ولم أسأله لماذا هو في مصر الجديدة؛ فقد خمنت أن كتيبته، لا بد معسكرة هناك، تحمي شمال القاهرة؛ إذ كان الجيش يستعد للدفاع عن العاصمة. أما الشيء الذي حيرني فعلا، فقد كان لهجته اللهجة المتدفقة المملوءة بالانفعال، وصوته المحشو بضحكات موفورة الصحة، لا كحة فيها ولا بلغم.
وعجبت.
وسألته كيف يكلمني، وهل عندهم في المعسكر تليفون؟
وأجابني: إحنا معسكرين قريب من هنا، وجنبي بقال. ياه! داحنا شفنا العجب؛ دي حرب بجد والله العظيم! والطيارات والمدافع؛ تك تم، تك تم .. تصور حضرتك ما غيرتش الشراب بقالي ست أيام لما بقى شربات!
سامع الطيارات؟
وكنت حقيقة أسمع ضجة خافتة بعيدة، وكنت أعرف أن طائرات العدو، تركز ضرباتها على تلك المنطقة «مصر الجديدة» ليل نهار!
وانتابني شيء يشبه الخزي، وأنا أدرك أن أحمد في الميدان، وأنا في المكتب، وسلك طويل يفصل بين القتال الرهيب الدائر هناك، والمصلحة التي أنا فيها وروتينها ودرجاتها وعلاواتها.
واندفعت أبثه كل حماسي وسخطي، وأشجعه.
وقلت له وأنا أدرك أنه لا يريد مني خدمة: كلنا معاك، عايز حاجة؟ أي خدمة؟ قول. محمد بيسلم عليك.
ولدهشتي أجابني: مش عايز حاجة أبدا، سلم لي عليه كثير، على فكرة أنا معايا مدفع أهه، أضرب لك طلقة؟
ناپیژندل شوی مخ