بيروت البكاء ليلا
بيروت البكاء ليلا
تأليف
شوقي عبد الحكيم
الفصل الأول
قال: كان ما يعجبني فيها أو لا يعجبني - لا أعرف على وجه الدقة، أحاول جاهدا الإيضاح - هي تلك الحكايات الصغيرة إلى حد الهيافة، والتي تنساب على التوالي من فمها مع طرقعات الليدن. مرت على شكل سريان الذكريات، تلك الأفعال المتراكمة كمثل قمامات المدن المحاصرة الموبوءة، إلا أنها على أية حال ذكريات تظل عالقة بالكائن، مثلها مثل الجلد والبصمة وحجم الفك.
وقال: إن المهم هنا هو الحكايات، لا من حيث إني جامع لها أغترفها من أفواه الناس، حين كان يأخذ طريقه في الصباح عبر الطرقات الزراعية، والغوص في أوحال البلدان الصغيرة والبنادر والقرى ضاربة القحط والسواد؛ بحثا عنها منسابة من فم لفم، أفواه جوعى وشائخة وجنائزية لندابات القرى والبلدان المحيطة، أناس عمال زراعيون ورعاة وصيع، تطحنهم مهنهم اليومية، والتي قد تمتد لأحقاب، مضافا إليها الجروح ... تلك الندبات الغائرة التي تولدها الأيام والليالي عبر رتابة تتابعها المتوالي، من ندبات قد تنبت مزهرة للحظتها، طارحة من فورها حصادها ومواتها المعجل، منها تلك النتئة أو الدمل الذي نبت للحظته مرة في قدم الخليفة العباسي الثاني السفاح، وما إن دلكته له خليلته المصرية من تانيس - الغادرة - حتى تمدد ميتا، السفاح يموت.
فكم من ندبات تحملها القلب! وكم من جراح كانت تفيض بها حكايات القرى وفابيولاتها! تسأل: أهي ذاتها الندبات، الجراح، حتى هنا، لعله ذات الفم، التم، الإيقاع.
كان قد قدم إلى بيروت هاجا بجلده من قهر مدن أكثر حصارا من القاهرة، وكان قد عبر سلسلة متوالية من المصائد والحصارات من جمارك وتفتيش مرورا بعمان، الزرقاء، دمشق وبيروت، ألعلها ذات الحكايات، الحواديت؟
قالت: انقطعت طفولتي بقرية الجنوب اللبناني السليبة - راشيا الفخار - منذ الطفولة وانقطاع الفطام. تربيت عند تيتا - في القنيطرة، وحين تعلمت المشي وجاءت أمي للعودة بي وتعميدي اخترتها أشبينتي. لم أكن أعرفها، وحين التقيت للمرة الأولى بإخوتي، غريبة تائهة، انهالوا علي ضربا جميعهم من كل جانب، كمثل جوارح صغار.
ناپیژندل شوی مخ