بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
وَدخلت سنة ثَلَاث وَسبعين وَخمْس مائَة
وَالسُّلْطَان مخيم بمرج الفاقوس من أَعمال مصر الشرقية فِي عصبته ذَوي عصبته التقية النقية وَالْإِسْلَام زَاهِر زاه وَالْكفْر واهن واه وَالْملك مصون والفلك مشحون والنصر مَضْمُون والدهر مَأْمُون وَالْعصر مَيْمُون وسر التَّوْحِيد سَار وقلب الشّرك محزون وَذخر المَال مبذول وكنز الْحَمد مذخور مخزون وَنحن فِي اجْتِمَاع صيد واتساع أيد وارتفاع قيد وَامْتِنَاع كيد وَلَا نقص فِي قنص وَلَا فَوت فِي فرص وَلَا أَمر ذُو عوص وَلَا عَيْش فِي نغص وَلَا سوم مرتخص وَلَا شُؤْم مخترص وَلَا خدعة كَاذِب وَلَا ردعة جاذب وَلَا زور ماين وَلَا زور شاين وَلَا وجفة مغتر وَلَا رَجْفَة مفتر وَلَا لوعة مهموم وَلَا روعة مغموم وَلَا جوعة منهوم وَلَا ضنة بخيل وَلَا ظنة دخيل وَلَا شيم جهام وَلَا شيم كهام وَلَا أَسف حاقد وَلَا أسى فَاقِد وَلَا خشيَة خَائِف وَلَا غشية عائف وَلَا شكوى مضيم وَلَا بلوى هضيم وَلَا ومضة حَال خَال وَلَا مرضة حَال حَال وَلَا رنة شَاك وَلَا أَنه باك وَلَا شكاية مظلوم وَلَا حِكَايَة محروم وَلَا وشاية ساع ولاسعاية واش وَلَا غشوة ضال وَلَا ضلة غاش
3 / 23
والدولة منزهة وَالْملَّة وَالْأَيَّام ظَاهِرَة الأيامن باهرة المحاسن سَاكِنة المساكن مكينة الْأَمَاكِن زائنة المزائن لائحة المباهج وَاضِحَة المناهج رائقة المنازه رائعة الزهازه مَشْهُودَة المواسم محمودة المراسم عالية الهمم غَالِيَة الْقيم سامية الطود هامية الْجُود مربه الربَاب معشبة الشعاب هامرة السَّحَاب عامرة الجناب منشورة اللِّوَاء منصورة الْأَوْلِيَاء مَشْهُورَة الأيادي مقهورة الأعادي سافرة الْمطَالع وافرة الصَّنَائِع سَائِغَة المدارع سَائِغَة المشارع صَافِيَة الضلال صَافِيَة الزلَال وافية المبار متوافية المسار سارة الأسارير جمة الجماهير زاهرة الأزاهير قادرة بعون الْمَقَادِير مسعودة الجدود مجدودة السُّعُود مختفقة البنود معقودة الحبى معهودة الربى جليلة العلى جميلَة الْحلِيّ ماهولة الندي مامولة الندى مَقْبُولَة الْهَدْي مقبلة الْهدى وروائح غدواتها طيبَة وغواديها وروائحها صيبة وَالسُّلْطَان آمُر ناه وَالْإِحْسَان زَاهِر زاه والنوال بالمنائح فائض والبأس للجوامح رائض والإقبال كَامِل والإفضال شَامِل وضوء الْعرف شَائِع وضوع الْعرف ذائع وَمَا شَيْء من بضائع الْفضل بضائع وَمَا أحد من مُلُوك الأَرْض غير مُطَاوع والفضيلة لَا تحْتَاج إِلَى شَافِع والوسيلة لَا تجتاح بمنازع وَلكُل عَارِف رَافع وَلكُل فادح دَافع وَلكُل طَالب فِي النجح طالع وَلكُل بَاب قار قارع وَلكُل أَمر سَام سامع
وخيم السُّلْطَان بالعباسية وَمَا لوجه الدَّهْر عبوس وَلَا يردع بَأْس وَلَا يهرع بؤس وَقد طابت للزمان وَأَهله أنفاس ونفوس وَثبتت ونبتت عروس وغروس ودارت على الدُّنْيَا من ألطاف الله كؤوس
ونظمت فِي الْأَجَل الْفَاضِل قصيدة ميمية فِي منتصف الْمحرم وخدمته بهَا هُنَاكَ فِي المخيم وَهِي (مخلع الْبَسِيط)
ريم هضيم يروم هضمي
من سقم عَيْنَيْهِ عين سقمي
وطرفه فِي فتور صبري
وخصره فِي نحول جسمي
مَا جد فِي ثلم ثغر صبري
لَو جاد لي ثغره بلثم
فِي عارضيه طراز حسن
بهي نسج شهي رقم ...
3 / 24
.. وَوَجهه بالعذار بدر ... أحيط من هَالة بتم
ورد حَيَاء ومسك خطّ
ينم هَذَا وَذَاكَ ينمي
قد نقطت شمس وجنتيه
لِلْحسنِ من خَاله بِنَجْم
واهي منَاط الوشاح حلت
فِيهِ بوجودي عُقُود عزمي
نطاقه فِي الْقيَاس نطق
يَدُور من خصره بوهم
وخلقه جامح لحربي
وَعطفه جانح لسلمي
الام ظلما يصد ألمي
صادي قلبِي عَن ريم ظلم ... لَو أطلق الرَّسْم من وصالي
لم ابل فِي صده كرسم ... أفكرت فِي عزه وذلي
فهام فِي الْحَالَتَيْنِ فهمي
من وهج الْوَجْه دمع عَيْني
بذوب قلب يهيم يهمي
إِذا غَدا الدمع من وشاتي
فبوح سر الْهوى بكتمي
إِن رمت يَا عاذلي صلاحي
فخلني والهوى وزعمي
شَاهد بعيني الحبيب تشهد
أَن هَوَاهُ من المهم
لومك يذكي الغرام قل لي
أَنْت نصيحي أم أَنْت خصمي
لَا تلمنني واللوم لوم
كَلَام سوء وَسُوء كلم
يَا بدر بَادر بشمس رَاح
تقشع مِنْهَا غمام غم
وانقع وقيت الْأَذَى أواما
لِابْنِ كريم ببنت كرم
وهز مني للأنس عطفا
وَخص جَيش الأسى بهزم
وَاجعَل رضاعي جنى رضاب
بفيك مِنْهُ يعز فطمي
فريقك الحلو عذب ورد
يروي صدا الْقلب وَهُوَ يظمي
واشف غليلي بشهد ثغر
جناة ترياق كل سم
بقدك السَّاحر التثني
جد لي من غصنه بِضَم
بخدك الباهر التجلي
جد لي من غصنه بِضَم
يَا حارمي فِي الْوِصَال حظي
موفرا بالفراق قسمي
وقاتلي بالصدود ظلما
لَا تتقلد دمي وإثمي
يَا راميا قوسه بحتفي
موتره مَا يزَال يصمي
بِالْعينِ والحاجبين تغني
عَن كل قَوس وكل سهم
يَا حبذا بالعراق نعمى
شكرتها فِي وصال نعم ...
