وفجر الاسم زلزالا في صدر الشاب، فدق قلبه دقة عنيفة، وذكر لتوه أن أحمد رأفت هذا على صلة وثيقة ببعض أقارب أحمد بك يسري، وبذل جهدا صادقا ليتمالك أعصابه، ثم قال باقتضاب وهو يكابد شعورا غليظا بالتشاؤم والخوف: ربما. - أتعلم أن أحمد رأفت صديق لهذه الأسرة؟ - هذا جائز، ولكن خبرني ماذا قال؟
فصمت البرديسي كالمتردد حينا ثم تمتم بصوت منخفض، والحرج باد في أساريره: فهمت من حديثه أن الأسرة لم توافق، يؤسفني أن أبلغك هذا.
وشعر بالخبر يضغطه كحمل ثقيل، فتضاءل تحته وأحس بانهيار في كرامته ورجولته. ثم فار غضبه حتى أوشك أن يستسلم لنيرانه، ولكنه ثار على الاستسلام في اللحظة الأخيرة، وأبى إلا أن يتظاهر بعدم الاكتراث، بل ندت عنه ضحكة وتساءل: أهذا ما أساءك يا صديقي؟
فقال الصديق بوجوم وقلق: هذا أمر عادي، يحدث كل يوم، ولكنه ذكر في غير لياقة الأسباب التي تبرر عدم موافقة الأسرة، ومع أنها أسباب تافهة لا يمكن أن تحط من قدر إنسان إلا أنه ساءني جدا أن يرددها في جمع حافل من السكارى.
كان يشعر دائما بأن مطرقة ثقيلة من ماضيه معلقة فوق رأسه تهدده في كل حين، وها هي قد أهوت على يافوخه، ونثرته هشيما، ليس الأمر بحاجة إلى إيضاح أو سؤال، ولكن أمن الممكن حقا أن يتجاهل كل شيء؟! ورفع بصره إلى وجه صديقه الواجم وسأله بلهجة آلية: خبرني عما قال؟
فعبس الشاب في ضيق وتبرم ثم استطرد: إنه حقيق بالإهمال، ولكن من الإنصاف أن تعلم بما يقال عنك ولست في حاجة لأن أقول لك إني غضبت لك غضبة صادقة ألجمت ألسنة الهاذين.
إذن اتخذوا منه مادة لهذيانهم! وأي مادة! كان ينبغي أن يفكر في هذا كله يوم أقدم على تلك الخطبة المشئومة! وابتسم إلى صديقه ابتسامة باهتة وقال: لا يخالجني شك في شهادتك، إني أقدر إخلاصك حق قدره، ولكن أرجو أن تعيد على مسمعي كل كلمة قيلت، كلمة كلمة.
وبدا الشاب متأففا، واكتفى بأن يقول في امتعاض شديد: قال كلاما كثيرا عن أخ لك؛ حتى قلت له محتدا إني أعرف قاطع طريق في بلدتنا أخوه وزير في القاهرة!
فامتقع وجه حسنين، وتأذى لدفاع صاحبه كأنه يسمع التهمة نفسها، بيد أنه ضحك في يأس وقال: العادة أن عين الرضا لا ترى إلا الوزير، أما عين الغضب ... ما علينا، وماذا أيضا؟
فقال الشاب في تهرب: وكلام سخيف من هذا القبيل.
ناپیژندل شوی مخ