أي بني، لقد أتاك المنون سريعا، فلبيته مطيعا، وقضيت رضيعا. أي بني، ما سلمت حتى ودعت، وما أفقت حتى هجعت، ولم يكحل الدهر عيني بمرآك حتى سلبني إياك، أتراك يا ولدي سئمت البقاء، وكرهت الأحياء، فأزمعت سفرا طويلا، وابتغيت في غير هذه الدار مقيلا، فإذا لاقيت وجه الله فقل اللهم اغفر ذنب والدي، فهما جنيا علي.
هذه هي العبارات التي كنت أرددها سرا حول سرير الميت، وكان موسدا ومحاطا بالأزهار والرياحين لابسا ثوبا أبيض من الحرير الناعم، وكان رأسه موسدا مخدة من الحرير أيضا محشوة بريش النعام.
ثم أتوا بالنعش، وكان من الصندل المغشى بالنقوش المذهبة الجميلة، فاقترب درتيل من الطفل يشاء أن يضعه في النعش فنظرت إليه ريتا نظرا مخيفا، وقالت: دع هذا الأمر عنك، فأنا أحق به من سواي.
ثم أخذت الميت كما كانت تأخذه يوم كان حيا وقبلته قبلا تشف عن فؤاد حزين ثاكل ، وقالت: هذه آخر قبلة يا ولدي المحبوب، وهذه آخر نظرة تتذودها أمك الثكلى، وهذه آخر مرة تضمك إلى صدرها المتقد الولهان، ووضعته في النعش، وجعلت المخدة تحت رأسه، كأنها خافت أن يناله ألم، ثم فرشت الأزهار على رأسه وصدره، وقالت: أهذه هي النومة الأخيرة أم أراك أيضا يا ولدي؟ أي بني أستودعك جماد القبور، وما كنت أرضى لك مقاما غير الصدور، أوتوسد التراب والعظام! وما كنت أرضى لك وسادة ريش النعام:
أتفجعني يا ابني وأنت سعادتي
فيا مثكلا قلبي إلى أين مزمع
وما كنت أرجو أن تكون مفارقي
وما كنت أرجو أن أراك تودع
ترى لهذا البين أفديك آخر
وهل لزمان الصفو والأنس مرجع
ناپیژندل شوی مخ