الجزء 14
في صلاة الوتر من كتاب الأشراف
قال أبو بكر: دلت أخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن فرائض الصلوات خمس، وما سواهن تطوع، وقد ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله وتر يحب الوتر"، وقد روينا عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من خاف أن لا يستيقظ آخر الليل فليوتر من أول الليل فإن قراءة آخر الليل قط، ومن طمع أن يستيقظ في آخر الليل فليوتر من آخر الليل فإن قراءة آخر الليل محفوظة" في نسخة: محظورة، فذلك أفضل. يدل قوله إن ذلك أفضل على أن وتر آخر الليل أفضل.
مخ ۳۷
وقد اختلفت أفعال الأولين في هذا الباب، فكان أبو بكر الصديق يوتر أول الليل، وأوتر عثمان بن عفان قبل أن ينام، وفعل ذلك عامر بن عمير لما أسن، وروي ذلك عن نافع بن جريج، وكان عمر بن الخطاب ينام على شفع ويوتر آخر الليل، وكان علي بن أبي طالب وعيد الله بن مسعود يوتران آخر الليل، واستحب ذلك مالك بن أنس وأصحاب الرأي وسفان الثوري، وقد ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فواحدة". وقد اختلف أهل العلم في عدد ركعات الوتر، فكان ابن عمر يقول: الوتر ركعة. وممن روينا عنه أنه قال: الوتر ركعتان عثمان بن عفان وسعيد بن مالك وزيد بن ثابت /6/ وابن عباس ومعاوية بن أبي سفيان وأبو موسى الأشعري وابن الزبير وعائشة أم المؤمنين، وفعل ذلك معاذ القاري ومعه رجال من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ينكر ذلك منهم أحد، وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح ومالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه، وقال أبو ثور: يصلي ركعتين، ثم يسلم ثم يوتر بركعة. وقالت طائفة: يوتر بثلاث، وممن روي عنه ذلك: عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبي بن كعب وأنس بن مالك وابن مسعود وابن عباس وأبو أمامة وعمر بن عبد العزيز، وبه قال أصحاب الرأي. وقال سفيان الثوري: أعجب إلى ثلاث، وأنا أحب الوتر بثلاث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة. قال أيوب الأنصاري: من شاء أن يوتر بسبع، ومن شاء أن يوتر بخمس، ومن شاء أن يوتر بثلاث، ومن شاء أن يوتر بركعة. وقال ابن عباس: إنما هي واحدة أو خمس أو سبع أو أكثر من ذلك يوتر بما شاء.
مخ ۳۸
وقال سعيد بن أبي العاص: ثلاث أحب إلي من خمس. وروينا عن عائشة أنها قالت: الوتر بسبع أو بخمس، والثلاث وتر، وروي عن أبي موسى الأشعري قال: ثلاث أحب إلي من واحدة، وخمس أحب إلي من ثلاث، وسبع أحب إلي من خمس. وروينا عن زيد بن ثابت أنه كان يوتر بخمس ركعات لا ينصرف فيها. كان سفيان الثوري يقول:الوتر ثلاث أو خمس أو سبع وتسع وإحدى عشرة، وكان إسحاق يقول: إن شئت أوترت بركعة، وإن شئت بثلاث، وإن شئت فبخمس، وإن شئت فبتسع، لا تسلم إلا في آخرهن إذا فرغت, وإن أوترت بإحدى عشرة سلم في كل ركعتين ثم أفرد الوتر بركعة. وقد اختلف أهل العلم في الرجل يوتر بركعة ليس فيها شيء كأنها العشاء الآخرة يوتر بركعة، فممن روي عنه أنه فعل ذلك عثمان بن عفان وسعد بن مالك ومعاوية بن أبي سفيان، وقال ابن عباس: أصاب، يعني معاوية، وروي ذلك عن أبي موسى الأشعري وابن عمر وابن الزبير، وبه قال سعيد بن المسيب وأحمد بن حنبل وأبو حشمة وأبو أيوب، وعلى هذا مذهب الشافعي، وكان مالك يكره ذلك.
/7/ قال أبو بكر: أحب أن يصلي المرء بما شاء قضى له من الليل بركعتين، ثم يوتر بواحدة، وإن أوتر بواحدة ليس فيها شيء فهو جائز.
مخ ۳۹
قال أبو سعيد: معي أنه يخرج في شواهد هذا القول ثبوت صلاة الوتر بالاتفاق على أنها الوتر، وأن الوتر خلاف للشفع، وأن الوتر من واحدة فصاعدا، وأما ما وقع وترا على هذا يقتضي ثبوت معاني أحكام الوتر، ومعي أن هذه الأخبار هي على ما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يوتر بركعة وبثلاث وبخمس إلى إحدى عشرة فيما يروى، ولا أعلم أن أحدا قال بأكثر من إحدى عشرة ركعة فيما يروون عنه، ولا قيل عن غيره، وهذا كله مساغ في معاني ثبوت أحكام الوتر، وأما مدار ما أدركنا عليه معاني القول من أصحابنا أن الوتر معهم واحدة أو ثلاث أكثر ما قالوه، فمن أوتر بواحدة فلا فصل فيها ولا وصل وهي مفردة، ومن أوتر بثلاث فقد قيل: من شاء فصل ومن شاء وصل، ومعنى الوصل فيما عندي أنه قيل: يصلي ركعتين ثم يصلي إليها بركعة ثالثة بغير تسليم ولا توجيه، ومعنى الفصل أنه يصلي بركعتين ثم يسلم ثم يأتي بركعة، منهم من يقول بتوجيه جديد، ومنهم من يقول بغير توجيه، والوصل عندي أصح لثبوت معنى القول: إن التسلم إحلال الصلاة، فلا تكون صلاة تسمى موصولة بمعنى واحد، فيثبت فيهما معنى التسليم؛ لأن التسليم قاطع للصلاة، والذي يقول بالفصل عندي معنا وتر بركعة واحدة.
