بحث في صيغة أفعل بين النحويين واللغويين واستعمالاتها في العربية
بحث في صيغة أفعل بين النحويين واللغويين واستعمالاتها في العربية
خپرندوی
مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
ژانرونه
بحث في صيغة أفعل١ بين النحويين واللغويين واستعمالاتها في اللغة ٢
لفضيلة الدكتور مصطفى أحمد النماس
المدرس بكلية اللغة العربية –جامعة الأزهر
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين خالق الألسن واللغات واضع الألفاظ للمعاني بحسب ما اقتضته حكمه البالغات وأصلي وأسلم على سيدنا محمد ﷺ الذي بعثه رحمة للعالمين واصطفاه بلسان عربي مبين، وجعل فصاحته في ربوة ذات قرار ومعين وبعد فقد جاءت صيغة أفعل في اللغة العربية متداولة في الاستعمال في أغراض شتى وأنواع متعددة فجاءت فعلا متعدد المعاني مما جعل العلماء يعنون به ويؤلفون فيه كتبا كثيرة تحمل هذا الاسم (فعلت وأفعلت) أو (فعل وأفعل) فألف فيه أبو زيد الأنصاري المتوفى سنة ٢١٦ هجري (وقيل سنة ٢١٤، ٢١٥) وأبو عبيدة المتوفى سنة ٢١١ هجري والأصمعي المتوفى سنة ٢١٥ هجري والفراء المتوفى سنة ٢٥٧ هجري وثعلب في فصيحه المتوفى سنة ٢٩١ هجري والزجاج المتوفى سنة ٣١١ هجري وأبو علي القالي المتوفى سنة ٣٥٦ هجري، (والآمدي المتوفى سنة ٣٧٠ هجري وكمال الدين بن الأنباري المتوفى سنة ٥٧٧ هجري وابن مالك المتوفى
_________
١ هذه هي الحلقة الأولى من هذا البحث. سبقتها في النشر الحلقة الثانية بعدد المجلة رقم ٤٩ للسنة ١٣ بصفحة ٢٦٦ سهوا، فرأينا نشر الحلقة الأولى في هذا العدد، وتليها إن شاء الله الحلقة الثالثة –فإلى هذا نلفت انتباه القراء الكرام. والله الموفق (تحرير المجلة) .
٢ هذا البحث يجمع ما تفرق من أحكام السماع والقياس والشذوذ والندور وما إليها من الأحكام اللغوية لهذه لصيغة.
53 / 222
سنة ٦٧٢ هجري وفي أدب الكاتب لابن قتيبة المتوفى سنة ٢٦٧ هجري فصل خاص به من شرح الجواليقي المتوفى سنة ٤٦٥ هجري وفي المخصص لابن سيدة المتوفى سنة ٤٥٨ هجري فصل خاص به، وقد عنى بصيغة أفعل في نهاية كل باب (الميداني المتوفى سنة ٥١٨ هجري في كتابه مجمع الأمثال) ومن يمعن النظر في هذه الكتب يلاحظ العناية بهذه الصيغة نظرا لما يستفاد منها من المعاني المتفرقة، ويلاحظ أنها جاءت اسما وصفة وعلما واستعملت في تراكيب شتى كالتعجب وأفعل التفضيل. وربما بعض الأفعال أدى وظيفة خاصة به كأصبح وأمسى من أخوات كان وأعلم وأرى من أخوات ظن لكنهما ينصبان مفاعيل ثلاثة وبعض الأسماء والصفات له علاقة ببعض الأبواب في النحو كباب ما لا ينصرف وباب الجموع لذا كرست جهدي في جمع حبات العقد المنفرط ليكون أمام القارئ فلا يحتاج إلى إعمال فكر وكد ذهن وقد جعلت حديثي عن هذه الصيغة من ناحية فعليتها أولا واسميتها ثانيا ذاكرا ما يتعلق بها من أحكام متفرقة من السماع والقياس والشذوذ والندور وما إليها من الأحكام اللغوية لهذه الصيغة العربية والله أسأل أن يجعل عملي خالصا لوجهه الكريم وأن يجنبني الخطأ والزلل وأن يجعل لي من الفهم عنه وعن رسوله ما أبلغ به منازل الصديقين وأحشر في زمرة العلماء العاملين إنه سميع قريب مجيب الدعوات.
ومبلغ الرجاء أن يكون هذا البحث قد حقق ما قصدت إليه من تقريب تلك الآثار العلمية لاستعمال هذه الصيغة إلى جمهرة اللغويين والمنتفعين كي يزدادوا باللغة العربية استمساكا وإعزازا حتى تكون لسانا مبينا لحضارة عصرهم كما كانت حضارة أسلافهم الزاهرة بلسان عربي مبين خاصة وأنها وعاء القرآن الكريم كلام رب العالمين.
صيغة (أفعل) بين العربية وأخواتها في السامية جاءت هذه الصيغة في اللغات السامية وقد لوحظ أن اللغات الحبشية والسريانية والنبطية والتدمرية واللهجات العربية القديمة كالصفوية واللحيانية والثمودية تعبر عن كثير من المعاني بوزن (أفعل) كاللغة العربية الحالية. وتعبر بعض اللهجات الآرامية عن هذه المعاني بوزن (هفعل) وأيضا في اللهجتين العربيتين الجاهليتين وهم الثمودية واللحيانية ونجد أن صيغة (أفعل) كانت مستعملة في اللغة السبئية وبعض اللهجات الآرامية ... وكانت اللغات الأكدية تعبر عن بعض المعاني التي
صيغة (أفعل) بين العربية وأخواتها في السامية جاءت هذه الصيغة في اللغات السامية وقد لوحظ أن اللغات الحبشية والسريانية والنبطية والتدمرية واللهجات العربية القديمة كالصفوية واللحيانية والثمودية تعبر عن كثير من المعاني بوزن (أفعل) كاللغة العربية الحالية. وتعبر بعض اللهجات الآرامية عن هذه المعاني بوزن (هفعل) وأيضا في اللهجتين العربيتين الجاهليتين وهم الثمودية واللحيانية ونجد أن صيغة (أفعل) كانت مستعملة في اللغة السبئية وبعض اللهجات الآرامية ... وكانت اللغات الأكدية تعبر عن بعض المعاني التي
53 / 223
تستفاد من (أفعل) في العربية بصيغة أخرى تقترب منها هي شفعل المستخدم في اللغة السريانية بجانب وزن (أفعل)
وكانت اللغات الحضرمية والقتبانية والأوسانية تعبر بصيغة هي (سفعل) غير أنه توجد آثار استخدام وزن (هفعل) في بعض اللهجات.
ويستدل عن وجود هذه الصيغ المختلفة في اللغات السامية على أن تلك الصيغ (أفعل- هفعل- شفعل – سفعل) كانت مستخدمة جميعا عند الجماعات السامية الأولى للدلالة على المعاني المختلفة، وأخذت بعض تلك الصيغ تضيع من الاستعمال في بعض اللهجات وتهمل لأسباب تتفق وطبيعة تلك الشعوب.
كما أخذت كل جماعة من الجماعات السامية تكتفي بصيغة واحدة من هذه الصيغ للدلالة على المعاني المختلفة التي تستفاد منها.
وقد بقيت بعض آثار الصيغ الأخرى في كثير من اللغات السامية لكي تدل على أن الصيغ المهملة كانت في القديم متداولة وشائعة بين الجماعات السامية الأولى، وتوجد في اللغة العربية آثار لبعض الأوزان الأخرى، وقد فطن النحويون واللغويون العرب لذلك، فقد جاء في كتاب المقتضب للمبرد المتوفى سنة ٢٨٥ هجري: أرقت وهرقت وإياك وهياك١.
وجاء في كتاب الأفعال لابن القوطية المتوفى سنة ٣٦٧ هجري ما يلي:
وهرقت الماء هرقا، وأهرقته ويقال إن الهاء في هرقت مبدلة من همزة فيكون حينئذ رباعيا مستقبله أربعة وقالوا أهريقه٢.
