري، فكلمه الذين يتصلون به، ومنهم شيوخ مصر السفلى قائلين: «إن أرض البحر، واسمها بطانوت (80)» كان قد وهبها الملك «خباش» (81) الخالد ابن الشمس، لآلهة «بي» و«تب» بعد أن ذهب قداسته إلى «بي» و«تب»؛ ليرى أرض البحر ويرود إقليمها، وأوغل في داخلية المستنقعات، وامتحن بنفسه كل مصب من مصبات النيل التي تذهب بمائه إلى البحر العظيم؛ كي يعرف كيف يصد غارة أساطيل آسيا عن مصر، فتكلم قداسته لمن حوله قائلا: «دعوني أرود أرض البحر لأحيط بها علما» فأجابوا قداسته قائلين: «إن أرض البحر (وتدعى أرض بطانوت) كانت ملك آلهة «بي» و«تب» منذ أزمان بعيدة لا تعيها الذكريات، فلما جاء العدو «إجزرسيز» (82) قلب آيتها ولم يترك منها شيئا لآلهة «بي» و«تب». فأمر قداسته أن يمثل أمامه حكام «بي» و«تب» وكهنتهما؛ فأحضروا على عجل، وتكلم فيهم قداسته قائلا: عرفوني ماهية آلهة «بي» و«تب» وصفاتهم، وماذا فعلوا اقتصاصا من الفاسق على عمل فاحش أتاه، وقد رأيت أن «إجزرسيز» الفاسق قد أنزل ببلدتي «بي» و«تب» شرا، واغتصب حقوقهما.
فتكلموا أمام قداسته قائلين: إن الملك سيدنا «حوروس» ابن «إيزيس» وابن «أزريس» حاكم الحاكمين، وملك ملوك مصر العليا، وملك ملوك مصر السفلى، المنتقم لأبيه، سيد «بي»، بداية الآلهة ونهايتهم، الذي ليس بعده من ملك، قد طرد الفاسق «إجزرسيز» مع ابنه الأكبر، وتجلى بقدرته العلوية في هيكل «نيط» (83) وفي مدينة «سايس» (صالحجر) (84) في نفس ذلك اليوم بجانب الأم المقدسة. فتكلم قداسته قائلا: «إن هذا الإله القادر، الذي ليس بعده من ملك، سيكوت منار قداستي، وأس شريعتي، هذا قسم أقسم به!» وهنا تكلم حكام «بي» و«تب» وكهنتهما قائلين: إذن، فلتأمر قداستك بأن توهب أرض البحر (الأرض التي تدعى بطانوت) لآلهة «بي» و«تب»، بخبزها وشرابها وثيرانها وطيورها وكل خيراتها وأطايبها، وليسجل تجديد الهبة باسمك تنويها بكرمك وجزل عطائك لآلهة «بي» و«تب»، وجزاء لك عن أعمالك العظيمة.
وهنا تكلم الحاكم العظيم قائلا: «فليصدر مرسوم بالكتابة في ديوان كاتب مالية الملك بالنص الآتي: «أنا بطلميوس الوالي، أعيد إلى حوروس المنتقم لأبيه سيد «بي» وإلى «بوطون» (85) سيدة «بي» و«تب»، أرض «بطانوت» منذ الآن إلى أبد الآبدين، بكل ما فيها من القوى والسكان، مع كل حقولها ومياهها وثيرانها وطيورها وقطعانها ومنتوجاتها، كما كانت من الزمن السالف، مع كل ما أضيف إليها مذ ذاك بمقتضى العطية التي أعطاها سيد الأرضين «خباش» الخالد، على أن يكون حدها الجنوبي بلدة «بوطون» وبلدة «هرموبولس» (86) الشمالية حتى المكان الذي يعرف باسم «ناونيبو» (87)، وعلى أن يكون حدها الشمالي كثبان الرمل التي تشرف على البحر العظيم، وعلى أن يكون حدها الغربي تعاريج النهر الصالحة للملاحة، حتى حدود تلك الكثبان، وعلى أن يكون حدها الشرقي إقليم «سبنوطس» (88). ولتكن عجولها غذاء للبواشق العظيمة، وفحولها لوجه الآلهة «نبطاوي» (89)، وثيرانها للبزاة العائشة، ولبنها للطفل الأعظم، ودجاجها لمن هو في «شعت» (90) الذي حياته من ذات نفسه. وكل الأشياء التي تخرج منها تكون وقفا على مذبح «حوروس» سيد «بي» و«بوطون» رئيس «رع هرماشيس» (91) إلى الأبد.
فكل الأرض التي منحها الملك سيد الأرضين، مثال «تانن» (92)، المختار من «فتاح» ابن الشمس «خباش» الخالد، جدد هبتها حاكم مصر العظيم «بطلميوس» لآلهة «بي» و«تب»؛ لتكون لهم أبد الآبدين، ودهر الداهرين. فليجز تلقاء صنيعه نصرا وقوة تملأ قلبه اطمئنانا؛ حتى تستمر الخشية منه مالئة قلوب الأمم الأجنبية التي تعيش الآن! أما أرض «بطانوت»، فإن من يجرؤ على أن يغتصبها، فإنه سوف يستباح دمه لمن هم في «بي»، وسوف تحل به لعنة الذين هم في «تب»، ولسوف تتلقفه أنفاس الآلهة «أفطاوي » (93) النارية، فتلتهمه في يوم فزعها الأكبر، ولن يغيثه بشربة ماء، ولد له ولا بنت.
منذ سنة 305ق.م أصبح بطلميوس ملكا، وفيه حصرت كل السلطة الدينية العليا في أرض مصر، وأضفى عليه الكهنة المصريون والكتاب كل الألقاب التي كانت تضفى على قدامى الفراعنة. وأوحي إلى الناس أنه كان في الحقيقة ملكا، طوال المدة التي قضاها في مصر، منذ موت الإسكندر الأكبر، حتى لقد نرى أن التاريخ الرسمي للوثائق الحكومية لم يبدأ بسنة 305؛ أي بأول سني حكمه التي انتحل فيها اسم الملك وألقابه، بل من سنة 324-323ق.م وإنا لنفهم كيف بدأ أغارقة ذلك الزمن العجيب يعتقدون في أن «الحظ» قوة مسيرة لا نهاية لأثرها في توجيه الأشياء الإنسانية وتصريفها؛ إذ يرون أن شخصا لم يتطلع في صباه إلى نصيب من الحياة أكثر مما يتطلع إليه سيد مقدوني، غاية مرجوة أن يقضي حياته بين حقول بلاده وتلالها، يطفر وهو في الرابعة بعد الستين، فيصير فرعونا في أرض مصر العظيمة! •••
بعد أن فقد بطلميوس كل أملاكه في خارج مصر في سنة 306ق.م انقلبت آية الحظ ثانية على أنطيغونس، فقد حلت بجيوشه كارثتان في خلال السنتين التاليتين، وقد أطمعه انتصاره على بطلميوس في سورية وقبرص أن يكرر محاولة فردقاس الأولى ويهاجم مصر نفسها، وفي هذا من قلة التبصر وقصر النظر ما فيه. على أنه لم يقدم على ذلك إلا بعد أن جهز قوة عظيمة، برية وبحرية، جعلته يأمل أن يستقوي على العقبتين المعروفتين: الصحراء الواقعة بين فلسطين ومصر، والنيل: صور مصر الخالد.
18
وعبئ الجيش أول الأمر في «أنطيغونيا» في شمال سورية (وهي المدينة التي قامت مكانها أنطاكية) ثم تحرك إلى غزة (نوفمبر 306ق.م) على حدود الصحراء، ويقول «ديودورس»: إن عدد الجيش بلغ 80000 راجل و8000 راكب و83 فيلا هنديا، مصحوبا بأسطول مكون من 150 قطعة حربية، و100 نقالة، تحت إمرة «دمطريوس». على أن الثقة بما يرويه قدماء المؤرخين عن مثل هذه الأشياء قليلة، كما أبان «مهفي».
وفي غزة، وقبل أن يبدأ الجيش اجتياز الصحراء، وزعت على رجاله مؤن تكفي عشرة أيام، وأجرت فئة من البدو أدلاء على الطريق، على أن يحملوا معهم 130000 «مدمني» (94) أي «وزنا» من القمح والعلف للدواب. ولقد كان الأوفق، إذا نظرنا في الأمر من الوجهة الطبيعية الصرفة، أن يؤجل أنطيغونس هجومه على مصر إلى الصيف؛ فإن النيل يكون فائضا في الشتاء والملاحة البحرية صعبة المراس، إذ تعصف رياح شمالية غربية على الشاطئ.
19
ولكن حاجات المعركة العالمية التي كانت في أوجها، وضرورة القضاء على «بطلميوس» وهو ما يزال ضعيفا بعد خسائره في قبرص، عامة إذ حمل «أنطيغونس» على أن يعجل بمحاولته. ولم يكن الرشد في أن تؤجل المحاولة فقط، بل كان النهى والتوفيق في أن تنبذ بتة. فقد جرت الأمور كلها على الضد مما يشتهي، وفي طريق كله خطل؛ فإن أسطول «دمطريوس» لم يستطع أن يقاوم الرياح، وجنح كثير من سفنه على الشاطئ في «رافيا» (95)، وأصبح التعاون بين الأسطول والجيش، كما كان منتظرا من قبل، في حكم المستحيل عمليا.
لما وصلت القوات المتحدة إلى «فلوسيوم»
20 (96) ألفتها محصنة أتم تحصين، وأن مدخل النهر موصد بالسفن كل إيصاد. هذا إلى أن النهر تغشاه طرادات صغيرة، متأهبة لمقاومة كل محاولة يقصد بها عبوره. وقد أوحي إلى رجالها فوق ذلك أن ينشروا بين الغزاة وعودا برشاوى مغرية، ووظائف عالية، إذا هم تركوا «أنطيغونس» وانضموا إلى «بطلميوس». وبلغت هذه الرشاوى «منين» لكل جندي، «وطالنطن» لكل ضابط. فلاقى «أنطيغونس» صعابا في صد تيار الفرار من جيشه، وقضى على من يحاول الفرار بعذاب الموت، حتى استطاع أن يدفع عن نفسه خاتمة أشبه بخاتمة «فردقاس».
ولما آنس «دمطريوس» تعذر النزول إلى البر في «فلوسيوم»، أراد أن ينزل في مكان أبعد منها غربا، وعالج النزول عبر مصب النيل الكاذب (97)، وهو ما يعرف الآن ببحيرة «المنزلة» ترجيحا، ثم عدل عن ذلك إلى مصب دمياط؛ أي المصب الفطنيتي (98). ولقد صد في كلا الموضعين، ثم عاجلته عاصفة أخرى حطمت ثلاثا من أكبر سفائنه، ولم يتمكن من العودة إلى معسكر أبيه شرقي المصب «الفلوسيومي » (99) إلا بكل عناء.
ولم يبق أمام «أنطيغونس» من حيلة إلا أن يرتد عن حدود مصر بأقصى ما يستطيع من سرعة. ولقد وضح للعالم بذلك قدر «بطلميوس» وقته، برغم ما نزل به من الهزائم والخسائر المادية من قبل. وكان القدر يخبئ ل «أنطيغونس» كارثة أخرى؛ فإن «دمطريوس» كان قد هاجم «رودس» (100) في بداءة سنة 305ق.م، ولا شك في أن دولة «رودس» العظيمة، باعتبارها دولة بحرية تجارية انتعشت في جوها الحرية الجمهورية قرونا عديدة قبل عصر الإسكندر وبعده، كانت ذات علاقات وثيقة بسوق الإسكندرية، ومن هنا كان الرودسيون من أصدقاء «بطلميوس».
وبعد أن حاصر «دمطريوس» جزيرة «رودس» خمسة عشر شهرا (305-304) عجز عن أن يفتحها عنوة، وأذعن لصلح أساسه التفاهم. وكان الدفاع الموفق عن الجزيرة، راجعا إلى المؤن والمدد الحربي الذي تمكن «بطلميوس» أن يمد الجزيرة المحصورة بهما، حينا بعد حين. •••
في سنة 303-302ق.م تألف حلف جديد من قصندر ولوسيماخوس وبطلميوس وسلوقوس، ينابذ «أنطيغونس». وكان «سلوقوس» في فجاج الشرق يغزو أقاليم الإمبراطورية السحيقة حتى حدود الهند، ولكنه في شتاء 302-301ق.م زحف بجيشه ميمما نحو الغرب؛ ليزود أحلافه بعدد عظيم من فيلة الهند. ولقد مثل بطلميوس دورا كان فيه إلى الحذر أدنى منه إلى طلب المجد والعظمة؛ فإن كل نصيبه من معاونة الثلاثة انحصر في أن يحتل «سورية الخالية» للمرة الثالثة، بينما كانت قوات أحلافه الثلاثة، تحشد ضد «أنطيغونس» في آسيا الصغرى. وتواترت الأنباء بأن «أنطيغونس» انتصر انتصارا حاسما، وأنه زاحف على سورية، فانسحب بطلميوس بجيوشه، مرتدا من «سورية الخالية» للمرة الثالثة. ولكن الأنباء كانت كاذبة؛ فإن أحلافه الثلاثة هم الذين انتصروا في معركة فاصلة، دارت بالقرب من «إبسس» (101) في صيف سنة 301ق.م، وترك جثمان الشيخ «أنطيغونس» مجدلا في الميدان.
وكان انتصار الملوك الثلاثة سببا في حدوث خلاف في ميدان السياسة موضوعه سورية الخالية، وهو خلف استمر قائما طوال عصر البطالمة. فإن الظاهر أن المعاهدة التي عقدت بين الحلفاء الأربعة قبل المعركة الأخيرة ضد أنطيغونس، قد نصت على أن تكون سورية الخالية من نصيب بطلميوس، إذا تم لهم النصر. وكان من الطبيعي أن يستمسك الملوك الثلاثة الذين حملوا أعباء موقعة «إبسس» بالفعل بنظرية أن ملك مصر، بنكوصه عن الظهور في ميدان الحرب، وتحمل جانب منها، وانسحابه من سورية الخالية فجأة وبلا سبب، اللهم إلا ذيوع إشاعة كاذبة، لم يجعل له من حق في الاستمساك بما تحالف وإياهم عليه. وأعاد الملوك المنتصرون النظر في الأمر، واتفقوا على توزيع جديد وضعوا شرائطه بعد انتصار «إبسس»، أصبحت سورية الخالية بمقتضاه جزءا من إمبراطورية «سلوقوس» الآسيوية. ورفض بطلميوس الاعتراف بهذا الاتفاق، كما رفض «سلوقوس» اعتبار الحلف الأصلي قائما، فكان ذلك سببا في قيام خصام سياسي، قدر له أن يظل قائما بين بيت «بطلميوس» وبيت «سلوقوس» أجيالا عديدة. ولما كانت فلسطين (أي سورية) قد ظلت طوال العصر الفرعوني القديم، موضوع نزاع وخلاف بين كل دولة تحكم ما بين النهرين، والدولة التي تحكم على ضفاف النيل، فإنها استمرت كذلك بعد أن تبدلت الأسرات الملكية الوطنية، بأسرتين مقدونيتين دخيلتين.
بعد معركة «إبسس» احتل بطلميوس سورية الخالية للمرة الرابعة. ولما حاول «سلوقوس» أن ينفذ الاتفاق الذي عقده مع حليفيه، ووفد بجيشه ليحتل سورية الخالية، وجد أن «بطلميوس» قد سارع فاحتلها قبله، وأن مدنها تعج بجيوشه، وكانت شكوى «بطلميوس» أن «سلوقوس» قد انتهك حرمة الصداقة، بأن عقد عهدا يكسبه حق امتلاك أرض، هي من نصيبه وتحت حكمه. وبالرغم من أنه أخذ في الحرب ضد «أنطيغونس» بضلع، فإن الأحلاف الثلاثة لم يخصوه بأي جزء من أرض الإمبراطورية المغزوة، فكان جواب «سلوقوس» أنه من المعقول أن يكون الذين كسبوا المعركة هم أصحاب الحق الثابت في توزيع الأرض باختيارهم، وأنه فيما يتعلق بسورية الخالية، لن يقوم بأي اعتداء؛ مراعاة لصداقتهما، وأنه سوف يفكر فيما بعد في أمثل طريقة يعامل بها أصدقاءه الذين يحاولون أن يأخذوا منه أكثر مما هو حق لهم.
في السنوات التي تلت الانتصار في معركة «إبسس»، وهي سنون ساد فيها سلام نسبي، مضى الشيوخ الثلاثة الذين بقوا من رجال الإسكندر؛ وهم: بطلميوس وسلوقوس ولوسمياخوس، ومن حولهم من صغار الملوك، ناشئة الجيل الثاني؛ وهم: قصندر في مقدونيا، وفورغوس (102) في أفيروس (103) ودمطريوس، وكان ما يزال ذا قوة، يحيكون من حول بعضهم البعض، شبكة من الدسائس السياسية، يتعذر علينا الآن تتبع أطوارها. وإن كنا نعرف أن الفتور بين حزب وآخر، كما كانت الصداقات والعداوات، محلا للتغيير والتبديل على مقتضى الظروف في كل آونة، وكان حدوث فتور في العلاقات ينذر دائما بحدوث حرب، كالحال بعد أن حصل «دمطريوس» على تاج مقدونيا سنة 924ق.م بعد موت قصندر، أو عندما هاجم دمطريوس مملكة لوسيماخوس سنة 287ق.م أو في أثناء المعارك الكبيرة التي قامت بين سلقوس ولوسيماخوس، تلك المعارك التي لم تنته إلا بعد موت بطلميوس. على أن بطلميوس لم يشترك بعد معركة «إبسس» في أية حرب ضد أي ملك من الملوك المتاخمين لملكه، واقتصر على أن يجعل السياسة ميدانه، فكان يناصر ذلك حينا، ثم يناصر ذاك حينا آخر، بحسب ما يرى من اتجاه دورة الحظ في رقعة الدنيا.
وقد نقف على أشياء نستدل منها على صورة من ذلك اللعب السياسي، تظهر بين حين وآخر في التزاوج بين الأسر، فقد رأينا أن العلاقات بين بطلميوس وسلوقوس قد كدرت وشيكا بعد معركة «إبسس»، بقيام مشلكة سورية الخالية. ثم نرى تقربا بين سلوقوس ودمطريوس، وبين بطلميوس ولوسيماخوس، فيتزوج سلوقوس من «إسطراطونيقية» (104) ابنة دمطريوس، كما يتزوج لوسيماخوس (بين عامي 300 و298) من «أرسنوية» (105) ابنة بطلميوس. ثم يتزوج الإسكندر بن قصندر، من ابنة أخرى من بنات بطلميوس تدعى «لوسندرا» (106)، ويتزوج دمطريوس من ثالثة من بناته اسمها «إفطولمايس» (وقد خطبت سنة 300 وزفت سنة 286)، وتتزوج «أنطيغونية» (107) ابنة «برنيقية»، من زوج لها قبل بطلميوس، من الملك فرغوس (108) سنة (298-295)، وتتزوج ابنة ثانية من بنات «برنيقية» واسمها «ثيوكسنا» (109)، من «أغاثوكلس» (110) حاكم سيراقوز (حوالي سنة 300ق.م). وفي النهاية يتزوج «أغاثوكلس» بن لوسيماخوس، وهو غير من ذكرنا، إحدى بنات بطلميوس.
21
لما حاصر ديمطريوس أثينا (296-294) لم يمد بطلميوس أصدقاءه الآثينيين بمساعدة تذكر، فإن أسطوله ظل يجوب البحر خارج «أيغينا» (111)، ولم يفعل من شيء يحول دون سقوط المدينة. وفي سنة 287 ثارت أثينا في وجه دمطريوس، فأرسل بطلميوس خمسين طالنطن (112)، وكمية من العملة، ولكن أسطوله لم يقم بشيء يصد «دمطريوس» عن أغراضه. •••
إن كل ما تطلع «بطلميوس» إلى إحرازه في خارج مصر، كان قد أحرزه فعلا بعد موقعة «إبسس»؛ فإن «سلوقوس»، كما رأينا من قبل، وجده مالكا سورية الخالية، عندما قدم ليحتل الجزء السوري من مملكة أنطيغونس. والظاهر أن احتلال «بطلميوس» فلسطين لم يكن كاملا؛ فإن المدن الفنيقية الواقعة على شاطئ البحر كانت ما تزال محتلة بجيوش «دمطريوس»، كما أن هنالك إشارة إلى امتلاك «دمطريوس» لمدينة سمرية (113) في سنة 296-295ق.م ولقد خيل لمسيو «بوشيه لكلار» - أو هو ظن عندما كتب الجزء الأول من كتابه سنة 1903 - أن أملاك دمطريوس في فنيقية وفلسطين قد انتقلت إلى سلوقوس لا إلى بطلميوس، وهذا الظن يشعر بأن بيت بطلميوس لم يتيسر له أن يمتلك فلسطين قبل مدة من الزمن لا تقل عن ثمانين عاما؛ أي بعد موت سلوقوس سنة 281. على أن «بوشيه لكلار» إنما يعتمد فيما يذهب إليه على المجادلات التي قامت بين ساسة السلوقيين سنة 219، وكان اعتمادهم فيما أخذوا به من وجهة نظر، على سيادة سلوقوس في تلك الأقاليم. والراجح كما يذهب جلة الباحثين الثقات أن بطلميوس قد ملك فلسطين منذ موقعة إبسس فصاعدا، ما عدا بضعة مواضع ظلت تحت سيادة دمطريوس، وقد احتلها بطلميوس بعد أن أصبح دمطريوس عاجزا عن الدفاع عنها. والراجح أن سيادة بيت سلوقوس في فلسطين، وهي التي أشار إليها سياسيو السلوقيين، كانت سيادة غير فعلية، بل سيادة اسمية، استمسك بها سلوقوس، اعتمادا على الحق السياسي الذي خول له بمقتضى التقسيم الذي تم بين الملوك المنتصرين في موقعة إبسس.
واسترد بطلميوس جزيرة قبرص سنة (295-294)، وكانت قوات دمطريوس قد احتلت هذه الجزيرة وظلت بها ست سنوات بعد موقعة إبسس. ولقد قام الدفاع عن الجزيرة هذه المرة تحت إمرة «فيلا» (114) ابنة «أنطيفاطروس» (115)، وزوجة دمطريوس، فكان دفاعا مجيدا، ولكنها اضطرت إلى التسليم في سلاميس. ولقد رد بطلميوس «فيلا» وأولادها إلى دمطريوس في مقدونيا، مثقلة بالهدايا، محوطة بالتشاريف، جزاء ما أبدى دمطريوس من نبل الأخلاق والشهامة سنة 306ق.م.
حوالي سنة 287، كان للأسطول المصري السيادة في بحر أيغا، واسترد بطلميوس حمايته الفعلية على مجموعة جزر «قوقلادس». ولعهد ما (حوالي 294 و287) كان بينه وبين مدينة ميلطوس (116) صداقة وحسن اتصال، وكانت من أملاك لوسيماخوس، فاستغل بطلميوس نفوذه عند حليفه؛ فتظاهر بالسعي في أن يرفع عن المدينة ما عليها من الضرائب. •••
لا تزودنا الكتب الإغريقية بغير نتف قليلة عن العمل الذي قام به بطلميوس في المعركة التي نشبت بين القوات العالمية، وظلت رحاها تدور أربعين عاما بعد موت الإسكندر. أما إذا تساءلنا عما كان يحدث في داخل حدود مصر نفسها مدى ذلك الزمن، فإن المدونات التاريخية تعجز عن أن تزودنا بمادة نحيك منها رواية كاملة، وكل ما نستطيع أن نصل إليه في هذا الصدد، استنتاجات ننتزعها من الحالات التي نصادفها قائمة، فنستدل منها على ما حدث في البلاد من تبديل.
إذا نظرنا في تاريخ مصر في ذلك العهد نظرة شاملة، وجدنا أن محوره يدور حول حقيقة بينة؛ هي أن سكان مصر قد تبدلوا من أمة متجانسة القومية نسبيا، كما كانت خلال حكم الفراعنة الأقدمين، أمة مقسومة طبقتين، تعيشان داخل حدود أرضها: فالطبقة العليا تتألف من أفراد الأمة الأوروبية الحاكمة، والطبقة الدنيا من جمهرة الأمة المصرية المحكومة. وهي حالة لا تبعد كثيرا عن الحالات التي تقوم في بعض الممالك في عصرنا؛ لأن حضارة الأمة الحاكمة في مصر البطلمية، كانت هي بذاتها الحضارة الإغريقية، أم الحضارة الأوروبية الحديثة، ولم يكن شعورهم بالتفوق والاستعلاء على أهل مصر مباينا للشعور الذي يشعر به «البيض» في هذا العصر نحو الوطنيين. وفي الحق أن الإغريق كانت تجري على ألسنتهم كلمة معناها «الوطنيين» كلما أرادوا الإشارة إلى المصريين.
إن وجود الطبقة الإغريقية المقدونية في مصر، لم يكن راجعا إلى أن الإغريق والمقدونيين قد وفدوا إليها باختيارهم، أو مسوقين بأن حالات البلاد الطبيعية من شأنها أن تغري بالهجرة إليها شأن الأوروبيين في تدفقهم على أمريكا وأستراليا في العصور الحديثة، بل على الضد من ذلك، كانت نتيجة جهد متواصل بذله البيت المقدوني الحاكم؛ فإن بطلميوس منذ ما اختار مصر لتكون مقرا لحكمه، ومتبوأ له من الدنيا بعد الإسكندر، وجد أنها قد وهبته أشياء عديدة، وهبته أرضا يسهل الدفاع عنها، وثروة مادية عظيمة، سواء من مواردها الطبيعية، أم من المتاجر التي كانت تردها على ظهر النيل، وخلعت على ملوكيته فوق ذلك عظمة التقاليد المصرية القديمة وهيبتها ونضارتها. ولكنها مع كل هذا لم تعطه كل الضروريات؛ فإنها لم تزوده «بالقوة البشرية»، وكانت من أمس الحاجات إليه.
والحقيقة أن مصر كان فيها عديد وافر من الرجال، ولكنهم لم يكونوا من ذلك الطابع الذي يريده، الطابع الذي يستطيع قائد حربي أن يؤلف منه جيشا يناجز كتائب مؤلفة من جنود مقدونيين وأغارقة، كالتي يسوقها «أنطيغونس» أو «سلوقوس» إلى ميادين الحرب، فكان من الضروري أن يحصل «بطلميوس» على عدته من المقدونيين. وما كان ليغيب عن ذهنه أن صفوة الجيش الذي فتح نصف الدنيا، تحت إمرة الإسكندر، كان من رجال مقدونيا، فكان الفرسان من النبلاء، وحملة الحراب الذين اشتهروا بالصلابة والقوة من جمهرة العمال الذين يفلحون حقول البلقان في زمن السلام. ولقد رأى بطلميوس أنه مقطوع الصلة بمقدونيا؛ مرباه الأصيل، فخطرت له فكرة إنشاء «مقدونيا اصطناعية» في مصر العجيبة غير المتجانسة، بأن يكون طبقة من الفلاحين المقدونيين أو الأغارقة، فنشر ألوفا منهم في عرض البلاد وطولها، يفلحون الأرض ويستولدون الماشية ما رفرف السلام في أجزاء من الأرض يقطعونها، ويواتيها النيل بمائه، فإذا أذن مؤذن الحرب هبوا إليها، فحملوا الحراب راجلين، أو امتطوا صهوات جيادهم فرسانا، وخرجوا فيالق أو صفوفا يتبعون «بطلميوس»، أو أحد قواده إلى فلسطين أو قورينا. أما نشأة هذا النظام الاستعماري العسكري، وهو الطابع الظاهر في نظام مصر البطلمية، فيرجع تحقيقا إلى عصر بطلميوس الأول.