3 / 25
.. أرمي بطرفي هوى إِلَيْهَا
وَهِي لقلبي باللحظ ترمي
غَدَاة مغنى حماي حاوي
حو من الغانيات حم
أَيَّام فَوق السَّمَاء أَمْرِي
وفْق مرادي وَتَحْت حكمي
أَيَّام حل دمي المصون ال
حرَام فِي بذله لادم
آدَمِيّ بلثمي خدود بيض
عيونها للقلوب تدمي
وأجتلي الكأس فِي ندامى
غر من الأكرمين شم
غَدا ينسج الغرام فِينَا
ينسج عقلا لكل فدم
نسمو
من نفحات الصَّبِي لنسم
تمّ در
بَين عقيق وفض ختم
جئن فقود الْعُقُول يلقِي
من التصابي بكف فَصم
كَانَت ليَالِي الْوِصَال زهرا
تبدلت فِي النَّوَى بسحم
سَواد فودي
مذ عقبت بيضها بدهم
يشيب فِي الرَّأْس مثل نَار
توقدت من خلال فَحم
يزِيد مني الهموم ذكري
أَيَّام عمر مضين قدم
رضت طَويلا جموح حظي
فَلم يلن عوده لعجمي
لَيْسَ يعادي الزَّمَان غَيْرِي
كَأَن فضلي إِلَيْهِ جُرْمِي
أكظم غيظي وَلَيْسَ جدي
لغائظات الْأُمُور كظمي
أيا زماني الغشوم أقصر
أَنَّك لَا تَسْتَطِيع غشمي
عبد الرَّحِيم الرَّحِيم أضحى
عوني على خَطبك الملم
ألوذ مِنْهُ بِذِي جناب
يلجئ طراقه وينمي
بالسيد الروع المرجى
لكشف إزل وكف أزم
بالفاضل الْأَفْضَل الْأَجَل
الْمفضل الْأَشْرَف الأشم
بحاتمي النوال سمح
لَيْسَ يرى الْجُود غير حتم
غيث غياث وجود جود
وبحر علم وطود حلم
ذُو أنف أنف كل خطب
يقتاد من بأسه بخطم ...
3 / 26
.. زكاء نجر ورحب صدر
وَطول بَاعَ وَطيب جذم
ومزن من وَوجه منح
غير جهام وَغير جهم
محاسنا الرَّأْي مِنْهُ عدلا
كل ظلام وكل ظلم
الْمُنعم الْمُسْتَحق مني
جَمِيع شكري بِبَعْض شكم
وَمَا بنى الْمجد مثل مولى
خص الندى مَاله بهزم
ذُو محتد فِي النجار زاك
وسؤدد فِي الفخار ضخم
نعماه ترجى لكف بؤس
وَفك أسر وجبر يتم ... يراعه فِي الْيَمين مِنْهُ ... يسْتَخْرج الدّرّ من خضم
فَهُوَ حسام لم يبْق دَاء
الا وَقد خصّه بحسم
وَحده حص كل حد
من كل مَا نَائِب بثلم
يروض الطرس مِنْهُ مزجى
سحب من المكرمات سحم
سطوره للعلى نُجُوم
تخْفض فِي اوجها وَتسَمى
إِن جَاءَ عاف فنجم سعد
أَو جَاءَ عَاتٍ فنجم رجم
أقلامه خاطبت خطوبا
من ظفرها ظَفرت بقلم
كم عقدت راية لرأي
مؤيد عزمه بحزم
والسمع والصلب للأعادي
مَا بَين وقر بهَا ووقم
لَهُ يَد للْوَلِيّ مِنْهَا
ولي ولي ووسم وَسمي
مَا وابل منجم الغوادي
بِكُل سهل وكل حزم
هامي ربَاب بالوشي مِنْهُ
هام الربى فِي بديع وشم
يحوك نسج الرّبيع فِيهِ
نمارق الزهر فَوق أكم
أغزر من جوده وفصح
فِي الْعَجز عَن وَصفه لبكم
مولَايَ حَالي كَمَا ترَاهُ
فِي نقص حَظّ وَفضل هم
لم يقْض ديني وكل يَوْم
غَرِيم دهري يُرِيد غرمي
أَهلِي مقيمون من دمشق
فِي بَلْدَة نارها بلجم
قد طَال ذيل بهم فطول
طولا بجاهي العريض كمي
أَصبَحت فِي مصر ذَا رَجَاء
إِلَى الندى الجم مِنْك جم
أصَاب قصدي وَتمّ أَمْرِي
وَبَان نجحي وفاز أُمِّي
وأنني قد ودت وجدي
مِنْك كَمَا قد عدمت عدمي
نعشتني من عثار دهري
فحزت حمدي وَحَازَ ذمِّي
عِنْدِي مواعيد للمعالي
يمطل دهري بهَا برغمي ...
3 / 27
.. نتيجة النجح مِنْك تقضي
أَن المواعيد غير عقم
ولي مني كلهَا أرَاهُ
مِنْك على خبْرَة وَعلم
قَضَاء ديني ونيل سؤلي
وَحفظ جاهي وجري رسمي
وضيعة لَا يضيع فِيهَا
عزمي كَمَا لَا يفوت غنمي
وَحُرْمَة يَسْتَنِير مِنْهَا
سعود قدري فِي أفق عظم
يممت بِمَا وَلست أرْضى
تيمما فِي جناب يم
لم أملي لم يزن بنجح
لم شعثي لم يعن بلم
رم رم أَمْرِي وَحل حَالي
مَا كرم فِي الورى كرمي
رث ثراي بِغَيْر طرز
وغث جاهي بِغَيْر شَحم
مضارع الْفِعْل حَظّ فضلي
وعائق الصّرْف حرف جزم
ناهيك من مخول معم
يحنو على المخول المعم
شَمل العدا وَالْعرُوض مِنْهُم
مَا بَين شت وَبَين شتم
ونلت عزا بِغَيْر صرف
وَوصل ملك بِغَيْر صدم
تملها فَهِيَ بكر فكري
شهية من نتاج شهم
حدوت عيسي بهَا
فَجَاءَت شقشقة من هدير قرم
بحرك طامي الْعباب فاغسل
طمي فِي نظمها وَرمي
لي خاطر مبجل لهمي
فنحته من صفا أَصمّ
أقدم رغبا فحام رعْبًا
لقد فَخر لديك فخم
إِلَيْك يَا كعبة الْمَعَالِي
حج حجاة بلطف حجم
أجر على الْوَهم عظم شاني
واجبر من الوهن عظم نظمي
بصفحة الصفح مِنْك يَبْدُو
جرم قصوري بِغَيْر جرم
بِاسْمِك للشكر باسمات
مني منى سقتهن باسمي ... أقبل وَأفضل عَليّ وافضل
عرب معَان لدي عجم
مَا دمت عوني فَلَيْسَ يَعْزُو
جميل رسمي قَبِيح وصم ...
