فقهقه عاليا ثم قال: استمري يا جدتي.
فواصلت والنشوة تورد وجنتيها الذابلتين: الجد التالي يدعى غزال، الشهير بحرك؛ إذ فرض عليه رزقه التنقل المتواصل بين قرية وأخرى سعيا وراء الصيد والبيع، لم يعاشر أسرته إلا لماما، فلم ينعم بالعلاقات الحميمة، كأنه مطارد؛ ولذلك وهنت علاقته بالغيب والأرواح، ولم يعرف الاستقرار، ولا الرفاهية، وشغل مسيرته بالغناء متشكيا من الزمان، حتى عثر على جثته ذات يوم ملقاة في مصرف، ولم يستدل على قاتله؛ فقيل إنه إنسان وقيل إنه حيوان وقيل إنه عفريت!
ووهبت دقيقة صمت للرثاء الذي تجلى في عينيها ثم قالت: من شدة حزني عرفت سر مصرعه!
فتساءل رشاد: كيف يا جدتي؟ - بالحلم المضيء، رأيت بدويا قاطع طريق وهو يخنقه ليسلبه ماله، ثم جاء ذئب فنهش بطنه، وشهد الواقعة من أولها عفريت ساحر هو الذي رمى به في المصرف!
وتبادلا نظرة طويلة حتى سألته: ما رأيك؟
فتساءل بارتباك: أيستحق غزال أن يؤرخ له أيضا؟
فقالت بجدية أدهشته: كيف لا؟ وهل قدر لمصري أن يلي مكانة أسمى من مكانته في زمنه؟ عاش مكافحا ومات شهيدا!
فقال مجاملا: كلامك كله حكمة يا جدتي.
فقالت بعتاب: حذار من السخرية، إني أنضج عقل في هذه الأسرة المبعثرة بين النزوات وسوء الحظ! - ثقي من جديتي واستمري!
فقالت باسمة: ثم جاء فرج، فرج الثاني المتسمي باسم جده، نهض لحمل الأعباء بعد مصرع أبيه، فعدل عن حياة التجوال عملا بنصيحة أمه، فاختار عملا بين بين، يقوم على الحركة ولكن في القرية والسوق، يسرح بالأغنام ويبيع اللبن، فنعم بحياة مستقرة عادية وعشق الله والنساء، وقرر ذات يوم أن يفجر قنبلة في بيئته العائلية الساكنة! - قنبلة؟! - أشهر إسلامه وتسمى باسم محمد المهدي!
ناپیژندل شوی مخ