وجاء في كتاب المنصف لابن جني المتوفى سنة ٣٩٢ هجري (وقد قيل إن الهاء في هجرع وهو الطويل فالهاء زائدة كأنه من الجرع وهو المكان السهل المنقاد. وهو من معنى الطول، وكذلك هبلع وهو الأكول مأخوذ من البلع أما هركولة وهو المرأة الجسيمة فذهب الخليل فيما حكاه عنه أبو الحسن إلى أن الهاء زائدة ووزنه هفعولة أخذه من الركل وهو الرفس بالرجل كأنها لثقلها تركل في مشيتها أي ترفع رجلها وتضعها بقوة كالرفس٣.
وجاء في شرح المفصل لابن يعيش المتوفى سنة ٦٤٣هجري ما يلي:
اعلم أنهم قالوا: أهراق فمن قال هراق فالهاء عنده بدلا من همزة أراق على حد هردت أن أفعل في أردت ونظائره٤
_________
١ انظر المقتضب تحقيق العلامة الشيخ عضيمة ج ١ ص١٥٤.
٢ انظر الأفعال لابن القوطية ص ١٢.
٣ انظر المنصف ص ٢٥.
٤ شرح المفصل ج ١٠ ص ٥.
53 / 224
وجاء في شرح المفصل أيضا ما نصه:
ومن ذلك هات الشيء أي أعطينيه، وهو اسم لأعطيني وناولني ونحوهما وهو مبني لوقوعه موقع الأمر وكسر لالتقاء الساكنين (الألف والتاء) وكأنه من لفظ (هيت) ومعناه، وقال بعضهم هو من آتى يؤاتي والهاء فيه بدل من الهمزة ويعزى هذا القول إلى الخليل واستدل على ذلك بتصريفه ويلحقونه ضمير التثنية والجمع لقوة شبه الفعل به١.
وجاء في القاموس المحيط مادة (جزع) والهجزع كدرهم الجبان هفعل من الجزع كما جاء فيه أيضا في مادة هزرف ... والهزرف كزنبور وعلابط وقرطاس الظليم السريع الخفيف وهزرف أسرع.
وجاء في كتاب المزهر للسيوطي المتوفى سنة ٩١١ هجري:
وهذه أمثلة من كتاب الإبدال ليعقوب بن السكيت (المتوفى سنة ٢٤٤ هجري) فمن إبدال الهمزة هاء أيا وهيا، وإياك وهياك، وأتمأل السنام وأتمهل إذا انتصب، وأرحت دابتي وهرحتها وأبزت له٢ وهبزت له وأرقت الماء وهرقته.
وبعد هذا العرض نلاحظ أن اللغة العربية كغيرها من اللغات السامية كانت تستخدم في الزمن القديم الهمزة والهاء والسين والشين في أوائل الأفعال للدلالة على التعدية وبعض المعاني الأخرى التي سأذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وقد فضلت اللغة العربية الهمزة بعد ذلك وأهملت الحروف الأخرى لأسباب تتفق مع طبيعتها اللغوية ... ولكن بعض آثار استعمال هذه الحروف ما زال باقيا في بعض الأفعال والأسماء والصفات أو أن اللغة العربية تأثرت بأخواتها من السامية ... أما الهمزة في صيغة (أفعل) المزيدة فاستخدمت في اللغة العربية وفي لهجاتها القديمة والحديثة للدلالة على التعدية في الأكثر، وعلى التعريض للشيء وعلى الصيرورة كما دلتا على وجود الشيء على صفته، ودلت على السلبية وجاءت أخيرا متضمنة معنى فعل الخ، وجاءت بعض الأفعال رافعة للاسم ناصبة للخبر وبعضها ناصبة لمفاعيل ثلاثة الخ.
الفصل الأول: ورود (أفعل) المستعمل فعلا
الفعل في اللغة العربية باعتبار التعدي واللزوم نوعان: لازم وهو القاصر الذي لا ينصب المفعول به بنفسه مباشرة بل يتعدى إليه بوسائل معروفة في باب (التعدي واللزوم) مثل جلس وقعد الخ، النوع الثاني المتعدي وهو الذي يتعدى إلى المفعول به بدون واسطة
_________
١ شرح المفصل ج٤ ص ٣٠.
٢ أبزلفة في هبز إذا مات فجأة ولم أجد فيما بين أيدينا من كتب اللغة أبز له وهبز له وفي الأمالي أبزت له وهبزت له فهو تصحيف.
53 / 225
فتارة يتعدى إلى مفعول واحد مثل الفعل (سمع) تقول سمع محمد الخبر، الفعل (قرأ) تقول: قرأ محمد القرآن، وتارة يتعدى الفعل الثلاثي إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر كالفعل (كسا) تقول: كسوت الفقير ثيابا، والفعل (أعطى) تقول: أعطيت الفقير مالا، وقد ينصب الفعل الثلاثي مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر كأفعال القلوب والرجحان واليقين في باب (ظن وأخواتها) هذا شأن الفعل الثلاثي. وقد تدخل الهمزة على هذا الفعل الثلاثي زائدة فتغير حاله وتنقل معنى الفعل إلى مفعوله ويصير بها الفاعل مفعولا ولا تقتضي في الغالب تمهلا ولا تكرارا، فإدخال الهمزة على أول الفعل الثلاثي تكسبه معنى النقل والتعدية وهذا هو المعنى الغالب لاستعمال صيغة (أفعل) .
معنى التعدية وأثرها ومما يجدر ملاحظته أن التعدية في اللغة العربية نوعان: تعدية عامة وهي التي نشاهدها في الأفعال المتعدية بطبيعتها ولا تحتاج إلى واسطة تتعدى بها كالأفعال كسا، وأعطى، وقرأ، وأكل، وما شاكلها فالتعدية في هذه الأفعال تعدية عامة. النوع الثاني من التعدية تعدية خاصة وهي التي نشاهدها في الأفعال التي تتعدى بالهمزة كثيرا ويجوز أن تتعدى بالباء فإدخال الهمزة على أول الفعل الثلاثي وهي همزة تنقل معنى الفعل إلى مفعوله ويصير الفاعل مفعولا فما كان فاعلا للفعل اللازم يصير مفعولا لمعنى الجعل وهو في الوقت نفسه فاعل لأصل الحدث على ما كان عليه فهو وإن كان مفعولا للجعل فاعل من ناحية المعنى قال الشاعر وهو أعشى باهلة: فإن جزعنا فإن الشر أجزعنا ... وإن صبرنا فإنا معشر صبر فالفعل جزع لا يتعدى ولكنه بالهمزة التي للنقل صار متعديا إلى مفعول به من أثر الهمزة التي للنقل وهو الفاعل للذهاب من ناحية المعنى ... وتقول: لبس محمد الثياب وألبست محمدا الثياب فقد أثرت الهمزة في الفعل المتعدي إلى مفعول واحد وجعلته متعديا إلى مفعولين أولهما مفعول الجعل، والثاني مفعول لأصل الفعل، ولكن الأول في رتبة مقدمة على الثاني لأن مرتبة المجعول مقدمة على مرتبة أصل الفعل قال سيبويه في الكتاب١: "هذا باب فعلت وأفعلت في الفعل للمعنى يقول: دخل وخرج وجلس فإذا أخبرت أن غيره صيره إلى _________ ١ انظر سيبويه ج ٢ ص ٢٣٣.
