بدا له حسين كأنه لا يعي ما يقول، أو كأنه لا يبالي السمعة الطبية التي هي أس كل أمل في الحياة، بيد أنه مهما يكن من أمره فهو ليس ذا أصدقاء كأصدقائه يشفق من أن يطلعوا على أسرار أسرته، كذلك لا تنازعه نفسه إلى المجد والطموح؛ فليس في آماله ما يخاف عليه ألسنة الناس. أجل، أخطأ تقديره ولن يجد من أخيه مشاركة وجدانية، وحنق عليه في تلك اللحظة كثيرا، واحتقر استسلامه وهدوءه. واندفع قائلا وكأنه لا يروم إلا الترويح عن حنقه: هل نعد أنفسنا شرفاء؟
فقال حسين بدهشة: ولم لا؟! - ولكنا استعنا على تقويم حياتنا بنقود ملوثة!
تطاير الشرر بغتة من عيني حسين، وحملق في وجه أخيه وهو صامت، وكأن آلامه الدفينة قد طفت على سطح قلبه، داعية معها من الأعماق أسوأ الذكريات، ثم قال بحدة: كنا في موقف دفاع عن النفس، والدفاع عن النفس يحل القتل.
وشعر حسنين بارتياح خفي لغضب أخيه، وجعل يتساءل في حيرة عما دفعه إلى مجابهته بهذا التصريح الأليم، ثم استطال الصمت حتى سئما الموضوع فخاضا في غيره، غير أنه مضى زمن غير قصير قبل أن يطيب لهما الحديث.
74
وبعد بضعة أيام عاد الشقيقان إلى القاهرة، فكان يوم في حياة الأسرة لا ينسى. وقبلت الأم حسين طويلا ثم عانقته نفيسة عناقا حارا، وأمضى الشاب ساعة طويلة من الظهر وهو يحدث عن طنطا وحياته بها، والمرأتان منصتتان، وجعلت نفسية تتفرس في شاربه وبدانته الآخذة في النمو فهالها تغيره وقالت باستنكار: فيم تبدو كالرجال وأنت طفل!
فقال حسين مبتسما: لم أعد طفلا.
وقال حسنين ضاحكا: نحن رجال وأنت أختنا «الكبرى»!
فقالت الفتاة بحدة: كنت أكبر كما فيما مضى، أما من الآن فصاعدا فأنتما تكبرانني، هل تفهمان؟!
ثم التفتت صوب أمها وساءلتها في اعتراض: هل يعجبك هذا الشارب الذي يكبر نفسه ويكبرنا معه بلا داع؟!
ناپیژندل شوی مخ