3 / 28
ذكر علم الدّين الشاتاني
قد سبق ذكره فِي الْأَيَّام النورية ووفادته وافادته وإبداؤه فِي مذكرة الْآدَاب واعادته وَهُوَ من أدباء الْموصل وشعرائها بل من فصحائها وظرفائها وَهُوَ مطبوع وَكَلَامه مَصْنُوع وَقَوله مَقْبُول مسموع مدره مفوه وَله نتف وطرف ونكت وكل الْفضل فِيهِ مَجْمُوع وَله شعر وَرُبمَا ندر لَهُ فِي الْجَوْدَة مَقْطُوع وَلما جمعني وإياه من نِسْبَة الْأَدَب تشبث بِي دون الْجَمَاعَة وَكنت أجاريه فِي ميدان البراعة وأدارية حِين أباريه فِي الصِّنَاعَة وأحفظ قلبه أستديم حبه ووفد فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين إِلَى مصر وَأهْدى النّظم والنثر واصطنعه الْملك عز الدّين فرخشاه وأنزله فِي جواره دَارا وَقرر لَهُ إحسانا دَارا وَجمع لَهُ من رفده النائل وَمن الْأُمَرَاء ذَوي الفواضل مبلغ ألف دِينَار إِذن صبح نجح أمله مِنْهُ بأسفار وَكَانَ عندنَا بالمخيم فِي العباسة فِي الْمحرم من هَذِه سنة ثَلَاث وَسبعين شَاكر فَضَائِل عز الدّين وَقد مدح السُّلْطَان بِكَلِمَة مطْلعهَا ... غَدا النَّصْر معقودا برايتك الصفر
فسر وَافْتَحْ الدُّنْيَا فَأَنت بهَا أَحْرَى ...
وَكَانَت الْأَعْلَام السُّلْطَانِيَّة صفرا لَا يُفَارق نشرها نصرا وَلكم استصحب لاستئناس جوارح الطُّيُور بِكَسْرِهَا غزاتها عقَابا ونسرا وَجعل الْعلم مفتح شعره بِالْعلمِ واغرب عَنهُ بغرابة رَأْيه الْكَلم وَأقَام حَتَّى اجتاب خلعه الاجتياب
وَكتب لَهُ الْأَجَل الْفَاضِل من عِنْده مكَاتبه إِلَى عز الدّين يحمده على اصطناعه وَرَفعه من حضيض حظوظه إِلَى يفاع ارتفاعه
3 / 29
فصل مِنْهَا
لَوْلَا حق وَجب على الْمُلُوك أَدَاؤُهُ وسر خدمَة تعين عَلَيْهِ إبداؤه لامتثل الْأَمر فِي أَن يديم سرُور الْمجْلس السَّامِي فِي وَأَن لَا يُعَارض صفو عيشة بكدر كِتَابه لَكِن لم يَتَّسِع لَهُ مَعَ عودة القَاضِي الْفَقِيه الإِمَام الرئيس الْكَامِل علم الدّين وَهُوَ يُنْهِي أَن الْمَذْكُور صائغ حلية الذّكر وَفَارِس حلبة الشُّكْر وخطيب الأيادي العزية الَّذِي لَا يقوم لَهُ الْخَطِيب الأيادي والعالم بِمَا يُورِدهُ فِي كتب محاسنه ﴿وَمِنْهُم أُمِّيُّونَ لَا يعلمُونَ الْكتاب إِلَّا أماني﴾ وَمَا برح مذ فَارق الركاب العالي فِي هَذِه الْأَيَّام ببعده فَكَأَنَّهَا أَعْوَام كَمَا قصرت عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَيَّام بِقُرْبِهِ فَكَأَنَّهَا أَحْلَام إِذا ذكر الْمولى سبح بِحَمْدِهِ وبادر من غير تشيع بتعفير خَدّه وَصلى على ذكره وَسلم وَأورد من آيَات مجده مَا كَانَ بإيراده أقوم وَلَا يَقُول أعلم فان الْخلق قد اشْترك فِي هَذَا الْعلم واستوى فِي هَذَا الحكم ... عرف الْعَالمُونَ فضلك بالعل
لم وَقَالَ الْجُهَّال بالتقليد ...
بل لَا نقُول أَخذ بالتقليد فِي فضائله لما عِنْدهم من فواضله ... فان مر من تثني عَلَيْهِ حقائب
فَأَنت الَّذِي تبني عَلَيْهِ حقائق ...
وَقد أنعم على علم الدّين بِمَا يلْبسهُ وَلَده وبإقامة جِهَة الرَّاتِب الَّذِي نثري بِهِ بده وكل سَحَاب يمطره فالمولى منشئ أفواجه وكل بَحر يغمره فَهُوَ باعث أمواجه وَالْمولى مقفو أثر الْإِحْسَان متبوعة وَمن الَّذِي يتبعهُ فيستطيعه فَمن أعطَاهُ أَو أدنى فَإِنَّمَا
3 / 30
عرفه بتعريفه واستشرف ناظرة إِلَيْهِ بتقريبه لَهُ وتشريفه وَالْمولى كَمَا قَالَ حبيب الأدباء حبيب ... فَفِي كل مجد فِي الْبِلَاد وغائر
مواهب لَيست مِنْهُ وَهِي مواهبه ...
وَفِي هَذِه القصيدة بَيت يَلِيق بأوصاف بَيته الْكَرِيم وَهُوَ ... إِلَى سالب الْجَبَّار بَيْضَة ملكه
وآمله عَاد عَلَيْهِ فسالبه ..