معنى التعدية وأثرها ومما يجدر ملاحظته أن التعدية في اللغة العربية نوعان: تعدية عامة وهي التي نشاهدها في الأفعال المتعدية بطبيعتها ولا تحتاج إلى واسطة تتعدى بها كالأفعال كسا، وأعطى، وقرأ، وأكل، وما شاكلها فالتعدية في هذه الأفعال تعدية عامة. النوع الثاني من التعدية تعدية خاصة وهي التي نشاهدها في الأفعال التي تتعدى بالهمزة كثيرا ويجوز أن تتعدى بالباء فإدخال الهمزة على أول الفعل الثلاثي وهي همزة تنقل معنى الفعل إلى مفعوله ويصير الفاعل مفعولا فما كان فاعلا للفعل اللازم يصير مفعولا لمعنى الجعل وهو في الوقت نفسه فاعل لأصل الحدث على ما كان عليه فهو وإن كان مفعولا للجعل فاعل من ناحية المعنى قال الشاعر وهو أعشى باهلة: فإن جزعنا فإن الشر أجزعنا ... وإن صبرنا فإنا معشر صبر فالفعل جزع لا يتعدى ولكنه بالهمزة التي للنقل صار متعديا إلى مفعول به من أثر الهمزة التي للنقل وهو الفاعل للذهاب من ناحية المعنى ... وتقول: لبس محمد الثياب وألبست محمدا الثياب فقد أثرت الهمزة في الفعل المتعدي إلى مفعول واحد وجعلته متعديا إلى مفعولين أولهما مفعول الجعل، والثاني مفعول لأصل الفعل، ولكن الأول في رتبة مقدمة على الثاني لأن مرتبة المجعول مقدمة على مرتبة أصل الفعل قال سيبويه في الكتاب١: "هذا باب فعلت وأفعلت في الفعل للمعنى يقول: دخل وخرج وجلس فإذا أخبرت أن غيره صيره إلى _________ ١ انظر سيبويه ج ٢ ص ٢٣٣.
53 / 226
شيء من هذا قلت: أخرجه، وأدخله، وأجلسه وتقول: فزع وأفزعته، وخاف وأخفته، وجال وأجلته، وجاء وأجأته، فأكثر ما يكون على فعل (بتثليث العين) إذا أردت أن غيره أدخله في ذلك يبني الفعل منه على أفعلت ومن ذلك أيضا مكث (بضم العين) وأمكثته، وقد يجيء الشيء على فعلت (بتشديد العين) فيشرك أفعلت وذلك قولك فرح وفرحته وإن شئت قلت: أفرحته" انتهى كلام سيبويه.
وقال الرضى في شرح الشافية١: "فاعلم أن المعنى الغالب في أفعل للتعدية تعدية ما كان ثلاثيا وهي أن يجعل ما كان فاعلا للازم مفعول لمعنى الجعل فاعلا لأصل الحدث على ما كان، فمعنى (أذهبت زيدا) جعلت زيدا ذاهبا فزيد مفعول لمعنى الجعل الذي استفيد من الهمزة، فاعل للذهاب كما كان في (ذهب زيد) فإن كان الفعل الثلاثي غير متعد صار بالهمزة متعديا إلى واحد هو مفعول لمعنى الهمزة (أي الجعل والتصيير) كأذهبته ومنه أعظمته أي جعلته عظيما باعتقادي بمعنى استعظمته، وإن كان متعديا إلى واحد صار بالهمزة متعديا إلى اثنين أولهما مفعول الجعل، والثاني لأصل الفعل نحو أحفرت زيدا النهر أي جعلته حافرا له فالأول مجعول والثاني محفور ومرتبة المجعول ومرتبة مقدمة على مرتبة مفعول أصل الفعل لأن فيه معنى الفاعلية وإن كان الثلاثي متعديا إلى اثنين صار بالهمزة متعديا إلى ثلاثة أولهما للجعل والثاني والثالث لأصل الفعل وهو فعلان فقط: أعلم وأرى. وقد يجيء الثلاثي٢ متعديا ولازما في معنى واحد نحو فتن الرجل أي صار مفتتنا وفتنته أي أدخلت فيه الفتنة. وحزن وحزنته أي أدخلت فيه الحزن ثم تقول: أفتنته وأحزنته فيهما لنقل فتن، وحزن اللازمين لا المتعديين فأصل معنى أحزنته جعلته حزينا كأذهبته وأخرجته وأصل معنى حزنته جعلت فيه الحزن وأدخلته فيه، ككحلته ودهنته أي جعلت فيه كحلا ودهنا، والمغزى من أحزنته وحزنته شيء واحد، لأن من أدخلت فيه الحزن فقد جعلته حزينا إلا أن الأول يفيد هذا المعنى على سبيل النقل والتصيير لمعنى فعل آخر وهو (حزن) دون الثاني.
وقولهم: لأسرع وأبطأ في سرع وبطؤ ليس الهمزة فيهما للنقل بل الثلاثي والمزيد فيه معا غير متعديين، لكن الفرق بينهما أن سرع وبطأ أبلغ لأنهما كأنهما غريزة كصغر وكبر،" انتهى كلام الرضى على الشافية.
وقال ابن هشام في المغني: "مبحث الأمور التي يتعدى بها الفعل القاصر: وهي سبعة أحدها همزة (أفعل) نحو أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا، ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين، ﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا﴾ وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا﴾، وقد ينقل المتعدي
_________
١ انظر الشافية ج ١ ص ٨٦.
٢ انظر سيبويه ج ٢ ص ٢٣٤ والشافية ج ١ ص ٨٧، والأشموني ج ٢ ص ١٢٥ تحقيق محي الدين.
53 / 227
إلى واحد بالهمزة إلى التعدي إلى اثنين نحو: ألبست زيدا أثوابا ولم ينقل متعد إلى اثنين بالهمزة إلى التعدي إلى الثلاثة إلا في رأي وعلم وقاسه الأخفش في أخواتهما الثلاثة القلبية نحو ظن وحسب وزعم وقيل النقل بالهمزة كله سماعي وقيل قياسي في القاصر والمتعدي إلى واحد والحق أنه قياسي لأن القاصر سماعي في غيره وهو ظاهر مذهب سيبويه" فابن هشام يرى فيه ثلاثة أقوال: قول يقول إنه التعدية بالهمزة سماعي مطلقا أي في المتعدي إلى واحد وإلى اثنين وفي القاصر.
والقول الثاني يقول بقياسية التعدي بالهمزة في القاصر وفي المتعدي لواحد فقط، والقول الثالث يقول إن التعدية بالهمزة قياسي في القاصر فقط سماعي في غيره سواء كان متعديا إلى واحد أو إلى اثنين فيسوغ لك أن تبني على أفعلته للتعدية من الفعل القاصر من غير أن ينكر عليك أحد ذلك وإن لم تكن سمعت تعديته بالهمزة عن العرب وقال سيبويه١ في مباحث (فعّلت) بالتضعيف: "هذا باب دخول فعّلت بتضعيف العين على فعلت لا يشاركه في ذلك (أفعلت) تقول كسرتها وقطعتها فإذا أردت كثرة العمل قلت: كسّرته وقطّعته ومزّقته ومما يدلك على ذلك قولهم: علطت البعير وإبل معاطة وبعير معلوط وجرحته وجرّحته (بتضعيف العين) أكثرت الجراحات في جسده.
ومن شواهد القرآن لأفعل التي للتعدية قوله تعالى: ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ﴾ وقوله تعالى: ﴿قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا﴾ وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا﴾ ٢.
وقوله تعالى: ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا﴾ الهمزة للتعدية والمعنى حملهما على أن زلا وهذا قول أبي حيان في البحر المحيط٣.
وقوله تعالى: ﴿وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْن﴾ الهمزة للتعدية٤ ويعدى بالتضعيف أيضا وقوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنّ﴾ قال أبو حيان: الإتمام الإكمال والهمزة فيه للنقل٥ وقوله تعالى: ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ قال أبو حيان: في أعجز للتعدية كما قال ولن نعجزه هربا لكنه كثر فيه حذف المفعول (البحر ج٥ ص١٦٩) .
وقد يجيء الثلاثي والمزيد فيه بالهمزة لازمين نحو أسرع وسرع وأبطأ وبطؤ والفرق بينهما أن سرع وبطؤ أبلغ كأنهما عريزة كصغر وكبر وجعل منه أبو حيان قوله تعالى: ﴿فَإِذَا
_________
١ انظر سيبويه ج ٢ ص ٢٣٧.
٢ انظر المغني لابن هشام ص ١٥٠ ج ٢ مبحث الأمور التي يصير اللازم بها متعديا.
٣ انظر البحر المحيط ج ١ ص ١٦٠.
٤ البحر المحيط ج ١ ص ١٩٨.
٥ انظر البحر المحيط ج ١ ص ٣٧٢.