ومن أجل أن تعمر المدن الإغريقية الجديدة، كالإسكندرية وإفطولمايس (117)، وتثبت قدم العساكر المستعمرين في البلاد، استوفد بطلميوس ألوفا من الأغارقة والمقدونيين إلى مصر. غير أنه لم يستطع أن يجلبهم جملة من إغريقية ومقدونيا، وهي بلاد خارجة عن سلطانه، كما كان يفعل ملوك الأشوريين في الزمن القديم، فينقلون جزءا من رعاياهم، من بقعة إلى أخرى في أطراف دولتهم. ولا ريبة في أن فكرته هذه كانت تصبح عقيمة وغير عملية لو لم تكن قوات مقدونيا وإغريقية قد بعثرتها غزوات الإسكندر، ونشرتها في فجاج الشرق الأدنى كله، فوزعت في معسكرات أو بقيت حاميات في المدن تحت إمرة هذا أو ذاك من الزعماء المقدونيين.
ولا مراء في أن بطلميوس عندما هبط مصر سنة 323، قد وجد بها حامية مقدونية مستقرة فيها، وكانت العادة عندما يهزم قائد مقدوني قائدا آخر، أن يخدم جنود المهزوم راية المنتصر، فإذا كانوا مقدونيين، فإن المنتصر يكون أحد قوادهم الوطنيين. ولا يبعد أن يكون جزء من جيش «فردقاس» (118) المهزوم سنة 321 قد وجد بمصر حمى في ظل «بطلميوس». ويقول «ديودورس» (119): إن «بطلميوس» بعد وقعة غزة سنة 312، أرسل ما ينيف على ثمانية آلاف جندي من جنود الجيش المهزوم؛ ليوزعوا على أقاليم مصر. والظاهر أن إقطاع الأرض في مصر، قد أحكم الوصلة بين عدد عظيم من بقايا الجنود المقدونية و«بطلميوس»، وربط بينهما برباط لن تنال منه حتى الهزائم أي منال، فقد خبرنا أن عددا كبيرا من جيش «بطلميوس» الذي أسره دمطريوس في قبرص سنة 306، قد عمل أفراده جاهدين على أن يعودوا إلى مصر، حيث تركوا أسرهم ومتاعهم، ورفضوا الخدمة تحت إمرة «دمطريوس».
وليس ببعيد أن يكون قد هبط مصر رجال من أطراف العالم الإغريقي؛ ليخدموا بطلميوس مرتزقين، ثم قبلوا الهبة التي تلجئهم إلى المقام الدائم بها. أضف إلى ذلك فرق الجند التي كان يستوفدها بطلميوس جملة إلى مصر؛ فإن الجيوش التي كانت تؤلف من المقدونيين المقيمين فيها، لم تكن وحدها كافية، فكان لزاما أن تعزز بجنود مرتزقة وأهل البلقان. وكانت صفة الجنود المرتزقة في ذلك الزمن، أن يأجر مغامر من المغامرين جماعات منهم في سوق من أسواق استئجار الجنود، مثل طايناروم (120) بجزر الفلوبونيسوس (121)، أو أسفندوس (122) بآسيا الصغرى، وكانت ملتقى المرتزقين من الجنود، ومجتمع أخلاطهم، يؤمونها من أطرف العالم الإغريقي، أو ينضوي عدد منهم تحت لواء ضابط يمنيهم بأعظم ما يطمع فيه من المال أو التشاريف أو المجد، ومن ثم يبيع الضابط، ومن انضوى تحت لوائه من الجنود، خدمته لأي ملك من الملوك، أو لحكومة أية مدينة من المدن يختارها. وكانت أسلحة خاصة من أسلحة الجيوش تتكون من مرتزقين يفدون من جهات معينة، وليس من جند مقدونيا النظامي، فكان الرماة من إقريطش (123) (كريت) وحملة الحراب من «تراقيا» (124). ولقد استقر بمصر - على ما يظهر - كثير ممن وفد إليها من الكريتيين والتراقيين والآثنيين والإسبرطيين (125) والبوطيين (126) والصقليين (127) وأقاموا بها.
وقد نرى أن بطلميوس قد آثر أن يذاع عنه في العالم الإغريقي، أنه ذلك الجواد الكيس، والكريم الشهم، الذي يجدر بكل رجل أو فتى، يريد أن يعيش جنديا، أن يعبر البحر ليكون تحت إمرته. ولقد هيأت له موارد مصر الطائلة، أن يكون كريما معطاء على وتيرة لم يباره فيها أحد من خصومه. •••
تفرد حكم بطلميوس بن لاغوس في مصر ببدعة قدر أن يكون لها أثر في مستقبل العالم الإغريقي؛ تلك هي خلق عبادة جديدة. فإن إلها جديدا لم يعرفه من قبل الأغارقة في خارج حدود مصر، أصبح من أعظم الآلهة الذين عبدوا في العصر الوثني؛ ونعني به «الإلهة» سرافيس (128). ولقد ظل الأصل في عبادة «سرافيس» موضع نقاش طويل وجدل بين الثقات من أهل العلم. غير أن هذا المشكل أنيرت ظلماته بعض الشيء، بعد أن نشر «فلكن» (129) قرطاسا من البردي، كتب في العهد البطلمي. وهنا يتعين علينا أن نلتفت بداءة ذي بدء إلى هيكل مصري قديم بالقرب من «ممفيس»، عرف منذ ذلك العصر فصاعدا باسم «السرافيوم»؛ أي معبد «سرافيس» عند الإغريق، وهو على أربعة أميال من «ممفيس» غربي النيل، بالقرب من التلال القاحلة التي تحصر الوادي من تلك الجهة.
ولقد أظهر «فلكن» أن الفروض التي فرضت في أصل «السرافيوم» (130)، منذ عصر «ماريت »، ونقلت عنه من كاتب إلى كاتب، كلها أوهام؛ فإنه لم يوجد «سرافيوم» إغريقي منفصل عنه السرافيوم المصري، بل سرافيوم واحد هو عبارة عن مجموعة من المباني الضخمة، قائمة على المرتفع المشرف على الأرض المزروعة. وحذاء النهر تقع الأرض المزروعة، ومن بعدها وعلى ارتفاع قليل تمتد الصحراء ثم التلال وعلى طرف الصحراء. وبالقرب من الحقول كان يقوم معبد «لأنوبيس» (131) يحيط به فناء، وفي هذا الفناء كانت تقيم فيما بعد نقطة للشرطة، وفيها سجن متصل بها، ومكتب رسمي وأماكن يقيم بها ممثلو حاكم إقليم «ممفيت»، وكان يقيم فيه إذا زار «السرافيوم». وقد أقام أحد الحكام في إحدى الزيارات تحت حكم بطلميوس السادس يومين في هيكل أنوبيس، قضاهما لاهيا ساكرا. ومن هيكل «أنوبيس»، يمتد طريق مرصوف، تقوم على جانبيه تماثيل أبي الهول، فيخترق تلك الرقعة الصحراوية إلى «السرافيوم».
كان «السرافيوم» هيكلا متصلا بمحاريب خصصت لدفن ما يموت من عجول «أبيس» (132)، وكانت جثثها تدفن في أنفاق أو سراديب تحت الأرض. وكان العجل «أبيس» حال حياته يعيش في مكان يدعى «الأبيوم» (133) (نسبة إلى أبيس
Apis ) يجاور هيكل «فتاح»، القائم على أربعة أميال داخل الرقعة المزروعة من الوادي. وكان العجل في حياته، يعتبر إله النيل المجسد، وقد يعتبر بعض الأحيان مساويا «لفتاح» نفسه.
22
ولما كان المعتقد أن كل إنسان يحدث به حدث الموت ينقلب «أوزيريسا»، كذلك العجل «أبيس»، فإنه ينقلب عند موته إلى «أوزيريس (134)-أبيس»، أو «أوزير-حابي». وهناك رأي ذاع في العصر الروماني، إن لم يكن ذيوعه راجعا إلى أزمان أقدم، يقول: إن ألوهية الحيوانات المقدسة تبدأ بموتها.
وكانت جنازة العجل أبيس حادثا تهتز له مصر كلها، فتقام الجنائز في كل مكان سبعين يوما كاملة، وفي خلالها تتم عملية التحنيط، وترسل كل الهياكل أنسجة ولفائف من الكتان ليكفن بها. ويقيم بجوار الجثة في «ممفيس» كاهنتان تندبانه، فإذا تم تحنيط الجثة خرجت في مشهد جنائزي، وأمامها كاهن مقنع يمثل الإله «توت» (135)، إلى حيث يقوم هيكل «أنوبيس» على حدود الصحراء. وهنالك يتسلم الجثة كاهن آخر، مقنع بقناع الثعلب الذي هو شعار أنوبيس مرشد الموتى، فيقود المشهد في الطريق المرصوف المؤدي إلى «السرافيوم». ثم تودع الجثة مرقدها الأخير بغرفة أعدت لها في أحد السراديب الأرضية. ومنذ ما تعد هذه الغرفة - وقد تعد قبل حادث الدفن بسنتين - تغلق السراديب غلقا محكما، ولا يسمح لكاهن ما أن يطأها بقدميه. فإذا أودعت بها المومياء المقدسة أغلقت السراديب ثانية، حتى تكون جنازة الثور التالي، ما عدا الزمن الذي يستغرقه إعداد غرفة أخرى لخلفه.
23
أما نظرية «فلكن»، فمحصلها أنه في الفترة التي يكون العمال منهمكين خلالها في نحت حجرة تحت «السرافيوم»؛ لتكون مقرا لجثمان العجل العائش في «ممفيس» بعد موته، تبدأ عبادة هذا العجل في السراديب الأرضية على أنه شخص «أوزيريس» إله الموتى، لا على الصورة التي يتبدل بها أي ميت فيصبح «أويزيريسا»، بل على صورة أكثر بيانا وأدخل في الذاتية. فكان العجل العائش يدعى «أبيس-أوزيريس» ويدعى العجل الميت «أوزيريس-أبيس»، ويظن فلكن، أن العبادة في الهيكل القائم على سطح الأرض، كانت توجه إلى قداسة أوزيريس الشاملة الحالة فيهم أجمعين. وبهذه تتجه عقول المتعبدين إلى التفكير في «أوزيريس-أبيس» لا باعتباره عجلا ميتا، بل على أنه إله العالم السفلي نفسه، متقمصا صورة موضوعية، وفي الغالب صورة إنسانية تمثل متربعة من فوق عرش، ولا يبعد أن تحمل رأس ثور.
إن أقدم رقعة من رقاع البردي انحدرت إلينا من ذلك العصر، تتضمن «لعنة» كتبتها امرأة إغريقية تدعى «أرتميسيا» (136)، كانت في مصر، استدرت فيها انتقام السيد (القاهر) «أوزرافيس» (137)؛ كي يحل برجل كان لها منه ابنة. والراجح أن هذه القصاصة البردية، التي قدر لها أن تكون موضع العناية ومتجه الأنظار بعد قرون من كتابتها، وهي الآن في خزانة الكتب الملكية بمدينة فينا، قد ألفتها «أرتميسيا» بعد أن كتبت مباشرة - ولما يجف مدادها - عند قدمي الإله، قبل أن يكون لمصر ملك يدعى «بطلميوس»؛ أي في زمن الإسكندر الأكبر. وهذه الرقعة برهان على أن «أوزير-حابي»، صاحب هيكل «السرافيوم» في ممفيس، كان إلها ذا عظمة وجلال عند الإغريق المقيمين بمصر، قبل أن يؤسس بطلميوس عبادة «سرافيس» في مدينة الإسكندرية.
إذا جارينا وجهة النظر التقليدية اعتقدنا بأن عبادة «سرافيس» قد أسست بدعاية قصر بطلميوس الملكي، غير أن «شوبرت» (138) يشك في ذلك، ويعتقد على الضد منه بأنها نشأت نشأة ذاتية كدين جديد، اعتنقه الإغريق المتمصرون. في حين أن البراهين التي يقيمها «فلكن» تثبت على ما يلوح لي أنها أيدت بنفوذ متقدمي البطالمة، ونشرت بحمايتهم. وهنالك سؤال آخر: أكان «سرافيس» هو نفس الإله «أوزير-حابي»؟ ولقد حاول «لهمن هبت» (139) أن يظهر أنه كان إلها بابليا هو «شار-أبسي»، غير أن هذه النظرية كما يظهر لا تتفق وما يراه غيره من ثقات المشتغلين بدراسة الآثار الآشورية. ونزع «فلكن» بديئة إلى إنكار أية علاقة بين اسم «سرافيس» والاسم المصري «أوزير-حابي»، غير أنه يعتقد الآن بأن الاسم «سرافيس» هو تصحيف شعبي للاسم المصري «أوزير-حابي» جرى على ألسنة الإغريق المتمصرين، ويرى فوق ذلك أن سرافيس الذي عبد في مدينة الإسكندرية، هو نفس إله العالم السفلي الذي عبد في ذلك الهيكل، القائم من فوق جثث العجول المحنطة بالقرب من «ممفيس».
وإلى هنا يكون «سرافيس» إلها مصريا في حقيقته. ولا شك مع هذا في أن صورة «سرافيس» المنحوتة التي وجدت بالإسكندرية هي من طابع إغريقي، لا من طابع مصري؛ فهو في صورة إله ملتح يشابه «زوس» (140) أو «حادس» (141) أو «أسقلفيوس» (142)، متربعا من فوق عرش و«قاربروس» (143) كلب العالم السفلي ذي الرءوس الثلاثة واقف بجانب قدميه، وعلى رأسه غطاء طويل (قلنسوة) يسمى السلة
Basket = Kalathos (144)؛ لأنه يشبهها. وهنالك أسطورة ذكرها «طقيطوس» (145) تصف كيف أن بطلميوس - استجابة لموحيات رؤيا رآها - عمل حتى حصل على التمثال الذي يمثل «سرافيس» من معبد في مدينة «سينوفية» الإغريقية، الواقعة على البحر الأسود. وليس في هذه الرواية ما يدعو إلى الشك فيها، وإنما يدخلها الشك وتحوطها الريبة، إذا ذكرنا حقيقة أن الهيكل الذي كان يضم العجول المحنطة القائم بجوار «ممفيس»، أو إقليم التلال الصحراوية حيث الهيكل، كان يدعى «سينوفيون» فكأن الإغريق قد انتحلوا اسما مصريا ، ليس من المستطاع الآن أن نبين عن أصله، فإذا كانت عبادة «سرافيس» منذ بدايتها في مدينة الإسكندرية هي بذاتها عبادة إله «سينوفيون» (146) الممفيسي، فالظاهر أن هذه الأسطورة مدخولة بالتخليط، إذا زعم بأن صورة «سرافيس» قد أحضرت من «سينوفية» القائمة على شاطئ البحر الأسود .
أما أن هنالك علاقة عرضية ربطت بين الإله «سرافيس» وبين موضعين متباعدين، لهما اسم واحد، فأمر يخرج عندي من مجال الترجيح، وربما كانت العلاقة غير عرضية. فلنفرض أن تمثال «سرافيس» قد جلب من مدينة «سينوفية» حقيقة، وأن هذا كان بوحي رؤيا رآها بطلميوس، فهل في ذلك ما ينافي أن يكون عقل الحاكم، وهو في جولة البحث عن أقوم سبيل يمكن أن يمثل به إله «سينوفيون» للإغريق، قد اتجه سياله الخفي نحو «سينوفية»، لمجرد الاتفاق في الجرس بين الاسمين؟ ولا يغيب عنا أن القدماء كانوا يستهدون في مثل هذه الحالات بالأحلام، والأمثال على ذلك كثيرة، تثبتها قراطيس البردي والنقوش، وسواء أصنع هذا التمثال أصلا ليكون في معبد «سينوفية» (147) أم في معبد الإسكندرية، فالغالب أن الخبر المنقول الذي ينسب صنعه إلى المثال المشهور «برويكسيس» (148) الذي اشتهر في القرن الرابع، صحيح غير مدخول بالشك.
وعلى قدر ما نستطيع أن نحدس اليوم، أرى أن بطلميوس في العهد الذي قضاه واليا على مصر كان يعتقد أن مصر ملكه الدائم، فخيل إليه أن يقيم عبادة دينية جديدة ينشرها في البلاد؛ ليؤلف بين قلوب الإغريق والمصريين. وكان له مستشارون منهم «طيموثوس الأثيني (149)»، وهو أحد أفراد أسرة «أومولفي» (150) الكهنوتية، وكان حجة ثبتا في العقائد الإغريقية، والكاهن المصري «مانيثون» (151)، وكان من أئمة العارفين بالديانة المصرية؛ ولذا يظهر أنه لم يكن هنالك من إله إلا الإله المصري «أوزيريس» الممفيسي، وأنه بعينه الذي اعتنق الأغارقة المتمصرون عبادته باسم «سرافيس»، فبادر بطلميوس إلى اتخاذ هذا الأمر ركيزة لإقامة دين جديد.
ويصعب أن يكون المصريون قد شعروا أن في هذا الدين شيئا جديدا؛ فإنهم عندما يتكلمون عن «سرافيس»، فكأنما هم يتكلمون عن «أوزير-حابي»، شأنهم في الزمن الخالي. ويقول «مقروبيوس » (152): إن المصريين اعتنقوا عبادة «سرافيس» جبرا، ويأخذ من وجود هياكل «سرافيس» في خارج أسوار المدن المصرية الأصيلة، بضد ما كان في الإسكندرية دليلا على ذلك. والغالب - كما يذهب فكلن - أن الفكرة في أن المصريين قاوموا عبادة «سرافيس» ليست أكثر من وهم، يدلل على فساده بقول «مقروبيوس» نفسه، أو بقول كاتب إغريقي متقدم عليه، من أن هياكل «السرافيون» (153) المصرية جميعها كانت تقام في العادة في خارج أسوار المدن وعلى حافة الصحراء، والتعليل الثابت لهذه الحقيقة أن هذه الهياكل إنما تعتبر بيوتا لإله الموتى؛ ولذا كانت تشاد بالقرب من المدافن.
لما أن ثبت «بطلميوس» قدم الإله «سرافيس» في مدينة الإسكندرية، على أنه الإله الرئيس للإغريق المتمصرين، وصوره لهم في صورة مشابهة لصورة الإله الإغريقي، أضفيت عليه صفات ونسبت إليه خصيات مشابهة لتلك التي كانت تضفى على غيره من آلهة الإغريق الأولين، وانتحلت له على الأخص صفات «أسقلفيوس» (154)، فأصبح إله الشفاء، وما على المرضى إلا أن يناموا في داخل الهيكل فينزل عليهم من طريق الرؤيا إلهامات تبين عن أمراضهم. ولم يكن للإله «أوزير- حابي» الممفيسي - على قدر ما يبلغ إليه علمنا - شيء من ذلك، وهذه الصفات لا بد من أن تكون قد خلعها الإغريق على «سرافيس» منذ البداية. ولقد عثر في أنقاض معبد إغريقي صغير كان قائما بجوار الطريق المرصوف الذي يصل بين «السرافيوم» الممفيسي و«الأبيوم» على رقيم، يستدل من شكل حروفه على أنه كتب حوالي سنة 300ق.م وفيه أن إغريقيا يتقدم إلى «سرافيس» بالشكران؛ جزاء ما شفاه.
وبالرغم من أن الأغارقة قد صوروا «سرافيس» على مثال الإله الإغريقي، وألقحوا عبادته بعناصر إغريقية، فإن الجانب المصري فيه ظل بين الطابع، حتى بعد أن ذاعت عبادته في البلاد الإغريقية فيما وراء البحار، فكان يشترك وآلهة مصرية أصيلة مثل إيزيس وأنوبيس وحوروس (155) والعجل أبيس. ولما كان «سرافيس» نفسه ليس إلا صورة محورة من «أوزيريس»؛ فإنه كان يحتل عند الإغريق مكان «أوزيريس»، إذ يظهر إلى جانب «إيزيس»، غير أن «أوزيريس» كان يظهر معهما بعض الأحيان. ويشير «فلكن» إلى أن الآلهة المصرية التي كانت تشترك مع سرافيس، هم بعينهم الذين كانوا يشتركون غالبا مع «أوزير-حابي» في السرافيون الممفيسي. وكذلك كان يقدم «الإوز» قربانا لسرافيس، وهو مما لا يتقرب به إلى إله من آلهة الإغريق الأصلية.
وشيد لعبادة سرافيس معبد جديد؛ أي سرافيوم آخر في رقوطيس (156) وهو الحي الوطني من مدينة الإسكندرية أعظم وأضخم؛ ليستظهر به على الهيكل الذي أقام الإسكندر قواعده لإيزيس. وقد بقيت مسلات الهيكل القديم قائمة في خارج فناء المعبد الجديد، وكان مهندسه إغريقيا اسمه فارمنسقوس (157)، وكان طابعه الهندسي - على قدر ما نعرف مما وصل إلينا من أوصافه ومن نقوش العملة - إغريقيا، وواجهته المعمدة الضخمة مشرفة على منحدر عظيم مكون من درجات. وكان هذا الهيكل معدودا من أضخم هياكل العالم الحاف بحوض البحر المتوسط وأضخمها، ولا يفوقه كما يقول أميانوس (158) إلا الكابتول (159) في رومية. وأضحى سرافيس إله الإسكندرية الأعلى خاصة، ومصر عامة.
وفي عصر بطلميوس الثالث كان القسم الرسمي؛ أي القسم الذي كانت تصوغه الحكومة ليقسم به أمام المحاكم وفي المعاملات الشرعية، يتضمن ذكر الملوك، وسرافيس وإيزيس وكل الآلهة والآلهات الأخر، ولا يذكر بالاسم غير سرافيس وإيزيس، دون غيرهما من الآلهة. غير أنا نستطيع أن نظهر أنه منذ بداية العهد الذي كان بطلميوس فيه واليا على مصر، كان بلاط الإسكندرية قد أحل عبادة الإله الجديد محلا رفيعا. نثبت ذلك برقيم كتبته أرسنوية (160) في هليكارناسس (161) هذه عبارته: «بنعمة بطلميوس المخلص الإله، أقامت أرسنوية الهيكل لسرافيس وإيزيس.» والظاهر أن تاريخ هذا الرقيم يرجع إلى عصر لم يكن بطلميوس قد أخذ فيه اللقب الملكي. كذلك أظهرت ورقة زينون البردية (162)، أن عبادة سرافيس كانت من التقاليد المرعية بشكل خاص، في قصر بطلميوس الثاني.
ومن الإسكندرية انتشرت عبادة سرافيس وذاعت في غيرها من المدن الإغريقية، وأخذت معابد سرافيس - أو بالأحرى سرافيس وإيزيس - تشاد في مكان بعد مكان على مدى قرون تالية من حول حوض البحر المتوسط. ولقد استمدت هذه العبادة عونا جديدا في خلال القرن الأول من التاريخ الميلادي، عندما استغل القصر الإمبراطوري في رومية نفوذه، منذ بداية عصر القياصرة الفلاويين (163) فصاعدا؛ لتأييد عبادة سرافيس وإيزيس في رومية وفي أنحاء الإمبراطورية.
لم يكن سرافيس الإله الوحيد الذي عبده المقدونيون والأغارقة، علاوة على آلهة آبائهم الأقدمين؛ فإن تأليه رجال ماتوا، أو ما يزالون أحياء، كان طابع العالم الإغريقي بعد الإسكندر، وهو طابع هليني أصيل، وليس منتحلا من تقليد شرقي كما كان يظن. وفي خلال القرن الخامس كانت الفكرة في إضفاء تشاريف وألقاب إلهية على الرجال؛ تعبيرا عن الاحترام الفائق أو الشكران، من الأشياء التي تجري على ألسنة أهل «أثينا».
24
وفي الوقت الذي كانت تمص فيه حرية الفكر نخاع الدين وتحز في أصوله، وقد راج القول بأن الآلهة الأقدمين ليسوا إلا رجالا عاشوا في عصر فارط، فألههم الخيال، ورفعهم الوهم إلى مرتبة الأرباب، كان من الهين أن تنقلب الآية، وتخرج من حيز الفكر إلى حيز العمل، وأن تستخدم صور العبادات الدينية أداة تمليق وإطراء لمشهوري رجال العصر. ووقف المحافظون من رجال الدين إزاء هذا الأمر موقف المعارضة على أنه كفر وزيغ، غير أنهم لم يفلحوا في شيء، فشاعت العادة في العالم الإغريقي قبل عصر الإسكندر.
ولقد أله الإسكندر، وربما كان تأليهه برغبة أبداها. وبعد أن مات الإسكندر وأصبح قواد جيشه محور القوة العالمية، ورغبت المدن الإغريقية في أن تصيب شيئا من عطفهم وحمايتهم، أو التقرب من أولئك الذين هزت تلك المدن نحوهم هزة الشعور بوجوب الاعتراف بالفضل، أو التعبير عن الشكران تلقاء فائدة جنيت، أو حاجة قضيت، سارع أهلها إلى إضفاء الألوهية عليهم، ورفعوا إليهن القرابين، وحرقوا البخور، وأسسوا الكهنوتيات. وكانت الخطوة الثانية أن تؤسس القصور الملكية الهلينة الجديدة، عبادات رسمية يعبد فيها أعضاءالأسر المالكة أمواتا كانوا أم أحياء؛ ليعبر الرعايا بذلك في أطراف كل مملكة منها عن خضوعهم، ويبينوا عن ولائهم.
وكان الإسكندر عند الإغريق المقيمين بمصر إلها منذ بداءة أعماله، وسرعان ما أصبح ملوك بيت بطلميوس وملكاته آلهة وآلهات. غير أننا لا نرتاب في أن المستنيرين من الأغارقة، كانوا ينظرون إلى العبادات الرسمية نظرة المعتقدين بأنها صورة رمزية لا أكثر ولا أقل. ولقد أضحى من الهين في تلك الأزمان أن يصبح أي إنسان إلها، ولكن من غير أن يكون لألوهيته كبير قيمة.
وكانت عبادة الموتى من الرجال أكثر ملاءمة لتقاليد الإغريق الدينية الموروثة عن أسلافهم من البدعة الجديدة؛ فإن روح الميت تكون على أية حال قد عبرت من هذا العالم إلى عالم خفي. وكان الأغارقة يعتقدون منذ أزمان أولى أن روح الإنسان ذي الشخاصة البينة، تحدث في الأحياء أحداث خير، أو أحداث شر، على غرار ما يفعل الأرباب. وقد نشئت عبادات تختلف بعض الاختلاف عن العبادات التي يتوجه بها إلى الآلهة، ووجهت إلى أرواح رجال عظام عبدوا تحت عنوان الأبطال
heroes
وكثر ما نقع على مدن إغريقية أقامت عبادات ذات شعائر وفرائض خاصة، توجهت بها إلى مؤسسيها باعتبارهم أبطالا. فكان مما يتفق وتقاليد الأغارقة وعاداتهم أن تعبد الإسكندرية الملك الإسكندر.
25
ولا ريب في أن الخطوة من عبادة إنسان ميت على أنه بطل إلى عبادته على أنه إله، خطوة قريبة. ولم يقتصر الأمر في تلك الأيام على أن يعبد الإغريق الإسكندر، بل تعدى إلى بطلميوس، فعبد حيا.
