برتراند راسل: مقدمه کوتاه
برتراند راسل: مقدمة قصيرة جدا
ژانرونه
وفي عام 1931 توفي شقيق راسل - فرانك - فجأة، وورث راسل عنه لقب إيرل، وورث أيضا ديون أخيه والتزاما يقضي بأن يدفع 400 جنيه إسترليني سنويا كنفقة لثاني زوجات أخيه الثلاث السابقات. كان موقفه من لقب إيرل ساخرا بعض الشيء، ولكنه لم يكن يمانع في استغلاله بعدة طرق، كان أهمها استغلال ما منحته إياه من حق الدخول تلقائيا إلى منابر دوائر أهل الحل والعقد؛ فهناك كان من الممكن لآرائه المستقلة التي تنتقد الأفكار والمعتقدات الراسخة السائدة أن يكون لها أكبر الأثر. ولكنه لم يكن يكثر من حضور جلسات مجلس اللوردات، وكان يكن شيئا من الاحتقار للنظام الطبقي البريطاني.
وفي هذا التوقيت تقريبا كان زواج راسل ينوء تحت وطأة التوتر بسبب المدرسة والعلاقات الغرامية المتعددة التي كان كلا الزوجين ينغمسان فيها. ولم يكن راسل يعارض في أن يكون لدورا علاقات غرامية، ولكنه لم يكن يرغب في أن يكون مسئولا عن أي أطفال يأتون ثمرة لتلك العلاقات. حملت دورا بطفلة من عشيق أمريكي، وسجلت الطفلة في البداية باعتبارها ابنة راسل؛ ولكنه حين وجدها فيما بعد مسجلة باسمه في كتاب ديبريتس الذي يشتمل على أسماء النبلاء، اتخذ إجراءات قانونية لشطب اسمها من الكتاب. كان راسل إذن يملك دوافع تتعلق بالحفاظ على نقاء السلالة.
وفي أعقاب ما حل براسل من نكبات بسبب المدرسة وانفصاله عن دورا، فضلا عن الأعباء المالية الإضافية التي ورثها عن أخيه، كان راسل لا يزال بحاجة إلى كسب عيشه من نتاج قلمه. انتهت علاقة العمل المجزية التي جمعت راسل بصحف هيرست في أمريكا - وكان راسل يكتب عمودا فيها - في أوائل ذلك العقد؛ ولذا اضطر إلى تكريس كل طاقته لتأليف الكتب. وفي عام 1932 نشر كتاب «الاستشراف العلمي»، وفي عام 1934 نشر كتابا من أفضل كتبه، وهو يتناول التاريخ السياسي، وهو بعنوان «الحرية والتنظيم 1814-1914». ونشر في عام 1935 كتاب «في مديح الكسل»، وفي عام 1936 كتاب «أين الطريق إلى السلام؟» وفي هذا الكتاب أعاد التأكيد على اتجاهه المناهض للحرب مع بعض التحفظات والتزامه بفكرة الحكومة العالمية. ولكن بحلول توقيت نشر هذا الكتاب كان قد أدرك من قبل ضرورة وجود تحفظات أكبر على حركة مناهضة الحرب، وخصوصا - كما تبين من الأحداث التي شهدتها ألمانيا على مدى العامين أو ثلاثة الأعوام السابقة - في مواجهة خطر رأى أنه «منفر للغاية» مثل النازية. وبحلول وقت اندلاع الحرب العالمية الثانية كان قد قرر أن مقاومة هتلر يجب أن تكون بلا تحفظات.
في عام 1937 نشر راسل كتاب «أوراق أمبيرلي»، وهو سيرة لحياة والديه يتألف من ثلاثة أجزاء. كان يرى أن هذا العمل «مريح»؛ لأنه كان معجبا بالآراء الجريئة التي كان يعتنقها والداه وكان متفقا معها تماما، وكان يشعر بالحنين إلى العالم الرحب والمفعم بالأمل - هكذا كان يبدو لراسل - الذي كانا يناضلان فيه دفاعا عن آرائهما. كانت تعاون راسل في هذا الكتاب وفي كتاب «الحرية والتنظيم 1814-1914» امرأة شابة - كانت تعمل معلمة في مدرسته سابقا، ثم أصبحت عشيقته، ثم زوجته الثالثة في عام 1936 - تدعى باتريشا سبينس (وكانت تدعى عادة «بيتر»). وفي عام 1937 رزقا بابن، سمياه كونراد. وانتقلا إلى منزل بالقرب من جامعة أكسفورد حيث كان راسل يدرس مقررا من المحاضرات ويعقد مناقشات مع مجموعة من الفلاسفة الشباب، من بينهم إيه جيه آير. ثم نشر كتاب «القوة، تحليل اجتماعي جديد» في عام 1938، وتحولت محاضراته التي ألقاها في جامعة أكسفورد - التي كانت بعنوان «كلمات وحقائق» في البداية - إلى كتابه الفلسفي التالي، بعنوان «ما وراء المعنى والحقيقة»، ونشر عام 1940.