53 / 228
أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ﴾ فالفعل فاض وأفاض بمعنى واحد (وانظر البحر المحيط ج٢ ص٨٣)
همزة أفعل قد تكون للتعدية فقط ولا تفيد غيره: وقد صرح المالقي والمتوفى سنة ٧٠٢ هجري١ في كتابه رصف المباني بما يبين أن صيغة (أفعل) تستعمل أحيانا للتعدية فقط على وجه خاص قال الموضع الثامن أن تكون التعدية خاصة إذا كان الفعل ثلاثيا لا يتعدى لو نطق به فتقدر أن الهمزة فيه زائدة كقولك: (ألقيت ما في يدي) وقال تعالى: ﴿وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِك﴾ ٢.
وقال الشاعر: ٣
فألقت عصاها واستقر بها النوى ... (كما قرّ عينا بالإياب المسافر)
كان الأصل في هذا الفعل أن يقال فيه: (لقيت ما في يميني) إلا أنه لم ينطق به إلا بالهمزة، وحكمنا أن الهمزة زائدة لأنه من اللقاء فالأصل اللام والقاف والياء فعلمنا بذلك أنه لا معنى لدخول الهمزة وزيادتها إلا تعدية الفعل الثلاثي الذي لم يستعمل النطق به وحده للمفعول، وهذه الهمزة تعدي ما لا يتعدى إلى واحد نحو ما ذكر وما يتعدى إلى واحد إلى اثنين نحو: ألفيت زيدا قائما ومنه (قوله):
فألفيته غير مستعتب ... ولا ذاكر الله إلا قليلا٤
وما يتعدى إلى اثنين إلى ثلاثة كقولك أعلمت زيدا عمرا قائما ومنه:
أنبئت عمرا غير شاكر نعمتي ... (والكفر مخبثة لنفس المنعم)
ثم انتقل إلى همزة (أفعل) التي لم تستعمل إلا لنقل الفعل من مادة الثلاثية إلى مادة الرباعية خاصة قال:
الموضوع التاسع: أن تكون للنقل خاصة ومعنى ذلك أنها تنقل الفعل من الثلاثي إلى الرباعي فإن كان متعديا في أصله بقى كذلك بعد النقل فالهمزة لا تفيد فيه شيئا سوى النقل خاصة، وقد ينطق بثلاثية وقد لا ينطق نحو: أشكل الأمر فهذا لا ينطق بثلاثية، في
_________
١ انظر رصف المباني في شرح حروف المعاني للمالقي ص ٤٨، ٤٩، ٥٠ وتحقيق الخراط.
٢ سورة طه ٦٩.
٣ قال في اللسان: مادة (عصا) نسب إلى معقر بن حمار أو عبد ربه السلمي أو سليم بن ثمامة وجاء في القرطبي ص ٤٧٤.
٤ البيت لأبي الأسود الدؤلي وهو في ديوانه /١٢٣، والكتاب ج ١ ص ١٦٩ وثعلب /١٢٣ واللسان (عتب) الإنصاف ص ١٥٩ وابن يعيش ج ٩ ص ٢٥٤.
٥ البيت لعنترة وهو في ديوانه ص ٢١٤ وفي حماسة البحتري /١١٠، انظر المرجع السابق ص ٥٠.
53 / 229
القاموس وأشكل الأمر التبس وشكَل وإن كان الأصل من حيث أن حروفه أصول ووزن أشكل (أفعل) فالهمزة زائدة لمجرد النقل وتقول لاح البرق، وألاح فهذا ينطق بثلاثية قبل الهمزة وهو غير متعد، وتدخل الهمزة عليه فيبقى كذلك فيعلم أن الهمزة لا معنى لها فيه إلا مجرد النقل خاصة.
وسواء كان الفعل غير متعد كما ذكر أو متعديا كقوله: وقفت الدابة وأوقفتها ومهرت المرأة وأمهرتها، وسقيته وأسقيته فهذا يستعمل بغير الهمزة متعديا وبالهمزة كذلك فعلم أن الهمزة ليس لها معنى إلا مجرد النقل خاصة قال الله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ .
وقال الشاعر: ١
سريت بهم حتى يكل مطيهم ... وحتى الجياد ما يقدن بأرسان
وقال آخر:٢
سقى قومي بني بكر وأسقى ... نُميرا والقبائل من هلال
ثم ذكر بعد ذلك أن الهمزة في صيغة (أفعل) تفيد التعدية والنقل معا قال:٣
الموضع التاسع: أن تكون للتعدية والنقل معا وذلك أكثر من أن يحصى وذلك إذا كان الفعل في أصله ثلاثيا لا يتعدى فيصير بالهمزة رباعيا يتعدى ويكون متعديا إلى واحد فيصير إلى اثنين، ويكون إلى اثنين فيصير إلى ثلاثة وذلك نحو قام زيد، وأقمت زيدا وكرم زيد، وأكرمته وعطى زيد الكأس، وأعطيتها عمرا، وعلمت زيدا منطلقا، وأعلمت عمرا زيدا منطلقا قال الله تعالى: ﴿وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ والأصل: ترفوا، وقال تعالى: ﴿فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا﴾ والأصل تبع بعضهم بعضا وعليه ﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ﴾ وقال الشاعر:٤
فأتبعتهم طرفي وقد حال دونهم ... غوارِب رمل ذي ألاءٍ وشِبرق
_________
١ البيت لامرئ القيس ديوانه ص ٩٣، الكتاب ص ٤٨٩ ومعاني القرآن ج ١ ص ١٣٣ واللسان (مطا) وابن يعيش ج ٥ ص ٧٩ والمغني والأشموني وشواهد المغني ص ٣٧٤.
٢ البيت للبيد ديوانه ص ٩٣، ونوادر أبي زيد ص ٢١٣، واللسان (مجد) والخصائص ج ١ ص ٣٧٠ باب في لفصيح يجتمع في كلامه لفتان فصاعدا.
٣ انظر المرجع السابق ص ١٥١.
٤ البيت لامرئ القيس ديوانه ص ١٦٩، وطرفي عيني، غوارب الرمل: أوائله، الالأ: الشجر وكذلك الشبرق.
53 / 230
وقال آخر:١
فأتبعتهم فيلقا كالسرا ... ب جاءوا تُتْبِع شُخْبا ثَعْولا
فجمع بينهما.
واعلم أن هذه الهمزة تقوم مقام الباء في التعدية ولا تجمع معها ويجري مجراها التضعيف الخ ... قال أحمد فارس في الجاسوس على القاموس نجز حاجته بالفتح ينجزها بالضم نجزا قضاها يقال أنجز حر ما وعد، ونجز الوعد فيكون نجز لازما ومتعديا وقد استطردته هنا لبيان أن العرب تعدي بالهمزة ما يتعدى بنفسه كما تقدم ومثل فاظ فإنه لازم ومتعد ثم تقول أفاظه، ومثله نشر الموتى نشورا حيوا ونشرهم الله يتعدى ولا يتعدى ثم يعدى بالهمزة أيضا فيقال أنشرهم الله، ومثله حسر البعير أي أعيا وحسرته أنا وأحسرته، وساغ الشراب وأسغته وهدر الدم وهدرته وأهدرته.
٢_ المعنى الثاني من معاني (أفعل) الصيرورة أي تكون لصيرورة ما هو فاعل (أفعل) صاحب شيء وهو على وجهين: إما أن يصير صاحب ما اشتق منه نحو ألحم فلان أي صار ذا لحم وأطفلت المرأة أي صارت ذا طفل، وأعسر وأيسر وأقل أي صار ذا عسر ويسر وقلة، وأغد البعير أي صار ذا غدة٢ وأراب أي صار ذا ريبة، وكأن (أفعل) هنا تفيد النسب بمعنى ذي كذا قال ابن قتيبة: وأجرب الرجل وانحز وأحال صار صاحب جرب ونحار وحيال في ماله، وإما أن يصير صاحب شيء هو صاحب ما اشتق منه نحو: أجرب الرجل أي صار ذا إبل ذات جرب، وأقطف صار صاحب خيل تقطف (أي أساءت السير وأبطأت) وأخبث أي صار ذا أصحاب خبثاء٣.
