الفصل الخامس
عانى المهاجر حين اندفع خارجا من باب الأسانسير، ومدخل البناية الداخلي المطوق والمتعانق بجذع شجرة عنب عملاقة مجففة، ماتت منذ زمن.
عانى من استقبال عينيه لضوء النهار المتقدم، حين تلقفه الشارع، دلف عبر صفوف السيارات وتاكسيات الخدمة العامة والشاحنات، من جانب لآخر، ومن تقاطع لما يعقبه، تطلع هنا وهناك للقناصة على أسطح البنايات الشاهقة يدخنون ويفطرون في تراخ، تذكر البكاء ليلا.
تناول قهوته واقفا مشعلا غليونه في وجه المارة. الناس هنا لا يتطلعون في وجوه بعضهم البعض بالقدر الكافي، سوى أن أحدهم دلق بضعة قطرات من قهوته على سترته معتذرا.
وتطوعت عجوز بإزالة البقعة بمنديلها.
اندفعت مجموعة من الجنود جارية في أعقاب سيدة ضخمة حافية بيدها مشعل مضاء بالقار والزيت في وضح النهار.
وكما لو أن القهوة حركت معدته، ذلك أنه قاوم طويلا وسط الزحام والتدافع؛ لينتحي جانب الشارع مرجعا.
خلف نفسه ماشيا في اتجاه معاكس للجند الفارين أو المنتصرين، وعند آخر الشارع، شاهد المرأة تعتلي أطلال بناية قديمة بيدها مشعلها، وشعرها الطويل الفاحم استطلعها من زوايا الطريق فترة؛ ليجد أنها على ما يبدو اعتلت قاعدة نصب تذكاري أو تمثال رخامي متهدم وليست بناية، ومن حولها الجند، وراحت تخطب مهددة: قاتلوهم، سدوا الطرقات.
اندفع يجري في الجهة المقابلة، مسندا منظاره بيده اليسرى بينما الناس تتدافع من حوله، وتسبقه بمسافات واضحة القسمات، حتى النساء المنفضة من حول أفران الخبز والسوبر ماركتس وعربات الخضار، لينضممن إلى طوابير الجارين.
دوت طلقات الرصاص، وجاءه صوت المرأة الضخمة البنيان، وكما لو كان يعنيه هو بذاته: سدوا الطرقات ... المنافذ ... ادفعوا بأيديكم الطويلة، كل وكر وجحر وبطن أم.
ناپیژندل شوی مخ