والمملوك لَا يستزيد لَهُ الْأَنْعَام لِأَنَّهُ قصر عَن غَايَة وَلكنه يُشَارِكهُ فِي الشُّكْر وان كَانَ الْمَذْكُور أبهى إِيَّاه وأبهر آيَة
ذكر بروز السُّلْطَان بِقصد الْغُزَاة إِلَى غَزَّة وعسقلان مستهل جُمَادَى الأولى ونوبة الرملة مستهل جُمَادَى الْآخِرَة
وَعَاد السُّلْطَان إِلَى الْقَاهِرَة وَأقَام بهَا ظَاهر السُّلْطَان باهر الْبُرْهَان ثمَّ تقاضته عزمته واهتمت بالغزاة همته وجد بِالْجِهَادِ وجده وجهده وجردت سريجياته وأسرجت جرده وضمرت مذاكية وأذكيت ضوامره وَمَاجَتْ زواخره وأصحرت خوادره واستعرت مساعره وَعرضت عساكره وعلنت شعائره وَظَهَرت لله فِي سَبيله سرائره وزأرت ضراغمة وزخرت غمامة وزخرت خضارمه وخفقت بوارقه وأورقت مآرقه وسبقت عتاقه وعتقت سوابقه وقلقت بغوابربه أجفانه وَقربت للعسلان مرانه وتلذذت لشوق الطعان لدانه وفاضت على البحور غدرانه وتلبست
3 / 31
الْأَجْسَام أبدانه وطارت بالجبال رياحه وأنارت بالنجوم رماحه وصافحت أشاجع الشجعان صفاحه وَدَار من عسكره على خصور الْعضَاة وشاحه أَسْفر فِي ليل العجاج من غرر دهمه صباحه ونهض ولواء النَّصْر من نجاحه جنَاحه وسما لأرزاق مستميحي الْآجَال سماحة وَتمّ بِتَوْفِيق الله فِي تيسير أَسبَاب مُرَاده اقتراحه وتراءت لَهُ فِي متاجر الْجِهَاد أرباحه وللدين أفراحه وللكفر أتراحه والشرك للرعب قد خرجت أرواحه وأبار الْعَدو وأباده احتباجه واجتياحه
وَخرج من الْقَاهِرَة يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث جُمَادَى الأولى بعد الصَّلَاة وخيم بِظَاهِر بلبيس فِي خامسه بخميسه لقصد الْغُزَاة ثمَّ تقدمنا مِنْهُ إِلَى السدير وخيمنا بالمبرز فِي الْعَزْم الْمعلم بتأييد الله الْمُطَرز والجيش المجهز وَأَنا قد استكثرت فِي طَرِيق الْجِهَاد من العلوفة الأزواد مُسْتَقِيم على نهج الاستسعاد وَسنَن الاستعداد وجدد الِاجْتِهَاد وَقد أزف الرحيل وَفرض التَّعْجِيل واستصحب من الخيم الْخَفِيف ورد الِاجْتِهَاد وَقد أزف الرحيل وَفرض التَّعْجِيل واستصحب من الخيم الْخَفِيف ورد الثقيل ثمَّ نُودي خُذُوا زَاد عشرَة أَيَّام اخرى زِيَادَة للاستظهار ولإعواز ذَلِك عِنْد توَسط ديار الْكفَّار فركبت إِلَى سوق الْعَسْكَر للابتياع وَقد أَخذ السّعر الغالي وَأَنا صَاحب قلم لَا صَاحب علم وَقد استعشرت نَفسِي فِي هَذِه الْغَزْوَة من عَاقِبَة نَدم والمدى بعيد والخطب شَدِيد وَالطَّرِيق كُله فِي الرمل وجمالي وبغالي لَا تقوى على الْحمل وَالْجهَاد تضمر لَهُ الْعتاق الْجِيَاد وترهف لَهُ الرقَاق الْحداد وتثقف بِهِ الدقاق الصعاد وتقاد إِلَيْهِ الجنائب العراب وتجرب من قبله للغلاب فِي الإجراء الْجلاب والكمت الْجِيَاد انما يستجديها الكماة وَهَذَا المغزى والدأب لمن دأبه الْغُزَاة وَهَذِه نوبَة السيوف لَا نوبَة الأقلام وَفِي سلامتنا سَلامَة الْإِسْلَام وَالْوَاجِب على كل منا أَن يلْزم شغله وَلَا يتَعَدَّى حَده وَلَا يتَجَاوَز مَحَله لَا سِيمَا ونواب الدِّيوَان قد اسْتَأْذنُوا فِي العودة وأظهروا قلَّة الْعدة وأظهرت سري للْمولى الْأَجَل الْفَاضِل فسره إشفاقا عَليّ وإحسانا إِلَيّ وَكَانَ السُّلْطَان أَيْضا يُؤثر إيثاري ويختار اخْتِيَاري فَقَالَ أَنْت مَعنا أَو عزمت بِأَن تدعنا وَلَا
3 / 32
تتبعنا فَقلت الْأَمر للْمولى وَمَا يختاره لي فَهُوَ أولى فَقَالَ تعود وَتَدْعُو لنا وتسأل الله أَن يبلغنَا فِي النَّصْر سؤلنا
وَكنت قد كتبت أبياتا إِلَى المخدوم الْفَاضِل بِقبُول الْعذر مِنْهَا على سَبِيل المداعبة الرمل ... قيل فِي مصر نائل عدد الرم
ل ووفر كنيلها فِي الوفور
فاغتررنا بهَا وسرنا إِلَيْهَا
ووقعنا كَمَا ترى فِي الْغرُور
وحظينا بالرمل وَالسير فِيهِ
ومنعنا من نيلها الميسور
وبرزنا إِلَى المبرز نشكو
سدرا من نزولنا بالسدير
وعددنا مَعَ الرعاع فَلَا فِي ال
عير ندعى يَوْمًا وَلَا فِي النفير
قيل لي سر إِلَى الْجِهَاد وماذا
بَالغ فِي الْجِهَاد جهد مسيري
لَيْسَ يقوى فِي الْجَيْش جأشي وَلَا قو
سي يَرْمِي موترا إِلَى موتور
أَنا للكتب لَا الْكَتَائِب اقدا
مي وللصحف لَا الصحاف حضوري
كَاد فضلي يضيع لَوْلَا اهتمام ال
فَاضل الفائض الندى بأموري
وَأَنا مِنْهُ فِي ملابس جاه
رافلا مِنْهُ فِي حبير حبور
فَهُوَ رقى من الحضيض حظوظي
وسما بِي إِلَى سَرِير السرُور ...
