في تلك الأثناء كانت لورا قد سبقتني لدخول البيت «وكأنها خافت أن أعدل»، بل كانت قد صعدت السلم ووقفت على رأسه تنتظرني أن أوافيها، وحمدت الله أني كنت قد انتقلت إلى الزمالك؛ فلو حدث هذا المشهد في بولاق لتجمع الشارع علينا. وكيف لا يتجمعون حول شاب أعزب معه ثلاث فتيات: اثنتان أجنبيتان، وواحدة مصرية، وحديث مرتبك مختلف يدور بينهن وبينه؟
ومع هذا فقد تصرفت بخجل شديد وكأني لا أزال في بولاق، وكان كل همي أن أنهي الموقف بسرعة مع أن سانتي كانت قد بدأت تطرق مواضيع أخرى بحديثها، وراقية كانت قد بدأت تبتعد عنا مستعجلة، ولورا واقفة في أعلى السلم تنتظر.
وانتهى المشهد كما أردت.
مضت سانتي وراقية، وبدأت أنا أصعد السلم ككل مرة ثلاث أو أربع درجات في وثبة واحدة، كنت لا أزال خجلا مرتبكا وسعيدا فرحا أفكر باستمتاع كبير فيما حدث، وكيف أنها لم تخط ناحيتي خطوة واحدة فقط، ولكنها مشت شوطا بعيدا، شوطا كلفها مجيئا بالليل وانتظارا أمام البيت واختلاق حجج.
غير أني في منتصف السلم توقفت؛ فقد خطر لي خاطر استبشعته إلى درجة دفعتني للتوقف عن الصعود فعلا، لماذا لا تكون قد جاءت حقيقة للبحث عن شوقي، وأكون أنا قد فهمت الموضوع وفسرته كما حلا لي، وأكون أكبر عبيط على سطح الأرض؟
جفف الخاطر بقدومه الناعق المفاجئ ريقي، وجفف أيضا سعادتي ونشوتي تلك التي كنت قد بدأت أحسها.
ووجمت، وحتى لم أحفل بالاعتذار للورا عن تركي لها واقفة كل تلك المدة على السلم، وفتحت الباب، وتقدمتني لورا بكل ألفة وكأن البيت بيتها، وكأنها دخلته آلاف المرات. تقدمت وأشعلت النور في حجرة المكتب، وخلعت حذاءها وتربعت على الكرسي الأسيوطي واضطجعت بظهرها إلى الوراء لتستريح في جلستها. فعلت هذا كله ببساطة، وقبل أن أجلس أنا أو أفكر حتى في الجلوس. وشغلني التفرج على تصرفات لورا الرياضية هذه عن الخواطر المتداخلة المرتبكة التي كانت قد تجمعت في رأسي وكدت أضحك، بل أغراني تصرفها هذا على أن أفعل أنا الآخر كالرياضيين، فخلعت «الجاكتة» وألقيتها بإهمال الأسبورتسمن جانبا، وتمددت على الكنبة بطولي، وأنا أشكو بأنفاس لاهثة من طول السلم.
وما كاد هذا يحدث حتى وقع شيء لم أتوقع حدوثه أبدا؛ فقد دق جرس الباب، وذهبت لأفتح وإذا بها سانتي، وإذا بها تدخل محرجة مرتبكة قائلة: نسيت أن أخبرك بشيء. وقبل أن تخبرني ما هو ذلك الشيء كانت قد أكملت سيرها إلى حجرة المكتب.
ورفعت لورا رأسها وتلاقت أنظارهما بلا ضجة اصطدام أو استنكار. وكنت قد وصلت إلى الحجرة، ووجدت سانتي واقفة في وسطها، ووجهها شاحب قليلا وعيونها زائغة، تنظر أكثر ما تنظر إلى الأرض، والحرج لا يزال واضحا جدا في ملامحها.
ولم تكن قد قالت بعد ذلك الشيء الذي نسيت أن تخبرني به.
ناپیژندل شوی مخ