ووخزها قوله حتى خرم قلبها كالطعنة الحادة؛ أهلها يعلمون؟ ماذا يظن بها؟! واندفعت تقول: كيف يعلم أهلي! إخوتي طلبة بالجامعة، وكان أبي موظفا.
وهز رأسه متظاهرا بالتصديق، وقال لنفسه ساخرا: «لا أم غسالة إلا أمي، ولا إخوة صعاليك إلا إخوتي، الأمر لله!» وضاعف من سرعة السيارة؛ ليبلغ هدفه في أقصر وقت، ومضى، يستشعر حميا النبيذ وطاب نفسا وسألها: ما اسمك؟ - نفيسة.
ولم يعجبه الاسم فسألها: لماذا لم تنتقي اسما أرشق منه؟
ولم تفهم قصده، وأساءت فهمه فقالت باستياء: إنه يعجبني! - عاشت الأسماء يا ست نفيسة، لا مؤاخذة.
وأخيرا مالت السيارة إلى الطريق الصحراوي تغوص في ظلمة شاملة، ولاحت المدينة عن بعد في أنوارها الموصوصة كأنها مارد جبار ذو أعين نارية لا حصر لها، وأخذ يهدئ من سرعة السيارة حتى أوقفها، وأطفأ مصابيحها، وبغتة مد ذراعه حول خصرها وجذبها نحوه بعنف لم تتوقعه، فاندلقت عليه متأوهة، ففغر فاه العريض وأطبق على فمها حتى منتصف ذقنها، وضمها إلى صدره بوحشية وأنفاسه تتردد في أنفه في نخير محشرج، فشعرت بادئ الأمر بألم وقلق، ثم مضت آلامها تغيب في ظلمة باطنية غريبة، كما غاب شبحاهما في الظلمة المحيطة الشاملة، وآمنت بأنها مدينة للظلام بالشيء الكثير؛ فقد شجعها، وفي الوقت نفسه أخفى عيوبها، وبذلت قصارى جهدها - مدفوعة بحافز فطري - لإرضائه، ولعلها وجدت بادئ الأمر حياء إلى ما تجد من قلق وخوف، ولكن سرعان ما شملتها حرارة جنونية تذيب الخوف والقلق والحياء.
ثم قال لها بإغراء: ألا يحسن بنا أن ننتظر تمرة أخرى؟
فقالت بضراعة وهي تجفف العرق المتصبب من جبينها: لا أستطيع، أرجو أن نعود في الحال.
وتناول القارورة وأروى ظمأه بجرعات متتابعة، ثم انطلق بالسيارة بوجه جامد، وظل صامتا حتى بلغا ميدان المحطة، وقال بغلظة: توجد ثمرة دانية، ألا نعود؟
فقالت برجاء وجزع: كلا، كلا .. لا أستطيع.
وقطب ساخطا فجأة، وقال بفظاظة لم تتوقعها: الله يقرفك، هذه رحلة لا تستأهل البترول الذي احترق.
ناپیژندل شوی مخ