صمت شفيق بفم ملئ بالمرارة، ثم قال وكأنما يخاطب نفسه: تكون كارثة لو لحقت زكية بأختها!
وسبقهم رشاد نعمان الرشيدي - ابن كوثر - إلى خوض الحياة العملية وألحق بسلاح المدفعية. ولما بلغ سن الرشد تسلم تركته حائزا درجة من الثراء لا بأس بها. وقالت له كوثر: دعني أخطب لك!
فقال ضاحكا: لا أتزوج على الطريقة القديمة.
فقالت بلهفة: تزوج بالطريقة التي ترضيك.
لم يكن جرحه قد اندمل تماما فقال: صبرك، ليس في الجبهة عرائس.
وأفزعتها كلمة «الجبهة» التي علمت بها لأول مرة ونظرت صوب سنية فقال لها: الجميع هناك، والأعمار بيد الله.
فتساءلت كوثر في كآبة: والاستنزاف والردع؟!
فقالت سنية: قلبي يحدثني بخير والله حارسه.
تظاهرت بالشجاعة لتبثها في روح كوثر ولكن حناياها درت إشفاقا على الحفيد الذي تحبه أكثر من الجميع. وصدقت نيتها على تلاوة آية الكرسي عقب صلاة العشاء، ليلة بعد أخرى، لتحل به ورفاقه بركتها. وكم انتظرت بلوغه سن الرشد لتفضي إليه بآمالها عن البيت والحديقة والمدفن! وها هو يبلغه وهو في الجبهة، فكيف يطاوعها لسانها على الكلام؟! دائما وأبدا يعترضها الشوك وهي تقطف الوردة. بل هي أسرة لا يهادنها سوء الحظ أبدا؛ كوثر، منيرة، محمد، رشاد، وسهام، وقبل هؤلاء تطل من أفق الذكريات مأساة حامد برهان، فمتى تدركنا العناية الإلهية؟! والعجيب بعد ذلك أن تولي شخصها كل عناية ورعاية كأنما تتحدى الشيخوخة الزاحفة. إنها تتردد على عيادات الأطباء في مواعيد منتظمة، تروي عطشها من مياه حلوان المعدنية، تملأ رئتيها بالهواء الجاف المنعش، وتطارد الشيب بالحناء متوجة رأسها دائما بهذا اللون الأرجواني المهيب، وإذا لمحت على شفاه الأبناء ابتسامة قالت: علينا أن نعد أنفسنا للصلاة ونحن على خير حال!
وكم من مرة تنتقد فيها إهمال كوثر ومحمد ومنيرة الذي جعل من رءوسهم مرتعا للشيب يجول فيه ويصول دون معارض. وقالت لها أم سيد ذات مساء وهي راجعة من السوق: رأيت في العتمة سي علي ابن ست منيرة داخلا عمارة ست ميرفت!
ناپیژندل شوی مخ