مخ ۴۰
ومنه قال أبو بكر: واختلفوا في الفصل بين الشفع والوتر، فكان ابن عمر يسلم من الركعة والركعتين من الوتر، حتى يأمر ببعض حاجته، وهذا مذهب معاذ القاري وعبد الله بن عباس وابن أبي ربيعة ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل وابن راهويه وأبي ثور، وحكي عن الكوفي أنه قال: لا يفصل بين الركعة والركعتين بتسليم، وقال بتسليم، وقال الأوزاعي: يفصل بخمس وإن لم يفصل فحسن. قال أبو بكر: بقول ابن عمر أقول. وقال مالك بن أنس في الإمام الذي يوتر بالناس في رمضان بثلاث: لا يسلم أن يصلي خلفه ولا يخالفه، وقال مالك: /8/ كنت أصلي معهم، فإذا كان الوتر انصرفت ولم أوتر معهم، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له بقية ليلته".
قال أبو سعيد: معي أنه قد مضى ذكر الوتر، والفصل بين الشفع والوتر، وشبه معاني قول أصحابنا مما يشبه الاتفاق إن صلاتهم بعد العشاء الآخرة شفعا يفصلون بين ذلك بالتسليم، فإذا أراد الوتر كان الوتر معهم بثلاث أو بواحدة، مفصول ذلك عما صلى من الأشفاع قل أو كثر، فمن أوتر بواحدة فذلك، ومن أوتر بثلاث فمنهم من يفصل بالتسليم بين الاثنتين والواحدة ويوجه، ومنهم من يفصل ولا يوجه، ومنهم من لا يفصل بين الثلاث، وهو أكثر قولهم، والعمل منهم به عندي.
مخ ۴۱
ومنه قال أبو بكر في حديث عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر فأوتروا قبل الفجر"، وأجمع أهل العلم على أن ما بين صلاة العشاء الآخرة إلى طلوع الفجر وقت الوتر. واختلفوا فيمن لم يوتر حتى طلع الفجر، فقالت طائفة: إذا طلع الفجر فقد فات الوتر، كذلك قال عطاء بن أبي رباح وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير، وقال سفيان الثوري وإسحاق بن راهويه وأصحاب الرأي: الوتر ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر. وروينا عن ابن مسعود أنه قال: الوتر ما بين صلاتين، وروي عن ابن عباس أنه أوتر بعد طلوع الفجر، وروي ذلك عن ابن عمر، ممن روي عنه أنه أوتر بعد الفجر عبادة بن الصامت وأبو الدرداء وحذيفة بن اليمان وابن مسعود وعائشة أم المؤمنين. وقال مالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل: يوتر ما لم يصل يصبح، ورخص سفيان الثوري والأوزاعي بعد طلوع الفجر. وقال إبراهيم النخعي والحين البصري والشعبي: إذا صلى الغداة فلا يوتر. وقال أيوب السجستاني وحميد الطويل: إن أكثر وترنا بعد طلوع الفجر. وفيه قول ثالث: وهو أن يصلي الوتر وإن صلى الصبح، هذا قول طاووس، وكان النعمان يقول: عليه قضاء الوتر، وإن صلى الوتر إذا لم يكن أوتر. وفيه قول رابع: وهو أن يصلي الوتر وإن طلعت الشمس، هذا القول عن عطاء بن أبي رباح وطاووس ومجاهد /9/ والحسن البصري والشعبي وحماد بن أبي سليمان، وبه قال الأوزاعي وأبو ثور، وقال سعيد بن جبير فيمن فاته الوتر: يوتر في القابلة. وفيه قول خامس، واختلفوا في من ذكر الوتر وهو في صلاة الصبح فقال الحسن: يوتر ثم يصلي الصبح، وكذلك قال مالك: إذا كان نسي وتر ليلة، وكذلك يفعل عند تلك، إذا كان خلف الإمام. وحكى أبو ثور عن الشافعي أنه قال فيمن صلى الفجر وعليه الوتر: صلاته تامة، وبه قال الثوري، وكذلك يعقوب ومحمد ويوتر إن شاء.
مخ ۴۲
واختلفوا فيمن نسي العشاء فأوتر ثم صلى العشاء، فقال سفيان الثوري والنعمان: لا يعيد الوتر، وقال مالك ويعقوب ومحمد: يعيد، قال أبو بكر: يعيد استحبابا ما دام في الليل.