عام 1938 سافر راسل مع زوجته بيتر وكونراد إلى أمريكا لتسلم منصب أستاذ زائر في جامعة شيكاجو. وعقد مناقشات منشطة هناك مع طلاب وزملاء أذكياء - كان من بين الزملاء رودولف كارناب - ولكنه لم يكن على وفاق مع رئيس قسم الفلسفة، وكان يكره شيكاجو، ووصفها بأنها «مدينة بغيضة ذات طقس سيئ.» وفي أواخر العام انتقلت أسرة راسل إلى كاليفورنيا؛ حيث وجد طقسها ألطف بكثير. كان راسل يدرس في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس. وفي صيف عام 1939 جاء جون وكيت لقضاء عطلة في كاليفورنيا، ولكن اندلاع الحرب حال دون عودتهما إلى إنجلترا؛ لذلك أدخلهما راسل في جامعة كاليفورنيا.
وبرغم الطقس المشرق في كاليفورنيا، كان راسل يشعر بقدر أقل من الرضا في جامعة كاليفورنيا عما كان عليه شعوره في شيكاجو؛ لأن الموظفين والطلاب لم يكونوا مؤهلين، وكان رئيس الجامعة سيئ الطبع إلى حد كبير من وجهة نظر راسل ؛ ولذلك، بعد عام واحد، قبل عرضا لشغل منصب أستاذ في كلية سيتي كوليدج أوف نيويورك. ولكن قبل أن يتمكن من تسلم منصبه، ثارت حوله فضيحة بسبب الإلحاد والفجور. وكان أول من فجر شرارة الفضيحة هو أسقفا من الكنيسة الأسقفية، ونقلها الكاثوليكيون بكل حماس، وذاعت أنباؤها بسبب دعوى قضائية رفعتها أم طالبة كانت ستدخل الكلية. وقالت الأم - وتدعى السيدة كاي - إن وجود راسل في الكلية سيكون خطيرا على عفة ابنتها. ولم يتمكن راسل من الدفاع عن نفسه في المحكمة؛ لأن الدعوى كانت مرفوعة ضد بلدية نيويورك ولم يكن هو طرفا فيها. ووصف محامي السيدة كاي أعمال راسل بأنها «فاسقة، وداعرة، وشهوانية، وشبقة، ومثيرة للشهوة، وماجنة، وتتسم بضيق الأفق، وكاذبة، ومجردة من القيمة الأخلاقية.» وكان من أسباب هذا الوصف أن راسل ذكر في كتاب له أنه لا ينبغي عقاب الأطفال الصغار على الاستمناء. وتفوق القاضي الأيرلندي الكاثوليكي في سب وذم راسل على محامي السيدة كاي وهو يوجز الاتهام الموجه لراسل. وربحت القضية السيدة كاي طبعا.
ولم تتسبب القضية في تأليب مدينة نيويورك وولاية نيويورك بأكملها ضد راسل فحسب، بل تسببت في تأليب البلاد بأكملها ضده. وبعد طرده من وظيفته في نيويورك، لم يستطع في البداية أن يجد أي مكان آخر يقبل بمنحه وظيفة في مجال التدريس، ولم يستطع كذلك أن يجد أي جريدة تعرض عليه كتابة عمود فيها، ونظرا لظروف الحرب كان من المستحيل الحصول على المال من إنجلترا؛ وهكذا تقطعت به السبل خارج بلاده دون مورد للرزق، وهو مسئول عن أسرة عليه أن يعولها.