وينبغي لنا أن نفرق بين أربع صور من العبادات اتخذ فيها ملوك بيت بطلميوس وملكاته آلهة وإلهات، وإليك هي: (1)
عبادتهم في الهيكل المصري، وعلى الشعائر المصرية التقليدية التي عبد بها الفراعين المصريون. وكان الكهنة المصريون يقومون بطقوس هذه العبادة للإسكندر، ولا شك في أنها وجهت إلى بطلميوس منذ صار ملكا على مصر من بعده. ولم يكن للأغارقة من صلة بهذه العبادة المصرية، فكان كل ما يحدث في داخل المعابد المصرية، وكل ما يكتب في الهيروغليفية من العبارات المقدسة خارج عن عرفهم، ولو أن القصر البطلمي، لا بد من أن يكون قد اتخذ من الوسائط كل ما يحقق لديه بإشراف عيون من الأغارقة أن الكهنة المصريين يدأبون على تلاوة العبارات الدالة على الخضوع والولاء. (2)
العبادة التي كان يباشرها الأغارقة على الشعائر الإغريقية، فإما أن يقوم بها أفراد مستقلون، بأن يشيد الواحد منهم مذبحا أو محرابا للملك أو المملكة، وإما من طريق جمعيات تتخذ الملك أو الملكة معبودا، فيحل أحدهما محل أحد المعبودات التي تعكف الجمعية على عبادتها. ومثل هذه العبادات الخاصة قد تتشكل في أي شكل يختاره المتعبد، كما أنه حر في أن يخلع على الملك أو المملكة - موضوع العبادة - أي لقب أو نعت فيه، فيدعوه «المخلص» أو «المنعم» أو غير ذلك؛ مما يثبت به الطاعة والولاء له، من غير تقيد بالنعوت الرسمية. (3)
العبادات التي نشأت كعبادة مدنية، وهي الخاصة بحكومات المدن الإغريقية التي كانت حرة اسما، كالإسكندرية وإفطولمايس، أو المدن الإغريقية الخاضعة لسلطان بطلميوس في الخارج، أو كحكومات أثينا ورودس، عندما تريد أن تضفي التشاريف على حكام مصر. (4)
عبادة الإسكندر: وهي العبادة التي أقامتها الحكومة البطلمية كشعيرة رسمية لمصر جمعاء. وكان لها كل سنة كاهن رئيس، يعين بدء السنين لتأريخ الصكوك الرسمية. ولم تؤسس في حكم بطلميوس الأول عبادة رسمية ثابتة توجه إلى الملك الحاكم يتعبد بها الأغارقة خاصة. هذا برغم أن بطلميوس كان يعبده أفراد من الأغارقة، بله مدن إغريقية.
ويروى عن ديودورس أن أهل رودس أرادوا أن يظهروا لبطلميوس ما تكنه صدورهم لهم من شكران، بعد أن فشلت محاولة «دمطريوس» في أن يفتح مدينة رودس عنوة سنة 304، فأرسلوا بعثا إلى واحة سيوه؛ ليسأل هاتف آمون: أيشير على الرودسيين بأن يكرموا بطلميوس باعتباره إلها؟ فلما أجاب الهاتف بالإيجاب، شيدوا في مدينتهم محرابا قائم الزوايا أوقفوه عليه، وأقاموا على جانبيه عمدا بطول «إستاديوم» (164) وسموا هذا المحراب «إفطولمايوم» (165).
ويقول «فاوزنياس» (166): إنه من ذلك الوقت أضفى الرودسيون على بطلميوس - باعتباره إلها - ذلك اللقب الذي عرف به من بعد في التاريخ، فلقبوه «سوطر»؛ أي المخلص. ولكن نقشا محفورا، يثبت لاتحاد جزر «قوقلادس» خطر السبق إلى عبادة بطلميوس كإله. وكان بطلميوس - كما تقدم - قد بسط على تلك الجزر ضربا من الحماية سنة 308ق.م وإذا ثبت أن الإهداء الذي أمرت أرسنوية بإثباته، وذكرناه قبلا، يرجع تاريخه إلى فترة تقع بين 308 و306ق.م؛ فذلك مما يثبت أن بطلميوس كان قد لقب «بالمخلص الإله» قبل أن يفقد سلطانه على بحر أيغا، بهزيمته في سلاميس وقبل أن ينتحل لقب «الملك». وإنا إذ نرى أن أحد أفراد أسرته قد نعته بالألوهية، نثق بأن رجال الحاشية في الإسكندرية قد فعلوا مثل ذلك. وفي نقش طبعت صورته حديثا، أن الثلاثة من الأغارقة كرموا الملك بطلميوس والملكة برنيقية على أنهما إلهين مخلصين؛ وفاء لنذر نذروه جزاء النجاة من خطر أحدق بهم. •••
في سنة 285ق.م شعر بطلميوس بأن الوقت الذي ينصب فيه وريثه للعرش قد حان. وكان شيخا بلغ الثانية بعد الثمانين، وقد سلخ جلها في مخاطرات فذة، منذ أن هجر سكنه في البلقان شابا صغيرا، فقاد الجحافل للجلاد إلى جوف آسيا، ومن فوق تلال الأفغان، وعلى ضفاف أنهر الهند، وتزوج من أميرة فارسية في «سوسه». وانتهى به الأمر أن يكون فرعونا للمصريين، وإلها للأغارقة. وأعقب أولادا كثرا من زوجاته وحظاياه المختلفات. وكانت أول زوجاته المعروفات «أرتقاما» (167) الأميرة الفارسية، وقد تزوج منها في ذلك العرس التاريخي العجيب، الذي أقيم مهرجانه في «سوسه» سنة 324ق.م؛ إجابة لرغبة الإسكندر في أن يتخذ عدد كبير من ضباطه المقدونيين والأغارقة زوجات فارسيات. غير أننا لا نسمع عن «أرتقاما» من بعد ذلك شيئا، ويرجح أن بطلميوس قد نبذها بغير جلبة عندما غادر بابل إلى مصر بعد موت الإسكندر. وإذا صح هذا فإن فعلته هذه تكون على النقيض من سلوك صديقه سلوقوس، وقد احتفظ بزوجته «أفاما» (168) الفارسية، التي تزوج منها في «سوسه» وظلت معه، فكانت جدة ملوك الأسرة السلوقية والجدة الأولى من طريق زيجة ملكية وقعت في المستقبل لآخر سلالة ملوك البطالمة وملكاتها: من كان منهم باسم بطلميوس، ومن كانت منهن باسم إقليوفطرا.
ولم يمض على موت الإسكندر غير بعيد حتى تزوج بطلميوس من «أورديقية»، ابنة الشيخ «أنطيفاطروس»، الذي كان ملكا على مقدونيا. وربما كان ذلك قبل اتفاقية «إتريفاراديسوس» (169)، سنة 321؛ فاستولدها ابنان، كان أحدهما - ويرجح أنه الأكبر - يدعى بطلميوس، وابنتان هما «إفطولمايس» (170) و«لوسندرا» (171). أما إذا كان بطلميوس لم يتزوج منها قبل سنة 321، كما يظن «مهفي»، فإنه مما يبعد أن تكون قد أنجبت منه أكثر من أربعة أولاد؛ لأن بطلميوس لا بد من أن يكون قد تزوج من «برنيقية» قبل سنة 316. اللهم إلا أن يكون بطلميوس قد استولد الأولى، بعد أن تزوج من الثانية.
في تلك السنة (316ق.م) تزوج بطلميوس من «برنيقية» زواج حب، وكانت سيدة مقدونية قدمت مصر في ركاب «أورديقية» (172)، وكان لها ثلاثة أولاد من زوج سابق.
26
والذي نعرفه أن بطلميوس استولدها طفلين: أرسنوية، وقد ولدت سنة 315 على الأكثر؛ لأنها تزوجت من «لوسيماخوس» حوالي سنة300، وابن سمي بطلميوس على اسم أخيه من أبيه، ولد في «قوص» لما كان أسطول أبيه حاكما بأمره في بحر «أيغا». والظاهر ترجيحا أن «فيلوطيرا»، كانت نجيبة بطلميوس وبرنيقية (173)؛ اعتمادا على ما نعرف من المركز الاجتماعي الذي شغلته فيما بعد.
ولم يكن لبطلميوس من زوجات شرعيات في مصر إلا «أورديقية» و«برنيقية». أما المصادر التي بين أيدينا، فلا نعرف منها أطلق بطلميوس «أورديقية» قبل أن يتزوج من «برنيقية»، أم كان له بعد سنة 315 زوجتان جمع بينهما؟ أما ملوك الأسرة، بعد بطلميوس الأول، فلم يكن لهم أكثر من زوجة شرعية واحدة في وقت واحد؛ مراعاة للعرف السائد في العالم الإغريقي. غير أن ملوك مقدونيا قبل عصر الإسكندر كانوا يتزوجون بأكثر من واحدة، ومن خلفاء الإسكندر دمطريوس وفورغوس (174)، وكان كلاهما من هذا الطابع، ولا يبعد أن بطلميوس كان من هذه الناحية مقدونيا، لا إغريقيا.
والراجح أن بطلميوس كان له حظايا كثيرات، بجانب زوجاته الشرعيات، فقد كان له علاقة ب «ثايس»
Thais (175) الأثينية المعروفة، وكانت من نجوم الطبقة الوسطى في إغريقية، ومما يؤثر عنها - وإن كانت القصة مشكوك فيها كل الشك - أنها كانت في وليمة بمدينة «فرسوفولس» (176) سنة 330ق.م - في أثناء مغزاة الإسكندر المقدوني في فارس - وبتحريضها أحرق القصر الذي أقيمت فيه الوليمة.
27
ولقد استولدها بطلميوس ليونتسقوس
28 (177) ولاغوس وإرينة (178). ومن الممكن أن يقرأ الاسم المسجل بصيغة: «ليونتسقوس» المسمى أيضا «لاغوس» (179). وتزوجت «إرينة» من «أونوسطس» (180)، الذي كان ملكا - أو أميرا - في صولي (181) بجزيرة قبرص، وكان له عدا هؤلاء ولدان؛ أحدهما: «ملياغار» (182)، والآخر: «أرغايوس» (183)، ولا علم لنا بأمهما. غير أن «ملياغار» قد تبع «بطلميوس قراونوس» (184) إلى مقدونيا، فمن هنا ظن أنه كان من أبناء «أورديقية»، وهنا يلزمنا أحد فروق ثلاثة، الأول: أن يكون «توأم» واحد من أولاد «أورديقية» الأربعة الذين ذكرناهم. الثاني: أن تكون «أورديقية» قد تزودجت من بطلميوس قبل سنة 321. والثالث: أنها أنجبت من بطلميوس بعد سنة316.
لو أراد بطلميوس أن يتبع سنة الإسكندر، أو سنة ملوك مصر الأقدمين الذين كونوا أسرا جديدة، لكان لزاما عليه أن يتزوج من العترة الملكية؛ ليسبغ على حكمه صبغة شرعية في نظر رعاياه، ولكنه لم يفعل، ولم نسمع أن أحدا من بيت بطلميوس الملكي كان له صلة بامرأة مصرية إلا مرة واحدة، وكانت حظية لا زوجة.
ولما بلغ بطلميوس الثانية بعد الثمانين، أراد أن ينزل عن عرشه لخلفه، وهو أشد رغبة في أن يرى خليفته آمنا من فوق العرش، ثابت القدم في الملك، منه في طلب راحة الجسم والعقل. وكان أكثر حبا لبرنيقية منه «لأورديقية». وبالرغم من أن «بطلميوس» ابنه من «أورديقية» كان أرشد الاثنين، فإنه اختار بطلميوس ابن «برنيقية»؛ ليكون ملكا من بعده.
ولا ريبة في أن «أورديقية» قد نبذت بعد أن ظفرت برنيقية - إحدى وصيفاتها - بمكانتها من قلب بطلميوس؛ ولذا تركت «أورديقية» مصر سنة 286، وعاشت في «ميلطوس» (185)، ومعها ابنتها إفطولمايس. وهنالك، بعد أن سقط دمطريوس عن عرش مقدونيا، حضر بأسطوله وتزوج من إفطولمايس، وكان بطلميوس قد وعده بها قبل ثلاثة عشر عاما مضين.
وظل بطلميوس بن «أورديقية» بمصر؛ على أمل أن يكون وريث أبيه في الملك. ولقد تدخل لاجئ أثيني مشهور في العالم الإغريقي اسمه «دمطريوس الفالرومي» (186) في الأمر، متخذا من نفوذه عند بطلميوس شفيعا لتأييد الأرشد من أبنائه. ولا شك أن حزبا قويا من المقدونيين كان يفضل حفيد الشيخ الموقر «أنطيفاطروس» على ابن «برنيقية»، غير أن تعلق بطلميوس ببرنيقية وأولادها، حتى ولو كانت قد ماتت في ذلك الوقت،
29
كما هو الراجح أضاع سعي الحزب الآخر، وذهب بدعايته بددا.
في أوائل سنة 284ق.م نودي «بطلميوس الأصغر» ابن «برنيقية» ملكا في الإسكندرية. والظاهر أن «بطلميوس» لم ينزل عن ملوكيته نزولا تاما، بل أشرك ولده معه في الملك. أما بطلميوس ابن أورديقية، ويكنى قراونوس (187)؛ أي «الصاعقة»، فلم يجد بعد ذلك في مصر مكانا يسعه، فسافر لاجئا إلى بلاط «لوسيماخوس»، وكان قد أصبح ملكا على مقدونيا، وكانت الملكة زوجة لوسيماخوس أختا شقيقة لملك مصر الصغير، وهي «أرسنوية» ابنة بطلميوس من «برنيقية». أما شقيقة بطلميوس قراونوس، «لوسندرا» ابنة بطلميوس من «أورديقية»، فكانت زوجة «أغاثوكلس»، ولي عهد مقدونيا، وأرشد أولاد لوسيماخوس من زوجة سابقة.
وأرادت «أرسنوية»، وكانت في ذلك العهد شابة في الأولى بعد العشرين من عمرها، أن تحتفظ بالعرش لولدها، وكانت من طراز الأميرات المقدونيات، جريئات القلوب محترات الأرواح، اللواتي لن يحجمن عن عمل، مهما كان فيه من عنف وقسوة، إذا كان في الإقدام عليه وتنفيذه ما يقربهن من أغراضهن التي يرمين إليها. وكانت «إقليوفطرا» (188) المعروفة، مثالهن الأخير، فوشت بأغاثوكلس وشاية كاذبة انتهت به إلى الموت قتلا، بعد أن هبط «بطلميوس قراونوس» مقدونيا بفترة وجيزة. وترملت «لوسندرا»، ففرت هاربة إلى بلاط سلوقوس، وفر معها شقيقها «قراونوس»، أو هو لحق بها هنالك. •••
إن ما طمع فيه «سلوقوس» من الاستيلاء على كل الإمبراطورية التي خلفها الإسكندر، قد قرب بين بلاط مصر وبلاط مقدونيا، وحينذاك هبطت مصر شقيقة أغاثوكلس، أو أخته من أبيه: «لوسيماخوس»، وكان اسمها أرسنوية على اسم زوجة أبيها، قادمة من مقدونيا؛ لتتزوج من ملك مصر الفتى.
كانت عواصف القدر تتجمع في جو الدنيا، ولكن بطلميوس الشيخ لم يعش ليرى انفجارها العظيم، فمات وهو في الرابعة بعد الثمانين (283 أو 282ق.م)، ولقد تفرد من بين القواد الذين شيدوا إمبراطورية الإسكندرية بأن يموت في فراشه ميتة طبيعية.
وإن في ذلك دليلا قاطعا على بعد تلك النظرة التي استشف بها مذ كان في بابل حجب أربعين عاما من الزمان، فطلب مصر ورغب عن سواها. •••
عرف الملك الشاب، الذي ارتقى عرش مصر في سنة 283 أو 282ق.م وله من العمر خمس وعشرون عاما، باسم «بطلميوس فيلادلفوس» (189). على أن هذه الكنية لم تطلق عليه حال حياته، فقد عرف عند معاصريه بأنه «بطلميوس بن بطلميوس». ولم يكن لاسم «بطلميوس»، في آذانهم رنة اسم ملكي، انحدر المسمون به من عترة تتابع منها الملوك، بل اسم زعيم مقدوني، قدر له الحظ أن يصبح ملك مصر، ثم انتقل الاسم من الأب إلى الابن. والغالب أن النية لم تتجه في ذلك الوقت إلى أن يتخذ ملوك ذلك البيت جميعا اسم بطلميوس، حتى إذا فرض واستمر أفراده يحكمون أرض مصر متعاقبين. ولقد ورد في بيت «أنطيغونس» أسماء ملكية عديدة، منها أنطيغونس ودمطريوس وفيلبس. وكذلك الحال في بيت «سلوقوس»، فكان منه اثنان: «سلوقوس» و«أنطيوخس»، ثم أضيف إليهما فيما بعد «دمطريوس» و«فيلبس»؛ ليظهر بذلك أن الملوك السلوقيين يمتون بالدم إلى بيت «أنطيغونس». أما تتابع ملوك من بيت «بطلميوس»، يحملون جميعا اسم مؤسس تلك السلالة الملكية، فأمر فيه من المصادفة أثر - قل أم كثر - ثم اتخذ من بعد ذلك سنة مرعية.
30
كان بطلميوس الابن من طابع يختلف عن بطلميوس الأب كل الاختلاف؛ فإن الخور الذي أخذت آثاره تظهر شيئا بعد شيء في كثير من أعقاب ذلك البيت، قد تجلى منه طرف في ابن القائد المقدوني الصلب الشديد المراس. وفي ذلك أسوة بما بين داود وسليمان من فروق؛ فإن المترف ذا النعمة، المفتون بالعقليات والفنون، كان لرجل الحرب خليفة. وقد نشئ بعناية «أسطراطون» (190) أحد أعيان المدرسة الأرسطوطالية، وصنع على عينه. وكان شغف بطلميوس الثاني بعلمي الجغرافية والحيوان صفة نماها استعماق أرسطوطاليس وحواريوه في الدراسات العلمية، وعكوفهم عليها. ومع هذا، فإن إقليم مصر لم يكن قد أثر في حيوية تلك العترة المقدونية ومرتها، فكان أثره في بطلميوس الثاني أقل منه فيمن أتى بعده من الأعقاب.
كان أشقر الشعر فأضفت عليه هذه الصفة صبغة أوروبية . ويغلب أنه كان ربلا ممتلئ الجسم، وفي ملوك هذا البيت نزعة إلى الربالة، تصيبهم في أخريات أيامهم. أضف إلى ذلك ضعفا تكوينيا، وإن شئت فقل: ميلا إلى الإفراط في العناية بأمر صحته، صرفه عن الجهد البدني وكره بسببه الكد والنصب.
ومضت أكثر أيام حكمه ومصر في حروب متعاقبة، ولكنها كانت تحت إمرة قواد جيوشه البرية ، أو أمراء بحريته. ولم يقد بطلميوس الثاني جيشا، متأسيا بما فعل أبوه من قبل أو بما كان معاصروه من الملوك، مثل أنطيوخس الأول (191) أو أنطيغونس غوناطس (192)، إلا مرة واحدة، زحف فيها حذاء النيل إلى مصر العليا.
ولم يلبث غير قليل حتى اكتنفت سياسته أعاصير عنيفة، رجفت منها الممالك الحافة بشرقي البحر المتوسط. ففي سنة 201ق.م اشتبك الشيخان الباقيان من جيل الإسكندر، «سلوقوس» (193) و«لوسيماخوس» (194)، وقد حطم كلاهما الثمانين في حربهما الأخيرة، وسقط «لوسيماخوس» وبقي «سلوقوس» بغير خصيم - كما لاح إذ ذاك - يصده عن أن يتبوأ مكانة الإسكندر من الدنيا. وكان موقف أقض مضجع بطلميوس الصغير، وبخاصة أن أخاه «بطلميوس قراونوس» (195) كان مع «سلوقوس»، ومما لا يبعد، بل مما هو قريب أن يؤيد «سلوقوس» دعواه في الأحقية بعرش مصر. ولكن الآية انقلبت سراعا، وسادت الدنيا فوضى غامرة عندما اغتال «بطلميوس قراونوس» الشيخ «سلوقوس» في الدردنيل، فأنقذ هذا الحدث ملك مصر وأيد موقفه؛ فإن الخطر كل الخطر، كان في «سلوقوس» ولكن مطامع «بطلميوس قراونوس» قد انصرفت عن مصر، واتجهت نحو مقدونيا. وكانت «أرسنوية» أرملة «لوسيماخوس» وشقيقة بطلميوس الثاني، وأخت «بطلميوس قراونوس» من أبيه، لا تزال من مقدونيا عاقدة العزم على أن تحتفظ بالعرش الشاغر لولدها. وكانت قد تخطت طور الفتوة، وهي بعد أميرة مقدونية على ما وصفنا الأميرات المقدونيات من قبل، وفيها من افتراس النمرات أثر غير قليل. ولكن «قراونوس» بذها مكرا وافتراسا، فتزوج منها أول الأمر، ثم قتل ابنها من «لوسيماخوس»، ولجأت «أرسنوية» إلى معبد «سموثراقية» (196).
وتبع ذلك تعقيدات مروعة، فقد أغارت جماهير من أهل الغال (197) المستوحشين مما وراء البلقان، واكتسحت مقدونيا وإغريقية وآسيا الصغرى . وفي فيض هذه البربرية قضى «بطلميوس قراونوس» نحبه سنة 280، وقامت معارك متشابكة متهاوشة فترة من الزمان، تسنم خلالها «ملياغار» (198) أحد أبناء بطلميوس الكبير ذروة الملك شهرين اثنين، ثم انحدر إلى حيث طواه ظلام القرون.
وظهر في الميدان شخص آخر هو «أنطيفاطروس» (199)، من أبناء عمومة «قصندر» (200)، تسنم عرش مقدونيا أشهرا قلائل، فلما سقط فر لاجئا إلى الإسكندرية ، وفيها عرف باسم «أطسياس» (201)، وهي كنية أطلقت عليه، وأصلها اسم رياح موسمية تعصف خمسا وأربعين يوما. ولقد عثر بالمصادفة على قرطاس بردي، ثبت منه أنه كان ظهير رجل يصنع كعوب النرد للعبة تدعى لعبة العاشق (202).
أما في آسيا الصغرى وشمال سورية، فقد عمل «أنطيوخس الأول» ابن سلوقوس من زوجته «أفاما» الفارسية جاهدا في أن يثبت قدمه في ملوكية أبيه؛ فإن سلطانه في آسيا الصغرى كان مرتجا غير مستقر، وكان مظهر سلطانه الرئيس يتجلى في حروب يشنها على دويلات نشأت حديثا من إمارة وطنية تظهر هنا، أو أسرات فارسية تطفر هنالك، إلى الإمارة الإغريقية التي نشأت تحت إمرة «فرغامن» (203)، ناهيك بجماهير أهل الغال بغارتها التخريبية. وفي النهاية، وبعد نصف قرن من الزمان قضاه العالم في فوضى غامرة بعد موت الإسكندر، قرت الدنيا الحافة بشرقي البحر المتوسط في ظل مجموعة من الدول مستقرة استقرارا نسبيا، فحكم في مقدونيا بيت «أنطيغونس»، وفي آسيا الصغرى وما بين النهرين وبابلونيا وفارس بيت «سلوقوس»، وفي بقاع أخرى من آسيا الصغرى أسرات موضعية جديدة، وفي مصر وفلسطين وقبرص بيت «بطلميوس». أما في إغريقية، وفي الجزر المنشورة على شواطئ بحر أيغا (204)، وفي البوسفور (205) والبحر الأسود، فإن دويلات المدن القديمة كانت تعيش في ظل حريات، قد يزيد قدرها أو يقل بنسبة ما تهيئ لها الظروف أن تنفض عن عاتقها عبء الخضوع لإحدى الدول الملكية.
وفيما بين هذه الدول العظمى نشطت المنابذات السياسية والحربية طوال حكم «بطلميوس الثاني». وكانت مصر «المقدونية» (206) في أوج قوتها وعظمتها. ولكن الأخبار التي كان من الممكن أن نحيك منها رواية كاملة في الدور الذي مثله «ملك الشمس» وقواده وسفراؤه في رقعة الدنيا قد عدمت جميعا، وكل عمدتنا في ذلك على خلاصات غير وافية حررها كتاب متأخرون، فكانت إشارات تذكر عرضا، أو محررات شتيتة متفرقة، غاية مستطاعنا أن نستخلص منها إلمامة، يصدع فيها النقص الكمال ويرهق فيها الإبهام اليقين.
إن مطامع بيت «بطلميوس» في أن يبسط سلطانه على بقاع معينة من آسيا الصغرى، وفي أن تظل له السيادة البحرية، وفي أن يتدخل تدخلا فعليا في سياسة العالم الإغريقي، قد منع عليه أن يظل بعيدا عن مغامرات السياسة الخارجية. وفي فترة بين سنتي 279 و274ق.م تسلطت على البلاد الإسكندري إرادة أقوى من إرادة «بطلميوس»؛ فقد هبطت مصر شقيقته «أرسنوية» بعد أن ضاع كل أمل لها في أن تكون ملكة في مقدونيا، وفي نفسها - على الأرجح - عزم على أن تصبح ملكة في بيت أبيها. وكان في مصر ملكة هي «أرسنوية» ابنة «لوسيماخوس» (207) وزوجة «بطلميوس»، غير أن هذا الأمر لم يكن عقبة تقف في وجه امرأة من طراز أرسنوية ابنة «بطلميوس الأول»؛ فإنها استطاعت من قبل سنوات أن تكتسح «أغاثوكلس» من طريقها بأن حملت أباه على أن يقتله؛ جزاء تهمة كاذبة. وكانت «أرسنوية لوسيماخوس» قد أنجبت من بطلميوس ثلاثة أولاد؛ ابنان: بطلميوس ولوسيماخوس، وابنة: هي برنيقية. ولكنها - برغم هذا - اتهمت بالتآمر على حياة الملك زوجها، وقتل اثنان اتهما غدرا بالتواطؤ معها: شخص يدعى «أمنتاس» (208)، و«خروسبوس الرودسي» (209) طبيبها الخاص، ونفيت الملكة إلى بلدة «قفطوس» (210) بمصر العليا.
وكان «مهفي»، أول من كشف عن لوح مصري، عثر عليه في «قفطوس»، يشير إلى أرسنوية الأولى بما يأتي:
هذا تذكار «سنخرود» (211) المصري، الذي أثبت في سيرة كتبها عن نفسه أنه كان حارسها، وأنه شيد لها محرابا وجمله. وعلى الرغم من أن هذه السيدة كانت تدعى: «زوجة الملك العظيمة التي تملأ جوانب القصر بجمالها، وتغمر قلب الملك بطلميوس بالطمأنينة والغبطة»، فإنها لم تنعت بأنها «محبة أخيها» (212). ومما هو أنكى من ذلك أن اسمها لم يحو في خرطوش ملكي، كما يجب أن يصنع في أسماء الملكات.
ولما أن تخلصت «أرسنوية» ابنة بطلميوس الأول من أرسنوية ابنة لوسيماخوس، تزوجت من شقيقها بطلميوس وأصبحت ملكة مصر. ولم يسمع من قبل في العالم الإغريقي أن زواج شقيقين أمر مشروع، برغم شيوعه بين الوطنيين من المصريين اتباعا لتقاليد الفراعنة؛ فخزي الناس من جراء ذلك، وطال همهم. وكانت أرسنوية في ذلك الوقت قد أشرفت على الأربعين من عمرها، وهي تكبر زوجها الشقيق بضع سنوات. ولكن الإغريق ما لبثوا أن ذكروا أن بطلميوس وأرسنوية من الآلهة، وأن زواج «زوس» (213) من «هرا» (214) أحل للآلهة ما حرم على الناس.
ووصف «سوتاديس» (215) هذا الزواج في مقطوعة شعرية بأنه من المنكرات، وهو كاتب إغريقي اشتهر إذ ذاك بما في أشعاره من البذاءة وقلة الاحتشام، وقد نعته «مهفي» بأنه ند يوحنا المعمدان (216) إسرافا. وعلى رواية «أثنايوس» (217)، أنه هرب من الإسكندرية توا بعد أن أذاع أبياته، ولكن «فطروقلوس» قائد بحرية الملك أسره على بعد من شاطئ «فاريا» (219)، ورماه في البحر بعد أن سجنه في صندوق بطن بالرصاص.
31
وانتحلت أرسنوية - أو هي كنيت - اسم «فيلادلفوس»؛ أي «محبة أخيها».
