ما من حارة أو شارع جانبي أو زقاق لم يلق بدلوه في بحر الموكب الزاحف عدوا بلا هدف واضح أو مستقر.
والطائرات في الأعقاب تفرغ حمولاتها من قنابل ودوي وحرائق، أصبح يحس وهجها الحارق فيتصبب منه العرق.
عصرا يعصر عرق الجبين.
رأى نفسه مجهدا إلى حد مغالبة السقوط أرضا تحت الأقدام الفزعة المروعة.
كان الموكب ساعتها يعبر جاريا من فوق كوبري علوي يفضي إلى ساحة الشهداء التي يعرفها.
تسند بالدربزين الحديدي للكوبري في إعياء واضح، ومضى يتلوى بجذعه النحيل فارع الطول، مجاهدا في السيطرة على تنفسه ... نبضه.
وقبل أن يأخذ راحته الكافية، راح يعدو في بطء فاكا عنه رباط عنقه ملقيا به، حتى إذا ما انتهى به المقام وحيدا تعبا بعد أن انفض عنه الموكب، اتجه من فوره عابرا الميدان الموحش الفارغ إلى شق لا يبين في الجدار المواجه، ودلف منه صاعدا بضع سلمات حجرية متربة تسدها القاذورات والنفايات، إلا أنه تخطاها ليجد نفسه مشرفا على ميدان صغير مسور من جميع جهاته، ببعضه مقاه وبارات شعبية فقيرة، وفي مداخلها تراصت مقاعد قصيرة من القش، وتمدد السكارى والشمامون متحلقين في ظل الجدران ورطوبة السقف.
انحط من فوره على واحد من تلك المقاهي، وظل يلهث ويمسح عرقه الغزير، ويتطلع إلى السماء الملتهبة بالنيران والقذائف.
أعاد تأمل الوجوه من حوله، فوجدها ولدهشته غائبة عن عالمها.
إما منكسة تتطلع إلى الأرض تحت أقدامها، أو مسبلة العيون لا تهزها شاردة أو دوي، ما الخبر؟ لماذا الناس هنا على هذا النحو من السكينة وروقان البال، وكأن الأمر لا يعنيهم في كثير أو قليل؟
ناپیژندل شوی مخ