قال أبو سعيد: معي أنه يخرج في قول أصحابنا ما يشبه معنى الاتفاق أن وقت الوتر بين صلاة العشاء الآخرة إلى طلوع الفجر، وأنه لا يسع تركه لبعد غير نسيان، ولا نوم إلا من عذر أو من نسيان أو ما يشبه ذلك من العذر في ترك صلاته لعذر حتى يطلع الفجر، كسائر الصلوات الفائتات مع الحاضرات، وقد اختلف في ذلك، وقد مضى معنى الاختلاف في مثل هذا، ولعل أوسط ما قيل: إنه يصلي الوتر ما لم يخف فوت صلاة الفجر، فإن خاف الفوت صلى الحاضرة، وكذلك يعجبني، ولو تركه لذلك متعمدا أو لمعنى جهالة، ففي بعض قول أصحابنا عليه ما على من ترك الفرائض من لزوم الكفارة، ومنهم من لا يرى عليه الكفارة، ومعاني الاتفاق يوجب عليه الإثم في قولهم بما يشبه معنى الكبير، وإذا لم يصله لعذر أو لغير عذر فلابد من صلاته وإعادته مع التوبة من تركه بغير عذر، كان ذلك قبل صلاة الفجر أو بعدها، أو بعد طلوع الشمس أو بعد ذلك، ولا يخرج في قول أصحابنا ترخيص في تركه، والاختلاف فيه إلى بعد الفجر، وإن صح فهو الذي رواه، فلعل ذلك عن نوم أو نسيان، وأصح القول ما حكاه إنه منذ صلاة العشاء الآخرة إلى طلوع الفجر، فأما إذا نسي حتى أوتر قبل العشاء الآخرة في وقتها قبل انقضاء وقتها فلا أعلم يخرج في قول أصحابنا /10/ إن وتره يقع على حال، وعليه إعادته لمعنى قولهم في الوقت أو غير الوقت، وأما إن صلى قبل صلاة العشاء الآخرة -لعله بعد فوات وقتها- وهو ذهاب نصف الليل، فمعي أنه يختلف في ذلك فيخرج في بعض قولهم: إنه جائز؛ لأنه قد صلى في وقته، وقد فات وقتها هي، فصارت بدلا عليه، وفي بعض قولهم: إنه لا يقع على حال، ويعجبني القول الأول إذا وقع في وقته، وكانت هي بدلا إذا انقضى وقتها.
مخ ۴۳
ومنه قال أبو بكر: واختلفوا في الرجل يوتر ثم ينام، ثم يقوم للصلاة، فقالت طائفة: يصلي الركعة التي أوتر بها قبل أن ينام بركعة أخرى، ثم يصلي ما بدا له، ثم يوتر في آخر صلاته، هذا قول إسحاق بن راهويه. وممن روينا عنه شفع وتره عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وابن عمرو وابن مسعود وابن عباس وعمرو بن ميمون وابن سيرين، وهو مذهب ابن عباس وابن مسعود. وقال إسحاق: إذا نقض وتره أو فرق في آخر صلاة، وقال ابن عمر: إنما هو شيء فعله برأي لا أرويه عن أحد، وقد روينا عن أبي بكر الصديق أنه قال: أما أنا فأنام عن وتر، فإن استيقظت صليت شفعا حتى الصباح، وروينا هذا المذهب عن عمار بن ياسر وعامر بن عمر وعائشة، وروي عن سعيد وابن عباس هذا القول، وكان علقمة لا يرى نقض الوتر، وبه قال إبراهيم النخعي وأبو مخلد ومالك بن أنس والأوزاعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور.
قال أبو سعيد: معي أنه يخرج في قول أصحابنا بمعنى الاتفاق على نحو ما حكي عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ومن قال بمثل قوله، ومنه إذا أوتر بعد العشاء الآخرة أول الليل تم وتره ولو قام آخر الليل لصلاة النفل، ويصلي ما أدرك وما شاء بعد الوتر قبل النوم أو بعد النوم شفعا أكثر ما قيل في صلاة النفل، إنه شفع في الليل أو النهار، وقد روي عن جابر بن زيد أنه صلى العشاء الآخرة ثم تنحى عن مقامه فأوتر بركعة واحدة ، فقرأ فيها {مدهامتان}، ثم دخل بيته فأحيا ليلته بصلاة النافلة، ولم ينم فيها إلى الصبح، معناه لا يقطع الوتر صلاة النافلة قبل /11/ النوم ولا بعد النوم.
ومنه قال أبو بكر: واختلفوا في الصلاة بعد الوتر، فكان مالك لا يعرف الركعتين بعد الوتر. قال الأوزاعي: إن شاء ركعهما. وقال أحمد بن حنبل: لا أفعله، وإن فعله إنسان حسن، وأرجو أن لا يضيق عليه. قال أبو بكر: إلا أن بالأصول بالثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ركعتين وهو جالس بعد الوتر.