وَمَا انْقَطَعت عَن السُّلْطَان فِي غَزَوَاته إِلَّا فِي هَذِه الْغَزْوَة وَقد عصمني الله فِيهَا من النُّبُوَّة وَنظر إِلَى فرفهني وألهم همي ونبهني
وَكنت لما فَارَقت الْقَاهِرَة استوحشت وتشوقت إِلَى أصدقائي وتعطشت وتسورت بوحشة الْوحدَة وتشوشت
وكتبت من المخيم ببلبيس إِلَى القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُوسَى الْمَعْرُوف بِابْن الْفراش وَقد أَقَامَ بِالْقَاهِرَةِ أذكر لَهُ لواعج الاستيحاش وَكَانَ أصدق
3 / 33
صديق وأشفق وأرفق رَفِيق وَقد تصاحبنا فِي الْأَيَّام النورية وتوافقنا على الْمصَالح الْكُلية والجزئية واستشرته فِي التَّأَخُّر عَن السُّلْطَان وأذكر لَهُ بِقدر الْإِمْكَان فَكتب بِالْجَوَابِ وَأَشَارَ بِالصَّوَابِ وَقَالَ رافقه وَلَا تُفَارِقهُ وَفِي ركُوب المشاق لَا تشاققه فَإِنَّهُ يعرف لَك حَقك وَيعلم عزمك وصدقك فَكرِهت رَأْيه فَكتبت إِلَيْهِ وتلوت سور الْخطر وَآيَة عَلَيْهِ وضمنت الْكتاب هَذِه الأبيات وَقد دونتها بالإثبات الْبَسِيط ... إِذا رَضِيتُمْ بمكروهي فَذَاك رضى
لَا أَبْتَغِي غير مَا تبغون لي غَرضا
وَإِن رَأَيْتُمْ شِفَاء الْقلب فِي مرضِي
فإنني مستطيب ذَلِك المرضا
أَصبَحت ممتعضا من أجل أَنِّي لَا
أرْضى صديقا لما أَلْقَاهُ ممتعضا
أَن رمتم عوضا لي فِي محبتكم
فحاش لله أَن أبغي بكم عوضا
لله عَيْش تقضي عنْدكُمْ وَمضى
وَكَانَ مثل سَحَاب برقه ومضا
الْعَيْش دَان جناه الغض عنْدكُمْ
وَالْقلب محترق مني بجمر غضا
كَأَن فِي تَعب المشتاق راحتكم
فقد غَدا بعدكم من شوقكم حرضا
لم عَاد مُحكم أس الود منهدما
وَصَارَ مبرم حَبل الْعَهْد منتقضا
مَا كنت أَعهد مِنْكُم ذَا الْجفَاء وَلَا
حسبت أَن وَادي عنْدكُمْ رفضا
قد أظلم الْأُفق فِي عَيْني بغيبتكم
فان أذنتم لشخصي فِي الْحُضُور أضا
وَلست أول صب من أحبته
لما جفوا مَا قضى أوطاره وَقضى
نضا الضنا عَنهُ ثوبا لَان لابسه
من صِحَة فأعيدوا مَا ضناه نضا
مروا بِمَا شِئْتُم من محنة وأذى
فقد رَأَيْت امْتِثَال الْأَمر مفترضا
وَأَرْسلُوا الطيف عِنْدِي نَائِبا لكم
إِذا رَأَيْتُمْ بِأَن لَا تمنعوا الغمضا
ضَاقَ الفضاء الَّذِي فِيهِ نسير وَهل
يكون فِي فرقة الاحباب رحب فضا
طُوبَى لكم مصر وَالدَّار الَّتِي قضيت
فِيهَا المآرب والعيش الَّذِي خفضا
بعيشكم أَن خلوتم بانبساطكم
تَذكرُوا ضجرا بالعيش منقبضا
رَضِيتُمْ سَفَرِي عَنْكُم واعهدكم
بسفرتي عَنْكُم لَا تظْهرُونَ رضى
فَهَل ثقلت عَلَيْكُم إِذْ محضتكم
ودي كَذَلِك من فِي وده مَحْضا ...
3 / 34
.. هلا تكلفتم قولا أَمر بِهِ
وهيهات جوهركم قد عَاد لي عرضا
تفضلوا واشرحوا صَدْرِي بقربكم
أَو فاشرحوا ذَلِك الْمَعْنى الَّذِي غمضا
أنهضتموني بعبء من جفائكم
لَو أَنه فَوق سامي الطود مَا نهضا
وسمتموني فِي تكليفكم شططا
فَمَا الَّذِي لي من إعراضكم عرضا
أنفدت نقد دموعي لاشتياقكم
فحين أفنيته عاودت مقترضا ...
وَلما وقف القَاضِي شمس الدّين على الأبيات وَكَانَ ثَابت الْحلم حَلِيم الثَّبَات وَله خاطر وقاد خَبِير بصناعة النّظم نقاد وَله فِي ودي بِالصّدقِ اعْتِقَاد ولسري بالبحث افتقاد فَكتب إِلَيّ فِي الْجَواب مَا جعلته من طرز هَذَا الْكتاب ... أرْسلت سهم عتاب قد جعلت لَهُ
قلبِي وان لم تكن عينته غَرضا
فصرت كالدهر يجني أَهله آسفا
ويلتقي من عتاب المذنب المضضا
لَا تشك من زمن نبهت حَادِثَة
فالمجد أصبح من شكواك ممتعضا
وكل ذَنْب إِذا مَا عِشْت مغتفر
وكل سخط نلاقي مِنْك فَهُوَ رضَا
لما فرضتم على قلبِي مودتكم
جعلتم نصبي فِي الْحبّ مفترضا
لَا تنسبوني إِلَى إِيثَار بعدكم
فلست أرضي إِذا مَا فارقكم عوضا
ولي وداد تولى الصدْق عقدته
فَمَا ترَاهُ على الْأَيَّام منتقضا
يلقاك قلبِي على سبك العتاب لَهُ
بِصِحَّة لَيْسَ يخْشَى بعْدهَا مَرضا
حرضتموني على ذكرى عتابكم
فصرت من طول تذكاري لكم حرضا
هِيَ اللَّيَالِي تسوم الْمَرْء جوهره
فتشتريه وتعطيه المنى عرضا
سرى خيال المنى فِي ليل لمته
وَعَاد لماتها صبح المشيب أضا
وَإِنَّمَا ذَاك رعد برقه ومضا
فهيج الشوق فِي أحشائنا وَمضى
سرى الهوينا وأغرى بِي تلفته
فحين أرْسلت قلبِي خَلفه ركضا
هبها ترد سُرُورًا فَاتَ أَكْثَره
فَهَل يُعِيد شبَابًا بالمشيب قضى ...