ومن القسم الأول أحصد الزرع أي صار ذا حصاد وبعضهم جعل هذا قسما آخر فقال يجئ (أفعل) بمعنى حان وقت يستحق فيه فاعل (أفعل) أن يوقع عليه أصل الفعل مثل أحصد الزرع، وأجدّ النخل أي حان له أي يجد (أي يقطع ثمره)، وأقطع النخل (حان قطاعه) ٤.
_________
١ لبيت لزهير ديوانه ص ٢٠١، والفيلق: الكتيبة وشبهها بالشراب اللون الجديد: جأواء علاها لون الصدأ والحديد شخب خروج اللبن من ضرع الناقة.
٢ الغدة عقدة بها شحم.
٣ انظر سيبويه ج ٢ ص ٢٣٥، والشافية ج ١ ص ٨٨.
٤ انظر سيبويه ج ٢ ص ٢٣٦، والشافية ج ١ ص ٨٩، وأدب الكاتب لابن قتيبة ص ٤٧٥ قال: أركب المهر حان أن يركب، وأحصد الزرع حان أن يحصد، وأقطف الكرم حان أن يقطف وكذلك يقال أقطف القوم حان أن يقطفوا كرومهم، وأجزوا وأوجدوا وأغلوا كذلك وانتجت النخيل حان نتاجها.
53 / 231
ومن هذا النوع أي صيرورته كذا، دخول الفاعل في الوقت المشتق منه (أفعل) أصبح (وأمسى) وأفجر، وأشهر، أي دخل في الصباح والمساء والفجر والشهر وكذلك أضحى أي دخل في الضحى.
ملحوظة: الأفعال: أمسى، أصبح، أضحى قد تستعمل ناقصة أي تدل على حدث ناقص (معنى مجرد ناقص) لأن إسناده إلى مرفوعة لا يفيد الفائدة الأساسية المطلوبة من الجملة الفعلية إلا بعد مجيء الاسم المنصوب، فالاسم المطلوب المنصوب (الخبر) هو الذي يتمم المعنى الأساسي المراد، ويحقق الفائدة الأصلية للجملة وهذا يخالف الأفعال التامة فإن المعنى الأساسي يتم بمرفوعها الفاعل أو نائب الفاعل فالفعل (أصبح) مع اسمه يدل على مجرد دخوله في وقت الصباح وليس هذا هو المقصود من الناقصة فإذا جاء الخبر كان كفيلا بتحقيق المراد ...
وليس السبب في تسميتها ناقصة أنها تتجرد للزمان وحده ولا تدل معه على حدث (معنى) كما يقول بعض النحاة وقد أشار إلى ذلك بإيجاز طيب ومنطق مقبول سليم الأمير على المغني في الباب الثالث١ ...
فإذا استعملنا الأفعال الأخيرة بمعنى النقصان فلها أحكام تخصها في باب كان وأخواتها فهي تفيد مع معمولها اتصاف اسمها بمعنى خبرها اتصافا يتحقق مساء في أمسى ويتحقق صباحا في أصبح ويتحقق وفي وقت الضحى من أضحى.
هذا وقد وردت أصبح وأمسى زائدتين في كلام عربي قديم نصه:
(الدنيا ما أصبح أبردها، وما أمسى أدفأها) وهذا لا يقاس عليه.
وقد جاء أفعل بمعنى الدخول في القرآن الكريم ومن شواهد ذلك قوله تعالى: ﴿فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ﴾ أي داخلين في وقت الشروق فهي كأصبح إذا دخل في وقت الصباح، وقال أبو عبيدة المتوفى سنة ٢١١ هجري فأتبعوهم نحو الشرق فهو كأنجد إذا قصد نجدا٢.
ومن قوله تعالى: ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ﴾ الهمزة في أصعد للدخول أي دخلتم في الصعيد وذهبتم فيه كما تقول أصبح زيد إذا دخل في الصباح فالمعنى إذ تذهبون في الأرض٣.
_________
١ انظر المغني ج ٢ الباب الثالث عند الكلام على تعلق الظرف والجار والمجرور بالفعل الناقص.
٢ انظر البحر المحيط ج ٣ ص ٨٣.
٣ انظر البحر المحيط ج ٣ ص ٨٣.
53 / 232
ومنه قوله تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ﴾ أي داخلون في الظلام كما تقول أعتمنا وأسحرنا أي دخلنا في العتمة والسحر١.
ومنه قوله تعالى: ﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ﴾ أي آت بما يلام عليه يقال ألام فلان إذا فعل ما يلام عليه وفي البيضاوي وهو مليم أي داخل في الملامة يعني بناء أفعل للدخول في الشيء نحو أحرم إذا دخل في الحرم٢.
ومنه قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا﴾ من أعصرت أي دخلت في حين العصر فحان لها أن تعصر٣.
المعنى الثالث (لأفعل) التعريض فتفيد الهمزة أنك جعلت ما كان مفعولا معرضا لأن يقع عليه الحدث سواء صار مفعولا له أم لا.
تقول: أقتلته أي عرضته لأن يكون مقتولا ... قتل أو لا، وأبعت الفرس أي عرضته للبيع وأسقيته أي جعلت له ماء وسقيا شرب أم لم يشرب وأقبرته أي جعلت له قبرا، قبر أو لا وقبرته ودفنته، وأشفيته عرضته للشفاء٤ وفي كتاب فعلت وأفعلت للزجاج وقال النحويون أبعته عرضته للبيع وأنشدوا.
ورضيت ألاء الكميت فمن يُبِع ... فرسا فليس جوادنا بُمباع
قالوا معناه يعرض للبيع ومعنى ألاء الكميت نعم الكميت جعل نجاءه به من المهالك نعما٥.
المعنى الرابع (لأفعل) السلب أي أنك تسلب عن مفعوله ما اشتق منه نحو أشكيته أي أزلت شكواه وأعجمت الكتاب أي أزلت عجمه وقد يكون لسلب الفعل عن الفاعل إذا كان لازما كقولهم: أقسط أي أزال عنه القسط وهو الجور ويحتمل هذا المعنى قوله تعالى: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ مضارع أخفى بمعنى ستر والهمزة للإزالة أي أزلت الخفاء وهو الظهور٦ وإذا أزلت الظهور صار للستر كقوله أعجمت الكتاب أزلت عنه العجمة بوضع النقط
_________
١ انظر البحر ج ٧ ص ٣٣٥.
٢ انظر حاشية الجمل ج ٣ ص ٥٤٨.
٣ انظر البحر ج ٨ ص ٤١١.
٤ انظر سيبويه ج ٢ ص ٢٣٥، والشافية ج ١ ص ٨٨.
٥ انظر شرح أدب الكاتب للجواليقي ص ٣١٣، وأدب الكاتب لابن قتيبة ص ٤٧٢.
٦ الخفاء من الأضداد يقال خفيت الشيء، إذا أظهرته.
53 / 233
والحركات وقال أبو علي هذا باب السلب ومعناه أزيل عنها خفاءها وهو سترها١ قال أحمد تيمور في رسالة السماع والقياس أفعل الذي همزته للسلب مثل شكى فأشكيته أي أزلت شكواه وجاء بعكسه، أحمأت البئر. في القاموس أحمأت البئر ألقيت فيها الحماة (الطين الأسود) وحمأتها كمنعتها نزعت حمأتها٢.
المعنى الخامس (لأفعل) أنه يأتي لوجود مفعوله على صفة وهي كونه فاعلا لأصل الفعل نحو أكرمت فاربط أي وجدت فرسا كريما وأسمنت أي وجدت سمينا وأبخلته أي وجدته بخيلا، أو كونه مفعولا لأصل الفعل نحو أحمدته أي وجدته محمودا٣.
وجاء هذا المعنى في القرآن الكريم قال تعالى: ﴿وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾ معنى أغفلنا قلبه وجدناه غافلا٤.
وقال عمرو بن معديكرب لمشاجع السلمي٥: "لله دركم يابني سليم قاتلناكم فما أجبلناكم (أي فما وجدناكم جبناء)، وسألناكم فما أبخلناكم (أي ما وجدناكم بخلاء)، وهاجيناكم فما أفحمناكم (أي فما أسكتناكم) "
وجاء في الشعر قوله٦:
لا يصعب الأمر إلا ريث يركبه ... وكل شيء سوى الفحشاء يأتمر
ومعناه لا يصعب الأمر لآ يجده صعبا كقولهم أبخلته وجدته بخيلا فهو لا يجد الأمر صعبا إلا وقت ركوبه.