32
والراجح أنها يئست من أن تنجب أولادا، فتبنت أولاد أرسنوية الأولى ابنة لوسيماخوس. ولقد وضح للعالم الإغريقي أن الخطة التي يتبعها قصر الإسكندرية في السياسة الخارجية إنما ترسمها يد أرسنوية القوية. أما القطع بما استحال إليه شعور بطلميوس إزاء ذلك، فليس في مقدور أحد أن يتكهن به. وبالرغم من أنه أظهر لها كثيرا من الاحترام والإخلاص بعد موتها، فإن هذا قلما يظهرنا على شيء ذي قيمة، ولئن لم يكن بطلميوس قد شعر بالحب الصحيح نحو أخته، فلا أقل من أن يكون قد حزن على ما افتقده فيها من الذكاء المفرط، والحزم العظيم. أما بقية حياته فأنفقها متلهيا بكثير من الحظايا والخليلات. •••
إذا جاز لنا أن نؤرخ تلك الفترة معتمدين على ما عرض لنا من عبارات «فاوزنياس» (220) المختصرة، انبغى لنا أن نثبت أنه كان من نتائج النظام الحازم الذي أقامت «أرسنوية» فيلادلفوس قواعده، أن يقضى على كل أفراد البيت الملكي غير المرغوب فيهم؛ فقتل «أرغايوس » (221) شقيق بطلميوس بتهمة التآمر على حياة الملك. وما دامت «أرسنوية» هي اليد المحركة، فليس في مقدور أحد أن يعرف: أملفقة كانت تلك التهمة أم صحيحة؟ كذلك اتهم أخوه من أبيه - ابن بطلميوس الأول من «أرديقية»، ولا نعرف اسمه - بأنه سبب قلاقل في جزيرة قبرص، وقتل جزاء ذلك.
وكانت مشكلة سورية الخالية مثار منازعات مستمرة قامت بين بيت «سلوقوس»، وبيت «بطلميوس»، ويرجح أنها انتهت بحرب فعلية في ربيع سنة 276ق.م عندما غزا «بطلميوس» سورية، على ما يظهر لنا من رقيم بابلي كتب بالخط المسماري (222). وهذه ما يدعوها محدثو المؤرخين «الحرب السورية الأولى»، ومن المتعذر أن نصوغ لها تاريخا، وغاية مستطاعنا أن نلمع إلى بعض وقائعها إلماعا، ونلم بها إلمامات تكتنفها الريب. ويوجز «فاوزنياس» في الإشارة إليها، فيقول: إن القوات المصرية انتهجت خطة الهجوم المتفرق بأن تضرب هنا ضربة تلحقها بأخرى هنالك، متخذة من الإمبراطورية السلوقية الفسيحة هدفا لضرباتها، فاستطاعت أن تشغل «أنطيوخس» عن أن يهاجم مصر نفسها.
ومن الظاهر أنه تولد في مصر شعور بتوقع الهجوم عليها من الخارج، فإن اللوح المعروف بلوح «بيثوم» (223) يثبت أن بطلميوس زار «هيرنبولس» (224) (تل المسخوطة) على برزخ السويس في يناير من سنة 273ق.م؛ ليتفقد معدات الدفاع، ورافقته «أرسنوية» كما يجب أن نتوقع، فكانت المشرف الأعلى. أما عن المصادر البطلمية فإن ما وصلنا عن هذه الحرب - لسوء الحظ - يتألف في الأكثر من صيغ تقليدية، انحدرت إلى ذلك العصر عن الفراعنة الذين غزوا آسيا، وعرفناها من نقش هيروغليفي محفوظ الآن في متحف اللوفر، ثم عبارات من قصيدة ألفها «ثيوقريطوس» (225)، تقربا من بلاط الإسكندرية.
أما اللوح الذي ذكرنا، فينبهنا فيه كهنة «سايس» (صالحجر) (226) الذين صاغوه، أن بطلميوس تلقى إتاوة المدن الآسيوية، وأنه اقتص من بدو آسيا، وأنه قطع عددا من الرقاب فأجرى الدم أنهارا، وأن أعداءه قد وجهوا إليه - ولكن عبثا - سفنا وخيلا وعربات حربية كانت في مجموعها أكثر مما يملك أمراء بلاد العرب وفنيقية أجمعين، وأنه احتفل بانتصاره فأقام الولائم والأفراح، وأن تاج مصر كان ثابتا من فوق رأسه. ومهما يكن من أمر، فإن النتائج التي انتهت إليها الحرب عبر الحدود، لم تكن لتؤثر في العبارات التي استعملها الكهنة، أو تغير معانيها عن ذلك كثيرا. أما عبارات «ثيوقريطوس»، بعد أن مجد مصر أعظم ممتلكات بطلميوس، فتجري على النسق الآتي:
نعم، لقد اقتطع أطرافا من فنيقية (227)، وبلاد العرب، وسورية، وليبيا، وبلاد الأثيوبيين السود، يذعن لأوامره الفمفوليون (228) والقيليقيون (229)، وكذلك اللوقيون (230) والقاريون (231)، أهل الحرب المحبين له وأهل جزر قوقلادس، ذلك أن أساطيله أقوى الأساطيل التي تحملها الأمواج، على أن كل البحار والأراضي والأنهار الهادرة تعترف بأن بطلميوس ربها وسيدها.
أما النقش البابلي (232)، فينص على أن الجيش السلوقي، هزم جيش بطلميوس في سورية سنة 276، ولا يبعد أن يكون أنطيوخس قد استرد دمشق إذ ذاك من «ديون» (233)، قائد جيش «بطلميوس». ومن الظاهر أنه كان ثابت القدم، تام السلطان في فنيقية. وقد نصب عقيب مهلك الملك «أشموناصر» (234) الثاني قائده البحري «فيلوقلس» (235)، ملكا في صيدا، ويرجح أنه فنيقي انتحل الجنسية الإغريقية، كما يذهب «كليرمون جانو» (236). ولكن لا يبعد أن يكون «فيلوقلس» قد مات، قبل أن تنشب الحرب.
وكانت مدينة «صور» قد أخذت في الانتعاش، واستقبلت عهدا جديدا من الاستقلال السياسي في سنة 273-272، بعد أن قمئت وذلت، حتى صارت من ملحقات «صيدا» (237)؛ إثر ما نزل بها من الكوارث والأحداث الجسام في خلال ستين عاما متوالية. وهذا يدل على انقلاب في السياسة البطلمية إزاء فنيقية في أثناء الحرب السورية الأولى. أما «طرابلس» (238)، فقد ذكر أنها كانت خاضعة لبطلميوس في سنة 258-257ق.م.
على أننا نستخلص من إطراء الشاعر الإغريقي، أكثر مما نأخذ من الكهنة المصريين؛ فإن «ثيوقريطوس»، إذ يذكر أقواما يقطنون شواطئ آسيا الصغرى، وجزائر بحر «أيغا»، ويمضي على أنهم خاضعين لبطلميوس، إنما يثبت أن الأساطيل المصرية في الناحية البحرية من الحرب، قد نجحت في إرغام كثير من مدن الشواطئ في قليقيا (239) وفمفوليا (240) ولوقيا (241) وقاريا (242)، على الاعتراف بسيادة «بطلميوس». وكان لبطلميوس الثاني غزوات في البقاع التي تستطيع فيها القوات البطلمية، مستندة إلى البحر، أن تناجز جيوش «سلوقوس» الزاحفة من داخلية البلاد. ولم تكن سيادة «بطلميوس» على اتحاد جزء قوقلادس شيء جديد؛ ذلك بأنها ميراث ورثه «بطلميوس الثاني» عن أبيه. وليس ضم جزيرة «ساموس» (243) إلى ذلك الاتحاد في سنة 280، إلا دليلا جديدا على نماء قوة بطلميوس البحرية، وامتداد سلطانها. والظاهر أن «ميلطوس»، وكانت ما تزال ثغرا ذا قيمة من ثغور آسيا الصغرى قد خضعت لحكم «بطلميوس» قبل نشوب الحرب السورية الأولى؛ أي في سنة 279-278ق.م وفي محراب «ديدوما» (244) على مقربة من تلك المدينة تمثال لأخت بطلميوس «فيلوطرا» أقامه لها أهل المدينة. أما «هليكارناسس»، فكانت في سنة 258-257ق.م مستعمرة بطلمية.
وكانت سلطة «بطلميوس» في «إقريطش» (كريت) ثابتة الأركان، وصلاتها وثيقة بمدينة «إطانوس» (245)، على الأخص. وفي نقش أن «فطروقلوس» كان حاكما على الجزيرة، ولكن الراجح أن ذلك وقع فيما بعد، ومن طريق علاقته بالقيادة البحرية في الحرب «الخرمونيدية» (246) أو بعدها.
إن الاضطراب الذي أصاب مصر من جراء الحرب السورية زاده قيام ثورة في «برقة» تعقيدا وتهاوشا. فقد أعلن «ماغاس» (247) أخو بطلميوس من أمه استقلاله، وكان حاكما لذلك الإقليم منذ سنة 308، وزحف من هنالك ليغزو مصر (في صيف سنة 274)، ولكنه اضطر إلى النكوص؛ لأن بدو ليبيا، ويسمون «المرماريدا» (248)، هبوا من ورائه ثائرين. وطارت في مصر ثورة أذكى نارها أربعة آلاف من برابرة الغال المستوحشين، كانوا قد أجروا مرتزقين، فمنع ذلك على الجيش المصري أن ينتفع بتلك الفرصة السانحة. ولا بد من أن يكون الرعب قد خيم على الإسكندرية في خلال تلك الفترة، بدليل أن حصر الغاليين في جزيرة وسط النيل، وقطع الموارد عنهم؛ ليقضى عليهم فيها جوعا، عد انتصارا عظيما. أما الدور الذي مثله الملك المسالم البعيد عن الطبع الحربي، فما كنا لنعرف عنه شيئا لولا أن ذكر أحد شعراء البلاط - فيما بعد - أن ما عمل «بطلميوس» في هذه الثورة، كان المأثرة الفريدة التي تؤثر عنه في عالم الحرب. وظلت «برقة» منفصلة عن مصر فترة ما. وتزوج «ماغاس» من إحدى بنات «أنطيوخس الأول»، وكانت تدعى «أفاما »، على اسم جدتها الفارسية. وتبدل من لقب حاكم لقب «ملك»، وكان هذا بمثابة حلف ودي بين «ماغاس» والملك السلوقي، منابذا بطلميوس.
وفي سنة 272-271ق.م عقد «أنطيوخس» صلحا، جعل كفة مصر في الحرب راجحة؛ فإنه فضلا عن إخفاق جيوشه في ميدان الحرب، انتشر في بابلونيا - على ما يظهر - وباء الطاعون، فشغله ذلك كما هو محتمل عما عداه. •••
كانت «أرسنوية فيلادلفوس» قوة استرضاها في ذلك الوقت كثير من الرجال، ونشدوا أن يكونوا وإياها في سلام. ولم تحظ ملكة أخرى بعدد أكبر من العدد الذي أقيم لها من النصب التذكارية في العالم الإغريقي. فقد أقامت لها «أثينا» التماثيل، وأضفت عليها «ساموثراقية» التشاريف، وخصت بالتكريم في «بوطيا». وقد سميت إحدى مدنها باسم «أرسنوية»، عندما كانت ملكة «تراقيا» في شبابها. ونقع - خلال ذلك - على نقوش رصدت لتكريمها في دلوس وأمورغوس وثرا ولسبوس وقورينا وقبرص وأدرفوس، ومما لا شك فيه أننا سوف نقع على كثير غيرها. أما ما رصد عليها في مصر من التذكارات فكثير، وما هي غير الجزء الباقي من التشاريف التي أضفاها عليها زوجها الشقيق، وكان لها تمثال من مدينة «ثسافيا» بإغريقية، أقيم هيكله من فوق نعامة، وعلى الرغم من أنها لم تكن شريكة في الملك، كما كان كثير غيرها من الملكات، اللواتي أتين من بعدها، فقد شاركت الملك في كل ما خص به من الأسماء والتشاريف. ولاحظ «فلكن» «بولي-فسوفا» من النسخة التي نقلها «نافيل» من لوح «بيثوم» أن الكهنة المصريين، قد خصوها باسم ملكي؛ إضافة على الخرطوش المعتاد، وفي ذلك تشريف قلما خصت به الملكات. وثمة نقود لم يطبع عليها غير صورة وجهها فقط، بجانب النقود التي كان يطبع عليها وجه الملك. وقد اعتبر كلاهما من آلهة «دلفي» وألهت وأخوها، وتدرج الأمر من ذلك شيئا بعد شيء، حتى قرنتها المحاريب العظمى في طول مصر وعرضها بالآلهة الأقدمين. •••
في شهر يوليو من سنة 269 ماتت «أرسنوية». وينص نقش هيروغليفي كتب بأسلوب كهنوتي أنه في شهر «فاشون»، من السنة الخامسة عشرة من حكم بطلميوس ، «رفعت هذه الإلهة إلى السماء ولحقت برفيق رع.» وبدأ حكم «بطلميوس الثاني» عهدا جديدا؛ فإن الصكوك الرسمية قد تضمنت بعد سنتين ونصف من موت أرسنوية، اسم بطلميوس صغير، هو ابن بطلميوس الثاني، وقد أشرك مع أبيه في العرش. ولا شك في أن المؤرخ يقضي بديئة بأنه ابن بطلميوس من أرسنوية الأولى، وأنه بطلميوس «أورغيطس»، الذي خلفه في الملك، لولا أن الصكوك أخذت تظهر غفلا من اسمه، في فترة تقع بين شهر مايو ونوفمبر من سنة 258ق.م واستمرت كذلك. ولقد ظل المؤرخون تلقاء هذه المشكلة التاريخية في خلاف، وانتهوا في بحثها إلى ثلاثة فروض: (1)
أن الملك الصغير الذي أشرك في الملك كان ابنا غير معروف، أنجبه بطلميوس الثاني من أرسنوية فيلادلفوس، ومات سنة 258. وهذا الفرض يناقض ما ورد في الشرح المعلق به على «ثيوقريطوس»، وفيه أن «أرسنوية فيلادلفوس» ماتت من غير أن تعقب، وأنها تبنت أولاد «أرسنوية» الأولى. وما ورد في ذلك الشرح تؤيده الصكوك التي كتبت في عهد «بطلميوس الثالث»، وهو أنه كان من غير شك ابن «بطلميوس» من «أرسنوية» الأولى، إلا أنه ينعت دائما بأنه ابن «الأخ والأخت الإلهين». (2)
أنه كان ابن «أرسنوية فيلادلفوس» من زوجها الأول لوسيماخوس، وأنه هرب عندما قتل بطلميوس إقراونوس ابنا آخر لها، وأنه هبط مصر معها، فتبناه «بطلميوس الثاني»؛ جعله وريثا للعرش، وأن اختفاء أخباره فجأة في سنة 259-258 يرجع إلى موته. وهذا ما يرجحه «بيلوخ» على الفرضين الآخرين، غير أنه كسابقه لا يتفق وعبارات الشرح الذي ذكرنا. وبالرغم من أن مراجعنا قليلة وجزئية، فإنه مما يبعد تصديقه أن حادثا فذا كتنصيب ابن «لوسيماخوس» وريثا لعرش مصر، لا يذكره مؤلف واحد من قدامى المؤرخين. (3)
أنه كان بعينه الملك «بطلميوس الثالث» وأن اختفاء ذكره من الصكوك في سنة 259-258 إنما يرجع إلى سبب غير معروف. ويظن «مهفي» أنه ترك مصر في تلك السنة إلى «قورينا»؛ ليكون حاكما لها، وهذا الرأي لا يرجحه «مهفي» وحده، بل يؤيده فيه «بوشيه لكلار» و«جرنفيل»، ولكنه يلقى اعتراضا في أن سني «بطلميوس الثالث» تعود فتبدأ رسميا بشهر نوفمبر سنة 247، عندما أشرك مع أبيه في الحكم، وعلى هذه النظرية ينبغي أن تبدأ سنوه بالسنة التي أشرك فيها مع أبيه في الملك أول مرة، اتباعا للسابقة التي جرت عليها التقاليد، في إشراك «بطلميوس الثاني» مع أبيه «بطلميوس الأول».
ربما استطعنا أن نضع فرضا رابعا أقل من الفروض الثلاثة الأخر تقبلا للاعتراض، وأكثر منها بساطة، ومحصله أن الملك الذي أشرك في الملك من سنة 266 إلى 258ق.م كان أخا أكبر لبطلميوس الثالث «أورغيطس»، وأنه ابن بطلميوس الثاني من أرسنوية الأولى، وأنه توفي سنة 258؛ وبذلك لم يترك أي أثر في التاريخ. وكل نظرية تقول بأن الملك الذي أشركه بطلميوس الثاني معه في الملك هو ابن أرسنوية الثانية، سواء أمن لوسيماخوس أم من بطلميوس، إنما يؤدي إلى نتائج متضادة، لم يفطن لها «بيلوخ» وغيره من الكتاب.
من أجل أن نقول بهذه النظرية، ينبغي لنا أن نفرض أن أرسنوية، بالرغم من أنها ظلت تعمل حتى موتها على أن تقصي ابن بطلميوس الثاني من أرسنوية الأولى عن العرش؛ توطئة لمستقبل ولدها. وأن «أورغيطس» برغم أنه ظل أحد عشر عاما بعد موت أرسنوية مبعدا عن العرش، بتأثير شبكة من السعايات حاكتها من حوله زوجة أبيه، فإنه تجاوز عن هذا كله فنعت نفسه بعد أن اعتلى العرش بأنه ابن زوجة أبيه، وليس ابن أمه الحقيقية. أما أن «أورغيطس» مضى ينعت نفسه بأنه ابن «بطلميوس الثاني» من «أرسنوية الثانية» (الأخ والأخت الإلهين)، فذلك هو الأمر الأوحد، الذي ينزل من نفوسنا منزلة اليقين، في معترك تلك الشكوك المتهاوشة.
33
وبفرض أن «أرسنوية الثانية» قد تبنت قبل موتها أولاد «أرسنوية الأولى»، وأضافتهم إلى ولدها من لوسيماخوس، فإنه يصعب أن يشعر «أورغيطس» بشيء من العطف والشكران نحو حاضنته. أما أن تحتضن «أرسنوية الثانية» أولاد «أرسنوية الأولى»، وتنزلهم من نفسها منزلة البنوة، محتفظة بمكانتهم الملكية في البلاط، وهي في الوقت ذاته تعمل جاهدة على أن تقصيهم عن العرش، وهم له ورثة شرعيون؛ خدمة لمصالح ولد لها إن كان من لوسيماخوس، فليس له أن يرث بطلميوس، فإن هذا كله ليس من صبغة «أرسنوية فيلادلفوس» في شيء. وإذن يكون الفرض الذي يفسر عمل «أورغيطس»، ويعلل نزعته في أن ينعت نفسه بأنه ابن «الفيلادلفين»، أن «أرسنوية الثانية» تبنته حقيقة على ما يقول الشراح من أنها تبنت جميع أولاد أرسنوية الأولى، وأنها لم تحاول مرة أن تحرمه من وراثة الملك. كذلك لا تعترضنا عقبات تاريخية تحول دون القول بأن «أرسنوية الأولى» كان لها ابن أكبر من «أورغيطس» تبنته أرسنوية الثانية، كما تبنت بقية أولاد تلك، وأنه أشرك مع أبيه في الملك من سنة 266 إلى سنة 258، ثم مات حينذاك في سن باكر، وترك أخاه «بطلميوس أورغيطس» وارثا للعرش من بعده، فأشرك هذا مع أبيه في سنة 247.
34 •••
عرفت الحرب التالية التي اشتبكت فيها مصر بالحرب «الإخرمونيدية»، نسبة إلى «إخرمونيدس» الأثيني، الذي قاد الثورة في إغريقية متحديا مقدونيا، وكان بيت «أنطيغونس» في هذه الحرب ممثلا في ملك مقدونيا «أنطيغونس غوناطس بن دمطريوس المحاصر» خصيم بيت «بطلميوس»، وكان الحلف المنابذ لمقدونيا يتألف من عدد من أعظم المدن الإغريقية، وعلى رأسهم أثينا وإسبرطا. وقد لاحت لهم فرصة يستردون فيها حريتهم التي فقدوها منذ قرن من الزمان. وانضم بطلميوس إلى هذا الحلف، منفذا بذلك سياسة أخته على ما ينص نقش أطيقي؛ وفي ذلك دليل على أن عقل أرسنوية كان يحتكم في الإسكندرية حتى بعد موتها. وطارت أول شرارة للحرب من أثينا بأن نفضت عنها سلطة مقدونيا (في أواخر سنة 266ق.م)، وكان الأغارقة يعلقون آمالا كبارا على تأييد مصر لهم، وأسطولها سيد بحر «أيغا».
ولم تكن مصر في كل تاريخها أقرب إلى النعت الذي نعتها به نبي عبراني بأنها «قصبة مهشمة» منها إذ ذاك، فقد أحدق «أنطيغونس» بأثينا، وحصر الإسبرطيين عند البرزخ. وفي خلال ذلك كان الأسطول المصري تحت إمرة «فطروقلوس» يجوب البحر، على بعد من الجزيرة الصغيرة التي عرفت من بعد باسم جزيرة «فطروقلوس»، وعلى مقربة من الشاطئ الأطيقي من غير أن يفعل شيئا ذا قيمة؛ فإن «فطروقلوس» وهو من سلالة مقدونية اعتذر عن موقفه بأن كل جنوده البحريين كانوا من وطنيي مصر!
35
وربما كان في غزوة يحمل فيها الملك الإسكندر الأفيروسي (خلف فورغوس) على مقدونيا نجاح لسياسة بطلميوس، وما من شك في أنه يكون نجاحا فائلا، ما دام الجندي المصري عاجزا عن أن يجني منه ثمرة.
واستطاع «أنطيغونس غوناطس» أن يحمي مقدونيا، فهزم جيوش «أفيروس»، ومزقها تمزيقا من غير أن يرفع الحصار عن أثينا، وسقط ملك «إسبرطا» في الميدان قتيلا، وهو يحاول أن يقتحم صفوف جيش «أنطيغونس»؛ ليتخذ أهل أثينا. واضطرت «أثينا» إلى التسليم في النهاية (261ق.م)، وهرب «إخرمونيدس» وأخوه «إغلاوقون» لاجئين إلى مصر، حيث أقيم «إغلاوقون» رئيسا لكهنة الإسكندرية، وكهنة الأخ والأخت الإلهين في سنة 255-254ق.م كما تنص على ذلك ورقة من البردي استكشفت حديثا. وكانت الحرب الإخرمونيدية عنوانا سيئا أبان عن ضعف بطلميوس وجبنه ونزعته إلى الفنون دون الحرب ... ومن ذا الذي في مكنته أن يتكهن بالنتائج، لو أن «أرسنوية» كانت على قيد الحياة، مشرفة على أخيها في تنفيذ سياستها؟ •••
إن الفترة الواقعة بين سني الحرب الإخرمونيدية، واعتلاء «أنطيوخس الثالث» العرش السلوقي في سنة 223ق.م من أشد فترات التاريخ غموضا وإظلاما، إذ لم يصلنا شيء من المؤلفات التاريخية التي كتبت فيها، وكل ما نستطيع أن نصل إليه في صوغ تاريخها أن نجمع رقعا من الآراء العامة عنها، أو إشارات عرض لذكرها كتاب متأخرون، أو بعض النقوش أو أوراق البردي التي نقع عليها اتفاقا، ثم نرأب صدوع هذه جميعا لنحيك منها عبارة تاريخية.
فالحقيقة الأولى عن بحر «أيغا»، والحالات التي قامت فيه عقيب الحرب الإخرمونيدية، أن الجلاد قام حواليه بين مصر ومقدونيا؛ لتفوز إحداهما بسيادة البحار، وفي هذا الشأن لا يعوزنا اليقين. كذلك نعرف أنه دارت معركتان بحريتان عظيمتان، هما معركة «قوص» ومعركة «أندروس»، وأن «أنطيغونس غوناطس» هزم الأسطول المصري في أولاهما، ونشبت معركة بحرية على بعد من «أفسوس»، هزم فيها الأسطول الرودسي الأسطول المصري بإمرة «إخرمونيدس»، وكانت رودس على ما يظن قد حالفت مقدونيا. أما أن نعرف أيهما قاد الأسطول في موقعة «أندروس» أهو «أنطيغونس غوناطس» بنفسه، أم «دوصون» ابن عمه وخليفته في الملك، أو أن نعرف في عصر من من البطلميوسين وقعتا، أفي عصر بطلميوس الثاني، أم في عصر بطلميوس الثالث؟ أو أن نقطع في موقعة «أندروس» بقول، أهزمت فيها مصر أو انتصرت، على ما يقول «مهفي»؟ فعامتها أمور تتسع فيها شقة الخلاف، وتتباين فيها الأقوال والآراء.
وفي نقش ذي شأن تاريخي نشره «رهم» ما يدل على أن «ميلطوس» قضت فترة ما في عصر بطلميوس الثاني، استمسكت فيها بصداقته، وذادت عن مصالحه، ولكن نيران الحرب كانت قد حوطتها برا وبحرا، وعصرتها عصرا. ومن الظاهر أن هذا النقش يرجع إلى سنة 262ق.م أو بالأكثر إلى السنتين اللتين تليانها؛ ولذا يصعب أن نتصور أن تحصر «ميلطوس» بحرا، ما لم نقدر أن قوة مصر البحرية كانت قد ضعفت بالفعل. لهذا يذهب «رهم» إلى أن معركة «قوص» لا بد من أن تكون قد وقعت من قبل ذلك؛ أي في الفترة التي تقدمته مباشرة. ولعهد ما، على ما تهدينا إليه النقوش، تبدل اتحاد جزر قوقلادس من حماية «بطلميوس» حماية مقدونية (من سنة 260 إلى 247 على ما يقول «كوليه»)، على الرغم من أن الغالب أن مصر استردت مركزها ذاك قبل موت بطلميوس الثاني، بدليل أن نقش «أدوليس» يحصي جزر قوقلادس بين الحمايات التي ورثها بطلميوس الثالث عن أبيه، لا بين البقاع التي ضمها إلى ملكه بالفتح.