مخ ۴۴
قال أبو سعيد: معي أنه قد مضى القول في مثل هذا، وما رواه أبو بكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو الثابت بمعنى الاتفاق، ولا معنى لمعنى الصلاة للنفل، فمعنى صلاة الوتر وقد جاء القول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في معنى صلاة العشاء الآخرة إنه لا نوم قبلها ولا سمر بعدها، إلا لمصل أو مسافر أو لذاك، مما يثبت معنى الصلاة، وإطلاقها قبل النوم وبعد النوم، وقد يستحب للإنسان أن يكسر عن نفسه سلطان النوم، ويقوم للصلاة بعد النوم، ومن ذلك ما يشبه قول الله تبارك وتعالى: {إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا} فقيل في التأويل: إن الناشئة كل صلاة بعد النوم بعد العشاء الآخرة.
ومنه قال أبو بكر: جاء الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يوتر بثلاث ركعات، لعله يقرأ في أول ركعة: {سبح اسم ربك الأعلى}، والثانية: {قل يا أيها الكافرون}، والثالثة: {قل هو الله أحد}، بهذا قال سفيان الثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق وأصحاب الرأي. وقال ابن أنس الذي أخذته في خاصة نفسي وأقرأ به: {قل هو الله أحد} والمعوذتين في ركعة الوتر، فأما الشفع فلم يبلغني فيه شيء معلوم. وقال الشافعي: يقرأ في الركعتين قبل الوتر بسبح اسم ربك الأعلى في الأولى، وفي الثانية: بقل يا أيها الكافرون، وفي الثالثة: بقل هو الله أحد وبقل أعوذ برب الفلق وبقل أعوذ برب الناس.
مخ ۴۵
قال أبو سعيد: معي أنه يخرج في قول أصحابنا بمعنى الاتفاق إن الوتر ركعة أو ثلاث، فيقرأ فيه فاتحة الكتاب في جميع الركعات وما تيسر من القرآن، وليس بأشد من الفرائض، وجاء فيها المرسل من القراءة، إلا أنه قد يروى هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو حسن، وقد يفعل ذلك، ويرويه بعض أصحابنا فيقرأ في الركعة /12/ الأولى من الوتر بفاتحة الكتاب وب {سبح اسم ربك الأعلى}، والثانية: {قل يا أيها الكافرون}، وفي الثالثة: بآية الكرسي و{قل هو الله أحد}. وثابت القول أن ليس في ذلك تأكيد في شيء من القراءة، ولا ممنوع شيئا من القراءة إلى غيره.
ومنه قال أبو بكر: ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يوتر على الراحلة، وقال بظاهر هذا لحديث عن ابن عمر وعطاء بن أبي رباح ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل أبي ثور، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب وابن عباس، وقال إبراهيم النخعي: كانوا يصلون الفريضة والوتر بالأرض، وقال سفيان الثوري: لا بأس أن يوتر على راحلته، فالوتر بالأرض أحب إلي، وحكي عن النعمان أنه قال: لا يوتر على الدابة.
مخ ۴۶
قال أبو سعيد: معي أنه يخرج في معاني قول أصحابنا أن الوتر سنة لازمة لا يجوز تركها، ولا تجوز صلاتها، إلا بمعنى ما تجوز صلاة الفريضة، ويلزم فيها ما يلزم في الفريضة، وقد قال من قال منهم: إنها فريضة، ولا أعلم بينهم اختلافا أنه لا تجوز الصلاة راكبا لمن قدر على النزول ولم يكن له عذر يوجب له معنى الركوب من خوف أو معنى من المعاني، وكذلك لا يجوز في الوتر معي، ولا تخيير فيه، ولا يجوز التخيير فيه بين القيام والقعود إذا أمكن المصلي الصلاة قائما، ولا راكبا إذا أمكنه نازلا لا في شيء من الفرائض ولا في السنن الثابتة اللازمة. [بيان، 14/12] من كتاب الأشراف قال أبو بكر: ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" واختلفوا فيه، فقالت طائفة بظاهر الحديث، هذا قول أبي هريرة، وروينا عن ابن عمر أنه كان يمر على الصلاة بعد الإقامة، وقال ابن عمر: فعل ذلك أي صلى الصبح أربعا، وكره ذلك سعيد بن جبير وابن سيرين وعروة بن الزبير، وبه قال الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور، وفيه قول ثان: وهو إباحة أن يصليها والإمام يصلي، روي عن ابن مسعود أنه فعل ذلك، وقد روي عن ابن عمر أنه فعل ذلك، دخل المسجد والناس في الصلاة، فدخل بيت حفصة فصلى ركعتين، ثم خرج إلى المسجد فصلى، وهذا مذهب مسروق ومكحول والحسن البصري ومجاهد وحماد بن سليمان، وقال مالك: إن لم يخف أن يفوته الإمام بركعة فليركع خارجا قبل أن يدخل، إن خاف فوات الركعة فليدخل مع الإمام. وقال الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز: إن تركعهما في ناحية المسجد ما طمعت أنك مدرك للركعة الأخيرة، /25/ وإن خشيت من الأخيرة فادخل مع الناس. وقال النعمان: يجزيه قول الأوزاعي.
