ونجد هنا إغراء على المقارنة بين شو وتولتسوي، فقد كان الأول كاتبا مسرحيا بينما كان الثاني كاتبا قصصيا، وكلاهما تفوق في فنه وامتدت له شهرة عبر القارات الخمس، وكانا على وفاق في الأهداف الإنسانية، يكرهان القوة والفحش والغلظة ويميلان إلى النسك، وإن يكن لكل منهما طرازه الخاص فيه، ولكنهما كانا يختلفان في أشياء أخرى.
كان برنارد شو يحيى مع زوجته ناسكا لا يقربها، وكان تولستوي يحاول ذلك، ولكنه يخيب في محاولاته، فيسخط ويألم، وكانت الخطيئة الكبرى عند تولستوي هي الخروج عن حظيرة الزواج إلى مغامرات عشقية، في حين كان برنارد شو يجرب في هذه المغامرات بعض التجارب.
ولم يكن لتولستوي برنامج سياسي اقتصادي اجتماعي، أو قل إن برنامجه الكلي الشامل هو المسيحية؛ ولذلك كثيرا ما تعب وعرق ودخل في مشاجرات مع أسرته بشأن رغبته في النزول عن أرضه الزراعية للفلاحين، وصدته أسرته عن هذا الاتجاه، فكان يعزي نفسه من وقت لآخر بأن يلبس الملابس الخشنة، ويحرث الأرض بنفسه، ويصلح أحذية الفلاحين بيديه، وكل هذا كان بمثابة العبث، يعبث به القلب الطيب العاجز عن تحقيق أحلامه.
ولكن برنارد شو كان يدعو إلى النظام الاشتراكي، وكان لهذا المذهب شأن في ترتيب ذهنه وتوجيه نشاطه سواء الفني منه أم الاجتماعي، فلم يأنف لذلك من أن يكون له خادم يطهو له طعامه، ولكن عندما مات هذا الخادم، أقام له نصبا تذكاريا في حديقته، وترك لزوجته وأبنائه معاشا من تركته.
وكان كلاهما شعبيا مع فروق، فقد كان تولستوي يكتب للشعب في لغة شعبية إذا سمعها فلاح فهمها واستبصر بها، وكذلك كان شو من حيث اللغة، ولكن الاهتمامات الذهنية عند شو كانت من الطراز العالي في الثقافة، هذا الطراز الذي لا يكاد يشغل بال الفلاحين، أما موضوعات تولستوي، إذا استثنينا الدين، فقد كانت اجتماعية مألوفة قلما ترتفع إلى القمم الفلسفية الخطرة؛ ولذلك حدث التصادم.
كان برنارد شو ساخرا يحب أن يضحك وهو عند حافة المأساة، وكان تولستوي وقورا يفزع من السخرية. وكان برنارد شو علميا في أهدافه يستنبط فلسفته المادية من العلم، في حين كان تولستوي مسيحيا يحس الإحساس المسيحي العميق، وبرنامجه للعدل والخير والمساواة؛ أي يحب بعضنا بعضا، وكفى هذا.
وشعبية تولستوي المسرفة تتضح من تعريفه للفن حين قال إن العمل الفني هو الذي يحسه الفلاحون ويدركونه، وقد رد عليه شو بحق بأن السيمفونية العظيمة عندئذ لا يمكن أن تكون من الفنون الجميلة.
إن الفن عند شو يحتاج إلى تربية وتدريب.
ويقول تولستوي: «إنه ليس هناك شك في أن الفنون الجميلة عند الطبقات العالية في الشعب لا يمكن أن تكون فنون الشعب». وهو صادق هنا، ما دام الشعب لم يتعلم، وهذا بالطبع إذا لم نفهم من كلمات تولستوي أنه يقصد إلى الفنون المتهتكة التي كانت الطبقة العالية المنهارة في روسيا تمارسها وتستمع بما فيها من غرائز واتجاهات حيوانية.
وألف تولستوي كتيبا عن شكسبير وصفه فيه بالغلظة والقبح وخسة التعبير وهوان التفكير، والكتاب جدير بأن يقرأه المتأدبون في مصر والأقطار العربية، وهو - أي تولستوي - يمثل الفنان الشعبي، وينظر في غيظ واحتقار إلى فنان الطبقة العالية؛ فإن الشعب كان عند شكسبير «غوغاء»، وهو عند تولستوي كل شيء، بل ليس هناك شيء غيره، وقد رد عليه برنارد شو فسلم بالكثير مما قاله تولستوي عن شاعر بريطانيا سيدة البحار، واستصغر أشعاره المرسلة، ولكنه مع ذلك دافع عنه بأنه لا يزال فنانا غير صغير القدر.
ناپیژندل شوی مخ