وقد عقد الجواليقي بابا خاصا بأفعلت الشيء أي وجدته على صفته وقال ابن جني في الخصائص ج٣ ص٢٥٣: واذكر يوما وقد خطر لي خاطر مما نحن بسبيله فقلت: لم أقام إنسان على خدمة هذا العلم ستين سنة حتى لا يحظى منه إلا بهذا الموضع لما كان مغبونا فيه ولا منتقص الحظ ولا السعادة به وذلك قول الله تعالى: ﴿وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ ولن يخلو ﴿أَغْفَلْنَا﴾ هنا من أن يكون من باب أفعلت
_________
١ انظر البحر المحيط ج ٦ ص ٢٣٢ والعكبري ج ٢ ص ٦٣.
٢ انظر رسالة أحمد تيمور باشا في السماع والقياس ص ٦٩ موجود بمكتبة الجامعة الإسلامية العامة.
٣ انظر سيبويه ج ٢ ص ٢٣٦ والشافية ج ١ ص ٩٠.
٤ انظر البحر المحيط ج ٦ ص ١١٩، وأمالي الشجري ج ١ ص ١٤٩.
٥ انظر أدب الكاتب لابن قتيبة ص ٤٧٣.
٦ انظر أمالي ابن الشجري ج ١ ص ٢٢٦، وشرح أدب الكاتب ص ٣١٣.
53 / 234
الشيء أي صادفته ووفقته كذلك كقوله: (وأهيج الخلصاء من ذات البرق) ١ أي صادفها هائجة النبات وقوله: (فمضى وأخلف من قتيلة موعدا٢) أي صادفه مخلفا.
وقوله:٣
أصم دعاء عازلتي تحجّي ... بآخرنا وتنسى أولينا
وقوله:٤
فأصممت عمرا وأعميته ... عن الجود والمجد يوم الفخار
أي صادفته أعمى: وحكى الكسائي: دخلت بلدة فأعمرتها أي وجدتها عامرة ودخلت بلدة فأخربتها أي وجدتها خرابا ونحو ذلك.
ثم يعقب ابن جني بعد هذا بقليل بقوله: وإذا صح هذا الموضع ثبت به لنا أصل شريف يعرفه من يعرفه ولولا ما تعطيه العربية صاحبها من قوة النفس ودربة الفكر لكان هذا الموضع ونحوه مجوزا عليه غير مأبوه له.
وقال ابن قتيبة في أدب الكاتب٥: باب أفعلت الشيء وجدته كذلك أتيت فلانا فأحمدته وأذممته وأخلفته أي وجدته محمودا مذموما ومخلافا للوعد، وأتيت فلانا فأبخلته وأجبنته وأحمقته وأنوكته وأوهجته إذا وجدته كذلك وأقهرته إذا وجدته مقهورا.
وأنشد:
تمنى حصين أن يسود جذاعه ... فأمسى حصين قد أندَّ وأقهر
الخ
المعنى السادس المستفاد من صيغة (أفعل) للدعاء نحو: أسقيته أي: دعوت له بالسقيا،والأكثر إذا في استعمال الدعاء فع َّل نحو جّدَّعه وعَقَّره فهو دعاء عليه.
المعنى السابع المستفاد من صيغة (أفعل) الإعانة كأحلبت فلانا وأرعيته أي أعنته على الحلب والرعي٦.
المعنى الثامن المستفاد من أفعل المطاوعة (لفعّل) كفطرته فأفطر وبشرته فأبشر٧ وقد يكون مطاوعا (لفعل) المتعدي بغير تشديد العين –فيكون أفعل لازما بالهمزة وبغير
_________
١ لرؤبه من أرجوزة التي أولها: وقاتم الأعماق خاوي المخترق والحديث عن حمار الوحش والخلصاء، والبرق جمع لبرقة وهي مكان فيه حجارة ورمل.
٢ الأعشى من قصيدته التي هذا البيت مطلعها وصدره: أثوى وقصر ليله ليزودا.
٣ لابن أحمر وقوله: (تحجي بآخرنا) أي تسبق إليهم باللوم.
٤ لم أعثر على نسبته وذكره ابن قتيبة في المعاني الكبير ص ٥٢١.
٥ انظر أدب الكاتب ص ٤٧٢.
٦ انظر اللمع ج ٢ ص ١٦١.
٧ انظر سيبويه ج ٢ ص ٢٣٥، والشافية ج ١ ص ٨٩.
53 / 235
الهمزة يكون متعديا مثل عرضت الشيء أي أظهرته فأعرض أي ظهر، وكبه الله على وجهه فأكب، وقد ذكر السيوطي في الأشباه والنظائر جملة منها١ وكذلك الفيومي في خاتمة المصباح.
وجاء أيضا بعضها في المزهر٢ قال السيوطي: ليس في كلامهم (أفعل الشيء) وفعلته إلا أكب وكببته، وأقشعت الغيوم وقشعتها الريح، وأنسل الريش والوبر ونسلتها وأنزفت البئر ونزفتها، وأشنق البعير رفع رأسه وشنقته بزمامه.
ومنه قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى﴾ قال أبو حيان٣: من أكب وهو لا يتعدى وكب متعد قال تعالى: ﴿فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ﴾ والحديث "وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم" فقال يكب بالفتح، وقد عقد لها ابن جني بابا في الخصائص٤ قال هذا هو الحديث أن تنقل بالهمز فيحدث النقل تعديا لم يكن قبله، غير أن ضربا من اللغة جاءت فيه هذه القضية معكوسة مخالفة فتجد (فعل) فيها متعديا و(أفعل) غير متعد وذلك قولهم: أجفل الظليم وجفلته الريح، وأشنق البعير إذا رفع رأسه وشنقته وأنزف البئر إذا ذهب ماؤها ونزفتها، وأقشع الغيم وقشعته الريح، وانسل ريش الطائر ونسلته وأمرت الناقة إذا در لبنها ومريتها (أي مسحت ضرعها لتدر) ونحو من ذلك ألوت الناقة بذنبها، ولوت ذنبها، وصرّ الفرس أذنه، وأصر بأذنه٥ وكبه الله على وجهه وأكب هو. وعلوت الوسادة وأعليت عنها. فهذا نقض عادة الاستعمال لأن فعلت فيه متعد وأفعلت غير متعد وعلة ذلك عندي أنه جعل تعدي (فعلت) وجمود (أفعلت) كالعوض (لفعلت) من غلبة (أفعلت) لها التعدي نحو جلس وأجلسته.
وقال العلامة أحمد تيمور باشا في رسالة السماع والقياس ص ٦٩ أفعل الذي همزته للتعدية دخول هذه الهمزة على بعض أفعال وجعلها لها لازمة انظر مادة (حجم) في اللسان، وانظر فائدة في ذلك في آخر نسخة السعد على التصريف العزى ص ١٢٧ -١٣١، وانظر ضرّه وأضرّ به في القاموس، وانظر باب نقض العادة في الخصائص ج ٢ ص ٣٢ وانظر فقه اللغة للصاحبي
_________
١ انظر الأشباه ج ١ ص ٣١٢ وانظر الخصائص ج ٣ ص ٢٥٣، ص ٢٥٤ باب فيما يؤمنه علم العربية من لاعتقادات الدينية.
٢ انظر المزهر ج ٢ ص ٨٢.
٣ انظر البحر المحيط ج ٨ ص ٣٠٣.
٤ انظر الخصائص ج ٢ ص ٢١٥ باب في نقض العادة، وانظر الأشباه ج ١ ص ٣٣٨.
٥ أي سوى أذنه ونصبها للاستماع وذلك إذا جد في السير.
