وتطوع المندوب للتخفيف من كآبة الجو؛ فقال: المستشفى خير مكان له، فلا تحزنا لذلك الإجراء الذي لا بد منه.
ولم تكن لدى حسن دهمان رغبة في الكلام، ولكنه أراد أن يجامل الرجل بقدر ما يستطيع، فتمتم وهو من الحزن في غاية: صدقت يا سيدي، هذا هو عين العقل.
الصمت
ما أفظع هذه الحجرة! كميدان قتال. لا ترى العين في أي موضع منها إلا سلاحا يقشعر منه البدن. وهو لا يعرف إلا المقص، ولكن المعرض حافل بما يشبه السكاكين والخناجر والدبابيس من كافة الأشكال والأحجام. وثمة أوعية ملوثة بالدم تحت الموائد المعدنية، وقطن وشاش، ورائحة أثيرية نافذة كنذير من عالم مجهول، وثلاثة أطباء. الطبيب المولد، وطبيب القلب، وطبيب التخدير، وممرضة بدينة لكنها في خفة النحلة ولا تمسك عن الحركة. لم ير الأشياء إلا خطفا على حين تركزت عيناه فوق السرير المرتفع، حيث ترقد زوجته مطحونة بالصراع، مرفوعة الساقين فوق حاجز قائم في نهاية السرير، وقف وراءه المولد في معطفه الأبيض، لا يبدو منه إلا نصفه، ويشي أعلى ذراعه بحركة يده المختفية. وراحت زوجته تقلب رأسها يمنة ويسرة كاشفة كل مرة عن عارض من وجهها المنقبض من الألم، الذي استقرت في صفحته زرقة مغبرة. آه .. حتام يطول الصراع؟ متى يجود بالراحة الرحمن؟ ويد الطبيب لا تكف عن الحركة، وهو ينظر نحوه أكثر الوقت، في بساطة واستهانة، ويبتسم ولا ينقطع عن الكلام: ما أعظم الفارق بين صورتك الحقيقية وصورتك على الشاشة!
هز رأسه وهو ينتزع من شفتيه الجافتين ابتسامة مجاملة، واضطر في ذات الوقت أن ينزع عينيه من الوجه المعذب؛ ليبادل الطبيب نظرة على سبيل المجاملة أيضا. - ما أبدع الفن! وفن التمثيل هو سيد الفنون في نظري، إنك تضحكني من أعماق قلبي، لا أحد يضحكني هكذا ولا الأمريكيون أنفسهم، ودور الباشكاتب في فيلمك الأخير دور عجيب حقا، تفوقت فيه على نفسك!
لاحت في عيني الطبيبين الآخرين ابتسامة، واسترقت الممرضة إليه نظرة باسمة كذلك، تحية لدور الباشكاتب. ونظر الأستاذ صقر نحو زوجته على أمل أن يكون الحديث قد لطف من كربها، ولكنه وجدها غارقة في دنياها الخفية، فساءل نفسه متى ينتهي عذابها؟ ومتى يرحمه الطبيب فيتركه لنفسه؟ وإذا بالطبيب يخاطبها قائلا: ساعديني، يجب أن تساعديني كما قلت لك مرارا، شدي حيلك، وأريني شطارتك.
وهمست بصوت هو الأنين: لا قوة لدي. - بل لديك قوة عظيمة، ولن تتم الولادة إلا بمساعدتك، افهمي ذلك جيدا، أنا في انتظار صوتك!
استجمعت قواها الخائرة، تتابع الصراخ في قوة لا بأس بها، ولكنه سرعان ما وهن فتقهقر إلى أنين مبحوح. وزادت يد الطبيب حركة، وعاد يقول: والفيلم في جملته ممتاز أيضا، قرأت مرة في مجلة أنك تشترط، قبل التعاقد على دور، أن تطلع على السيناريو؟
انتزع عينيه من زوجته مرة أخرى، وقال: نعم. - لكن ما معنى السيناريو؟
يا للعذاب! ••• - هو إعداد القصة للسينما. - أنا أقرك على موقفك، يجب أن تقرأ السيناريو أولا؛ حتى تضمن لموهبتك فيلما يناسبها. - شكرا .. شكرا.
ناپیژندل شوی مخ