3 / 35
عَاد الحَدِيث ثمَّ ودعت السُّلْطَان وعدت وقربوا وبعدت وسعدوا وسعدت ونهضوا وَقَعَدت وَمَا تَأَخَّرت لما تقدمُوا وأحجمت لما أقدموا إِلَّا إلهاما من الله بالنجاة من تِلْكَ الورطة والخلاص من تِلْكَ الفرطة حَيْثُ حكم فِي تِلْكَ النّوبَة بالعثرة وإعلامنا بِسوء عَاقِبَة الأغتزار بِالْكَثْرَةِ فَإِن غزوات السُّلْطَان من بعْدهَا كَانَت مؤيدة والسعادات فِيهَا مجددة وَمَا تخلفت عَنهُ إِلَّا فِي تِلْكَ النّوبَة الَّتِي نبت والغزوة الَّتِي صعبت فَكَأَن الله قوم بهَا أُمُور وأجرى بهَا لما يجريه من مَقْدُور النَّصْر من بعْدهَا مَقْدُورًا وذلل بهَا الجوامح وَعدل مِنْهَا الجوانح وَعرف العزائم مضاءها وَعلم الصرائم استواءها وحقق الْحَقَائِق ووفق الْمُوَافق وَرفع الْعَوَائِق وأوضح لنا الْمذَاهب وأوضع إِلَيْنَا الْمَوَاهِب وحث الهمم وَبث النعم ورحض أدران الأردان وحرص إِيمَان الْأَيْمَان وحض أعوان الْحَرْب الْعوَان وَخص عباده بِيَسِير من الأبتلاء والأمتحان وَرجعت وَأَنا بَين عاذل وعاذر وناه من الأصدقاء وآمر فَمنهمْ من يَقُول كَيفَ تخلفت وأعرضت عَمَّا ألفت واستأنفت الفتور وَمَا انفت وفيم تعففت وعفت وَمن الْعِزّ عزمت وَمِنْهُم من يَقُول قد أخذت بالحوطة وَمَا حصلت فِي الورطة وعملت بالحزم وَأَنت فِي هَذَا أَيْضا من أولي الْعَزْم فَمَا يحمد الْأَقْدَام فِي كل مقَام وَلَا قوي الْقَوَاعِد إِلَّا بِأَحْكَام وَلَا معاق للمعاقد إِذا أمرت بإبرام ثمَّ عذر من عذل وعقل لمن عَنهُ غفل
ذكر نوبَة الرملة ونبوة الحملة يَوْم الْجُمُعَة غرَّة جُمَادَى الْآخِرَة أَو ثَانِيَة
ثمَّ رَحل السُّلْطَان مقدما ولعزمه فِي الْجِهَاد مصمما ولرأيه فِي بذل الْوَاسِع والأجتهاد متمما وَسَار فِي جَيش مجر لسيل الْخَيل مجر من سَواد القتام فِي ليل وَمن بَيَاض الْبيض فِي فجر وَمن حب الْغَزْو فِي وصل وَمن سلو الْحَيَاة فِي هجر وَفِي أجْرى أجر وانحى نحر وَفِي عَرَمْرَم عرم وخضم ضرم ولهام ملتهب ملتهم وصليم مصطل مصطلم ومشقي من بَقِي من عَدو الْإِسْلَام منتقم وكل قرم إِلَى لِقَاء
3 / 36
الْقرن قرم وكل سهم فَوق شيظم ومعلم تَحت علم وضيغم فِي جلد ارقم ومطهر على مطهم وصلد صلدم ومجمر ومرحم ومقدام مقدم ذِي مفخر مقحم إِلَى حج الْجِهَاد محرم ولغير إِرَاقَة دم الْكفْر الْمُبَاح محرم وبالحزم متحزم وعَلى الروع متقحم ولليراع الْمُقَوّم فِي الصُّدُور محطم وَملك مسود معتضد بِملك مُسَوَّم وَروض من الجحفل لَا يخضر ورق حديده من الْمَوْت الْأَحْمَر الا بديمة دم وفلق من الفيلق مُسْفِر من النَّقْع فِي الغسق فِي أَشجَار المران وورق الدرق وخرق خفقان الْخرق سادين للأفق صادين للشفق صادين إِلَى العلق حائرين بِالسَّبقِ للسبق وللحنايا جنَّة الحنق وللمنايا فرق للأفراق من الْفرق وَلكُل سَائِر إِلَى لِقَاء الْعَدو ضرب من الْعُنُق إِلَى ضرب الْعُنُق حائم على الْحمام هائم بِقطع الْهَام
فَنزل على عسقلان يَوْم الْأَرْبَعَاء التَّاسِع من جُمَادَى الأولى فسبى وسلب وغنم وَغلب واسر وقسر وَكسب وَكسر وَجمع هُنَاكَ من كَانَ مَعَه من الْأُسَارَى فَضرب مِنْهُم الْأَعْنَاق وسقاهم من الْمَوْت الكأس الدهاق وسام الْعَدو الإرهاق والإزهاق وتفرق الْفرق فِي الْأَعْمَال مغيرين ومبيدين ومبيرين فَلَمَّا رَأَوْا أَن الفرنج خامدون هامدون وان الْمُسلمين لما هم لَهُ من النَّصْر حاملون حامدون استرسلوا وانبسطوا وانتشروا ونشطوا وناموا وَسَكنُوا وَأَقَامُوا وركنوا وفارقوا الْفرق وَسَارُوا سارين وأغاروا غارين وارتفعوا لذيل العثير على المجر مبارين وانتفضوا بالْكفْر ضارين ضارين وأبروا لرقاب العدى بارين وبأرباب الْهدى بارين دائرين على الفرنج بدوائر السوء بدر دِمَائِهِمْ دارين
واستقبل يَوْم الْجُمُعَة مستهل جُمَادَى الْآخِرَة بالرملة راحلا ليقصد بعض
3 / 37