أنقذ راسل من هذه المعضلة جامعة هارفرد أولا؛ إذ وجهت إليه دعوة كريمة للتدريس فيها في عام 1940، ثم أنقذه مليونير من مدينة فيلادلفيا، يدعى د. بارنز، وكان من هواة جمع القطع الفنية وصاحب مؤسسة مخصصة في المقام الأول لدراسة تاريخ الفنون. منح بارنز راسل عقدا مدته خمس سنوات للتدريس في المؤسسة. ومن الأمور التي وجدها راسل مسلية أن القاعة التي كان يلقي فيها محاضراته كانت معلقة على جدرانها لوحات فرنسية تصور أشخاصا عراة، بيد أنه كان يعتقد أن ذلك لا يتناسب مع الفلسفة الأكاديمية. كان بارنز غريب الأطوار ويشتهر بالتشاجر مع الموظفين العاملين لديه؛ فأصدر فجأة إخطار فصل بعد أقل من نصف مدة عقد راسل؛ لأن محاضرات راسل كانت - في رأيه - سيئة الإعداد. نشرت هذه المحاضرات بعدئذ ككتاب بعنوان «تاريخ الفلسفة الغربية»، وأصبح أكثر كتب راسل نجاحا بفارق كبير على المستويين الشعبي والمالي. ورفع راسل دعوى على بارنز لخرق العقد، وأعطى المخطوطة للقاضي ليقرأها، وربح القضية. ومن نافلة القول أنه توجد أجزاء من هذا الكتاب الشهير مختصرة إلى حد يجعل المرء يشعر بشيء من التعاطف مع مليونير فيلادلفيا. ولكنه من نواح أخرى عبارة عن دراسة شاملة رائعة تتناول الفكر الغربي تتسم بأسلوب ممتع سهل القراءة، ويتميز الكتاب بوضع الفكر الغربي في سياقه التاريخي على نحو مفيد. من الواضح أن راسل استمتع بكتابته، ويظهر هذا الاستمتاع في الكتاب، كما تظهر تعليقاته اللاحقة عن الكتاب أنه كان يدرك مواطن القصور فيه.
استكمل راسل العمل في كتاب «تاريخ الفلسفة الغربية» في مكتبة كلية برين مور بعد انفصاله عن بارنز. ويعود الفضل في ذلك إلى كرم الأستاذ الجامعي بول فايس، الذي وجه الدعوة لراسل للعمل في الكلية، وذلك حين كان راسل ينتظر الحصول على إذن من السفارة البريطانية في واشنطن للعودة إلى إنجلترا. عرضت كلية ترينيتي على راسل فرصة الحصول على درجة الزمالة؛ مما أنقذ راسل من الصعوبات التي كان يواجهها، وأنقذه كذلك التقدم الهائل الذي كان يحرزه كتاب «تاريخ الفلسفة الغربية». وقبل عودة راسل بحرا وسط أخطار الغواصات الألمانية التي كانت تجوب المحيط الأطلنطي، أمضى راسل مدة قصيرة في جامعة برينستون، حيث كانت له مناقشات مع أينشتاين وكيرت جوديل وفولفجانج باولي. وعلى مدى السنوات القليلة التالية، درس راسل في جامعة كامبريدج، ونشر كتاب «تاريخ الفلسفة الغربية» في عام 1945 وكتاب «المعرفة الإنسانية: نطاقها وحدودها» في عام 1948. كان هذا الكتاب هو آخر الأعمال الفلسفية لراسل، وقد أصيب بخيبة أمل حين تلقى الكتاب اهتماما محدودا من الأوساط الفلسفية. ونسب ذلك إلى الشعبية الهائلة التي كانت تحظى بها أفكار فيتجنشتاين آنذاك ولفترة بعد ذلك. وفي عام 1949 - وهو عام وصفه بأنه «أوج الرفعة» التي نالها - تغيرت الزمالة التي حصل عليها في كلية ترينيتي إلى زمالة مدى الحياة دون تحمل واجبات تدريس، واختير للحصول على زمالة شرفية للأكاديمية البريطانية، ودعته هيئة الإذاعة البريطانية لإلقاء أول سلسلة من محاضرات رايث، ومنحه الملك جورج الخامس وسام الاستحقاق، وفي العام التالي فاز بجائزة نوبل للآداب، ووصله نبأ نيله الجائزة وهو في زيارة جديدة للولايات المتحدة.
سر راسل لمنحه وسام الاستحقاق، وتوجه إلى قصر باكنجهام لحضور حفل تقليد الوسام. وشعر الملك جورج بالحرج لاضطراره إلى التعامل بلطف مع رجل ارتكب الزنا وسبقت إدانته ويميل إلى انتقاد الأفكار والمعتقدات الراسخة، وفضلا عن ذلك - على حد وصف الملك - عجيب المظهر؛ فقال له الملك: «لقد كنت تسلك أحيانا مسلكا لن يكون من اللائق أن يكون مسلكا شائعا.» وكان الرد الذي كاد يفلت من بين شفتي راسل، ولكنه تمكن من كبحه: «مثل أخيك.» وكان يقصد الملك إدوارد الثامن الذي تنازل عن العرش؛ لكنه قال بدلا من ذلك: «يتوقف السلوك الذي ينبغي على المرء أن يسلكه على مهنته؛ فساعي البريد، مثلا، ينبغي أن يدق على كل الأبواب في شارع معين ليسلم الخطابات، ولكن إذا دق أحد غيره على كل الأبواب، فسيعتبر ذلك من قبيل الإزعاج.» وعندها غير الملك الموضوع بسرعة (السيرة الذاتية لبرتراند راسل، ص516-517).
ناپیژندل شوی مخ