مخ ۴۷
قال أبو سعيد: إنه يخرج في معاني قول أصحابنا نحو من هذا، والرواية أنه لا صلاة إذا أقيمت الصلاة في المسجد إلا المكتوبة، وقيل: إلا ركعتي الفجر في بعض الحديث، ويخرج تأويل هذا عند أصحابنا في المسجد بمعنى المنع، وفي غير المسجد بمعنى القصد لدرك الجماعة. ويخرج من قولهم: إنه إذا أتى المصلي والإمام في الصلاة أن بعضا يقول إن الدخول في صلاة الجماعة أفضل، ولا يفوته شيء منها أحب إليه، ويدخل في صلاة الجماعة لموضع فرضها ووجوبها، ويبدل ركعتي الفجر، وفي بعض قولهم: إنه إذا رجا أن يركعهما حيث تجوز له الصلاة، ويدرك مع الإمام الركعتين جميعا، ولا يفوته معنى الواجب فيركعهما، ثم يدخل في الجماعة. وقال من قال: ولو فاتته ورجا أن يدرك بركعة فليركعهما، ولا أعلم اختلافا في معنى ما يأمرون به، إنه إذا خاف فوت الجماعة بالركعتين جميعا أن يدخل في صلاة الجماعة ويؤخر الركعتين، ويخرج في معاني قولهم بما يشبه معنى الاتفاق أنه يجوز أن يصلي الركعتين في المسجد من حيث لا تجوز الصلاة بصلاة الإمام، حيث هو إذا اتصلت الصفوف في مقدم المسجد أو في جانبه، وأما في مؤخر المسجد وحيث تجوز الصلاة بصلاة الإمام إذا اتصلت الصفوف، فقال من قال: لا يجوز ذلك، إلا في مثل المساجد الكبيرة في مؤخرتها، ولا يجوز في مثل المساجد الصغيرة، وهذا يخرج عندي معنى انفساح المصلي عن الإمام والجماعة، فيدخل منع ذلك على المصلي في المسجد الكبير، كما يدخل منعه عليه في المسجد الصغير، إذا ثبت معنى المنع أنه إنما يخرج المعنى في المسجد الكبير لانفساح المصلي عن الإمام والجماعة، وهذا في معنى ظاهر القول، ولا يثبت له معنى غير هذا عندي، وإذا كان هكذا فقد يجوز أن تتصل الصفوف حتى يأخذ المسجد الكبير كله أو يقرب من مؤخره، كما قربت الصفوف من مؤخر المسجد الصغير. [بيان، 14/25]
مخ ۴۸
جماع صلاة التطوع قال أبو بكر: ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها"، واختلفوا في الوقت الذي يقضي فيه ركعتي الفجر من فاتته؟ فقالت طائفة: يركعهما بعد طلوع الفجر، هذا قول عطاء بن أبي رباح وطاووس وابن أبي جريج، وفيه قول ثان وهو أن يقضيهما بعد طلوع الشمس، فعل ذلك ابن عمر، وبه قال القاسم بن محمد، وقال مالك بن أنس: إن شاء قضاهما صبحا إلى نصف النهار، وإن شاء تركهما ولا يقضيهما بعد الزوال. وممن قال يقضيهما بعد طلوع الشمس: الأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، فاستحسن ذلك أبو ثور وأصحاب الرأي، إن أراد قضاهما إذا ارتفعت الشمس.
قال أبو بكر: يقضيهما إذا صلى الصبح أحوط، وإن قضاهما بعد طلوع الشمس يجزيه.
قال أبو سعيد: معي أنه يخرج في قول أصحابنا أنه من ترك ركعتي الفجر بمعنى عذر أو سبب من الأسباب حتى صلى الفجر أنه لا يصليهما حتى تطلع الشمس، ثم يصليهما بعد طلوع الشمس، ووقتهما في ذلك اليوم إلى زوال الشمس، وهذا فيما يستحب، وإن أخرهما بعد ذلك فلا بأس . ويخرج في قولهم: إن له أن يبدلهما بعد صلاة العصر وبعد صلاة الفجر من قابل، ولم أعلم اختلافا من قولهم في هذا، وقالوا لا يصليهما بعد صلاة الفجر ذلك اليوم، ولا أعلم لهم في /30/ هذا معنى يبين لي منع ذلك عن صلاتهما بعد صلاة الفجر ذلك اليوم، إذا جاز في غير ذلك اليوم أو بعد العصر، والله أعلم.
ومنه قال أبو بكر: واختلفوا فيمن نسي صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، وأراد قضاء ركعتي الفجر؟ فقال مالك: يبدأ بالمكتوبة، وكان الشافعي يرى أن يركعهما وإن طلعت الشمس. وقال النعمان: إن صلى صلاة الصبح ولم يصل ركعتي الفجر، ثم ذكرهما فلا قضاء عليه، وليس ذلك بمنزلة الوتر، وبه قال يعقوب. قال أبو بكر: يبدأهما ثم يصلي الصبح للثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه فعل ذلك يوم ناموا عن صلاة الصبح.