المعاقل منازلا فاعترضه نهر عَلَيْهِ تل الصافية فازدحمت على العبور أثقال العساكر المتوافية فَمَا شعروا الا بالفرنج طالبة باطلابها حازبة بأحزابها ذابة بذئابها عاوية بكلابها مصحرة حادرات آسادها فِي غابها زائرة بزئيرها فِي مساعير سعيرها من كل جاحم جحيم وَشَيْطَان رجيم وسرحان هجمه وَفَارِس بهمة ورئبال وبال وضرغام خبال وذئب ثلة وضبع ضلة ونمر فتك وخنزير هتك وأفعى نهش وأعوى وَحش وأزرق أنم وآبي شَرّ أبرش وكل قسور سَفَرِي وجهم جهنمي وضليل لظوي وناري دركي وشرير شركي وراجل كالدبا وَقد نفر نفيرهم وَزفر زفيرهم وَقد ثار ثأرهم وزأر زأرهم وعار عارهم وهاجت دِمَاؤُهُمْ وماج داماؤهم ونهضوا بقنطاريات طائرات وطوارق طارقات ورياح سارقات وبحار سابغات وَذَلِكَ فِي يَوْم الْجُمُعَة أول جُمَادَى الْآخِرَة وَقد تفرق الْجمع وَأمن الروع وسرايانا فِي الضّيَاع مُغيرَة ولوجود الْكفَّار مبيرة ولدفائنهم مثيرة ولرحا الْحَرْب عَلَيْهِم فِي دُورهمْ مديرة
ذكر الحملة التقوية واستشهاد وَلَده
فَوقف الْملك المظفر تَقِيّ الدّين وتلقاهم بصدره وباشرهم ببيضه وسمره وسبك الراجل بنيران سيوفه وصدهم عَن الحملات بوقوفه ثمَّ حمل على الخيالة بخيله وجرفهم بسيله فاستشهد من أَصْحَابه عدَّة من الْكِرَام انتقلوا إِلَى نعيم دَار الْمقَام
3 / 38
وَهلك من فرسَان الفرنج أضعافها وَكَانَ فِي تِلْكَ الحملة أضعافها وَكَانَ لتقي الدّين ولد يُقَال لَهُ أَحْمد شَاب أول مَا طر شَاربه وَمَضَت مضاربه وومضت سحائبه وَهُوَ فِي ريعان شبابه الطرير ووالده من حسنه واحسانه فِي النَّفس القارة والطرف القرير فَقَالَ لَهُ يَا وَلَدي قد جَاءَت نوبتك فَأَيْنَ سطوتك فَأقر عَيْني باقدامك واحسم دَار الْوَرع ببراعتك وحسامك فَحمل وَبلغ الطعان وراع تِلْكَ الرعان وأردى فَارِسًا بردنيته وفرسه وَصد الْعَدو وحبسه وَخرج سالما إِلَى أَبِيه يعْتَقد أَن تِلْكَ النهضة تكفيه وَأَنه يشكره ويغنيه فَقَالَ لَهُ عد يَا أَحْمد فان الْعود أَحْمد وقسا قلبه حَتَّى قيل كَأَن مُرَاده أَنه يستشهد فَقدم الْوَلَد طَاعَة الله وَطَاعَة وَالِده على بَقَاء نَفسه وغامر وَحْشَة الروع بأنسه وأذنت تِلْكَ الحملة الثَّانِيَة بكسوف الشَّمْس وفاز فِي تِلْكَ السَّاعَة وَالْإِسْلَام فِي مأتمه بِهِ فِي الْجنَّة مَعَ الْحور الْعين بعرسه فَمَا كَانَ على الْملك تَقِيّ الدّين لَو أبقى فِيهِ ويبقيه قُرَّة عين لنا ولأبيه لَكِن الْقدر المحتوم سلب الرقة من قلبه حَتَّى رد وديعته وَلَده إِلَى ربه وَكُنَّا نتحدث بعد ذَلِك بشدته وقساوته وحماسته وجوده حَتَّى بمهجة نَفسه وَفضل سماحته وَكَانَ لَهُ ولد آخر اسْمه شاهنشاه فِي الأسار غرته الداعية إِلَى الاغترار فانه خدعه بعض مستأمني الفرنج بِدِمَشْق وَقَالَ لَهُ تَجِيء إِلَى الْملك وَهُوَ يعطيك الْملك وينتظم فِي شركته لَك فِي السلك وزور لَهُ كتابا واستحضر على لِسَان بَعضهم خطابا فسكن إِلَى صدقه وَصَحبه وَلم يدر أَنه خدعه وخلبه فَلَمَّا تفرد بِهِ شدّ وثَاقه وَله وَقَيده وضيق خناقه وَحمله إِلَى الداوية وَأخذ بِهِ مَالا وجدد عِنْدهم لَهُ حَالا وجمالا وَبَقِي فِي الْأسر أَكثر من سبع سِنِين حَتَّى فكه السُّلْطَان بِمَال كثير وَأطلق للداوية كل من كَانَ عِنْده لَهُم أَسِير فغلظ الْقلب التقوي على ذَلِك الْوَلَد خبر هَلَاك أَخِيه وَلما عَاد من الْغَزْوَة زرناه لنعزيه فِيهِ
3 / 39
عَاد حَدِيث نوبَة الرملة
فَلَو أَن لتقي الدّين ردْءًا لأردي الْقَوْم وأغلى السّوم لَكِن النَّاس لما عرفُوا الْوَقْعَة تفَرقُوا وَرَاء أثقالهم ثمَّ نَجوا برجالهم دون رحالهم وضربوا بجملتهم حملتهم على السُّلْطَان وَثَبت ووقف على تقدمه من تخلف وسمعته يَوْمًا يصف تِلْكَ النّوبَة ويشكر من جماعته الصُّحْبَة ويمدح مِنْهُم فِي عصبتهم الْعصبَة وَيَقُول رَأَيْت فَارِسًا يحث نحوي حصانه وَصوب إِلَى نحري سنانه وَكَاد يبلغنِي طعانه وَمَعَهُ آخرَانِ قد جعلا شَأْنهمَا شَأْنه فَرَأَيْت ثَلَاثَة من أَصْحَابِي خرج كل وَاحِد مِنْهُم إِلَى كل وَاحِد مِنْهُم بادروه وطعنوه وَقد تمكن من قربي فَمَا مكنوه وهم إِبْرَاهِيم بن قنابر وَكَانَ الْفَارِس الباسل المصابر وَفضل الفيضي وَهُوَ الشَّيْخ الذمر الجريء وسُويد بن غشم الْمصْرِيّ فَهَؤُلَاءِ كَانُوا فرسَان الْعَسْكَر وشجعان المعشر إِذا كَانَ الْوَاحِد مِنْهُم فِي مقنب أَو سالكا لمَذْهَب قويت بِهِ نفوس رفقائه وأيقن بالأعداء على أعدائه وَاتفقَ بسعادة السُّلْطَان أَن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة وأمثالهم من فرسَان الْعَسْكَر رافقوه وَمَا فارقوه وقارعوا الْعَدو دونه وضايقوه