53 / 236
ص ٦٩، مادة جفل من المصباح (جفلته فأجفل على العكس من المشهور) وله نظائر تأتي في الخاتمة أي في الفصل الذي أورده في الثلاثي اللازم وتعديته وهو ثالث فصل في الخاتمة، وفي مادة (قشع) منه (قشعته فأقشع) من النوادر وفي كببته فأكب، وهمع الهوامع ج ٢ ص ٨١ ذكر كببته فأكب وأقشع الغيم وانسل الطائر، وقد يكون عكس ذلك قال ابن قتيبة ص ٤٨٣ باب أفعلته ففعل تقول أدخلته فدخل، وأخرجته فخرج، وأجلسته فجلس، وأفزعته ففزع، وأخفته فخاف، وأجلته فجال، وأمكثته فمكث هذا القياس وقد جاء في هذا انفعل وافتعل قال الكميت:
ولا يدرى في حميت السكن تندخل.
وقال آخر:
وأبى الذي ورد الكلاب مسوما ... بالخيل تحت عجاجها المنجال
والقياس تدخل والجائل.
أفعل بمعنى فعل عند أهل اللغة ويجيء أفعل بمعنى فعل كثيرا في اللغة والأصل اختلاف معنييهما وقد ألفت كتب كثيرة تحمل هذا الاسم فعلت وأفعلت، أو فعل وأفعل والكتب التي تناولت هاتين الصيغتين من الفعل الواحد حين تتفقان في المعنى أو تختلفان أو لا يرد للعرب إلا إحداهما وأول من ألف في هذه الصيغة الخاصة من الأفعال قطرب المتوفى سنة ٢٠٦ هجري والفراء المتوفى سنة ٢٠٧ هجري ثم أبو عبيدة ستة ٢١٠ هجري، والأصمعي سنة ٢١٣ هجري وأبو زيد الأنصاري سنة ٢١٥ هجري وأبو عبيدة القاسم بن سلام سنة ٢٢٤ هجري وورد في أبواب من الغريب المصنف وقد خص أبو عبيدة هاتين الصيغتين بالأبواب الأولى مما خصصه الأفعال وعالجهما حين يتفق معناهما أو يختلف، أو يختلفان في التعدي واللزوم وقد تأثر به ابن قتيبة في ذلك إلا أنه أحسن تصنيفهما وتوسع ابن السكيت أيضا وعنى بموقف العامة. ثم عالج أبو عبيدة صيغة (أفعل) وحدها وألف فيها أيضا أبو محمد عبد الله بن محمد التوزي سنة ٢٣٣ هجري ويعقوب السكيت توفى سنة ٢٤٦ هجري وقد أفرد بابين من إصلاح لمنطق لخلط العامة بين هاتين الصيغتين١، وأبو حاتم سهل بن محمد السجستاني توفى سنة ٢٥٥ هجري تقريبا، وأبو العباس الأحول تلميذ ابن الأعرابي، وخصص له ابن قتيبة توفى سنة ٢٧٦ هجري أبوابا من كتاب الأبنية في أدب الكاتب، وألف فيه من أهل القرن الرابع الزجاج سنة _________ ١ انظر إصلاح المنطق ص ٢٥١، ٣١١.
أفعل بمعنى فعل عند أهل اللغة ويجيء أفعل بمعنى فعل كثيرا في اللغة والأصل اختلاف معنييهما وقد ألفت كتب كثيرة تحمل هذا الاسم فعلت وأفعلت، أو فعل وأفعل والكتب التي تناولت هاتين الصيغتين من الفعل الواحد حين تتفقان في المعنى أو تختلفان أو لا يرد للعرب إلا إحداهما وأول من ألف في هذه الصيغة الخاصة من الأفعال قطرب المتوفى سنة ٢٠٦ هجري والفراء المتوفى سنة ٢٠٧ هجري ثم أبو عبيدة ستة ٢١٠ هجري، والأصمعي سنة ٢١٣ هجري وأبو زيد الأنصاري سنة ٢١٥ هجري وأبو عبيدة القاسم بن سلام سنة ٢٢٤ هجري وورد في أبواب من الغريب المصنف وقد خص أبو عبيدة هاتين الصيغتين بالأبواب الأولى مما خصصه الأفعال وعالجهما حين يتفق معناهما أو يختلف، أو يختلفان في التعدي واللزوم وقد تأثر به ابن قتيبة في ذلك إلا أنه أحسن تصنيفهما وتوسع ابن السكيت أيضا وعنى بموقف العامة. ثم عالج أبو عبيدة صيغة (أفعل) وحدها وألف فيها أيضا أبو محمد عبد الله بن محمد التوزي سنة ٢٣٣ هجري ويعقوب السكيت توفى سنة ٢٤٦ هجري وقد أفرد بابين من إصلاح لمنطق لخلط العامة بين هاتين الصيغتين١، وأبو حاتم سهل بن محمد السجستاني توفى سنة ٢٥٥ هجري تقريبا، وأبو العباس الأحول تلميذ ابن الأعرابي، وخصص له ابن قتيبة توفى سنة ٢٧٦ هجري أبوابا من كتاب الأبنية في أدب الكاتب، وألف فيه من أهل القرن الرابع الزجاج سنة _________ ١ انظر إصلاح المنطق ص ٢٥١، ٣١١.
53 / 237
٣١١ هجري وابن دريد سنة ٣٢١ هجري وابن درستويه سنة ٣٤٧ هجري وأبو علي القالي سنة ٣٥٦ هجري وأبو بكر محمد بن عمر المعروف بابن القوطية سنة ٣٦٧ هجري ثم ألف فيه أبو البركات بن الأنباري سنة ٥٧٧ هجري ثم القاسم بن القاسم الواسطي سنة ٦٢٦ هجري كما ألف فيها أيضا ابن سيدة في كتابه المخصص فقد عقد أبوابا في السفر الخامس عشر وقد شغل ١٣٣ صفحة تقريبا وابن القطاع سنة ٤٥٥ هجري في كتابه الأفعال الذي عنى بفعل وأفعل في أول كل باب.
فمن ذلك ما رواه أبو زيد الأنصاري في النوادر قال: وأمهرت وأصدقت واحد قال أبو الحسن أخبرني أبو العباس محمد بن يزيد قال ومهرت المرأة هي المشهورة الفصيحة وأمهرت لغة وليست في جودة الأولى وأنشدنا المازني عن الرياحي لقحيف العقيلي.
أخِدْن اغتصابا خطبة عجرفية ... وأمهرن أرماحا من الخط ذُبَّلا
قال وكذلك زففت المرأة هي اللغة الجيدة وأزففت لغة وقال في ص ٢١٢ –٢١٣:
وقالوا بقرة فارض من بقر فوارض وهي السمينة وبقرة عوان من بقر عون وهي التي نتجت بعد بطنها البكر ويقال أعوان بقرتكم أم لا؟ يقول أنتجتموها بعد البطن الأول شيئا قال أبو الحسن هكذا قال أنتجتموها وهو صواب صحيح والمحكي من غيره وهو الشائع نتجت الناقة فهي منتوجة قال الأصمعي ولا يخبر عنها بفعل البتة إلا أن تضع هي وحدها فتعاني ذلك من نفسها فيقال خلت فأنتجت قال وإلا فالمسموع نتجت الناقة ونتجها أهلها وقوله أنتجت يجوز أن يكون في معنى نتجت١ ويجوز أن يكون جعلت لها نتاجا فقط قالوا في أسقاه الله أنه في مهنى سقاه الله وأنشدوا قول لبيد:
سقى قومي بني نجد وأسقى ... نميرا والقبائل من هلال
وقال الأصمعي هما يفترقان وهذا الذي أذهب إليه قال معنى سقيته أعطيته ماء لشفته ومعنى أشقيته جعلت له ماء يشربه، أو عرضته لذلك، أو دعوت له كل هذا يحتمل هذا اللفظ وأنشد قول ذي الرمّة٢:
وقفت على ربع لمية ناقتي ... فما زلت أبكي عنده وأخاطبه
وأسقيه حتى كاد مما أبثه ... تكلمني أحجاره وملاعبه
_________
١ بفتح النون من نتجت.
٢ انظر كتاب النوادر لأبي زيد بن أوس الأنصاري ص ٢٠٨.
53 / 238
قال أسقيه أدعو له بالسقيا وهذا أشبه بكلام العرب وقال ابن الأعرابي أسقيه من دمعي وهذا غير بعيد من ذلك المعنى أي أجعله له سقيا من دمعي على سبيل الإغراق والإفراط.
