ذخائر العرب (١٦) ثلاث رسائل في إعجاز القرآن للرماني والخطابي وعبد القاهر الجرجاني في الدراسات القرآنية والنقد الأدبي حققها وعلق عليها محمد خلف الله - عميد معهد الدراسات العربية سابقا دكتور محمد زغلول سلام - أستاذ اللغة العربية وآدابها بجامعة الإسكندرية الطبعة الثالثة دار المعارف بمصر

1 / 1

بيان إعجاز القرآن لأبي سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي (٣١٩هـ - ٣٨٨)

1 / 19

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليمًا القول في بيان إعجاز القرآن قال أبو سليمان: قد أكثر الناس الكلام في هذا الباب قديمًا وحديثًا، وذهبوا فيه كل مذهب من القول، وما وجدناهم بعد صدروا عن رِي، وذلك لتعذر معرفة وجه الإعجاز في القرآن، ومعرفة الأمر في الوقوف على كيفيته. فأما أن يكون قد يقبت في النفوس نقبة بكونه معجزًا للخلق ممتنعًا عليهم الإتيانُ بمثله على حال فلا موضع لها، والأمر في ذلك أبين من أن نحتاج إلى أن ندل عليه بأكثر من الوجود القائم المستمر على وجه الدهر، من لدن عصر نزوله إلى الزمان الراهن الذي نحن فيه. وذلك أن النبي ﷺ قد تحدى العرب قاطبة بأن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا عنه وانقطعوا دونه. وقد بقى ﷺ يطالبهم به مدة عشرين سنة، مظهرًا لهم النكير، زاريًا على أديانهم، مسفهًا آراءَهم وأحلامهم، حتى نبذوه وناصبوه الحرب فهلكت فيه النفوس، وأُريقت المهج، وقُطعت الأَرحام، وذهبت الأموال. ولو كان ذلك في وسعهم وتحت أقدارهم لم يتكلفوا هذه الأمور الخطيرة.

1 / 21

ولم يركبوا تلك الفواقر المبيرة، ولم يكونوا تركوا السهل الدمث من القول إلى الحزن الوعر من الفعل، وهذا ما لا يفعله عاقل ولا يختاره ذولب. وقد كان قومه قريش خاصة موصوفين برزانة الأَحلام، ووفارة العقول والألباب. وقد كان فيهم الخطباء المصاقع والشعراء المفلقون. وقد وصفهم الله تعالى في كتابه بالجدل واللدد فقال سبحانه: ﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلًا بل هُمْ قومٌ خَصِمون﴾ وقال سبحانه: ﴿وتُنذِرَ بِه قوما لُدَّا﴾. فكيف كان يجوز - على قول العرب ومجرى العادة مع وقوع الحاجة ولزوم الضرورة - أن يغفلوه ولا يهتبلوا الفرصة فيه، وأن يضربوا صفحًا، ولا يحوزوا الفلح والظفر فيه لولا عدم القدرة عليه والعجز المانع منه. ومعلوم أن رجلا عاقلا لو عطش عطشًا شديدا خاف منه الهلاك على نفسه وبحضرته ماء معرض للشرب فلم يشربه حتى هلك عطشَا [لحكمنا] أنه عاجز عن شربه غير قادر عليه. وهذا بين واضح لا يُشكل على عاقل. قلت: وهذا - من وجوه ما قيل فيه - أبينها دلالة وأيسرها مؤونة. وهو مقنع لمن تنازعه نفسه مطالعة كيفية وجه الإعجاز فيه. وذهب قوم إلى أن العلة في إعجازه الصرفة، أَي صرف الهمم عن المعارضة، وإن كانت مقدورًا عليها، وغير معجزة عنها؛ إلا أن العائق من حيث كان أمرًا خارجًا عن مجاري العادات صار كسائر المعجزات. فقالوا: ولو كان الله ﷿ بعث نبيًّا في زمان النبوات، وجعل معجزته في تحريك

1 / 22

يد أَو مد رجله في وقت قعوده بين ظهراني قومه، ثم قيل له: ما آيتك؟ فقال آيتي أَن أحرِّك يدي أَو أَمد رجلي، ولا يمكن أَحدًا منكم أن يفعل مثل فعلي، والقوم أصحاء الأَبدان لا آفة بشيءٍ من جوارحهم، فحرك يده أَو مد رجله، فراموا أَن يفعلوا مثل فعله فلم يقدروا عليه، كان ذلك آية دالة على صدقه. وليس ينظر في المعجزة إلى عظم حجم ما ياتى به النبي ولا إلى فخامة منظره، وإنما تعتبر صحتها بأَن تكون أمرًا خارجًا عن مجاري العادات ناقضًا لها، فمهما كانت بهذا الوصف كانت آية دالة على صدق من جاءَ بها، وهذا أيضًا وجه قريب، إلا أن دلالة الآية تشهد بخلافه وهي قوله سبحانه: ﴿قُل لَئِن اجتمعتِ الإِنْسُ والجنُّ عَلَى أَنْ ياتُوا بِمِثْلِ هذا القُرآنِ لا ياتُون بمثلِهِ ولوْ كانَ بعضُهَمْ لبعْضٍ ظَهِيرًا﴾، فأشار في ذلك إلى أَمر طريقه التكلف والاجتهاد، وسبيله التأَهب والاحتشاد. والمعنى في الصرفة التي وصفوها لا يلائم هذه الصفة، فدل على أن المراد غيرها، والله أعلم. وزعمت طائفة أَن إعجازه إنما هو فيما يتضمنه من الإخبار عن الكوائن في مستقبل الزمان نحو قوله سبحانه: ﴿الم. غُلِبَتِ الرومُ في أَدنَى الأَرْض، وهُمْ من بعْدِ غَلَبِهمْ سَيَغْلِبُون، في بِضْعِ سنين﴾، وكقوله سبحانه: ﴿قُل للمخَلَّفين من الأَعرابِ ستُدعَوْنَ إلى قوم أُولي باس شديدٍ، ونحوهما من الأَخبار التي صدقت أقوالها مواقع أَكوانها. قلت: ولا يشك في أَن هذا وما أَشبهه من أَخباره نوع من أَنواع إعجازه، ولكنه ليس بالأَمر العام الموجود في كل سورة من سور القرآن، وقد جعل سبحانه في صفة كل

1 / 23

اصول - د اسلامي متنونو لپاره څیړنیز اوزار

اصول.اي آی د اوپنITI کورپس څخه زیات له 8,000 اسلامي متونو خدمت کوي. زموږ هدف دا دی چې په اسانۍ سره یې ولولئ، لټون وکړئ، او د کلاسیکي متونو د څیړلو کولو لپاره یې آسانه کړئ. لاندې ګډون وکړئ ترڅو میاشتني تازه معلومات په زموږ د کار په اړه ترلاسه کړئ.

© ۲۰۲۴ اصول.اي آی بنسټ. ټول حقوق خوندي دي.