فَمَا زَالَ السُّلْطَان يسير وَيقف حَتَّى لم يبْق من ظن أَنه يتَخَلَّف وَدخل اللَّيْل وسلك ارمل وَلَا مَاء وَلَا ذَا دَلِيل وَلَا كثير من الزَّاد والعلف وَلَا قَلِيل وتعسفوا السلوك فِي تِلْكَ الرمال والأوعاث والأوعار وبقوا أَيَّامًا وليالي بِغَيْر مَاء وَلَا زَاد حَتَّى وصلوا إِلَى الديار المصرية وَأذن ذَلِك بِتَلف الدَّوَابّ وترجل الركاب ولغوب الْأَصْحَاب وفقد
3 / 40
كثير مِمَّن لم يعرف لَهُ خبر وَلم يظْهر لَهُ أثر وفقد ضِيَاء الدّين عِيسَى وَأَخُوهُ الظهير وَمن كَانَ صحبتهم فضل الطَّرِيق عَنْهُم وَعَن جَمَاعَتهمْ وَكَانُوا سارين إِلَى وَرَاء فَأَصْبحُوا بِقرب الْأَعْدَاء فاكتمنوا فِي مغارة وَانْتَظرُوا من يدلهم من بلد الْإِسْلَام على عمَارَة فَدلَّ عَلَيْهِم الفرنج من زعم أَنه يدل بهم وسعى فِي أسرهم وعطبهم وأسروا وَمَا خلص الْفَقِيه عِيسَى وَأَخُوهُ الا بعد سِنِين بستين أَو سبعين ألف دِينَار وفكاك جمَاعَة من الْكفَّار عِنْده من أسار
وَمَا اشتدت هَذِه النّوبَة بكسرة وَلَا عدم نصْرَة فَإِن النكاية فِي الْعَدو وبلاده بلغت مُنْتَهَاهَا وَأدْركت كل نفس مُؤمنَة مشتهاها لَكِن فِي الْخُرُوج من تِلْكَ الْبِلَاد تشَتت الشمل وتوعر السهل وسلك مَعَ عدم المَاء وَالدَّلِيل الرمل وَانْقطع دون قطع الحبى بالوصول الْحَبل وقنص من ظلّ بِهِ الطَّرِيق الْأسر والكبل
وَمِمَّا قدره الله من أَسبَاب السَّلامَة وَالْهِدَايَة إِلَى الاسْتقَامَة استظهار الْأَجَل الْفَاضِل فِي دُخُول بلد الْأَعْدَاء باستصحاب الكنانية والادلاء وانهم مَا كَانُوا يفارقونه فِي الْغَدَاء وَالْعشَاء وَينْفق عَلَيْهِم وَيقوم بِكُل مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فهم يخدمونه ويتوفرون عَلَيْهِ فَلَمَّا وَقعت الْوَاقِعَة وصدمت القارعة خرج بدوابه وغلمانه وَأَصْحَابه وأدلائه والبائه وأثقاله وأحماله وَرِجَاله ورحاله وَبث أَصْحَابه فِي تِلْكَ الرمال والوهاد والتلال حَتَّى أَخذ خبر السُّلْطَان وقصده وأوضح بأدلائه جدده وَفرق مَا كَانَ مَعَه من الأزواد على المنقطعين وجمعهم فِي خدمَة السُّلْطَان أَجْمَعِينَ فسهل ذَلِك الوعر وأذهب الْفقر وَأنس بالأهل فعد الوحشة القفر وَأمن الذعر وجبر الْكسر وَغلب على خطْبَة الدَّهْر
3 / 41
وَكَانَ النَّاس فِي مبدأ توجه السُّلْطَان إِلَى الْجِهَاد وَدخُول الْأَجَل الْفَاضِل مَعَه إِلَى الْبِلَاد رُبمَا تحدثُوا وَقَالُوا لَو قعد وتخلف كن أولى بِهِ فان الْحَرْب لَيست من دأبه ثمَّ عرف أَن السَّلامَة وَالْبركَة والنجاة فِي استصحابه وَجَاء الْخَبَر الى الْقَاهِرَة مَعَ نجابين فَخلع عَلَيْهِم وأركبوا وَأشيع بِأَن السُّلْطَان نَصره الله وَأَن الفرنج خذلهم اله كسروا وغلبوا وَركبت لأسْمع حَدِيث النجابين وَكَيف نصر الله الْمُسلمين وَإِذا هم يَقُولُونَ ابشروا فغن السُّلْطَان وَأَهله سَالِمُونَ وَإِنَّهُم واصلون غانمون فَقلت لرفيقي مَا بشر بسلامة السُّلْطَان إِلَّا وَقد تمت كسرة وَمَا ثمَّ سوى سَلَامَته نَصره وَكَانَ كَمَا حررته وَجرى الْقدر بِمَا قدرته
وَلما قرب خرجنَا إِلَى تلقيه وشكرنا الله على مَا يسره من ترقية وتوقية وَدخل الْقَاهِرَة يَوْم الْخَمِيس منتصف الشَّهْر ونابت سَلَامَته مناب النَّصْر وسيرنا بهَا البشائر وأنهضنا ببطاقاتها الطَّائِر لإخراس السّنة الأراجيف وإبدال التَّأْمِين من التخويف فقد كَانَت نوبتها هائلة ووقعتها غائلة فنبه الله بهَا العزمات وَصرف بهَا عَن الأزمن أزمة الأزمات
وَوجدت بالإنشاء الْكَرِيم الفاضلي كتابا عَن السُّلْطَان إِلَى بعض الْأُمَرَاء يذكر مَا دَفعه الله فِي نوبَة الرملة من الْبلَاء وَهُوَ فِيمَا مثله لي نسخته
نعم الله سُبْحَانَهُ فِي كل مَا تصرفنا عَلَيْهِ توجب أَن نصرف غليه شكرنا وألطافه الجميلة فِي كل مَا يُفْضِي بِنَا إِلَيْهِ وَيَقْتَضِي بِنَا إِلَيْهِ وَيَقْتَضِي أَن نتلو فِي حمدها عذرنا ومكاتبتنا إِلَى الْأَمِير صادرة فِي يَوْم الْخَمِيس الْخَامِس عشر من جُمَادَى الْآخِرَة عِنْد قفولنا من الْغُزَاة الَّتِي صرفنَا الله فِيهَا عَن الْكفَّار ليبتلي صَبرنَا وَأبقى الْجِهَاد من عدوه بَقِيَّة يستبقي بهَا أجرنا والعساكر المنصورة سَالِمَة بجمهورها ومقسومة نعم الله فِي الكافة بَين آمرها ومأمورها وَقد كَانَت هَذِه العساكر جاست خلال ديار الْكفَّار وقاتلت الْبِلَاد وَأَهْلهَا بالسيفين الْحَدِيد وَالنَّار وحكمت للْقَتْل تحكيما عجل فِيهِ الارتياح إِلَى أَمر الله عَن مهلة
3 / 42