مخ ۴۹
قال أبو سعيد: معنا أنه إذا فات وقت صلاة الفجر فقد صار كله بدلا، فإذا كان عن عذر فأولى الأمر في ظاهر الحكم والمعنى أن يبدأ بما كان يبدأ به في الوقت، وهما الركعتان قبل الفريضة، وإن صلى الفريضة ثم ركع الركعتين كان ذلك جائزا؛ لأنه بدل كله، ولأنه لو صلى الفريضة كلها في وقتها في معنى الاختيار ولم يصل الركعتين يخرج في معنى الاتفاق أنه قد صلى، ولا يؤمر بذلك في الوقت ولا بعد الوقت، ويؤمر معنا أن يركع ركعتي الفجر، ثم يصلي الفريضة عند الفوت وفي وقت الصلاة، إلا أن يخاف فوت الفريضة، فإنه يخرج عندي بمعنى الاتفاق أنه يصلي الفريضة في وقتها، ولا يشتغل عنهما بالركعتين قبلها إذا خاف فوتها بذلك. [بيان، 14/30]
ومن كتاب الأشراف قال أبو بكر: واختلفوا في السجدة تكون آخر السورة؟ قال أبو مسعود يقول: إن شئت ركعت، وإن شئت سجدت، وبه قال الربيع بن خيثم وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأصحاب الرأي، وقال الشافعي وإبراهيم النخعي: يجزيه أن يركع بها، وكذلك قال علقمة والأسودين زيد ومشروق وعمر بن بن حبيل. واختلفوا في المرأة تقرأ السجدة؟ فقال قتادة ومالك بن أنس وإسحاق: لا يأتمون بها، وهو على مذهب الشافعي، وقال إبراهيم النخعي: هي إمامك.
قال أبو سعيد: معي أنه يخرج في قول أصحابنا أنه إذا كان آخر قراءة السجدة في الصلاة أنه يسجد في الصلاة، ولا أعلم أنهم يأمرون بالركوع قبل السجود، ولا يخرج أن الركوع يجزي عن السجود، ولكن يخرج عندي في قولهم: إنه يسجد ويقوم من السجود إلى الركوع. فقال من قال: يركع وليس عليه أن يقرأ بعد القيام من السجود، وقال من قال: لابد من القراءة؛ لأن هذا فعل فيقرأ ولو آية، ثم يركع ركوع الصلاة، ويمضي على الصلاة. [بيان، 14/42]
مخ ۵۰
في السجدة أيضا من كتاب الأشراف قال أبو بكر: واختلفوا في الحائض تسمع السجدة؟ فقال عطاء بن أبي رباح وأبو قلابة والزهري وسعيد بن جبير والحسن البصري وإبراهيم النخعي وقتادة: ليس عليها أن تسجد، وبه قال مالك بن أنس وسفيان والشافعي وأصحاب الرأي، وقد روينا عن عثمان بن عفان أنه قال: تومئ برأسها، وبه قال سعيد بن المسيب. قال: تقول سبحانك الله ولك سجدت.
قال أبو سعيد: معي أنه يخرج في قول أصحابنا إن الحائض إذا سمعت السجدة أنه لا سجود عليها؛ لأنه لا صلاة عليها في المكتوبة، وغير مأذون لها في الصلاة في معنى التطوع. وقال من قال: إذا طهرت واغتسلت سجدت، وهذا لا يخرج عندي إلا استحبابا، ولا أعلم من قولهم أنها تسجد وهي حائض، فإن أومأت برأسها طاعة لله وسبحته بغير سجود عندي حسن، وأما إذا سمعتها وعن طهرت من الحيض فمعي أن عليها إذا اغتسلت أن تسجد، وكذلك قيل في الجنب إنه إذا سمعها فإذا اغتسل سجد.
ومنه قال أبو بكر: واختلفوا في الرجل يسمع السجدة وهو على غير وضوء، فقالت طائفة: يتوضأ ويسجد، هكذا قال إبراهيم النخعي وسفيان الثوري وإسحاق بن راهويه وأصحاب الرأي، وقد روينا عن النخعي قولا ثانيا وهو أن يتيمم ويسجد، وقد روينا عن الشعبي قولا ثانيا وهو أن يسجد حيث كان وجهه.
قال أبو سعيد: معي أنه يخرج في قول أصحابنا نحو ما حكي أنه يتوضأ ويسجد، ولا يسجد إلا على وضوء، وقيل يتيمم ويسجد إن كان غير جنب ولا حائض. وقال من قال: يسجد على حاله؛ لأنها ليست بمنزلة الصلاة، وإنما هي ذكر، كذلك قيل في سجودها: إن الساجد لها لا يسجد لها إلا إلى القبلة، وينحرف إلى القبلة حين كان وجهه. وقال من قال: يسجدها /44/ حيث كان وجهه؛ لأنها ليست بمنزلة الصلاة وإنما هي بمعنى الذكر.
مخ ۵۱
ومنه قال أبو بكر: واختلفوا في المرء يسمع السجدة وهو في الصلاة، فكان إبراهيم النخعي يقول: لا يسجد إلا أن يكون ساجدا. وقال الحكم بن عتبة وحماد: يسجد. وقال الحسن البصري وابن قلابة وجابر: لا يسجد، وقد روينا عن ابن سيرين أنه قال: يسجد إذا انصرف.
