وقلت وأنا أركز انتباهي كله على فمها حين ضيقته وشكلته ليبدو ماكرا متحمسا: تعلمين طبعا أني لن أرفض.
وفي المساء كنت واقفا أمام أيوارت أنتظرها وأحاول أن ألعب مع نفسي لعبة القط والفأر، أحيانا أقول سأقف في مكان لا تراني فيه حين تجيء لأدعها تنتظرني إذا جاءت، وأحيانا أسحب الفكرة. أحيانا أهيم في الوجوه الداخلة المقبلة في عربات وتاكسيات وأنتقي أجمل قادمة وأقول لنفسي: هيه، لو خيرت بينها وبين سانتي، فمن ذي تختار؟
وأبتسم في سخرية؛ فمجرد المبدأ لا تقره نفسي، والليلة ليلة شتاء، والمعاطف الصوف والقفازات وازدحام المدخل. والناس حين تتفرج على الناس، وأنا واقف بينهم، أسعد منهم جميعا. أستعذب انتظاري وأتطلع بعيون واثقة تجاه الميدان، عيون متأكدة أنه بعد لحظة أو لحظات ستبدو لها تلك الكائنة الحلوة الدقيقة ، وستملأ حدقتيها ولن تعود ترى سواها.
وفجأة وجدت يدا توضع على كتفي، يدا أعرف أصابعها الضخمة تماما، يد لورا، والتفت وتصنعت الدهشة والفرحة؛ «إذ في الحقيقة كان قد ضايقني ظهورها المفاجئ هذا»، وبطريقتها الصارخة المهرجة سألتني: أين كنت؟ ولماذا أنا واقف سارح؟ وهل أنا أنتظر أحدا؟ ولم تنتظر لتسمع إجابتي على أي من أسئلتها، إنما بنفس الاندفاع والحماس قالت: هل ممكن أن أقف معك؟
ورحبت بوقوفها طبعا، وسألتها بدوري أين كانت وحدها؟ وأجابتني بسرب من الإشارات والتحيات تبادلتها مع شلة كبيرة من أصدقائها البنات والشبان، شلة من تلك الشلل التي تذهب إلى الرحلات معا وترقص معا وتقضي السبت والأحد معا، ويقولون لبعضهم البعض: هاي بوي، هاي جيرل.
وفجأة أيضا ظهرت سانتي وأقبلت علينا، وتبادلنا السلام، وقالت لورا باندهاش عظيم: هل تعرف ...؟
وأدركت أنها سترتكب خطأ لو قالت اسمها، فأحرجت وتلجلجت، وقلت لأنقذها: طبعا.
ودخلنا القاعة.
وكما توقعت تماما تركت لورا شلتها وجاءت وجلست معنا.
وجلست أنا وكأني هارون الرشيد عن يميني سانتي وعن يساري لورا، وأصابع جورج تملي المعجزة تشيع في أنحاء الصالة الواسعة أقوى وأرق ألحان جادت بها قريحة بشرية، أنغام كونسرتو البيانو رقم 3 لبيتهوفن.
ناپیژندل شوی مخ