في النقش الميلطي الذي أشرنا إليه آنفا، ينوه «بطلميوس الثاني» في رسالة إلى أهل ميلطوس بالأنباء السارة التي وصلت إليه عن ولائهم الذي ذكره له ابنه وإقليطرخوس (أمير البحر المصري في بحر أيغا حوالي 274 إلى 266)، وغيرهما من الأصدقاء (أي الأشخاص الملحقين بالبلاط البطلمي) الذين معهم. •••
من هو ذلك الابن؟
أما المستمسكون بأسطورة أن ابن «لوسيماخوس» من «أرسنوية فيلادلفوس» قد تبناه «بطلميوس الثاني» وأنه بذاته من يدعى «بطلميوس اللصيق»،
36
الذي قاد أسطول «بطلميوس الثاني» في خلال فترة تقع بعد سنة 261 في «أفسوس»، فينزعون إلى القول بأن ذكر ذلك الابن في النقش الميلطي إنما هو بمثابة بعث آخر لذلك الرجل نفسه على مسرح الحوادث؛ ومن أجل ذلك يقولون بأننا نصادفه في هذه المرة قائدا في «ميلطوس». على أن لنا أن نلاحظ هنا أن النقش لم ينص إطلاقا عن أن الابن كان قائدا في «ميلطوس»، ولغته تتفق جملة مع الفرض بأن الأمير الشاب كان في جولة بحرية يتعهد فيها الولايات المحمية، وزار ميلطوس في طريقه. أما إذا قبلنا الفرض الذي يقضي بأن الابن الذي أشرك في الحكم من سنة 266 إلى سنة 258، إنما هو ابن أكبر «لبطلميوس الثاني» من «أرسنوية الأولى»، فمن الطبيعي أن يكون هو بعينه الابن الذي يذكره النقش الميلطي. ولكنا نرجح ترجيحا قد يبلغ مبلغ اليقين أن الابن الذي ذكره ذلك النقش، هو «بطلميوس اللصيق» لا شخص آخر. •••
منذ نهاية الحرب السورية الأولى، حالت الأحداث والقلاقل التي وقعت في نواحي الأملاك السلوقية دون القيام من جانبهم بأي عمل في البحر المتوسط. وفي سنة 261 اشتبك أنطيوخس الأول (سوطر) في حرب مع «أومنس» الأول ملك «فرغامن»، وسقط في المعركة قتيلا، فخلفه ابنه «أنطيوخس الثاني» المكنى «ثيوس». وبعد أن اعتلى الملك السلوقي الجديد عرش السلايقة، خيل إليه أنه من القوة بحيث يستطيع أن يسترد من البطالمة خسائر بيته في الحرب السورية الأولى. والظاهر أنه نشبت حرب بين مصر وسورية، اتفق محدثو المؤرخين على تسميتها الحرب السورية الثانية. على أن معرفتنا بتاريخ هذه الحرب ووقائعها ومداها أقل من معرفتنا بوقائع الحرب الأولى. ويقول «بيروم» - ولكن في غير بيان: إن أنطيوخس حارب ومعه كل قوات بابلونيا والشرق، ولكن المحقق أنه لم ينجح في أن يسترد سورية الخالية، وربما لم يستطع أن يجتاز حدود الولاية التي طمع فيها. ولا شك في أنه نشبت معارك متهاوشة، في ميداني الحرب والدس السياسي، طوال شاطئ آسيا الصغرى، وكان الأسطول المصري عاجزا عن أن يؤثر تأثيره الأول بعد أن فقد سيادته في البحار. والراجح أنه كان بين «أنطيغونس المقدوني» وبين «أنطيوخس الأول» اتفاق ودي، لما بينهما من صلات المصاهرة من طريق زيجتين ملكيتين بين أسرتيهما. وكانت «ميلطوس» حينذاك في حيازة أفاق يدعى «طيمارخوس» استبد بالمدينة وتسلط عليها. ولا يبعد أن يكون امتلك «ساموس» أيضا، ولم يكن على التحقيق صديقا «لأنطيوخس»؛ ذلك بأن قمع «طيمارخوس» جعل الميلطيين يضفون على أنطيوخس الثاني لقب الإله تعبيرا عن شكرانهم، واعترافا بجميله. كذلك لم يكن على ما يظهر صديقا لمصر؛ بدليل أنه حالف «بطلميوس اللصيق»، وهو ابن غير شرعي كان له اسم أبيه بطلميوس الثاني. والمدرك من حوادث هذه الحرب استنتاجا، أن مصر غنمت «أفسوس»، وأن ملك مصر نصب ابنه غير الشرعي قائدا هنالك؛ فثار «بطلميوس اللصيق» على أبيه، متحالفا مع «طيمارخوس»، ولكن لم يلبث غير قليل حتى قتله التراقيون الذين أجرهم مرتزقين.
في سنة 253 بعد وقوع هذه الحوادث ترجيحا، كانت «أفسوس» في يد السلايقة، كما يستدل على ذلك من نقش عثر عليه. ولا شك في أنها كانت إحدى مقار البلاط السلوقي في أواخر عصر «أنطيوخس الثاني». ويستنتج فوق هذا أن البقاع التي فتحتها مصر في الحرب السورية الأولى، حوالي قيليقيا وفمفوليا قد فقدتها في الحرب السورية الثانية؛ ذلك بأن «ثيوقريطوس» نوه بخضوعها لبطلميوس الثاني، ولم تذكر في نقش «أدوليس» ضمن التراث الذي ورثه «بطلميوس الثالث» عن أبيه.
وعقد الصلح في النهاية بين بطلميوس الثاني، وأنطيوخس الثاني (في أواخر سنة 252ق.م). والذي يلوح لنا أن هذا الصلح قد عد في بلاط الإسكندرية انتصارا لسياسة «بطلميوس». واتفق «أنطيوخس» على أن يتخذ «برنيقية» ابنة بطلميوس زوجة، وأن ينصبها ملكة. وكان له زوجة أخرى هي «لاوديقية»، وقد أنجب منها ابنان، ولكنه قبل أن يهجرها وأن ينبذها في سرديس أو أفسوس، وأن يجعل «برنيقية» ملكة في «أنطاكية»، ورافق الملك الشيخ ابنته حتى أوصلها إلى «فلوسيوم». وقد نتخذ هذه الحقيقة دليلا على أن سورية الخالية كانت جزءا من مهر «برنيقية»، حتى أصبحت «فلوسيوم» آخر بلدة على الحدود. ولكننا نعلم الآن أن الحقيقة على الضد من ذلك؛ فإن في محفوظات «زينون» كتابا حرره رئيس خدام قصر «أبولونيوس»
Dioiketes
في فينيقية، وذلك في ربيع سنة 251ق.م جاء فيه أن «أبولونيوس» في طريقه إلى «صيدا»، ومعه الحاشية؛ ليرافق الملكة إلى الحدود. وذلك يدل على أن الحدود كانت لا تزال حتى ذلك الوقت شمالي سورية الخالية.
أما أن المهر قد تضمن التنازل عن أية أرض، فذلك ما ليس لنا به من علم، وكل ما نعلم في شأنه أنه كان باهرا عظيما، حتى إنه أضفى على «برنيقية» نعت «فرنوفورس». ولقد تخبر أن «بطلميوس» استمر يزود ابنته على غير انقطاع بكميات من ماء النيل، بزعم أنها تزيد الخصب والقدرة على الإنتاج. ولقد توقع «بطلميوس» أن «برنيقية» إذا أنجبت من أنطيوخس ابنا، فإن بيت «سلوقوس» سوف يرتبط ومصر برباط الدم، وهو رباط وثيق، ذلك بأن ملك آسيا المقبل سيكون حفيده ... ولو أنه عاش إذن لشهد الكارثة التي تبدد أحلامه، تلك الأحلام التي دلت شواهد الأحوال على أن الطريق قد مهدت لتحقيقها. •••
هنالك اتجاهات أخرى في السياسة الخارجية التي انتحاها بلاط الإسكندرية في خارج مصر، نستطيع أن نلحظ طرفا منها في خلال حكم «بطلميوس الثاني». ففي سنة 273، عندما اشتبكت «رومية» في حرب مع فرغوس الأفيروسي، هبط «إيطاليا» سفير من الإسكندرية ليعبر لرومية عن صداقة بيت بطلميوس. وكانت هذه أول مرة غشي فيها سماء مصر خيال دولة فتية تنشأ في الغرب. ولا ريبة في أن «الإسكندرية» مضت تنشئ في ذلك الحين علاقات تجارية مختلفة في حوض البحر المتوسط كله، تبعا لازدياد متاجرها زيادة متواصلة.
كانت أرسنوية فيلادلفوس في سنة 273 ما تزال قابضة بيدها على دفة السفين، على العكس مما كان في سنة 264، عندما نشبت الحرب «البونية» الأولى بين رومية وقرطاجنة، ولجأت قرطاجنة إلى مصر جارتها الإفريقية، تسألها قرضا ماليا. وكان البلاط الإسكندري حينذاك وبعد موت «أرسنوية» قد نزع إلى سياسة وضع الأشياء في نصابها الحق، ما دام وضع الشيء في نصابه معناه الإخلاد إلى السكون والراحة. ويغلب أن أقرب السياسات إلى الحكمة في مثل هذا الموقف كان الاحتفاظ بالحياد التام. فرفض «بطلميوس» أن يعقد للقرطاجنيين القرض الذي طلبوا، بدعوى أن كلا الطرفين صديق له، وأنه يكون سعيدا لو أتيح له أن يخدمهما بالوساطة الحبية، إن كانا في حاجة إليها.
ومما ينبغي لنا أن نعيه، إذا كانت ورقة البردي التي يرجع تاريخها إلى 252-251ق.م قد أحسن قراءتها، أن رومانيا اسمه «دنيوس» أو دنوس خدم جنديا في جيش بطلميوس، ومعنى هذا أن رومانيا أغراه ما يتوقع من خير تلقاء الخدمة تحت راية ملك مصر، فركب إليه متن العباب. •••
وكانت فلسطين كما رأينا مستعمرة ذات خطر عظيم لملك مصر، وقد أوضحت أوراق «زينون» البردية قيمة العلاقات التجارية الواسعة بين الأغارقة المتمصرين، وبين البلاد الواقعة جنوبي لبنان: تلك التي كانت تصدر إلى مصر زيت الزيتون والماشية والأرقاء، ولقد طبع الحكم البطلمي بطابع يظهر جليا واضحا في الأسماء التي أطلقت على بلاد كثيرة، ففي المنطقة الواقعة جنوبي بحر الجليل نصادف بلدة «فيلوطرا»، وفي وادي لبنان شمالي دمشق، كانت مدينة «أرسنوية»، ويذكر «إسطيفن» البوزنطي أنه كان في محل ما من فلسطين بلدة أخرى باسم «أرسنوية»، ومدينة باسم برنيقية. ولكن مقر الحكم البطلمي في فلسطين، كان مدينة «عكو» (250) الواقعة على الشاطئ، وذكرت في كتب العهد القديم بهذا الاسم، وتعرف الآن باسم «عكا»
Acre ، فسميت «إفطولمايس»، وبقيت مسماة بهذا الاسم إلى العصر الروماني، أما الدويلة اليهودية التي كان مقرها فوق التلال - أورشليم وما حولها من البقاع - فقد سمح لها أن تظل محتفظة بطرائقها الخاصة، على أن تؤدي إتاوة لبطلميوس.
وتزودنا أوراق «زينون» البردية بإلمامة نستدل منها على شيء من حكم بطلميوس الثاني فيما وراء الأردن، أو كما كانت تسمى في ذلك الوقت المقاطعات «العمانية»، وفي الإغريقية «عمانيطس»، وكانت عاصمتها «ربات عمون» (251) كما ذكرت في العهد القديم، وتعرف الآن باسم «عمان» (252)، فسميت «فيلادلفيا» على اسم ملكة مصر العظيمة: «أرسنوية فيلادلفوس». وفي تلك الأوراق البردية ذكر شيخ اسمه «طوبياس» وفي العبرية «طوبيا» (253)، كان قائد كتيبة من الفرسان في خدمة بطلميوس، وكان رجال هذه الكتيبة يقطعون أجزاء من الأرض
Kleroi
يختص كل منهم بقطعة منها، على نفس النظام الذي كان متبعا مع رجال الجيش النظامي في مصر، ويرجح أن هذه القطائع كانت في أرض «عمانيطس». وفي عقد بيع، تضمن أسماء ثلاثة من رجال هذه الكتيبة أن اثنين منهم كانا فارسيين، ومقدونيا، وأن العقد تم في «برتاعمانيطس» (254)، و«برتا» كلمة آرامية معناها «القلعة».
37
وكان «طوبياس» يخاطب الملك بطلميوس خطاب الأنداد، ففي كتاب أرسله مع مجموعة من الحيوانات إلى الإسكندرية، ربما كانت قد أرسلت لتؤسر في الجريئة الملكية، يجري الكلام في غير تزويق أو مجاملات كما يلي:
إلى الملك «بطلميوس» تحية من «طوبياس» وسلام، أرسلت إليك حصانين وستة كلاب، وحمارا مهجنا (من أصل وحشي وآخر أليف)، وجملين من دواب الحمل، وفلوين من أصل مهجن من الحمر الوحشية، وفلو حمار وحشي ... إلى الملتقى.
إذا قارنا عبارات أخرى من العهد القديم بعبارات من «يوسيفوس» عرض فيها اسم «طوبيا»، فإذن نرجح أن قائد فرسان بطلميوس في تلك البقاع كان رأس عشيرة قوية سكنت «عمانيطس»، وكانت صلتهم بقدامى الرؤساء من الكهنة في أورشليم سببا في أن يصبحوا نصف عبرانيين. والغالب عندي أن طوبيا «العماني» الذي ذكر في سفر «نحميا»، وتزوج من ابنة كبير كهنة اليهود، ثم خاشنه «نحميا» وطرده من أورشليم، جد أول لطوبيا البطلمي. والاسم «طوبيا» ومعناه «يهوه طيب» عبراني رسيس، كاسم «عنثياس» والد جندي من الجنود الفارسيين الذين خدموا في كتيبة الفرسان في فلسطين، وهذا محل للعجب والتأمل!
وفيما بعد؛ أي في عهد أنطيوخس أففانس، مثل أولاد «طوبيا» دورا ذا خطر في عراك الأحزاب في أورشليم، وقد تحصن أحدهم سنة 183ق.م، في قلعة جبلية في الأقاليم «العمانية»، وفي مفاوز جبال ما وراء الأردن ومنعرجاتها، مغاور نحتت في الصخر، تصلح لأن تتخذ قلاعا وحصونا منيعة. فكان لهم فيها حظائر تسع أكثر من مائة رأس من رءوس الخيل، وقد حفر على مدخل أحدها اسم «طوبيا» بحروف عبرية لا تزال مقروءة حتى اليوم.
وكانت سورية مورد الأرقاء الذين يستخدمون في بيوت أغنياء مصر من الأغارقة. وفي إحدى الورقات البردية ذكر عقد باع به «طوبيا» إلى «زينون» جارية تسمى «إسفراغس»، وفي أخرى أن طوبيا أرسل إلى أبولونيوس رئيس خدام القصر الملكي
Dioiketes
حظية شابة، وأربعة مماليك صغار، سود العيون. •••
تمخضت الأيام في قورنيا عن حوادث جديدة في السنين الأخيرة من حكم بطلميوس الثاني. ولا ريبة في أن هذه الحوادث كانت ذات علاقة بمجرى الأحوال في بقاع أخر: في مقدونيا وإغريقية، وفي بحر أيغا، والأملاك السلوقية. ولكن الحكم على طبيعة هذه العلاقات أمر لا مفر فيه من التخمين المشوب بكثير من الشك، ذلك بأن تاريخ الحوادث التي نقيم عليها وجوه الرأي، فرضي صرف.
كان «ماغاس» قد كبر واكتنز لحما صيره مضرب المثل، فلما مات بعد أن سلخ خمسين عاما يحكم قورينا، قضى منها عهدا عاملا وعهدا ملكا، ترك وراءه أرملة هي الأميرة السلوقية «أفاما» وابنة سميت «برنيقية» على اسم جدتها من ناحية، وعلى اسم ابنة عمها من ناحية أخرى. وكان ذلك سنة 259-258ق.م واستطاع قبيل موته أن يتفاهم مع أخيه من أمه - ملك مصر - على أن يتزوج ابنته ووريثته «برنيقية» من ابن بطلميوس ولي عهد المملكة المصرية، وبذلك تسنح الفرصة التي تعود بها العلاقة فتتوثق بين مصر وقورينا. ولكن حدث بعد موته أن أرسلت زوجته «أفاما» إلى مقدونيا، وكانت بطبعها أميل إلى الاتفاق القائم بين سورية ومقدونيا منها إلى مصر، باحثة عن زوج لبرنيقية في تلك الأصقاع، فوقعت على «دمطريوس الجميل» وكان أخا «لأنطيغونس غوناطس» من أبيه، وابن إفطولمايس أخت بطلميوس من أبيه. وكان مفرط الجمال، حتى إن «أفاما» لم تقو بمجرد أن هبط قورينا على أن تتردد في أن تزوج ابنتها منه. وأصبح زوج برنيقية في الرسميات، وخليل «أفاما» في الواقع.
وكانت «أفاما» من حيث الجرأة والإقدام على تحقيق شهواتها ومطامعها غير أوليائكن الأميرات المقدونيات المرهبات، اللواتي نصادفهن الواحدة بعد الأخرى في سياق تاريخ البطالمة. ولكن «برنيقية» - وهي صبية لم تتخط دور المراهقة بعد - كانت أميرة مقدونية، فأنفت أن تركب هذا المركب، وائتمرت ورجال الحرس الملكي، وقتل «دمطريوس» في مخدع أمها، وأشرفت بنفسها على تنفيذ المؤامرة، وراقبت حوادثها؛ لتنقذ حياة أمها، بعد أن تثق من مقتل «دمطريوس». ولقد قال الشاعر «قليماخوس» الذي عرف برنيقية فيما بعد، عندما صارت ملكة مصر: إنها على الرغم من طفولتها قد عبرت بعملها أبين تعبير عن روح السلالة التي انحدرت منها.
ولم يبق أمام «برنيقية» من حائل يمنعها من أن تتزوج من ابن عمها الأكبر؛ بطلميوس الصغير، تنفيذا لاتفاق أبيها مع عمها بطلميوس الثاني، فتحقق بذلك أمنيتها وتصبح ملكة مصر. ومع هذا، فإن زواج برنيقية من بطلميوس «أورغيطس» لم يتحقق إلا عشية زحفه على رأس جيشه؛ ليشهد الحرب في سورية سنة 245.
أما «مهفي» فيفرض أنه ظل حاكما على قورينا من سنة 259-258، حتى مصرع أبيه، وإنه ليصعب أن نعلل - مع قبول هذا الفرض - السبب في أن يتأخر زواجه من برنيقية ثلاثة عشر عاما. ولئن كان هذا الفرض ضروريا لنخلق من «أورغيطس» ذلك الملك الخفي، الذي أشرك في الملك من سنة 266 إلى سنة 258، فإن هذه الحقيقة تحول دون ذلك.
أما إذا كان الملك الذي أشرك في الملك، ثم اختفى من صفحة التاريخ سنة 258 أخا أكبر لبطلميوس «أورغيطس»،
38
ومات في تلك السنة، كما فرضنا من قبل، فإنما تكون برنيقية قد خطبت له أولا، لا لأخيه أورغيطس. وأن موت ذلك الأمير الصغير يفسر بأن الزواج لم يقع عندما اعتلت برنيقية عرش قورينا. ومهما يكن من أمر، فإن اعتلاء الملكة الشابة عرش قورينا إذ ذاك، كان من شأنه أن يجعل برقة إلى جانب مصر لا إلى جانب سورية. والنقود التي نقشت عليها صورة برنيقية غير مقنعة؛ أي عندما كانت عذراء، إنما ترجع إلى ذلك العصر؛ لأنها تحمل طابعين: أحدهما من الملك بطلميوس، والآخر من الملكة برنيقية. وفي هذا دليل على أن برنيقية كانت قد قبلت إذ ذاك سيادة ملك مصر. وبعد ذلك ببضع سنوات على الترجيح، يظهر على النقود نقوش تمثل مدن برقة جمهورية متحدة. ويغلب أن هذا النظام قد نفذ بإرشاد رجلين من رجال المذهب الأفلاطوني: «أقداموس» - أو أقدالوس - و«ديموفانس»، هبطا قورينا سنة 251 أو سنة 252؛ ليرسما لأهلها سبل الحرية.
أما مدى حياة هذا الاتحاد، وما وقع أثناءه للملكة الصغيرة، فأمران غامضان. ويفرض «بوشيه لكلار» أن بطلميوس الثاني أعاد فتح برقة قبل موته، بدليل أن نقش «أدوليس» يروي أن «ليبيا» كانت إحدى البلاد التي ورثها بطلميوس الثالث لا إحدى البلاد التي جناها، ويرى «تارن» أن هذا الاتحاد ظل قائما حتى حكم بطلميوس الثالث؛ لأنه لم ينتحل اسم «أورغيطس» إلا في السنة الخامسة من حكمه، ولا يبعد أن يكون إضفاء هذا الاسم عليه، راجعا إلى إعادة بلاد برقة إلى حكمه. غير أن هذا ليس أكثر من تحسس في الظلام، على ما يقول بوشيه لكلار؛ لأن انتحال اسم أورغيطس لا علاقة له إطلاقا باسترجاع برقة، والأرجح قول «ييروم» أنه ذا علاقة بإعادة الأنصاب إلى مصر، ذلك بأن استرجاع جزء من مملكة أبيه كان منفصلا عنها، إنما يعود نفعه عليه وحده، دون أي من الناس.
ومهما يكن من أمر ذلك، فإن زواج بطلميوس الثالث من برنيقية قد وقع في أيام حكمه، ولا يبعد أن يكون قد وقع قبل موت أبيه. والغالب أن تغيير أسماء ثلاث مدن في برقة قد حصل بعد إعادة فتحها، فسميت «هسبريدس» باسم «برنيقية» وطوخيرا باسم أرسنوية، وبرقة باسم إفطولمايس. •••
كان الفراعين في الأزمان الأولى يحملون أسلحتهم ضاربين بجيوشهم في البقاع الواقعة جنوبي الشلال الأول، حيث البلاد التي يدعوها الإغريق «أثيوبيا» (بلاد المحروقة وجوههم)، والتي نعرفها الآن باسم السودان. وكان العدد الأكبر من سكان بلاد النوبة ومصر العليا من سلالة تمت إلى المصريين بسبب، وليسوا من دم الزنوج، ولو أن لقاحا زنجيا كان يجري في عروقهم. ذلك بأن الزنوج الذين كانت تأهل بهم داخلية تلك البلاد، كثيرا ما كانوا يغيرون على مصر العليا ويختلطون بالأهلين. ولقد أصبحت الثقافة المصرية ثقافة تلك البلاد، أو على الأقل ثقافة البيوت المالكة فيها، وإنك لواجد «هياكل مصرية الطابع» كانت منتشرة إلى ما بعد الموقع الذي تشغله مدينة الخرطوم الآن. ولقد ذكر سير «فلندرزبتري» أن ملوك «أثيوبيا» في خلال القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد، قد أخضعوا لصولجانهم مملكة النيل جميعها حتى الدلتا، وأنه لما وقعت مصر تحت نير الحكم الآشوري والحكم الفارسي، كان الفراعين الأثيوبيون وكهنة «آمن» لا يزالون يمتعون بالحكم والسيادة في أقاليم مصر العليا.
بعد أن ذلل الحكم الفارسي السبيل للحكم الإغريقي، ومحيت مظاهر الملوكية الفرعونية من قصور الإسكندرية وممفيس، كان الملك «نستاس» يحيي في «نباطة» عاصمة الأثيوبيين - وكانت بالقرب من جبل بركل الآن - التقاليد الفرعونية. ولم يكن عند البطالمة نفس الرغبة التي كانت تجيش في صدور الفراعين، فتنزع بهم إلى ضم «أثيوبيا» إلى دولتهم. وكانت نظرتهم كإغريق، إنما تتجه دائما من خلال البحر المتوسط صوب الشمال، فقنعوا بأن تنتهي حدودهم عند الشلال الأول ولا تتخطاه إلا قليلا.
ولقد نعرف أن قوات الإسكندر الأول احتلت «إلفنطينية» كما ترك لنا الأغارقة والمقدونيون، الذين عهد إليهم بطلميوس الأول بالدفاع عن المملكة هنالك، بعضا من أقدم أوراق البردي التي حصلنا عليها. وغير بعيد أن «إلفنطينية» كانت في ذلك العهد أقصى نقط الحدود الجنوبية، ولكن «ديودورس» ينبئنا أن بطلميوس الثاني قاد زحفا من قوات إغريقية، وأمعن في أثيوبيا غزوا؛ وبذلك فتح أعين الأغارقة على بقاع لا عهد لهم بها من قبل. وقد ترجح أن التطلع إلى الاستكشاف الجغرافي، والرغبة في الحصول على حيوانات غريبة غير معروفة، كانا من الأسباب التي حركت في بطلميوس الرغبة في قيادة ذلك الزحف.
ومهما يكن من أمر ذلك، فليس عندنا ما يؤيد أنه رغب في ضم «أثيوبيا» إلى أملاكه. والغالب أنه بعد موت «نستاس» سنة 308ق.م (على ما يحسب رسنر) انقسمت «أثيوبيا» مملكتين، ونشأت أسرة جديدة اتخذت «فيروبي» (المعروفة الآن باسم يجروية وهي على 130 ميلا من الخرطوم جنوبا) مقرا لحكمها، موغلة بذلك في أعالي النيل، وكانت هذه الأسرة أقوى من الأسرة التي حكمت في «نباطة»، ولكن هذه استمرت تحكم إلى حين.
وبدأ الأغارقة يضربون في جولاتهم إلى أقاصي الجنوب، ويقال: إن إغريقيا اسمه «داليون» كان أول من اخترق تلك الأقاليم إلى جنوبي «فيروبي»، والراجح أن رحلته كانت في أوائل حكم بطلميوس الثاني، ولقد ألف كتابا عن «أثيوبيا» بقي من بعده.
في قصاصة من البردي باللغة الإغريقية وجدت في «إلفنطينية»، ما يرجح أنها جزء من رقعة أرسلها قائد القوات البطلمية هنالك (وهو مصري الاسم) إلى الملك، في وقت كانت مصر فيه مشتبكة في حرب مع «أثيوبيا»، وإليك ما فيها:
إلى الملك بطلميوس، سلام وتحية من أرنوفس ... حضر الأثيوبيون وحاصروا ... وابتنوا دريئة وأنا وأخواي ... كمدد حربي ... وقاومنا ...
يدل أسلوب هذه القصاصة على أنها كتبت في النصف الأول من القرن الثالث قبل الميلاد، ولا يبعد أن تكون ذات علاقة بزحف بطلميوس الثاني إلى «أثيوبيا». •••
في اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر من نوفمبر سنة 247 قبل الميلاد، أشرك بطلميوس الصغير (بطلميوس الثالث) مع أبيه في الملك، والغالب أنه اضطلع بمهام الملك مذ ذاك.
وفي سنة 245 (في 25 من شهر ديوس المقدوني، الواقع في 27 من يناير) مات بطلميوس الثاني، وله من العمر ثلاث وستون سنة. قضى نحبه وله من الغنى حظ سليمان، فبذ في غناه وفي ميوله العقلية وترفعه عن أن يكون مطية للنساء كل ملوك عصره. ولقد ينبئنا متأخرون من كتاب الأغارقة عن أسماء حظياته، ومن بينهن مصرية وطنية ذكرت باسم إغريقي، هي «ديدوما»؛ أي «التوأمة»، وأخرى اسمها «مورطيون» كانت ممثلة هزلية في مسرح، وكان بيتها بعد أن نالت الحظوة الملكية، من أفخم بيوت الإسكندرية. ومنهن «أمنيسس» و«فوثينا» وكانتا من العازفات على الناي، وعرفتا بما كان في قصريهما من أبهة وضخامة. و«إقلينون» وكانت تماثيلها كبيرة وصغيرة تطلب من الإسكندرية، وتمثل عارية ليس عليها غير إزار إغريقي، وتحمل قرن الكثرة
Cornucopia
كالإلهة أرسنوية. وفي دلوس نقش جاء فيه أن خنزيرين فضيين، أهدتهما «إقلينون» إلى الإله. وذكرت حظية أخرى اسمها «إسطراطونيقية» خلد ذكرها بمحراب فخم جميل أقيم في قرية «ألوسيز» المصرية بمقربة من الإسكندرية، حيث دفنت بعد موتها. أما أشهرهن جميعا فكانت «بلسطيخا» وهي في الأكثر إغريقية، ولو أن اسمها ليس فيه جرس الأسماء الإغريقية، ويقول «فلوطرخوس»: إنها كانت من البرابرة وأنها «بغي من بنات السوق»، ويذكر «فاوزنياس» أنها قدمت من شواطئ مقدونيا، أما «أثينايوس»، فيقول: إنها «أرغوية» من أسرة من النبلاء، «أمريوس» جدها الأول. وسواء أكان القول بوضاعتها مختلقا، أو كان القول برفعتها ملقا، فإن البحث في ترجيح أحدهما إسراف لا محل له.
وفي سنة 268 قادت «بلسطيخا» في «أولمبيا» عربة سباق في شوط العربات ذوات الجوادين، وفازت بالجائزة، ولا يبعد أن تكون هي بذاتها بلسطيخا ابنة «فيلون» التي حملت سلة أرسنوية
Kanephoros
سنة 260-259، وقد كرمها بطلميوس بأن أعلن ألوهيتها؛ فأقيمت لها المحاريب، وقربت لها القرابين باسم «أفروديت بلسطيخا». •••
ربما كان بطلميوس الثاني أقل شبها بسليمان الحقيقي منه بسليمان المثالي الذي ذكر في سفر الجامعة، وهو كتاب ألفه يهودي متبرم بالدنيا في عصر لا يبعد كثيرا عن عصر بطلميوس، فقد قيل: إن بطلميوس كان ملكا «جمع الذهب والفضة وكنوز الأرض وكنوز الملوك»، تلك التي وهبته «المغنين والمغنيات والمباهج التي يسر بها أبناء البشر كالآلات الموسيقية، وكل الأشياء على اختلاف ضروبها ... والتي أدخلت الفرح على قلبه وأمتعته باللذائذ ... والتي صنعت له أعمالا عظيمة، وابتنت له القصور ... والتي أوزعت قلبه أن يبحث، وأن ينقب بالحكمة عن الأشياء التي تظلها السماء.»