قال أبو سعيد: معي أنه يخرج في معنى الاتفاق من قول أصحابنا أنه إذا سمع السجدة وهو في الصلاة أنه لا يسجد، وذلك عندي يخرج في الاتفاق في الفريضة والسنن اللازمة، ويخرج عندي أنه إذا سجد أن عليه الإعادة. ومعي أنه إن وافق سجود الصلاة الاستماع للسجدة فسجد للفريضة إن ذلك يجزيه في بعض القول؛ لأنه قد سجد عند استماع السجدة، وأرجو أن يجوز له أن يدخل اعتقاد السجدة معنا، ولا أحب له ذلك، فإن فعل رجوت أنه يسعه، وأما في النافلة من الصلاة فيعجبني أن يجوز له السجود، ويلحقه عندي معنى الاختلاف أن يسجد في النافلة سجدة القرآن، وكان ذلك عندي فضلا. ومعي أنه يخرج في قولهم إنه إذا لم يسجد لمعنى الصلاة إنه إذا سلم سجد.
ومنه قال أبو بكر: واختلفوا في السجود بعد صلاة العصر وبعد صلاة الصبح، فكرهت طائفة أن تقرأ السجدة في هذين الوقتين، كره ذلك مالك بن أنس، وقال أحمد بن حنبل لا تقرأ السجدة ولا يعيدها. وقال إسحاق بن راهويه: يعيدها إذا غربت الشمس. وقال أبو ثور: لا يسجد في هذين الوقتين، وروينا كراهة ذلك عن ابن عمر، وكان ابن المسيب ينهى عن ذلك، ورخصت طائفة في ذلك. قال الشعبي: إذا قرأت القرآن فأتيت على السجدة فاسجد أي ساعة كانت، وسجد الحسن البصري بعد العصر، ورخص عطاء وسالم بن عبد الله والقاسم وعكرمة في السجود في هذين الوقتين، وقال إبراهيم النخعي وحماد بن أبي سليمان: إذا كان في وقت صلاة فلا بأس، وقال الشافعي: في هذين الوقتين. وقال أصحاب الرأي: إذا كان بعد العصر قبل أن تغرب الشمس، وبعدما يصلي الفجر قبل أن تطلع الشمس سجدها.
مخ ۵۲
/45/ قال أبو سعيد: معي أنه يخرج في قول أصحابنا معنى الاختلاف في سجود السجدة بعد صلاة الفجر والعصر، ويعجبني جواز ذلك لثبوت السنة في سجودها، وإطلاق القراءة على كل حال، ويخرج ذلك من معنى الصلاة، وإنما هو على معنى الذكر والطاعة، ولا نعلم الصلاة تقع أقل من ركعة تامة، وإنما يثبت معنى النهي عن الصلاة بعد صلاة العصر والفجر.
ومنه قال أبو بكر: واختلفوا في عدد سجود القرآن، فروينا عن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يعدان سجود القرآن، فقال: {الأعراف والرعد والنحل وبني إسرائيل ومريم والحج أولها، والفرقان وطس وألم تنزيل وص وحاميم السجدة) أحدى عشرة سجدة، وقد روينا عن ابن عباس رواية أخرى أنه عددها عشرا، ويسقط السجود في (ص)، واختلفوا عن ابن عمر في السجدة الثانية من الحج، فقالت طائفة: سجود القرآن أربع عشرة سجدة: في الحج سجدتان، وفي المفصل ثلاث، وليس (ص) منها شيء، هكذا قال الشافعي، ووافق أبو ثور الشافعي في عدده، غير أنه أثبت السجود في (ص)، وأسقط السجود في سورة النجم. وقال إسحاق: في سجود القرآن خمس عشرة سجدة: (الأعراف والرعد والنحل وبني إسرائيل ومريم والحج سجدتان، وفي الفرقان والنمل وألم تنزيل السجدة، وفي (ص) وحاميم السجدة، وفي النجم وفي إذا السماء انشقت، واقرأ باسم ربك الذي خلق)، ووافق أصحاب الرأي إسحاق في كل ما قال، إلا السجود في الحج فإنهم قالوا: فيها سجدة واحدة.
مخ ۵۳
قال أبو سعيد: معي أنه يخرج معنى الاتفاق مما أدركنا عليه الثابت في مصحفنا، بلا معنى اختلاف في مصحف من المصاحف، ولا قراءة ثبوت ما يروى في أول الفصل عن ابن عباس وابن عمر أن سجود القرآن إحدى عشرة سجدة، وهي: (في الأعراف سجدة في آخرها، وفي الرعد سجدة على نحو العشرين آية، وفي النحل سجدة على نحو الأربعين منها، وفي بني إسرائيل سجدة، وهي عند تمامها، وفي مريم سجدة، وهي منها بعد الأربعين آية، وفي الحج سجدة، وهي منها على نحو من اثنين وعشرين آية، وفي سورة الفرقان سجدة، وهي فوق الخمسين آية /46/ منها، وفي سورة النمل سجدة، وهي منها فيما دون العشرين آية، وفي سورة ألم السجدة فوق العشر آيات، وفي ص سجدة، وهي منها دون العشرين آية، وفي حم السجدة على نحو ثلاثين آية) فهو الذي عليه الاتفاق من قول أصحابنا، ولا اختلاف في معنى ثبوت السجود في هذه الإحدى عشرة سجدة التي ذكرناها، وما سوى ذلك فمن سجد في شيء منه فسحن ذلك ما لم يتخذ ذلك دينا أو يخطئ من تركها.