وقال ابن القطاع١ وسقيتك شرابا وأسقيتك والله تعالى عباده وأرضه كذلك ويقال سقاه لشفته وأسقاه لماشيته وأرضه، وسقاه جلدا أعطاه إياه يتخذه سقاء عن الأصمعي.
وقد ذكر ابن القطاع٢ بابا لما جاء على أفعل وفعل والمعنى متفق قال في مادة (رمل) رملت الحصير رملا، وأرملت نسجته ورمل في السير رملا أسرع، وأرمل القوم فنى زادهم والمرأة صارت أرملة.
وفي مادة ركس: ركس الله العدو ركسا وأركسه رده وقلبه على رأسه وقرئ بهما.
وفي مادة رشق رشقت بالسهم رشقا وأرشقت به رميته ورغت إلى الشيء رغا وأرغت أصغيت.
وردحت الخباء وأردحته وسعته بردحة في آخره وهي الشقة، ورعدت السماء وأرعدت، ورفل في مشيته وأرفل تبختر ومشى مختالا.
وقال في الجزء الثالث مادة وحده وحدت الشيء وأوحدته، ووقف الشيء وقفا ووقوفا ثبت وأوقفت الدار والدابة لغة تميمية.
وبرقت السماء برقا وبروقا وأبرقت لمعت والرجل تهدد والثلاثي في السماء أفصح والثاني لغة.
فهذه جولة في كتاب الأفعال لابن القطاع المتوفى سنة ٥١٥ هجري تثبت مجيء فعل وأفعل بمعنى واحد.
وبالنظر في كتاب الأفعال لابن القطاع نجد ما لا حصر له من هذا المعنى المتفق لأفعل بمعنى فعل ومثله كتاب فعلت وأفعلت للزجاج قال في مقدمة كتابه هذا كتاب نذكر فيه ما تكلمت به العرب على لفظ فعلت وأفعلت والمعنى واحد وما تكلمت به العرب على لفظ فعلت وأفعلت والمعنى مختلف، وما ذكر فيه أفعلت وحده مما يجري في الكتب والمخاطبات وهو مصنف مبوب على حروف المعجم ثم قال باب الباء من فعلت وأفعلت والمعنى واحد تقول: بشرت الرجل بخير وأبشرته، أبشر وأبشره وبشرته مشددا وبشرته أيضا من البشارة، وإنما قيل البشارة لأن الرجل إذا سمع ما يحب حسنت بشرة وجهه.
_________
١ انظر كتاب الأفعال ج ٢ ص ١٦٢ سقى.
٢ انظر باب الراء على فعل وأفعل باتفاق معنى ج ٢.
53 / 239
ويقال بل من مرضه وأبل يبل، يبِّل، ويقال بدأ الله الخلق يبدأهم بدءا وأبدأهم إبداء قال تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ﴾ وقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ﴾ فهذا من أبدأ وقال جرير:
بدأنا بالزيارة ثم عدنا ... فلا بدئى حضرت ولا معادي
وقال أيضا:
هنيئا للمدينة إذ أهلت ... بأهل الملك أبدأ ثم عادا
ويقال بكر الرجل في حاجته يبكر
قال زهير:
بكرن بكورا واستحرن بسحرة ... فهن لوادي الرّس كاليد للفم
وأبكر إبكارا، قال ابن أبي ربيعة:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر ... غداة غد أم رائح فمهجر
ويقال تم الله عليه النعمة وأتم عليه إذا أسبغها، وتبع الرجل الشيء وأتبعه بمعنى واحد، قال الله تعالى: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى﴾ وقال تعالى: ﴿فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ﴾ وأتربت الكتاب وتربته جعلت عليه التراب.
قال أبو عبيدة وأبو الخطاب يقال ثوى بالمكان وأثوى إذا أقام به وأنشد بيت الأعشى:
أثوى وقصّر ليله ليرودا ... فمضى وأخلف قيلة الموعودا
ويقال ثاب إلى الرجل جسمه وأثاب إليه جسمه إثابة إذا رجع، وثرى المكان وأثرى إذا ندي بعد يبس وكثر فيه الندى، وكذلك ثرى القوم وأثروا إذا كثرت أموالهم، وثلجت السماء وأثلجت من الثلج.
يقال جدي الرجل واجدي إذا انتصب ... ويقال جنة الليل وأجنة وجن عليه الليل إذا أظلم عليه وستره جنونا وجنانا وإجنانا، وجننت الرجل وأجننته إذا دفنته، ويقال جلى الرجل بثوبه وأجلى إذا رمى به، وجلى القوم عن ديارهم وأجلوا إذا تركوها وخرجوا عنها، وجنب الرجل من الجنابة وأجنب، وحفل القوم وأحفلوا إذا انهزموا بجماعتهم، وكذلك جفل النعام يجفل جفلا وأجفل إجفالا، ويقال جفأت الباب أجفؤه جفا، وأجفأته إذا أغلقته، ويقال جد في الأمر وأجد فيه إذا ترك الهوينات ولزم فيه القصد والاستواء ومن هذا قيل جاد
53 / 240
يجيد، وجاح الله مال العدو وأجاحه إجاحة وجرم الرجل وأجرم إذا كسب جرما فهو جارم ومجرم.
وجرى الرجل إلى الشيء وأجرى إليه إذا قصد إليه وجاز الرجل الوادي وأجازه إذا قطعه ونفذه –وقال الأصمعي جزته نفذته وأجزته قطعته.
وجفا الوادي وأجفأ إذا رمى بغثائه، وجبرت الرجل على الأمر وأجبرته أكرهته عليه، وجهدت الفرس وأجهدته إذا استخرجت جهده، وكذلك جهدت في الأمر وأجهدته إذا بلغت جهدي فيه، وجدعت غذاء الصبي وأجدعته إذا أسأت غذاءه، وجدعت أنفه وأجدعته إذا قطعته وجدب البلد وأجدب إذا لم ينبت شيئا، وجحد الرجل وأجحد إذا أقل خيره، وجمت الحاجة إذا حضرت. وجم الفرس وأجمّ، وجهشت نفسه وأجهشت، وجال الرجل بالشيء وأجال به إذا طاف به، وجلب الجرح وأجلب إذا أخذ في البرء وصارت فيه جلدة رفيعة، وجنح الليل وأجنح إذا مال، وجلد الموضع وأجلد من الجليد وجمر الفرس وأجمر إذا وثب في القيد.
يقال حسنه وأحسنه إذا أغضبه ومثله في معناه حمسه وأحمسه بالسين، وحببت الشيء وأحببته في معنى واحد وهو محبوب ومحب، وحققت الحديث وأحققته إذا تبينته وحال الرجل في ظهر دابته وأحال إذا وثب واستوى على ظهرها، وحل الرجل من الإحرام وأحل إذا خرج منه قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ وقال زهير:
جعلن القنان عن يمين وحزنه ... ومن بالقنان من محل ومحرم
فهذا من أحل، وحصب القوم يحصبون إذا ولوا عنه وأحصبوا عنه إحصابا، وحدق القوم بالشيء وأحدقوا به إذا صاروا حوله، وحزنني الأمر وأحزنني وأمر محزن وحازن، وحمت الحاجة وأحمت إذا دنت، وحدت المرأة على زوجها وأحدت إذا تركت الزينة، وحشمت الرجل، أحشم وأحشمته احتشاما إذا جلس إليك فأذنته وأسمعته مكروها وحشت يده وأحشت إذا يبست، وحمى الرجل المكان وأحماه إذا منعه، وحفت الماشية من الربيع إذا سمنت وأحفت مثله، وضربه فما حاك فيه السيف وما أحاك، وحنكت السر وأحنكته، وحنكه أيضا التشديد وحكم الرجل الدابة وأحكمها إذا جعل لها حكمة وحصر غائطه إذا احتبس، ويقال للرجل من حصرك هاهنا ومن أحصرك، وحر النهار يحرّ حرا وأحر إحرارا مثله، وحاط الرجل بالشيء وأحاط به وحدثت الدابة في السفر وأحدثتها إذا أهزلتها
53 / 241