كذلك روي أن بطلميوس شعر في النهاية بأن كل هذه الأشياء «باطل الأباطيل»، ولقد خبرنا أنه كان يتطلع ذات يوم من نافذة القصر، إثر أزمة نقرسية شديدة أخذته، فرأى جمهرة من الدهماء وخشاش الناس على حافة قناة يأكلون كسر الخبز التي جمعوها، ويفترشون الرمال الدافئة مضطجعين، فتأوه متبرما وفي نفسه مرارة، ونعى الدنيا إذ شق عليه أنه لم يكن أحدهم.
وقد تكون هذه القصة مكذوبة، كالكلمات التي ينسبها كاتب سفر الجامعة إلى سليمان، ولكن في كلتا القصتين يختار كاتب متخيل ملكا بين يديه ملك الأرض جميعا، ولا ينقصه من مطالب العقل أو القلب شيء؛ ليقرأ على الناس من صفحة حياته، مثلا من غرور الدنيا.
تعليقات وشروح
(1)
فيلبس أرغيدايوس أو أريدايوس (Αρριδαιοϛ)
Arrhidaes
أو (Αριδαιοϛ)
Aridaeus : أخ للإسكندر المقدوني من أبيه، وأمه راقصة اسمها «فيلنا»
من مدينة لاريسا، وكان أحمق ضعيف العقل، وشهد موت الإسكندر في بابل سنة 323ق.م فنودي به ملكا باسم «فيليبس»، وأشرك معه الإسكندر الصغير ابن ركسانا
Roxana
في الحكم، وقد قتل بأمر من أولمبياس
Olympias
أم الإسكندر. (2)
فردقاس (ΠερδίΧΧας)
: أعظم قواد الإسكندر المقدوني، وقد رافقه في كل غزواته الآسيوية، وقيل - على ما نقل المؤرخان كيرتيوس ويوستنيان: إن الملك وهو على فراش الموت خلع خاتم الملك من يده وسلمه إليه، وقد حكم إمبراطورية الإسكندر بالفعل بدعوى الوصاية عليها لضعف الملك فيلبس أرغدايوس. وتألب عليه قواد الإسكندر الذين اقتسموا الإمبراطورية من بعده، فهاجم بطلميوس الأول (سوطر) بمصر، ولكنه قتل في معسكره. (3)
أرغيدايوس (Αρριδαιος)
Arrthidaeus : أحد قواد الإسكندر المقدوني، عهد إليه بعد موت الإسكندر بالإشراف على الجنازة الملكية، وكان نصيبه من إمبراطورية الإسكندر الاستيلاء على ولاية إلسبنطس في فروغيا، وذلك في تقسيم الولايات الذي حصل في سنة 321ق.م، ولكن القائد أنطيغونس حرمه منها سنة 319ق.م. (4)
ديودورس (Διδοωρος)
Diodorus : المعروف باسم ديودورس سيقولوس الأغوريومي الصقلي، كان معاصرا ليوليوس قيصر وأوغسطوس، وألف كتابا في ثلاثين سنة أسماه المكتبة التاريخية: (Βίβλιοθηχ ιστοριχη)
The Historial Library . (5)
أيغا (Αιγαι, Αιγαιος)
Aegae
أو أيغايوس: مدينة في أخيا بها معبد مشهور اسمه معبد فوسيدون، وكانت إحدى المدن المشهورة بمقاطعة أخيا وعدتها اثنتي عشرة مدينة. (6)
فرطونيوم أو أمونيا (Παραιτονιονς; Αμμωνια)
: إحدى المواني الشهيرة على ساحل أفريقية الشمالي، وكانت تابعة سياسيا لمصر، وتقع في آخر حدود مصر الغربية، كما يقع ميناء فلوسيوم في آخر حدود مصر الشرقية، الأولى تليها الصحراء الغربية، والثانية تليها صحراء سينا، فسميتا قرنتا مصر
Cornua Aegypti . (7)
ممفيس أو منف (Μεμφις, Μενφ)
Memphis : عاصمة مصر في الجغرافية القديمة، وكانت تقع على شاطئ النيل الغربي إلى الجنوب من القاهرة، ويقال: إن الملك «منيس» هو الذي شيدها، ثم أصبحت عاصمة مصر في حكم الأسرة الرابعة عشرة. وقد خرب الهسكوس بعضها، ولكنها أصبحت في حكم الإمبراطورية الجديدة عاصمة مصر الثانية بعد طيبة. وسقطت في يد الآشوريين، ثم خربها قمبيز. وكانت ما تزال عامرة في العصر الروماني، وتم تخريبها تدريجيا في خلال العصر الإسلامي، وبمقربة منها خرائب سقارة. (8)
بطلميوس
Gr. Πτολεμαιος
ptolemaeus) . (9)
فاوزنياس (Παυσανιας)
: رحالة ومؤرخ وجغرافي، يقال: إنه من أهل لوديا، عاش في العصر الروماني وألف أشهر كتبه في عصر «مرقوس أوريليوس»؛ الإمبراطور الرواقي المعروف. (10)
السيما: مقر المدافن الملكية بمدينة الإسكندرية في عصر البطالمة. (11)
مهفي
Sir John Pentland Mehaffy (1839-1919) : أحد الثقات في التاريخ والآداب القديمة، ولد بسويسرا في 26 من فبراير سنة 1839، وتلقى العلم في خارج إنكلترا أولا، ثم في كلية التثليث بدبلن، حيث أقيم أستاذا للتاريخ القديم بها. وفي سنة 1913 أقيم وكيلا لعميد الكلية، ثم عميدا لها في سنة 1914. ولما قامت الثورة الإرلندية ليلة عيد الفصح من سنة 1916، تولى قيادة الدفاع عن الكلية ضد الثوار، فمنح لقب جنرال فخري؛ جزاء بسالته، وتلقاء الخدمات التي قامت بها الكلية في أثناء الحرب العظمى. وظل رئيسا للأقادميا الإرلندية الملكية من سنة 1911 إلى سنة 1916. وتوفي في 30 من أبريل سنة 1919. وله مؤلفات يعد بعضها من المظان الوثيقة ذات الأثر الباقي. (12)
منلاوس (Μενελαος Μενελωως, Μενελας)
Menelaus
أو منلوس أو منلاس: ابن لاغوس، أو بطلميوس (الأول) سوطر، تملك جزيرة قبرص باسم أخيه، ولكنه هزم وأخرج منها بحرب شنها عليه دمطريوس المحاصر
Demetrius
. (13)
لاغوس (Ααγος)
Lagos : مقدوني مغمور النسب، وهو والد بطلميوس الأول (سوطر) مؤسس عاهلية البطالمة بمصر. وقد تزوج من أرسنوية إحدى حظيات الملك فيلبس والد الإسكندر المقدوني، ويقال: إنها كانت حاملا عند زواجه منها؛ ولذا يعتقد المقدونيون أن بطلميوس أخ غير شقيق للإسكندر (قاله المؤرخ فاوزنياس، وأيده المؤرخ كيرتيوس). (14)
ألفنطينية (Ελεφαντινη, Ελεφαντις)
Elephantine or Ele-Phantis : جزيرة بالنيل، وكان بها مدينة بنفس الاسم، وهي المعقل الجنوبي لمصر تلقاء أثيوبيا، وقد حصنها الفرس والرومان من بعدهم. (15)
فيلوبس (ΠελΟψ)
: في الأساطير اليونانية حفيد زوس، وابن طنطالوس من ديونه، وحبيب فوسيدون وصفيه. (16)
يوستين
Justin
كما ينطق حديثا، والاسم اللاطيني يوسطينوس
Justinus : مؤرخ لا يعرف العصر الذي عاش فيه معرفة تحقيق، ويرجح البعض أنه عاش في عصر الأنطونين، وهو مؤلف كتاب ذائع الصيت في التاريخ عنوانه:
Historiarum Philippicarum Libri . (17)
أرسنوية (Αρσενοη)
Arsinoe : أم بطلميوس الأول (سوطر)، كانت حظية للملك فيلبس المقدوني والد الإسكندر الأكبر، فتزوجها «لاغوس» والد بطلميوس، وكانت حاملا حين زواجه منها، على ما يقول بعض المؤرخين. (18)
إقليومنس (Κλεομενης)
Cleomenes : رجل من أهل نقراطيس بمصر السفلى ، أقامه الإسكندر الأكبر سنة 331ق.م حاكما على الإقليم الغربي، ويقصد به الصحراء الشرقية في مصر، وكان جشعا فظلم وجمع المال، فلما قدم بطلميوس إلى مصر قتله تخلصا من نفوذه، واستولى على ما جمع من مال وحطام. (19)
قورينا (Κυρηνη)
Cyrene ، قورينايوس (Κυρηναιος)
أو: إحدى مدائن خمس شيدها الأغارقة في ولاية برقة الأفريقية، وبرقة هو الاسم الذي أطلقه العرب على ولاية رومانية في شمال أفريقية اسمها «قورنيقا»
Cyrenaica
نسبة إلى قورينا، وكان الجزء الشمالي منها يعرف عند العرب باسم بنطابلس أو إنطابلس (انظر «معجم البلدان »)
pentapolis ؛ أي المدن الخمس، فإن اللفظ
penta
اليونانية معناها خمسة و
polis
معناها مدينة، والصحيح بنطابلس كما ذكرنا. وقد وهم صاحب «معجم البلدان» في رسمها بالألف. (20)
ثبرون (Θιβρων)
Thibron . (21)
إمناسقلس (Μνησιχλης)
Mnesicles . (22)
أفلاس (Οφελλας)
Ophellas : من مقدونيا، كان أحد قواد الإسكندر الأكبر، وبعد موته خدم بطلميوس، وفتح قورينا سنة 322ق.م وحكمها باسم بطلميوس عدة سنوات. ولكنه بعد سنة 313ق.م نقض عهده مع بطلميوس واستقل بحكم المدينة قرابة خمس سنوات. ثم عاهد أغاثوكلس وزحف معه على قرطاجنة سنة 308ق.م ولكن أغاثوكلس قتله غدرا بمقربة من تلك المدينة. (23)
أولنثي نسبة إلى مدينة أولنثوس، أو أولنثيوس (Ολυνθοσ, Ολυνθιος)
Olynthus : مدينة بمقدونيا كانت في مقاطعة خلقيديقا. (24)
قليماخوس (Καλλιμαχος)
Callimachus : فيلسوف ونحوي (غراماطيقي) إسكندري وشاعر ذو شهرة وصيت، وهو من أهل قورينا
Cyrene (انظر 19)، وهو من الأسرة البطيادية المعروفة في التاريخ؛ ولذا يطلق عليه بعض الأحيان اسم بطيادس. وعاش في أثناء حكم البطلميوسين: فيلادلفوس وأورغيطس، وكان أمينا لمكتبة الإسكندرية المشهورة من حوالي سنة 260ق.م إلى موته سنة 240ق.م. (25)
أراطوثنيس (Ερατοσθενης)
Eratosthenes : القوريني (انظر 19)، ولد سنة 276ق.م تعلم أولا في مسقط رأسه، ثم في أثينا، وتلقى عن أرسطون الخيوسي الفيلسوف، وليسانياس القوريني، وقليماخوس الشاعر. وقد ترك أثينا لما استوفده بطلميوس الثالث أورغيطس، وأقامه أمينا لمكتبة الإسكندرية، ومات وله من العمر حوالي 80 عاما في سنة 196ق.م. (26)
إتريفاراديسوس
Triparadisus . (27)
هلينية
Hellenism ، الثقافة الهلينية
Hellenistic Culture ، الحضارة الهلينية
Hellenistic Civlisation : يقول شارح هذا الاصطلاح في الموسوعة البريطانية (402-11، طبعة 14): إن اصطلاح:
Hellenism
غامض الأصل، ويقال إنه مشتق من أصل يوناني معناه: «تقليد الأغارقة»، وأطلقه المؤلف الألماني «درويصن » على مظاهر الثقافة الإغريقية منذ عهد الإسكندر الأكبر حتى نهاية عصر الدول القديمة، وتشمل دلالته كل الشعوب التي تأثرت بتلك الثقافة. وذكر المعجم الإنسيكلوبيدي (ص161 : 4) أن الاصطلاح نسبة إلى «هلن» جد الأغارقة الأول. وننقل عن معجم سنشوري
Century (ص2779 : 3) العبارات الآتية:
Hellen-A Thessalian Tribe of which Hellen was the reputed chief; later (earliest record 586B.C.) a general name for all the Greeks.
An ancient Greek; properly, a Greek of pure race; traditionally, said to be so called from hellen son of Deucalion and Pyrrha, the ledgendary ancestor of the true Greeks, consisting of dorians, Æolians and Achaeans.
أما الثقافة أو الحضارة الهلينية فيقصد بها ما يلي:
منذ القرن الخامس قبل الميلاد، أخذت المدن الإغريقية تتناثر على شاطئ البحر المتوسط من حدود إسبانيا إلى مصر وبلاد القفقاس، وأخذت الثقافة الإغريقية تفشو بين شعوب غير إغريقية الأصل. ومن قبل ذلك التاريخ؛ أي منذ بداءة القرن السابع قبل الميلاد ، عندما كانت الثقافة الهلينية ما تزال في غرارتها وبدء تكونها، خدم مرتزقون من الأغارقة جيوش الشرق الأدنى، فلما استقوت الثقافة الهلينية وأينعت ثمارها، بدأت آثارها الفنية والعقلية تظهر في جو الحضارات القديمة، ولا شك في أن حضارة قديمة كحضارة مصر أو حضارة بين النهرين، كانتا لا تكترثان بالحضارة الناشئة أول الأمر، ولكن غيرهما من الحضارات، وبخاصة القبائل الهمجية، وقعت تحت سلطانها وشيكا. وكثيرا ما امتزجت قبائل همجية بشعوب هلينية، وانتحلت كل مزايا الثقافة الهلينية.
ولقد بلغت الثقافة الهيلينة أعظم مبالغها بعد غزوات الإسكندر الأكبر؛ فإنها ذاعت في مصر وبين النهرين وفارس والهند، وتركت في هذه البلاد جميعا آثارا ثابتة من مظاهر الفكر اليوناني وحقائقه. (28)
أحمس
Aahmes
أو أحمس الثاني، واسمه عند اللاطين «أمازيس»
Amasis : ملك مصري حكم من 572 إلى 528ق.م على قول العلامة بروجش ومن سنة 570 إلى 526 على قول العلامة سايس، وهو الملك الخامس من ملوك الأسرة السادسة بعد العشرين من أسر الملوك المصرية. وكانت له علاقة صداقة بالدويلات الإغريقية، وقد أرسل إليهم هدايا (سنة 548ق.م)، وأعانهم بعطايا ملكية مساعدة لهم على إعادة بناء معبد دلفي بعد أن حرق، وهيأ للأغارقة مقاما طيبا بمدينة نقراطيس في شمال الدلتا، أعانهم على الثراء بالتجارة.
أما أحمس الأول أو أمازيس الأول كما يقول اللاطين، فملك مصري هو أول ملوك الأسرة الثامنة عشرة، وقد طرد ملوك الرعاة من مصر، وعاش حوالي 1700ق.م وفي طرة والمعصرة نقشان على الحجر، نقشا تخليدا لذكرى السنة الثانية بعد العشرين من حكمه، واسم «أحمس» معناه «ابن القمر». (29)
الجزر الأيغية
Ægean Islands : هي الجزر المتناثرة في بحر أيغا (Ο Αιγαιος ΙΙοντος)
Mare Ægœum : وهذا البحر جزء من البحر المتوسط يقع بين إغريقية (بلاد اليونان) من الغرب، وتركيا الأوروبية (قديما) من الشمال، وآسيا الصغرى من الشرق، ويتصل ببحر «مرمرا»، ومن ثم بالبحر الأسود بطريق بوغاز الدردنيل. ويتناثر في هذا البحر عدد عظيم من الجزر، أهمها: أبوا، وأرخبيل قوقلادس، وأرخبيل إسفوراد وساموس وخيوس وموطلينا وساموثراقيه وثاسوس ... وغيرها. (30)
أمفيبولس (Αμφιπολις, Αμφιπολιτης)
Amphipolis : مدينة مقدونية كانت تقع على الشاطئ الأيسر من نهر إسطرومون على بعد ثلاثة أميال من مصبه في البحر. (31)
لومادون (Λαομεδων)
Laomedon : الموطليني أحد قواد الإسكندر الأكبر، وبعد موت الإسكندر سنة 323ق.م حكم سورية، وهزمه «نيقانور» قائد بطلميوس الأول (سوطر) وحرمه من حكم سورية. (32)
أورشليم
Jerusalem
أو هيروشوليما
Heirosolyma (Ιεροσολνμα: Ιεροσολυμιτης, Ιερουσαλημ) : عاصمة فلسطين. (33)
أنطيغونس (Αντιγονος)
Antigonus : ملك آسيا ويكنى «الأعور»، ووالد دمطريوس المحاصر
من زوجه «إسطراطونيقية»، وهو أحد قواد الإسكندر الأكبر، وقد اختص بعد موته بمقاطعات فروغيا الكبرى ولوقيا وفامفوليا، وقد امتدت مطامعه إلى أن يكون ملكا على آسيا جميعا، ولكن حلفا مكونا من الملوك: قصندر وسلوقوس وبطلميوس ولوسيماخوس هزمه في موقعة إبسس في فروغيا سنة 301ق.م وقتل في تلك المعركة، وله من العمر إحدى وثمانين سنة.
فروغيا (φρυγια: pl. φρυςυγες)
: مقاطعة في آسيا الصغرى كثيرا ما تغيرت حدودها بتغير الأزمان، وكانت من أهم ما أخذ القائد أنطيغونس من ميراث الإسكندر الأكبر. (34)
سلوقوس (Σελευχος)
Seleucus : الأول الملقب «نيقاطور»
Nicator
ملك سورية، ومؤسس الدولة الملكية السورية. حكم من سنة 312 إلى سنة 280ق.م أبوه أنطيوخس، وهو مقدوني من الطبقة العليا خدم فيلبس الثاني ضابطا في الجيش، وخدم ابنه سلوقوس الإسكندر الأكبر ورافقه في مغازيه الآسيوية وامتاز على الأخص في مغزاة الهند. وبعد موت الإسكندر انحاز إلى حزب فردقاس (انظر 2) ورافقه في حملته على مصر، ولكنه انقلب عليه وأخذ بضلع في عصيان الجيش الذي انتهى بمقتل فردقاس. وبعد ذلك أقيم واليا على بابلونيا، ثم استقل بها بعد موقعة إبسس. وامتدت أملاكه من آسيا الصغرى وسورية إلى ما بين النهرين، وكانت أقوى مملكة قامت على أنقاض إمبراطورية الإسكندر الأكبر. ولد في سنة 358 وتوفي سنة 280ق.م. (35)
بابلونيا (Βαβυλων, Βαβυλωνιος)
Babylon : أو بابل أو بابيلون أو بابيلونيوس؛ مدينة من أضخم وأقدم مدن العالم القديم، وعاصمة إمبراطورية من أعظم الإمبراطوريات القديمة، كانت تقوم على ضفتي نهر الفرات، ونشأتها غير معروفة تاريخيا. (36)
صولي أو صولوي (Σολοι)
Soli or Soloe : ولاية ومدينة عامرة في عهد الإسكندر الأكبر كانت تقع على شاطئ قيليقيا، وقد فرض عليها الإسكندر غرامة 300 طالنطن جزاء انحياز أهلها إلى الفرس في أول مغازيه الآسيوية (انظر 181). (37)
سلاميس أو سلامنيوس (Σαλαμις: Σαλαμινιος)
Salamis : جزيرة معروفة تقع بمقربة من شاطئ أطبقا الغربي ولا يفصلها إلا خليج ضيق . (38)
فافوس أو فافيوس (Παφος: Παφιος)
: مدينتان تقعان على شاطئ جزيرة قبرص الغربي بمقربة من بعضهما، وكانتا تسميان فافوس القديمة (Παλαιπαφος)
وفافوس الجديدة (Παφος νεα) . (39)
ختري (Χυτροι)
Chytri : مدينة في قبرص كانت تقع على طريق بين قرونيا وسلاميس. (40)
قطيوم (Κιτιον: Κιτιενς)
Citium : إحدى مدن جزيرة قبرص التسع العظيمة، ولها مرفأ حسن، وكانت تبعد 200 إستاديوما من مدينة سلاميس بمقربة من مصب نهر طيطيوم، وفيها ولد الفيلسوف «زينون» مؤسس المذهب الرواقي. (41)
فوماياطون أو فغماليون: أمير قطيوم في عهد بطلميوس الأول: (ΠοΥμαλιων)
، والظاهر أنه بالرغم من أنه فينقي، فإنه انتحل اسما إغريقيا. (42)
دمطريوس (Δημητριος)
Demetrius ، الملقب بالمحاصر (Πολιορχητης)
: ابن أنطيغونس (انظر 33) ملك آسيا، وأمه إسطراطونيقية، وقد برهن منذ نعومة أظفاره على ما ينتظره من مجد حربي تبين في شجاعته وصبره وحدة ذهنه، وقد ظل طوال عمره في حروب مستمرة، ومات وهو ملك مقدونيا، وقد خلفه على العرش ابنه أنطيغونس غوناطس. (43)
قصندر (Κασσανδρος)
Cassander
أو قصندروس: ابن أنطيفاطر. ولما كان أبوه على فراش الموت أقام «فولسفرخون»
رافدا عليه، فتحداه قصندر بعد موت أبيه، وحالف بطلميوس وأنطيغونس وحاربه. وفي سنة 318ق.م استولى قصندر على أثينا وأكثر المدن الإغريقية الواقعة جنوبي بلاد اليونان. وفي سنة 317ق.م وفد إلى مقدونيا ليقاوم نفوذ أولمبياس أم الإسكندر، فحاصرها في «فودنا» خلال شتاء تلك السنة، فلما سلمت في ربيع السنة التالية قتلها. وقد شارك بطلميوس وسلوقوس ولوسيماخوس في حربهم تلقاء أنطيغونس (انظر 33)، وبعد حروب كثيرة وتقلبات سياسية عظيمة اعتلى قصندر عرش مقدونيا ومعها بلاد اليونان، ومات سنة 297ق.م. (44)
لوسيماخوس (Λυσιμαγος)
Lysimachus : ملك تراقيا، كان مقدوني المولد، وأحد قواد الإسكندر المعروفين بالبسالة وقوة الشكيمة، ولكنه كان من أسرة دنية الأصل، فإن أباه كان فلاحا رقيقا من صقلية - على ما يقول المؤرخ أريان - وفي تقسيم الولايات بعد موت الإسكندر كان من نصيبه تراقيا وما جاورها من البلاد حتى نهر الدانوب. وفي سنة 315ق.م انضم إلى الحلف المناوئ لأنطيغونس (انظر 33) مع بطلميوس الأول ولوسيماخوس وقصندر، وفي سنة 306ق.م انتحل لقب ملك، وفي سنة301ق.م انتصر مع سلوقوس على أنطيغونس، وهزماه في موقعة فاصلة بمقربة من إبسس
Ipsus
وظل في حروب متتابعة، يدور عليه الزمن بالسعد مرة وبالنحس مرة، حتى قتل في سنة 281ق.م وله من العمر ثمانون سنة. (45)
تراقيا (Θραχη)
Thracia ، وقد تكتب في لغة الأدب الجاري
Thrace : وهي رقعة من الأرض كانت تمتد من حدود نهر الدانوب شمالا إلى بحر أيغا جنوبا مع امتداد كبير شرقا وغربا، غير أنها جزئت مرات عديدة خلال التاريخ القديم. (46)
الهلينيين
Hellenes : (انظر 27). (47)
نيقوقلس (Νιχοχλης)
Nicocles : أمير فافوس وحاكمها في العصر الذي تلا موت الإسكندر الأكبر. وكان أول الأمر ممن أخذوا بضلع مع بطلميوس الأول تجاه أنطيغونس، فلما تبين بطلميوس أنه ذو علاقة خفية مع أنطيغونس أجبره على أن يموت بذات يده، فانتحر سنة 310ق.م (انظر ديودورس: ج19، ص59 - ج20، ص21). (48)
نيقوقريون (Νιχοχρεων)
Nicocreon : ملك سلاميس في جزيرة قبرص في العصر الذي بدأ فيه الإسكندر الأكبر مغزاته في آسيا الصغرى، وبعد موت الإسكندر حالف بطلميوس الأول تجاه أنطيغونس (انظر 33)، وعهد إليه بطلميوس بقيادة كل القوات الحربية التي كانت في الجزيرة إذ ذاك، وقيل: إنه أمر بالفيلسوف أنكسارخوس أن يعلق في صخرة حتى الموت؛ انتقاما منه تلقاء ما سببه، لما أن ذهب نيقوقرويون لزيارة الإسكندر في مدينة صور. (49)
ماغرا (ταΜεγαρα)
Megara : عاصمة ماغريس، وكانت تقع على بعد ميل (8 إستاديومات) من شاطئ البحر تجاه جزيرة سلاميس، و26 ميلا من أثينا، و31 ميلا من قورنثوس. (50)
قورنثوس (Κορινθος, Κοριθιος)
Corinthus ، وسماها هوميروس أفورا (Εφυρη)
Ephyra : مدينة تقع على البرزخ المسمى بذات الاسم، وكانت أرض البرزخ تسمى «قورنثيا» (Κορινθια)
Corinthia . (51)
سقيون أو سقيونيوس (Σιχυων: Σιχυανιος)
Sicyon : عاصمة إقليم سقيونيا
Sicyonia ، وتقع على عشرين إستاديوما من البحر، وتقوم على مرتفع تسلم إليه منحدرات حادة، تزود المدينة بمنعة حربية فريدة، وكان لها مرفأ على البحر يتصل بالمدينة - على ما يقول البعض - بجدران ضخمة، وكان المرفأ لاتساعه بمثابة مدينة وحده. (52)
قوقلادس (Κυχλαδες)
Cyclades : مجموعة من الجزائر في بحر أيغا سمي «قوقلادس»؛ لأنه يكون بجزائره ما يشبه الدائرة (ενχυχλφ)
Circle
من حول دلوس، وهي أهم جزائره وإن كانت أصغرها، ويقول إسترابون المؤرخ: إن عددها كان اثني عشر، ولكن غيره يقول: إنها كانت أكثر من ذلك. (53)
أندروس (Ανδρος: Ανδριος)
Andros ، أو أندريوس: أكثر جزائر أرخبيل قوقلادس إمعانا إلى الشمال وجزيرة من أكبر جزائر ذلك الأرخبيل، وقد احتل الفرس هذه الجزيرة في غزوتهم لبلاد اليونان، ثم استعمرها أهل أثينا وانتهى بها الأمر أن تكون تابعة لمقدونيا، ثم لأطالوس الثالث ملك فرغامون، وبعد موته سنة 331ق.م انتقلت إلى حوزة الرومان. (54)
دلوس (Δηλος: Δηλιος)
Delos or Delus ، أو دليوس: أصغر جزائره أرخبيل قوقلادس، غير أنها أهمها (انظر 52). (55)
أثينا (Αθηναι: Αθηνη)
Athens; Athenӕ
أو أثيناي: في الجغرافية القديمة عاصمة أطيقا، وتقع على ثلاثة أميال من شاطئ البحر. (56)
ماغاس (Μαγας)
Magas : ملك قورينا (انظر 19)، وهو ابن زوجة بطلميوس الأول برنيقية من زوج قبله، والظاهر أنه رافق أمه إلى مصر، حيث حظي بمحبة بطلميوس وعطفه. وفي سنة 308ق.م عهد إليه بقيادة زحف لاسترداد قورينا بعد موت أفلاس (انظر 22) فنجح وحكم تلك الولاية، وكان في أول الأمر تابعا لمصر، ولكنه لم يكتف بعد موت بطلميوس الأول بإعلان استقلاله، بل أعلن الحرب على ملك مصر، وتزوج من أفاما ابنة أنطيوخس سوطر، وأعقب منها ابنة أسماها برنيقية، وقد صارت فيما بعد ملكة مصر بزواجها من بطلميوس أورغيطس. (57)
غزة (ΤαϚα)
Gaza : آخر مدينة تقع على تخوم فلسطين الجنوبية الغربية، وهي من الوجهة الحربية تعتبر مفتاح تلك البلاد من ناحية مصر، وهي تقع على قمة مرتفعة على ميلين من البحر، وكانت هذه المدينة من أقدم العصور التي ذكرها التاريخ من القلاع الحصينة، وتاريخها الحربي من أطول وأمجد التواريخ التي تفخر بها المدن قديما وحديثا . (58)
ليونتسقوس
Leontiscus : ابن بطلميوس الأول (سوطر). (59)
قبرص أو قبريوس (Κυπρος: Κυπριος)
Cyprus : جزيرة معروفة من جزر البحر المتوسط تقع جنوبي قيليقيا وغربي سورية. (60)
إفريقية (Αφριχη)
Africa : أو ليبيا (Λιβυη)
Lybia
في العصر القديم. (61)
فيلبس أرغيدايوس (انظر رقم 1). (62)
الإسكندر الصغير (Αλεξανδρος)
Alexander ، أو ألكسندروس: ويسمى إسكندر أيغوس
Aegus
ابن الإسكندر الأكبر من روكسانا، ولد بعد موت الإسكندر سنة 323ق.م، واعترف به ملكا مع فيلبس أرغيدايوس تحت وصاية فردقاس (انظر 1، 2)، ثم تحت وصاية أنطيفاطر وفولسفرخون على التوالي، ولما استولى الملك قصندر على مقدونيا سجن روكسانا والإسكندر سنة 311ق.م، وظلا في السجن إلى سنة 316 حيث قتلهما. (63)
قصندر أو قصندروس (انظر 43). (64)
سلاميس (انظر 37). (65)
الديموطيقية: ربما كان المؤرخ مهفي على حق فيما أبدى من شك في قراءة رفيو
Revillout
لتلك الأوراق البردية، ولكن المؤرخ «إدون بيفن» يعتمد عليها.
