كان يوما مشهودا يوم ولادة إلهام؛ فقد كانت الولادة متعسرة، ولم يكن الطبيب قد جاء بعد، ولم يكن بالمستشفى الخاص الذي تلد فيه طبيب متخصص. ودق التليفون في المستشفى ليعلنهم طبيبها أنه في القبة وليس لديه سيارة ولا يستطيع العثور على سيارة أجرة، ودون ريث تفكير قام فائق: أنا ذاهب إليه.
وأسرع إلى سيارته.
إنه الأجل المحتوم، كانت اللحظة التي قدرها الله لصعود فائق إلى السماء ترتقبه في الطريق! كيف؟ لا يهم. إنها حادثة مثل كل الحوادث التي يلاقي فيها العباد ربهم. •••
نزل الخبر على الجميع كما ينبغي أن ينزل. إنها الفجيعة التي لا ينتظر أحد أنها ستنزل به، وهي أقرب إليه من حبل الوريد. إنها المصيبة التي يظن الناس جميعا أنها قد تقع للآخرين ولا يمكن ولا ينبغي ولا يجوز أن تقع بهم. •••
عرف هارون الحزن كما لم يعرفه في حياته قط، واضطربت به الحياة حتى لقد زهد في المال وهو المال. ومرت به أيام لا يدري عنها إلا أنها طويلة طويلة لا تنتهي. قابع هو في بيته لا يريد أن يرى إلى أعماله وأمواله، ولا يشتهي أن يسمع عنها ذكرا.
وفي يوم صحا من الفجر بعد نوم هالع كئيب، وركب سيارته وقال لسائقه: اذهب إلى أبي في البلدة. •••
وحين استقبله أبوه ارتمى بين أحضانه باكيا بكاء مريرا فيه اعتذار وفيه حزن وفيه رجاء جار بطلب الغفران، وظل على حاله فترة لا يدري أطالت أم قصرت. والحاج حامد تنهمر من عينيه الدموع وهو يربت ظهر ابنه لا يدري أهو بهذه الدمعات يبكي حفيده الذي مات، أم يبكي ولده الذي عرف الفجيعة في معناها السفاك القاتل، أم يبكي أيامه هو التي طالت حتى تشهد ما يشهده في هذه اللحظات؟
وحين استقر بهما المقام تبين هارون أن سعدون كان قد سبقه إلى أبيه، ووجد الدموع على خديه سجاما، وصمت ثلاثتهم، ثم تكلم سعدون أخيرا: لقد أسمت إلهام الولد حامد.
وبكى الأب والجد ثانية، وقال سعدون: لكل سحاب حزن بريق أمل يا حاج حامد. - الحمد لله. - يا حاج حامد أنت تستحق أن يكرمك الله، وقد أكرمك بابن لحفيدك، ومن يدري ماذا يدخر لك في السماء؟
وجمع حامد نفسه ليقول في أسى وامتثال لأمر الله: الحمد لله، الحمد لله على ما أخذ، والحمد لله على ما أعطى.
ناپیژندل شوی مخ