ومنه قال أبو بكر: واختلفوا في الآية التي يسجد فيها من (حم) السجدة؟ فقالت طائفة: يسجد في الأولى منها {إن كنتم إياه تعبدون}، ويروى هذا القول عن ابن عمر، وبه قال الحسن البصري وابن سيرين وأصحاب الرأي وعبيد الله، وقال الأعمش: أدركت إبراهيم وأبا صالح وطلحة والزبير يسجدون الأولى، وبه قال مالك بن أنس والليث بن سعد. وقالت طائفة: السجدة فيها عند قوله: {وهم لا يسأمون} وروي ذلك عن سعيد بن المسيب وابن سيرين وأبي وائل، وبه قال سفيان الثوري وإسحاق بن راهويه، وكان أحمد بن حنبل يقول في سجود القرآن ما يقول في سجود الصلاة. وقال إسحاق: ليقل ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره إلى رب ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت".
مخ ۵۴
قال أبو سعيد: ومعي أنه يخرج في معنى سجدة (حم) أن السجود منها على تمام الآية {وهم لا يسأمون}، وأما ما يقال في السجود فمعي أنه يخرج في قول أصحابنا أنه ما يقال في سجود -لعله- السجدة ما يقال في سجود الصلاة. ومعي أنه إن سبح بغير ذلك من التسبيح أجزأه ذلك إن شاء الله.
ومنه قال أبو بكر: ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجد في (ص)، واختلفوا في سجود (ص)، فروينا عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان أنهم سجدوا فيها، وبه قال جماعة من التابعين، وهو قول سفيان الثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي ثور وأصحاب الرأي. وفيه قول ثان وهو أن لا سجود في (ص)، وممن كان لا يسجد فيها ابن مسعود وعلقمة، وبه قال الشافعي.
قال أبو بكر: القول الأول أصح، لخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
/47/ قال أبو سعيد: معي أنه يخرج في مصحفنا معنى الاتفاق في القراءة أن السجدة سنة من سنن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأن من تركها دانيا أو استخفافا بثوابها كان هالكا، ومن تركها على غير ذلك فهو خسيس الحال، ولا يبلغ به ذلك إلى براءة، ولا إلى ترك ولاية.
ومنه قال أبو بكر: ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ (النجم) فسجد لها، واختلفوا في سجود (النجم)، وكان عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وابن مسعود وعبد الله بن عمر يسجدون في (النجم)، وبه قال سفيان الثوري والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأصحاب الرأي، وقال مالك بن أنس: ليس في المفصل سجود، وقال الأوزاعي وأبو ثور: إن يسجد فيها فحسن.
قال أبو بكر: السجود فيها أحب إلي.
قال أبو سعيد: لا أعلم في قول أصحابنا ثبوت سجود في سورة (النجم)، وإن كان القراءة فيها أشبه بمعنى السجود، فإن سجد ساجد بمعنى الطاعة لله لم يبن لي في ذلك أنه مخالف للحق، فأرجو له الثواب، وإن ترك ذلك فلا أعلمه مما قال أصحابنا أنه موضع السجود.
مخ ۵۵
ومنه قال أبو بكر: ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجد في {إذا السماء انشقت}، وممن كان يسجد فيها عمر بن الخطاب وابن مسعود وعمار بن ياسر وابن عمر وأبو هريرة، وبه قال عمر بن عبد العزيز وغير واحد من التابعين، وسفيان الثوري والشافعي وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وأصحاب الرأي. وقالت طائفة: ليس في المفصل سجود، وأنا ذاكر قولهم بعد هذا إن شاء الله.
قال أبو سعيد: معي أن القول في هذا كالقول في سورة (النجم) ولا أعلمه في قول أصحابنا.
ومنه قال أبو بكر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن السجود في السجدة الأولى من (الحج) ثابتة، وممن ثبت ذلك عنه عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس، وروي ذلك عن أبي موسى الأشعري وعبد الله بن عمر وأبي الدرد وأبو عبد الرحمن وورد بن حسن وأبي العالية، وبه قال الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي، وقالت /48/ طائفة: في (الحج) سجدة واحدة، كذلك قال سعيد بن جبير والحسن البصري وإبراهيم النخعي وجابر بن زيد وأصحاب الرأي، وقد اختلف فيها عن ابن عباس.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول.
قال أبو سعيد: معي أنه يخرج في مصحفنا الذي نحن عليه من قراءتنا أن السجدة ثابتة في أول (الحج) وهو قوله: {ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض} إلى تمام الآية، فهذا معنا سجدة، وثابت السجود لقراءتها في معنى السنة التي ذكرنا، ولا نعلم في ذلك اختلافا.
مخ ۵۶