واللغة الديموطيقية هي اللغة التي كان يتكلمها الشعب، أخذا من كلمة «ديموس» اليونانية ومعناها شعب أو أمة، وقد بدأ استعمالها بمصر سنة 500 أو 600ق.م.
Demotic: Gr. (
Λημοτιχος , of or for the common people, popular, democratic; (δημοτης) = one of the common people). (the common people) Applied specifically to the alphabet used by the laity and people of Egypt after 500 or 600B.C. in contradistinction to that used by the priestly caste, which was called Hieratic, and of which it was a simplified form.
Quet: “At the time of the ptolemies three languages were were extant in Egypt; the hieroglyphic or dead Egyptian; the demotic or vernacular, the spoken language of the day written in a simpler manner by cursive signs on a modified hieroglyphic system, and standing in the same relation to it as modern English compared with the dead anglo-saxon” cooper: Monumental Hist, of Egypt. 1876 p.89. (66)
حوروس الفتى
Horus the Youthful . (67)
صاحب التاجين
Lord of Diadems . (68)
سيد العالم كله
Lord of the whole World . (69)
ملك الوجهين القبلي والبحري
King of Upper Egypt and Lower Egypt
أو مصر العليا ومصر السفلى. (70)
قرة عين آمن
Delight of the heart of Amen . (71)
المختار من الشمس
Chosen by the Sun . (72)
إبطلوميس
: بطلميوس كما كان ينطقه المصريون في عصره. (73)
عونا
Una . (74)
حورس الذهبي
Horus of Gold . (75)
فرحة قلب آمن (انظر 70). (76)
بي
. (77)
تب
Tep . (78)
رقوطيس
Rhacotis
ويدعوها العرب راقوده. (79)
مرمرتي
Mermerti (انظر 248). (80)
بطانوت
. (81)
خباش
Khabbash
فرعون من فراعين القرن الخامس، وكان زعيما وطنيا تلقاء الفرس. (82)
إجزرسيز (Σερξης)
Xerxes : ملك فارس من 485 إلى 465ق.م، ويقول هيرودوتس: إن الاسم معناه المحارب، ولكن الراجح على ما يقول الثقات: إنه نفس الكلمة الزندية إكسثرا
Ksathra
أو السنسكريتية إكشاترا
Kshatra
ومعناها ملك. (83)
نيط أو نط
Neit or Nit : آلهة مصرية عبدت في مدينة صالحجر. (84)
صالحجر (Σαις: Σαιτης)
Saïs : مدينة عظيمة من مدائن مصر القديمة تقع في الدلتا، على الضفة اليمنى من فرع كنوبس النيلي، وكانت عاصمة الأسرتين الرابعة والعشرين والسادسة والعشرين. وفي عهد الأسرة الأخيرة حوالي 666-528ق.م كانت عاصمة مصر جميعها، وكانت سهولة المواصلات إليها سببا في أن يؤمها الأغارقة فزادت ثروتها وعظم رخاؤها، فلما أسست الإسكندرية نزل شأنها وانحطت مكانتها شيئا فشيئا حتى دثرت، وكان بها معبد عظيم للآلهة نيط كان قائما وسط بحيرة اصطناعية، حيث كان يقام عيد كل سنة تشعل فيه المشاعل، ويؤمه أناس من أنحاء القطر المصري جميعه، وقد أطلق اسم المدينة على إقليم كان يسمى إقليم صان
Saïtes Normos . (85)
بوطون
Butuo
وفي اليونانية: (Βουτω, Βουτη or Βουτος; Βουτοιτης) : هي الآن بلطيم، كانت عاصمة إقليم خميطس في مصر السفلى، بمقربة من فرع النيل السبنوطي، وكانت مشهورة بآلهتها بوطون التي سميت باسمها. (86)
هرموفولس (ΕΡμοπολις, Ερμουπολις)
Hermopolis : الآن دمنهور؛ كانت عاصمة إقليم الإسكندرية، وتقع على القناة التي كانت تصل فرع كنوبس النيلي ببحيرة مريوط. (87)
ناونيبو
Naunebu . (88)
سبنوطس (Σεβεννυτος, η Σεβενντιχη πολις)
Sebennytus : مدينة عظيمة من مدائن مصر القديمة، كانت قائمة على الضفة اليسرى من فرع النيل المسمى باسمها، وكان يدعى الفرع السبنوطي في نفس الموضع الذي كان يؤلف ملتقى هذا الفرع، بفرع آخر يدعى الفرع الفطنيتي، وإلى الجنوب في بوصيرس
Busiris ، وكانت عاصمة إقليم سبنوطيس أو سبنوطيقوس. (89)
نبطاوي
Nebtaui . (90)
شعت
Sha-t . (91)
رع-هرماشيس
Ra-Harmachis . (92)
تانن
Tanen . (93)
أفطاوي
Aptaui . (94)
مدمني
Medimni : كيل خاص. (95)
رافيا أو رافيا (Ραφια, Ραφεια)
Raphia or Raphea : المعروفة الآن باسم رفح، ميناء بحري في الجنوب الغربي من فلسطين، بعد غزة من ناحية مصر، وعلى حافة الصحراء. (96)
فلوسيوم (Πηλουσιον)
: وكانت تدعى في المصرية القديمة بريمون أو بريماي
: وفي العهد القديم «سن»
Sin
وكل هذه الأسماء مشتقة من ألفاظ معناها الطين أو الطينة، وهي مدينة مشهورة من مدن مصر السفلى، كانت تقع على الضفة اليمنى من فرع النيل المسمى باسمها؛ أي الفرع الفلوسيومي، وهو أكثر فروع النيل إمعانا نحو الشرق، وعلى بعد ميلين جغرافيين من البحر، في منطقة تغشاها البطائح والمستنقعات، ومن هنا أخذ اسمها. ولما كانت هذه المدينة هي مفتاح مصر من الناحية الشمالية الشرقية بحكم أنها المدينة المتاخمة لسورية وبلاد العرب، عني ملوك مصر بتحصينها؛ ولذا كانت مشهدا لكثير من الوقائع الحربية الكبيرة والحصارات الطويلة في الحروب التي عانتها مصر مع أشوريا وفارس وسورية وروما منذ هزيمة سنخريب الآشوري بجوارها أمام جيوش «سيثون»، حتى سقوطها في يد «أوكتافيانوس» بعد موقعة أقطيوم. وصارت فيما بعد عاصمة إقليم «أوغسطامنيقا»، وهي فوق ذلك المدينة التي ولد فيها بطلميوس الجغرافي. (97)
مصب النيل الكاذب
. (98)
المصب الفطنيتي
: المعروف الآن بمصب دمياط. (99)
المصب الفلوسيومي
(انظر 96). (100)
رودس أو روديوس (Ροδος, Ροδιος)
Roudus, Rhodos, Rhodes : جزيرة معروفة وهي أكثر جزائر بحر «أيغا» إمعانا نحو الشرق. (101)
إبسس (ΙΨoς)
Ipsus : مدينة صغيرة في فروغيا الكبرى، اشتهرت في التاريخ بأنها كانت مشهدا لمواقع حاسمة، وفيها انتهى الصراع بين قواد الإسكندر في سبيل الاستحواذ على إمبراطوريته، حيث قتل أنطيغونس سنة 301ق.م (انظر 33). (102)
فورغوس (Πυρρος)
: ملك أفيروس بن آقيدس من زوجه إفثيا، ولد سنة 318ق.م ويدعي أسلافه أن نسبهم يمتد إلى فورغوس بن أخليس، وكان قد فطن أفيروس بعد حرب طروادة. (103)
أفيروس أو أفيروطيس (Ηπειρος, Ηπειρωρης)
Epirus : أي «الأرض القارة»، وهي الآن ألبانيا. (104)
إسطراطونيقية (Στρατονιχη)
Stratonice : ابنة دمطريوس المحاصر (انظر 42) من زوجه «فيلا» ابنة أنطيفاطر. وفي سنة 300ق.م، ولم تكن قد تجاوزت السابعة عشرة من عمرها، تزوجت من سلوقوس ملك سورية، وبالرغم من تباعد سنيهما عاشا متفقين، غير أنه بعد سنين قلائل عرف زوجها أن ابنه أنطيوخس يحبها حبا جنونيا، ولما علم الأب أن ابنه لا محالة تالف بهذا الحب، خلع عليه زوجة لتكون زوجا له، فأعقب منها أنطيوخس ابنا هو أنطيوخس الثاني الملقب ثيوس
Theos ، وأفاما التي تزوجها ماغاس (انظر 56) ملك قورينا، وأخرى سميت إسرطاطونيقية باسم أمها. (105)
أرسنوية (Αρσινοη)
Arsinoe : ابنة بطلميوس الأول من زوجه أرسنوية (انظر 17)، تزوجت في لوسيماخوس ملك تراقيا سنة 300ق.م، وبعد موت زوجها عاشت في مدينة قصندريا في مقدونيا، وهنالك وعدها أخوها غير الشقيق - ويلقب قارونوس
Ceraunus - أن يتزوج منها إذا هي أعطته المدينة، غير أنه غدر بها وقتل ولديها. ثم هبطت الإسكندرية وتزوجت من أخيها بطلميوس الثاني الملقب فيلادلفوس وكانت من أحكم وأدهى وأشجع بنات جنسها. (106)
لوسندرا (Λυσανδρα)
Lysandra : ابنة بطلميوس الأول (سوطر) من زوجه أورديقية ابنة أنطيفاطر، تزوجت أول الأمر من إسكندر بن قصندر، ملك مقدونيا وبعد موته تزوجت من أغاثوكلس بن لوسيماخوس، وبعد مقتله بأمر من أبيه سنة 284ق.م هربت إلى آسيا وطلبت النجدة من سلوقوس، فقاد هذا زحفه وهاجم لوسيماخوس، وهزمه ومات في الهزيمة سنة 281ق.م.
إفطولمايس (Πτολευαις)
. (107)
أنطيغونية (Αντιγονη)
Antigone : ابنة برنيقية من زوج لها قبل بطلميوس الأول. (108)
فورغوس (انظر 102). (109)
ثيوكسنا
Thoxena . (110)
أغاثوكلس (Αγαθοχλης)
Agathocles : صقلي عصامي استطاع أن يرفع نفسه من مركز دني إلى طاغية، حكم سيراقوز واستبد بصقلية وله تاريخ مجيد، مات سنة 289ق.م. (111)
أيغينا، أو أيغينطس (Αιγινα,Αιγινητης)
Aegina : جزيرة صخرية في وسط خليج سارونيقوس
Saronicus sinus . (112)
الطالنطن
Talenten : كيل توزن به الفضة والذهب، فهو من الفضة يزن 250 جنيها، ومن الذهب 10000 جنيه. (113)
سمرية (Σαμαρεια)
Samaria : مدينة مشهورة من مدن فلسطين بناها أحد ملوك بني إسرائيل في وسط سهل تحيط به جبال، وتقع في وسط فلسطين إلى الغرب من الأردن، ولها تاريخ حربي وسياسي ذو خطر في تاريخ المشرق. (114)
فيلا (φιλα)
: ابنة أنطيفاطروس رافد
1
مقدونيا (انظر 115)، تزوجت أول الأمر من «إقراطروس»، فلما مات تزوجت بعد سنة من هلكله، دمطريوس بن أنطيغونس، فلما هزم وطرد من مقدونيا سنة 287ق.م انتحرت في قصندريا. وكانت قبل ذلك قد قادت جيوش زوجها في جزيرة قبرص لما هاجمها بطلميوس الأول، ودافعت عنها دفاعا مجيدا. وقد أعقبت من دمطريوس ابنا هو أنطيغونس غوناطس، وابنة هي إسطراطونيقية (انظر 104) التي تزوج منها سلوقوس أول الأمر، ثم تزوجت من ابنه أنطيوخس. (115)
أنطيفاطروس (Αντιπατρος)
Antipater : أو أنطيفاطر للاختصار، كما قيل: سقراط وأرسطو اختصارا؛ هو قائد مقدوني كان يثق به فيلبس أبو الإسكندر ثقة كبيرة، فلما بدأ الإسكندر بعد موت أبيه وتبوئه سرير الملك مغزاته الآسيوية، أقامه رافدا في مقدونيا سنة 334ق.م، وفي زمن رفادته (انظر 114) هزم التراقيين، وأخضع ثورة الإسبرطيين إذ انتصر عليهم انتصارا حاسما في موقعة ميغافولس سنة 330ق.م، ووقع بينه وبين أولمبياس أم الإسكندر خلاف، فاستدعاه الإسكندر إلى آسيا سنة 324ق.م، وأحل محله في الرفادة «إقراطروس»
Craterus . غير أن موت الإسكندر العاجل قد حال دون تنفيذ هذا الأمر، فعاد أنطيفاطروس إلى مقدونيا، وباتحاده مع «إقراطروس» الذي اشترك معه في إدارة الحكومة، تولى زمام الحرب تلقاء الأغارقة الذين نزعوا إلى الاستقلال عن مقدونيا، وهذه الحرب تدعى الحرب «اللامياوية» نسبة إلى بلدة «لاميا»
Lamia
التي حوصر فيها «أنطيفاطر» سنة 323ق.م، ولكنه انتصر في النهاية وهزم الحلف الإغريقي في «إقرانن»
Crannon
سنة 322ق.م، وهو أبو الملك قصندر (انظر 43). (116)
ميلطوس (Μιλητος)
Miletus ، وفي اللغة الدورية (Μελατος, Μελησιος)
وعلى النقوش رسم اسمها (Μελησιος) : مدينة من أكبر مدائن آسيا الصغرى، كانت من حيث الموقع الجغرافي تابعة لمقاطعة «قاريا»، أما سياسيا فكانت من أعمال «إيونيا»، بحكم أنها أكثر المدن الاثني عشر في الحلف الإيوني إمعانا إلى الجنوب، وذكرها «هوميروس» باعتبارها من «قاريا». (117)
إفطولمايس (Πτολημαις)
: خمس مدن، الأولى: عكا، وهي مدينة قديمة كان اسمها عند العبرانيين عكو
Acco ، وهي من أشهر مدن فينيقية، تقع جنوبي «صور» وشمالي الكرمل، وقد غير اسمها في زمن البطالمة إلى إفطولمايس. والثانية: كانت بمقربة من اللاهون، وكانت مدينة صغيرة في مصر الوسطى في إقليم «أرسنويطس»
Arsinoites . والثالثة: في مصر العليا، كانت تقع على شاطئ النيل الغربي، وكانت محلة ذات خطر في العصر البطلمي، وتدعى الآن «المنشية». والرابعة: ميناء على البحر الأحمر على شاطئ «إطروغلوديطا»، نماها بطلميوس فيلادلفوس، وغير اسمها القديم، وجعلها صلة التجارة بين مصر والهند وبلاد العرب. والخامسة: مدينة على الشاطئ الشمالي الغربي من «قورنيقا »
Cyrenaica ، وهي إحدى مدن بنطابلس الخمس العظمى (انظر 19). (118)
فردقاس (انظر 1). (119)
ديودورس (انظر 4). (120)
طايناروم (Tαιναρον)
Teanarum : مدينة بمقربة من مرتفع «لاقونيقا» في «الفلوبونيسوس»، وتسمى أيضا «طايناروس»، وفي الأزمنة المتأخرة «قينافولس»
Caenpolis ، يقال: إن الذي بناها هو «طايناروس» بن «زوس». (121)
الفلوبونيسوس (Πτελοπονησος)
: وتعرف الآن بشبه جزيرة الموره
Morea
وهي الجزء الجنوبي من بلاد اليونان، وبالحرى هي شبه الجزيرة التي كان يصلها برزخ قورنثوس بأرض «هلاس» الكبرى
Hellas . (122)
أسفندوس أو أسفنديوس (Ασπενδος, Ασπενδιος)
Aspendus : مدينة بآسيا الصغرى بمقاطعة «فامفوليا». (123)
إقريطش (Κρητη, Κρηταταιος)
Crete
وفي اليونانية إقريطا أو إقريطايوس، وتدعى أيضا قنديا
Candia : جزيرة معروفة، وهي من أكبر جزائر البحر المتوسط تقع على مسافات متساوية تقريبا من أوروبا وآسيا وأفريقية، ولكنها تعتبر دائما جزءا من أوروبا. (124)
تراقيا (انظر 45). (125)
الإسبرطيون: أهل مدينة إسبرطا (Σπαρτη)
وباللغة الدورية (Σπαρτα) . (126)
البوطيون: أهل بوطيا (Βοιωτια, Βοιωτιος)
Boeotia ؛ إحدى مقاطعات إغريقية. (127)
صقليون: أهل صقلية (Σιχελια)
Sicilia . (128)
سرافيس (ΣαΡαπης)
Serapis or Sarapis ، ويقول الثقات: إن
Serapis
هو الرسم اللاطيني الصحيح الاسم، وهو إله مصري دخلت عبادته في إغريقية في زمن البطالمة، وفي رومية مع عبادة «إيزيس». (129)
فلكن
Wilchen . (130)
سرافيوم
Serapium : مقر سرافيس (انظر 128). (131)
أنوبيس (Ανουβις)
Anubis : إله مصري هو حاكم الموتى وكان يصور برأس ثعلب؛ لأن هذا الحيوان لغشيانه المقابر، كان يعتقد بأنه حاكم الموتى متجسدا، وصوره الرومان برأس كلب. وقد دخلت عبادته - مع سرافيس وإيزيس - إلى العالمين الإغريقي والروماني خلال حكم الأباطرة. (132)
أبيس (Απις)
Apis : ثور ممفيس كان يعبده المصريون، وكان يعتقد أنه الإله فتاح متجسدا، وهو إله الشمس، وأنه وأوزيريس واحد؛ ولذا كان يعتقد كتاب اليونان أنه عين أوزريس، وكان يصور في هيئة ثور استقر قرص الشمس بين قرنيه، وكان في ممفيس أكبر المعابد التي أقيمت له، ودعاه الإغريق «أبافوس»
Epaphus
واعتبره ابنا لإيزيس. (133)
أبيوم
Apieum : مقر أبيس (انظر 132). (134)
أوزيريس (Οσιρις)
Osiris : إله مصري عظيم وهو زوج إيزيس، وكانت عبادته بالاشتراك مع إيزيس أوسع العبادات انتشارا في مصر، وأكثرها احتراما؛ لأن الأسر التي حوط بها أوزيريس وزوجه إيزيس، قد تضمنت أهم الأسرار التي انطوت عليها الحكمة المصرية. (135)
توت
Thoth : إله مصري أدمجه الأغارقة في إلههم هرمس، وهو عند المصريين إله الكلام والهيروغليفية؛ أي الحروف، وتعريف الزمان، ونبع الحكمة، ويدعى أيضا تان. (136)
أرتميسيا
Artemisia : يونانية مغمورة من العائشات في مصر في زمن قبل زمن بطلميوس، قدر لاسمها أن يخلد في التاريخ مصادفة، بورقة بردية ألقتها عند قدمي الإله سرافيس تستدر فيها اللعنة على رجل كان لها منه ابنة، والورقة محفوظة الآن في خزانة الكتب الملكية بمدينة فينا. (137)
أوزرافيس
Lord (despotes) Oserapis : هكذا ورد اسمه سرافيس الإله في الورقة التي كتبتها أرتميسيا؛ لتستدر لعنة الإله على رجل كان لها منه ابنة (انظر 136). (138)
شوبرت
Schubart . (139)
لهمن هبت
Lehmann-Haupt . (140)
زوس (Zευς)
Zeus : أعظم آلهة اليونان، كان أولا إله السماء، وعبده قدماء الأغارقة على قمم الجبال، حتى لا يعوقهم عن النظر إلى السماء عائق. (141)
حادس، أو حيدس (Αιδης)
Hades ، أو إفلوطون:
إله الأرض السفلى واسم «حادس» في الإغريقية مأخوذ من لفظة معناها إله الظلام أو الإله غير المرئي؛ أي الخفي. (142)
أسقلفيوس (Ασχληιος)
Asclepuis : وقد يرسم اسمه في اللاطينية أيضا (ασχαλαβος)
Aesculapius
ومعناها حية أو عظاية. (143)
قاربروس (Κερβερος)
Cerberus : الكلب الذي يحرس مدخل حادس (الأرض السفلى، أو الأرض الظلام)، وقد ذكر الاسم في الأشعار الهوميرية الأولى، وأشير إليه فقط بكلمة «الكلب» من غير أن يذكر اسم «قاربروس». (144)
السلة
Basket (Kalathos) . (145)
طقيطوس
Tacitus : مؤرخ لم يتحقق زمان مولده ولا زمان موته، ولكن الغالب أنه عاش في عصر بلنيوس الكاتب الروماني المعروف الذي ولد سنة 61ق.م، وأبوه فورنليوس طقيطوس ترجيحا، توفي سنة 79ق.م. (146)
سينوفيون
Sinopoin . (147)
سينوفية أو سينوفوس (Σινεπη; Σινωπευς)
Sinope : أعظم المستعمرات الإغريقية في آسيا الصغرى، ويرسم اسمها أيضا كالآتي:
Sinopensis, Sinoub ، وتقع في شاطئ آسيا الصغرى الشمالي على البحر الأسود. (148)
برويكسيس (Βρυσξις)
Bryaxis : مثال أثيني عاش حوالي 350ق.م. (149)
طيموثوس (Τιμοθεος)
Timotheus . (150)
أومولفي: أسرة جدها الأول أمولفوس (Ευμολπος)
Eumolpus . (151)
مانيثون (Μανεθιος, Μανεθων)
Manetho ، أو مانيثيوس: مصري من أهل سبنوطس، وكاهن عين شمس، عاش في حكم بطلميوس الأول، وهو أول مصري وضع باليونانية مؤلفا عن ديانة قومه، وقد استمد عناصر كتابه من كتب المصريين القدماء، وبخاصة كتبهم المقدسة، وله كتاب في تاريخ المصريين. (152)
مقروبيوس
Macrobius : النحوي، اسمه الكامل:
Ambrosius Aurelius Theodosius Macrobius . (153)
السيرافيوم
Serapium . (154)
أسقلفيوس (انظر 142). (155)
حوروس (Ωρος)
Horus : إله النور المصري، انتقلت عبادته إلى إغريقيا، ثم إلى رومية وسمي هنالك «هرفوقراطس»، وهو في الميثولوجيا المصرية ابن أوزيريس وإيزيس (وفي اعتبار آخر ابن رع)، وكان دائم الحرب مع قوات الظلام، يرسل عليها التماسيح والحيات. (156)
رقوطيس (انظر 78). (157)
فارمنسقوس
: مثال إغريقي. (158)
أميانوس (Αμμιανος)
Ammianus : كاتب إغريقي ومؤرخ عاش في عصر الإمبراطور ترايانوس وهدريانوس. (159)
الكابتول
Capitol : وفي اللاطينية
Capitolium
من لفظة
Caput
أي: رأس، وهو في التاريخ الروماني القديم جزء من التل «الكابيتوليني» الذي قام من فوقه معبد «يوبيترأفطيموس». (160)
أرسنوية (انظر 105). (161)
هليكارناسس (Αλιχαρνασσος)
Halicarnassus .
Ion: Αλιχαριησσος, Αλιχαρνασσενς : مدينة مشهورة في آسيا الصغرى في الجزء الجنوبي الغربي من «قاريا»، تجاه جزيرة «قوص»، ويقال: إن أول من شيدها «دوريون» من «طروزين» نزلوا تلك البقعة وسموها «زفوريا»، وهي إحدى مدن الدوريين الست التي كانت تسمى «هكسابلس»
Hexapolis ؛ أي المدن الست، وكانت عبارة عن اتحاد دوري، ولكن هذه المدينة فصلت عن هذا الاتحاد عقابا لها تلقاء عمل كفري أتاه أحد سكانها في حق الإله «أبولون الطريوفي». (162)
البردية: قرطاس زينون البردي
Zeno Papyri . (163)
القياصرة الفلاويون
Falvion Emprors . (164)
إستاديوم
Stadium : مقياس أرضي استعمله الأغارقة. (165)
إفطولمايوم
: محراب قائم الزوايا أقامه الرودسيون ليعبد فيه بطلميوس الأول (سوطر)؛ أي المخلص. (166)
فاوزنياس (Παυσανιας)
: رحالة وجغرافي إغريقي، يرجح أنه من أهل «لوديا»، عاش في عصر أنطونينوس بيوس، ومرقوس أوريليوس (انظر 9). (167)
أرتقاما
Artacama . (168)
أفاما
Apama . (169)
إتريفاراديسوس (انظر 26). (170)
إفطولمايس (Πτολεμαις)
: ابنة بطلميوس الأول. (171)
لوسندرا (Λυσανδρα)
Lysandra : ابنة بطلميوس الأول (انظر 106). (172)
أورديقية (Ευρυδιχη)
Eurydice : ابنة أنطفاطروس، وزوجة بطلميوس الأول. وقد استولدها أربعة أبناء، أولهم : بطلميوس قارونوس، وثانيهم: ملياغار، وثالثهم لم يعرف اسمه في التاريخ. وابنتان؛ أولاهما: إفطولمايس، وقد تزوجت من دمطريوس المحاصر
Demetrius
وثانيتها: لوسندرا، التي تزوجت من أغاثوكلس بن لوسيماخوس. (173)
برنيقية (Βερενιχη)
Berenice : وهذا الرسم تحوير في الرسم المقدوني؛ إذ يكتب الاسم (φερενιχη)
أي: فرنيقية، وهي ابنة لرجل يدعى «لاجوس»، تزوجت أول الأمر من مقدوني مغمور، ثم من بطلميوس الأول، واشتهرت بجمالها وعفتها، وهي أم بطلميوس الثاني (فيلادلفوس). (174)
فورغوس (انظر 108). (175)
ثايس (Θαι)
Thias : خليعة مشهورة من خليعات أثينا، رافقت الإسكندر في مغزاته الآسيوية. ومما يؤثر عنها، وإن كانت هذه الرواية موضع شك كبير، أنها حضرت وليمة بمدينة «فرسفولس»
وبتحريضها أحرق قصر أكاسرة الفرس الذي كان بتلك المدينة. وبعد موت الإسكندر التحقت ببطلميوس الأول (سوطر)، فاستولدها «ليونتسقوس» و«لاجوس» وابنته هي «إرنية». (176)
فرسفولس (Πελοεπολις) (Περσαιπολις)
: وسميت في القرون الوسطى إصطخر، وجاء في «معجم البلدان» لياقوت الحموي الرومي أنها «بلدة بفارس، من أعيان حصون فارس ومدنها وكورها، كان أول من أنشأها إصطخر بن طهمورث ملك الفرس، وطهمورث عند الفرس بمنزلة آدم.» قال الإصطخري: أما إصطخر فمدينة وسطة سعتها مقدار ميل، وهي من أقدم مدن فارس وأشهرها، وبها مسكن ملك فارس حتى تحول أردشير إلى «جور».
وتدعى الآن «تخت جمشيد»؛ أي «عرش جمشيد»، وفرسفولس اسمها الإغريقي. (177)
ليونتسقوس
Leontiscus . (178)
أرنية (Ειρηνη)
Irene : ابنة بطلميوس الأول. (179)
لاغوس (Λαγος)
Lagus : ابن بطلميوس الأول. (180)
أونوسطس
Eunostus : ملك صولي في قبرص، تزوج من أرنية ابنة بطلميوس الأول. (181)
صولي، أو صوليوس (Σολιος)
Soli : ميناء عظيم في الجزء الغربي من جزيرة قبرص، ويذهب البعض إلى أنها كانت من مستعمرات أثينا. ويقول آخرون: إنها من مستحدثات أمير وطني أشار عليه صولون بإقامة مدينة في ذلك المكان (انظر 36). (182)
ملياغروس (Μελεαγρος)
Meleagar : أو ملياغار بن بطلميوس الأول ولا تعرف أمه من هي. (183)
أرغايوس (Αργαιος)
Argaus : ابن بطلميوس الأول، ولا تعرف أمه من هي. (184)
قراونوس، وهو بطلميوس قراونوس
keraunus : أي «الصاعقة» لقب بذلك لخشونته، كان وقتا ما ملكا لمقدونيا، وهو ابن بطلميوس الأول من زوجه أورديقية. (185)
ميلطوس (Μιλητος)
Miletus ، وباللهجة الدورية: (Μιλατιος, Μιλητος) (انظر 116). (186)
دمطريروس الفالرومي (Δημητριος)
Demetrius of Phalerum
أو ديمطريوس فالروس
Demetrius Phalreus : سمي بذلك إشارة إلى مسقط رأسه فالروس بأطيقا حيث ولد سنة 345ق.م ، وكان أبواه فقيرين، ولكنه استطاع بذكائه وصبره وقوة احتماله أن يتسنم الذروة العليا من المجد في أثينا، وامتاز بمواهبه السامية في الخطابة وسياسة الدولة والفلسفة والشعر، وقد نشأ مع الشاعر «مانندروس» (Μεναδρος)
Menander
فتعلما معا في مدرسة «ثيوفراسطس». وبعد أن حكم أثينا وقد عهد إليه بذلك الملك قصندر سنة 327ق.م فأصلح وأقام العدل حتى شيد له الأثينيون أكثر من 360 تمثالا، أسكره المجد ولعبت برأسه القوة وأعماه السلطان، فأسرف وتبذل وانغمس في الشهوات. فلما قدم ديمطريوس المحاصر نحو أثينا اضطر إلى الهرب 307ق.م، واضطر أعداؤه الأثينيون أن يصدروا عليه حكم الموت، فهبط الإسكندرية ووفد على بطلميوس الأول وعاشا معا مدة على أحسن ما يكون الصديقان. وفي هذه الأثناء، وربما كان ذلك بناء على سعي دمطريوس أن أسست مكتبة الإسكندرية، غير أن بطلميوس الثاني (فيلادلفوس) كان على عداء مع دمطريوس؛ لأنه نصح أباه أن يعدل عن توليته الملك ، وأن يعهد بذلك لأحد إخوته الذي كان أحق به منه شرعا، فنفاه إلى مصر العليا، حيث يقال: إن حية نهشته فمات. وقد كتب مؤلفات كثيرة لم يصلنا منها شيء؛ فإن الكتاب المؤلف في الخطابة بعنوان: (περι ερμηνειας)
الذي يحمل اسمه، هو في الغالب لسفسطائي إسكندري كان اسمه ديمطريوس أيضا. (187)
قراونوس (انظر 184). (188)
قليوفطرا (Κλεοπατρα)
Cleopatra : أكبر بنات «بطلميوس أولاطس»، وهي المعروفة في تاريخ البطالمة وآخر من ملك مصر منهم، ماتت سنة 30ق.م، ولها من العمر 39 سنة. (189)
بطلميوس فيلادلفوس (Πτολεμαιος φιλαδελφος)
، أو بطلميوس الثاني: ابن بطلميوس الأول (سوطر). (190)
إسطراطون (Στρατων)
Sraton or Strato : فيلسوف من المشائين علم بطلميوس الثاني (فيلادلفوس)، وكان قد خلف ثيوفراسطس في رياسة المدرسة المشائية سنة 288ق.م، وبعد أن ظل رئيسا للمدرسة ثمانية عشر عاما خلفه فيها «لوقون». وعكف على دراسة العلوم الطبيعية، فكني فوزيقوس
. وتكلم عنه «قيقرون»
Cicero
الخطيب الروماني فمدحه أبهر المدح، ولم يجد فيه من مثلب إلا ميله إلى درس الطبيعة دون مبادئ الأخلاق والآداب. والظاهر أن إسطراطون كان له مذهب في الوحدية (وحدة الوجود)، من الصعب الآن تحديد قواعده، والظاهر أنه أنكر أيضا وجود آلهة خارج حيز الطبيعة ، أو بالحرى خارج الكون المادي، وقال بأن كل جزيئة من المادة فيها قوة مرنة حية، غير أنها بغير حس أو إدراك، وأن الحياة والحس والعقل ظواهر مادية. (191)
أنطيوخس الأول (Αντιοχος)
Antiochus 1 : الملقب سوطر (أي المخلص) حكم من 280 إلى 261ق.م ملك سورية، ابن سلوقوس نيقاطور مؤسس دولة سورية السلوقية. وقد تزوج من إسطراطونيقية زوجة أبيه، وقد خلعها أبوه عليه (انظر سلوقوس 34). وخلف أباه في الحكم سنة 280ق.م وقد لقب المخلص؛ لأنه انتصر مرات عديدة على همج الغال الذين اجتاحوا الشرق في زمانه، غير أنه سقط قتيلا في موقعة معهم سنة 261ق.م. (192)
أنطيغونس غوناطس (Αντιγους Τονατας)
Antigonus Gonatas : ابن دمطريون المحاصر، نودي به ملكا على مقدونيا بعد موت أبيه في آسيا الصغرى سنة 283ق.م، ولكنه لم يتبوأ العرش قبل سنة 277ق.م، ومات سنة 239ق.م. (193)
سلوقوس (انظر 34). (194)
لوسيماخوس (انظر 44). (195)
قراونوس (انظر 184). (196)
ساموثراقية، أو ساموثراقيا (Σαμοθραχη; Σαμοθραχια)
Samothrace, Samothracia : جزيرة صغيرة تقع شمالي بحر أيغا. (197)
الغال
Gauls : أو أهل الغال؛ أمم همجية سكنت فرنسا وسويسرا وبلجيكا وأصلها آسيوي، وهم القسم الأعظم من السلالة القلطية وسكنوا غلاطيا في القرن الثالث قبل الميلاد. (198)
ملياغار (انظر 182). (199)
أنطيفاطروس (Αντιπατρος)
Antipater : من أقارب قصندر (انظر 43) تبوأ عرش مقدونيا بضعة أشهر، فلما سقط عنه لجأ إلى الإسكندرية. (200)
قصندر (انظر 43). (201)
أطسياس (Ετησιας)
Etesias : كنية أطلقت على أنطيفاطروس (انظر 199) وهي من كلمة يونانية معناها سنة
ετος
وأريد بها الدلالة على أي رياح موسمية، ولكن قصد بها تعيينا رياح تهب على بحر أيغا أربعين أو خمسا وأربعين يوما متوالية. (202)
لعبة العاشق
Knuckle-bone dice . (203)
فرغامن (ΙΙΣoyaμov)
: مدينة مشهورة من مدن آسيا الصغرى، كانت عاصمة مملكة فرغامس، وفيما بعد مستعمرة رومانيو في آسيا، وكانت تقع في إقليم جنوبي موطيا يسمى طوثرانيا، في واد من أجمل الوديان التي يقع عليها النظر في كرة الأرض. (204)
بحر أيغا
Ægaean Sea . (205)
بوسفور (Βοσπορος)
Bosphorus, Bosporus
أي: «قدم الثور»، وهو اسم أطلق على كثير من البواغيز عند اليونان، أشهرهما: بوغاز الآستانة أو القسطنطينية، والبوغاز الذي يصل بحر أزوف بالبحر الأسود. (206)
مصر المقدونية
Macedonian Egypt : إشارة إلى مصر تحت حكم البطالمة وهم مقدونيون، وقد أرادوا أن يصبغوا البلاد بصبغة مقدونية. (207)
لوسيماخوس (انظر 44). (208)
أمنتاس
Amyntas . (209)
خروسبوس (Xρυσιππος)
Chrysoppus . (210)
قفطوس (Κοπτος)
Coptos : هي الآن «قفط»؛ مدينة من مدن «الثبايس» أي مصر العليا، تقع شرقي النيل بمقربة من طيبة القديمة، وكانت في عصر البطالمة صلة التجارة مع الهند وبلاد العرب، وهدمها دوقلطيانوس الروماني، ولكنها عادت فازدهرت. (211)
سنخرود
Sennukhrud . (212)
محبة أخيها
Loving her brother : كتب هذه العبارة سنخرود المصري في أثر أقامه لأرسنوية لوسمياخوس، زوجة بطلميوس الثاني التي نفاها في مصر العليا، لما تزوج من أرسنوي أخته، وفي العبارة إشارة إلى ذلك. (213)
زوس (انظر 140). (214)
هرا (Ηρα Or ΗΡη)
Hera : ويدعوها الرومان يونو
Juno
زوجة زوس. (215)
سوتاديس (Σωtaδης)
Sotades : من أهل «مارونيا» في «تراقيا»، شب في الإسكندرية حوالي 280ق.م، وكان مبرزا في كتابة الأشعار الداعية إلى الدعارة المحركة للشهوات، ناظما إياها في اللهجة اليونية
Ionic
وكانت تدعى «الأشعار السوتاديسية» (ΣωtαδΣΙα αcμapα)
Sotadean Poems ، والظاهر أنه تطرف في نظم أشعاره هذه تطرفا جر عليه البلاء، ويقول المؤرخ فلوطرخوس: إنه نظم قصيدة من قصائده تلك في بطلميوس فيلادلفوس عندما تزوج من أخته أرسنوي، فقبض عليه الملك وأودعه السجن بضع سنين. أما المؤرخ أثينايوس فيقول: إن الشاعر هجا لوسيماخوس وبطلميوس الثاني معا، وهرب من الإسكندرية، ولكن قبض عليه فطروقلوس أمير بحرية بطلميوس في «قاونوس»، فأدخله في صندوق بطن بالرصاص، وقذف به في البحر. (216)
يوحنا المعمدان
John the Baptist . (217)
أثنايوس (Αθηναιος)
Athenæus : نحوي إغريقي من أهل العلم، ولد بمدينة نقراطيس بمصر حوالي سنة 230ق.م، وعاش أول الأمر في الإسكندرية ثم في رومية، وكتابه المعروف لنا الآن بعنوان:
Deipnosophisitæ i.e. Banquet of the (Δειπνοσοφσοται)
Learned : أي «مائدة العلماء» في خمسة عشر مجلدا، ولم يصل إلينا من هذا الكتاب غير نتف، ويظهر منها أنه كان موسوعة جمعت فأوعت من كل فروع العلم والأدب والفلسفة. (218)
فطروقلوس (Πατροχλος)
: وقد يرسم أيضا فطروقليس. (219)
قاريا (Καρια, Καρ)
Caria : مقاطعة في الجزء الجنوبي الشرقي من آسيا الصغرى. (220)
فاوزنياس (Παυσανιας)
(انظر 9). (221)
أرغايوس (Αργαιος)
Argaeus : أحد إخوة بطلميوس فيلادلفوس. (222)
الخط المسامري أو الإسفيني
Cneiform : من اللاطينية
Cuneiformis ، من كلمتين:
Cuneus
أي: إسفين أو وتد،
Forma
أي شكل أو صورة، والمقصود به على صورة الإسفين: كتابة تتكون من حروف على شكل الأوتاد أو الأسافين، استعملت فيما بين النهرين وفارس قديما. (223)
بيثوم
: إحدى مدن الخزن التي أقامها الإسرائيليون بمصر، ويقول «نافل»
Naville : إنها كانت بمقربة من «تل المسخوطة» وتبعد 12 ميلا من الإسماعيلية على قناة السويس، وفي عهد البطالمة سميت «هيرونبولس»، ثم سماها الرومانيون «إيرون»
Eron (See Cent. Cyclop, 810) . (224)
هيرونبولس، أو هيروبولس (Ηρωωυ πολις)
Heroõpolis (Heroõnpolis) or Hero : عاصمة إقليم «هيروبوليطس» أو «أرسينويطس» في مصر السفلى، وتقع على حافة الصحراء شرقي الدلتا، على الذراع الأيسر من البحر الأحمر أو بحر القلزم، فسمي بذلك عند الأغارقة خليج «هيروبوليطيقوس»
Sinus Heroõpoliticus =
Κολπoς Ηρωων, Ηρωοπολιτης (ον) ιτιχος
وموقعها في الشمال الغربي من بحيرة التمساح، ولا يبعد كثيرا عن الإسماعيلية الآن، ويلاحظ أنه في عصر «إسترابون» المؤرخ، وكان خليج السويس يمتد أربعين ميلا شمالي نهايته الآن. (225)
ثيوقريطوس (Θεοχριτος)
Theoritus : شاعر كبير من أهل «سيراقوز»، وأبوه «إفراكساغوراس»
وأمه «فيلينا»
هبط الإسكندرية في أواخر عصر بطلميوس الأول (سوطر)، وتلقى عن فليطاس وأسقلفيادس، حيث نبغ وبرز في الشعر. (226)
صالحجر (Σαις, Σαιτης)
Sais (انظر 84). (227)
فينيقية (φοινιχη)
: “Phoenicia” is only found in a doubtful
: مملكة آسيوية على شاطئ سورية، أرضها جبلية تشرف على شاطئ البحر. (228)
الفمفوليون
أهل فمفوليا أو فمفولوس أو فمفوليوس (Παμφυλια, Παμφυλος, Παμφυλιος)
: إقليم صغير يقع جنوبي آسيا الصغرى، وكانت في الزمن القديم مستطيلا ضيقا من الأرض يقع على الشاطئ الجنوبي من آسيا الصغرى. (229)
القيليقيون؛ أهل قيليقيا (Κιλιχια, Κιλιξ)
Cilicia : إقليم في الجنوب الشرقي من آسيا الصغرى إلى الشمال الغربي من كبدوكيا ولوقونيا، وإلى القرب من أفسيديا وفمفوليا. (230)
اللوقيون؛ أهل لوقيا، أو لوقيوس (Λοχια, Λυχιος)
Lycia : وهو إقليم صغير، ولكنه عظيم الخطر في التاريخ، في الجانب الجنوبي من آسيا الصغرى. (231)
القاريون؛ أهل قاريا (καρια, Καρ)
Caria (انظر 229). (232)
النقش البابلي
Babylionian Inscription . (233)
ديون (Διων)
Dio : أحد قواد بطلميوس الثاني فيلادلفوس. (234)
أشموناصر الثاني
Eshmunazar II
ويرسم أيضا
Eshmunazar ؛ ومعنى الاسم: «أشمون ناصر»؛ أي ساعد
Esmun has helped : ملك فينيقية في الجزء الثاني من القرن الرابع قبل الميلاد، وقد عثر على تابوته سنة 1855 وعليه أطول عبارة فينيقية، ووصف نفسه في تلك العبارة بأنه ملك الصيداوين -
two Sidons - وابن الملك «طبنيت»
Tabnit ، وحفيد الملك «أشموناصر» ويحتمل أن يكون قد حكم في الفترة التي انقضت بين هدم الفارسيين «صيدا» سنة 352، وسقوط العاهلية الفارسية سنة 330ق.م. (235)
فيلوقلس (φιλοχλης)
. (236)
كليرمون جانو
Clermon-Ganneau . (237)
صيدا (Σιδων, Σιδωνιος, Σιδονος)
Sidon. Gen. onis
وفي العهد القديم «زيدون»
Zidon (Σιδων, Σιδωνιος)
Zidon
Σιδονιος
وفي اللاطينية:
Sidonius : أقدم المدن الفنيقية وأعظمها خطرا وأشدها قوة، وكان تقع في سهل سعته ميل على شاطئ البحر المتوسط، على 200 إستاديوما (أي: 200 ميلا جغرافيا) شمالي «صور»
Tyre
وعلى أربعمائة إستاديوم (40 ميلا جغرافيا) جنوبي بيروت، وعلى 66 ميلا غربي دمشق. (238)
طرابلس (Τριπολης, Τριπολιτης)
Tripolis : معنى الاسم في اليونانية «المدن الثلاث»؛ أي مدن ثلاث تؤلف اتحادا سياسيا، وقد يطلق على مدينة واحدة لها علاقات بمدن أخرى تجعل إطلاق هذا الاسم عليها مناسبا، والمقصود بالاسم هنا مدينة على شاطئ فنيقية مكونة من ثلاث مدن، تبعد كل منها عن الأخرى إستاديوما واحدا (600 قدم)، وكان لكل منها أسوارها، ولكنها كانت ذات نظام سياسي واحد ومكان بعينه لاجتماع جمعيتها التشريعية، وكان لها في الزمن القديم تجارة واسعة ومرفأ حسن. (239)
قيليقيا
Cilica ، (انظر 229). (240)
فمفوليا
، (انظر 228). (241)
لوقيا
Lycia ، (انظر 230). (242)
قاريا
Caria ، (انظر 219). (243)
ساموس، أو ساميوس (Σαμος, Σαμος)
Samos or Samus : إحدى الجزائر الرئيسة في بحر أيغا، بمقربة من ساحة يونيا. (244)
ديدوما
Didyma (Branchibae)
وبرنخيدا في الجغرافيا القديمة، بلدة صغيرة في مقاطعة «سغديانا» ويقال: إن كهنة «أبولون ديدومايوس»
Apollo Didynaeus
بنوها بمقربة من «ميلطوس»، وهدمها الإسكندر المقدوني، أما هيكل أبولون ديدومايوس فأعيد بناؤه بعد ذلك ووضع تصميمه عن سعة، حتى إنه لم يكمل بناؤه بالرغم مما بذل فيه من جهد، فقد كان 168 قدما عرضا في 362 قدما طولا: أي 50,40 × 108,60 مترا، أما إطلاق اسم «برنخيدا» على مكان فأمر غير مألوف؛ فإنه اسم أسرة كهنوتية توارثت الكهانة في ذلك المعبد، وفي التقاليد المنقولة أنهم يرجعونه إلى جد اسمه: «برانخوس»
Branchus
أصله من تساليا، أو من «دلفي» وأنه كان أول من أسس كهانة في ذلك المعبد. (245)
إطانوس (Ητανος)
Itanus : بلدة على الشاطئ الشرقي من جزيرة إقريطش (كريت)، بمقربة من هضبة بذات الاسم، وقد أحدثها الفنيقيون. (246)
الحرب الخرمونيدية
Chremonidean War . (247)
ماغاس (Μαγας)
Magas : ملك قورينا، وكان أخا لبطلميوس فيلادلفوس من أمه، أنجبته من رجل آخر قبل زواجها من بطلميوس الأول. (248)
المرماريدا
Marmaridæ : أهل مارمريقا (Μαρμαριχη)
Marmarica
إقليم في شمال أفريقية يقع بين قورنيقا ومصر، واختلف قدامى الجغرافيين، فمنهم من يقول: إن هذا الإقليم من قورنيقا، ومنهم من يقول: إنه من مصر وهنالك خلافات أخرى بين الجغرافيين ليس هذا موضع ذكرها. (249)
بطلميوس أورغيطس
؛ أي بطلميوس الرحوم، ابن بطلميوس الثاني فيلادلفوس. (250)
عكا؛ عكو (في الإنكليزية)
Acre ، وفي التاريخ القديم: (Αχη, Αχχω)
Acca, Acco : عبرية فنيقية ومعناها «رملة حارة حميت من الشمس» من مادة الفعل العبري «عخخ » وهو غير مستعمل الآن، ويقابل عك بالعربية بمعنى حر، وذكرت بالهيروغليفية في نقوش ألواح «تل العمارنة» رقم 11 و65 و157 سنة 1500ق.م؛ أي قبل احتلال اليهود أرض كنعان نحو 1444ق.م (انظر القضاة: 1 : 31 ). وفي النقود الفنيقية «عكو»، وفي المخطوطات السبعينية «عكو»، وفي الكتابات الإغريقية «عكة-فليلا»، ثم «بطلميوسية» نسبة إلى بطلميوس، وقد وردت في سفر «ميكا» (1 : 10 ) بدون حرف العين سهوا فقرئت «لا تبكو بكاء» والأصح «لا تبكو بعكا» (باخو بعكو).
وقيل: إنها ترادفت مع «عمة» في يشوع، ويلاحظ أن الاسم «عكو» ينتهي بالواو، كما في أسماء مدن فلسطين القديمة كما في «يافو-يافا»، «بريجو-أريجا»، «شلومو-سليمان»، وهذا يطابق لفظ السريان في غربي الفرات بضم آخر الكلمة بالحرف «واو»، وهو الملحق «ون» أو الأصل في أسماء العلم القديمة مثل حمون، برمون، حبرون (الخليل)، شومرون (السامرة)، صيدون (صيدا)، عجلون، لبانون (لبنان)، أرثون، شارون، جبعون، سمعون (سمعان)، عقرون، ديبون، عمون ... إلخ. وهذه الأداة في آخر الكلمة أشبه ب «ان» في العربية في آخر الكلمة للفاعل كسمعان وسليمان (في كتاب خاص من دكتور هلال فارحي). (251)
ربات عمون: اسم عاصمة في بلاد عمون المعروفة الآن باسم عمان (أبو الفدا)، أصلها «ربة» وبالإضافة «ربة عمون»، صموئيل (2 : 11-1، 12-26): «فأخرجوا بني عمون وحاصروا ربة»، وحارب يوآب «ربة عمون». وأخبار (1 : 20-1): «وأخرب أرض بني عمون وأتى وحاصر ربة». وإرميا (49-3): «افرحن يا بنات ربة»، و«أليس هو في ربة بني عمون»، وبنو عمون أي: بلاد عمون، وأرض بني عمون، وهي من المدن العشر المشهورة في شرقي الأردن، وفي اليونانية فيلادلفيا، وكلمة «ربة» مؤنث «رب» بمعنى كثيرة عظيمة، كما في «ربة بنيم»: الكثيرة البنين، و«ربة عم»: الكثيرة الشعب (في كتاب خاص من دكتور هلال فارحي). (252)
عمون: كلمة عبرية الأصل مشتقة من «عم»: أي شعب أو قوم مع الملحق «ون» للنعت والصفة، بمعنى قومي، وطني، كما في قدمون: شرقي من قدم الشرق ... وهو اسم لابن لوط من ابنته الصغيرة (تكوين 19-38) والصغيرة ولدت ابنا ودعت اسمه «بن عمي» وهو أبو بني عمون إلى اليوم، وهي عمان (في كتاب خاص من دكتور هلال فارحي). (253)
طوبيا: هذا الاسم عبري الأصل مركب من كلمتين «طوب» ... «يه»، «طوب» أي: حسن أو جيد، و«يه» أي الله: أي «حسن الله» ووجد كاملا «طوبياهو»، وهذا التركيب في الأسماء أي إضافة الأشياء إلى أسماء الجلالة والآلهة - «يه، ياهو، إيل» - كثير الاستعمال في العبرية، مثل أسقيا وإرميا وحزقئيل وميخائيل وهرأيل (خيل الله) وأريئيل، وطبئيل وبرمياهو ... إلخ. ورد هذا الاسم مرارا في الكتاب لأشخاص مختلفين (نحميا 2-10، 4-1) طوبيا العبد العموني، (وعزرا 2-60)، نحو 536ق.م، ويوسف طوبيا جابي ضرائب لبطلميوس في فلسطين، وهو غير طوبيا الذي ذكرتموه قائدا في عهد بطلميوس الثاني.
وأصل مادة الفعل «طوب» واوي العين، بمعنى طاب وحسن وصار جيدا، ويقارن الفعل طاب في العربية الذي منه كلمة طيب والطيب والطابة: الخمرة، وغيرها، وكلمة طوبى أيضا في كلمة «طوبه» أي خير وجود وفضل، وتوجد أسماء مشتقة من هذا القبيل بذات المعنى: طبئيل أو طوبئيل = طوبيا، بمعنى «جاد الله» أو «جود الله»، وهو الذي كان اليهود يقصدون أن يملكوا ابنه على عرش فلسطين (أشعيا 7-6) ثم «طب رمون» أي: «جود رمونه» (رمون اسم إله سوري) أسوة ب «طبئيل»، وهو اسم أبي بنهور ملك سورية أيضا: ملوك (1 : 15-18) (في كتاب خاص من دكتور هلال فارحي). (254)
برتا ... أرامية، إني لم أقف على حقيقة معنى هذه الكلمة ولم أجدها في كل القواميس التي أمكنني أن أطلع عليها كلية، لا بمعنى قلعة ولا بمعنى آخر، إنما توجد كلمة «برتا» بفتح الراء بمعنى «ابنة» وربما يقصد بها «ابنة عمون» أي: مدينة أو بلاد عمون، أسوة بتراكيب كثيرة مثلها في العبرية، بمعنى بلاد أو مدينة في المفرد «ابنة» والجمع «بنات» مثل «ابنة صور»، «ابنة صهيون»، «ابنة ترشيش»، «ابنة مصر»، «ابنة صيدا»، «ابنة بابل»، «بنات أورشليم»، «ابنة أدوم» أشعيا (6 : 1، 23-10، 23-12، 47-1، 3-16، 17) وأرميا (46-11)، وربما هذا أفضل حل لها (في كتاب خاص من دكتور هلال فارحي).
المراجع
(1)
A History of Egypt Under the Ptolemaic Dynasty. E. Bevan . (2)
Encyclopedia Britannica 14th Edit . (3)
Alexander’s Empire (Hist. of the Nations). J. P. Mahaffy. (1900) . (4)
The Empire of the Ptolmies J. P. Mahaffy. (1895) . (5)
Classical Dictionary. Sir. Will. Smith .
اعتمدنا في الغالب على كتاب الأستاذ «بيفن»، والمراجع العربية تكاد تكون معدومة، اللهم إلا ما جاء في كتاب «أنوار توفيق الجليل في أخبار مصر وتوثيق بني إسماعيل» لرفاعة بك رافع، ولا يعتمد عليه الآن.
ناپیژندل شوی مخ