وتجلت رؤيا سنية فرأت البيت القديم يضيء بجدة زاهية؛ رممت أركانه، وتجددت أبوابه وسلاليمه، ووافاه أثاث جديد، أما غرف النوم فحافظت على شرقيتها، ولكن العصرية شملت حجرات الاستقبال والسفرة، وبعثت الحديقة من جديد فاخضرت أرضها وانتشرت فوقها أشجار البرتقال والليمون والمانجو ودوائر الأزهار والورود، أما سورها الطويل فغطي تماما بالياسمين، ولمحت حامد برهان يقوم بعمل البستاني مستردا صحته وبدانته؛ سعدت جدا، ولكنها سألت البستاني بعتاب: لم لم تزرع شجرة حناء؟!
ولم تبح بحلمها لكوثر أن تتوهم أنها تذكرها بأحلامها في وقت غير مناسب. وسرعان ما نسيت الحلم تماما عندما أذاع الراديو نبأ ثورة اليمن وموقف مصر منها. وفي أول لقاء عقب الحدث دار النقاش حوله بعد الغداء، قال محمد ساخرا: أصبحنا أوصياء على ثورات العالم!
فقال سليمان بهجت: ما هي إلا نزهة تحل بعدها اليمن مكان سوريا.
فقال محمد بعناد: ما زالت أغلبية الشعب حفاة! - لا تنكر أنكم كنتم أول من شارك في الثورة على الإمام! - اشتراك الفدائيين بطولة، أما الدولة فمسألة مختلفة تماما.
فسأل سليمان سنية مداعبا: ورأي أمنا الحكيم؟
ولكن سنية قالت باقتضاب: صدري لا ينشرح للحرب!
فقال محمد متهكما ومعلقا على اشتراك الجيش المصري في الحرب: كأنه قرار إسرائيل!
وسرعان ما شغلت سنية بأمر آخر؛ جعلت تقارن بين منيرة وسليمان بقلق، لم يتجلى الكبر في وجه منيرة بسرعة؟! .. لم يزداد زوجها فتوة وشبابا؟! ما زال بينها وبين الأربعين بضع سنوات ولكن سحر جمالها ينطفئ بمعدل غير طبيعي، ولعلها ليست على ما يرام. إن قلبها لا يخطئ، حياتها تدعو للسرور بعكس ما يبدو؛ أمين وعلي يطويان المرحلة الابتدائية بنجاح، زوجها نال في عمله أضعاف أضعاف ما يستحق، هي نفسها ستعين ناظرة دون نقل إلى الأقاليم بفضل أخي زوجها، ولكن فارق السن بينها وبين زوجها يتسع بسرعة غير معقولة ولا مقبولة. محمد نفسه ألف عوره وعرجه وتراجع رزقه، وها هو يمضي في حماية إيمان لا يتزعزع، وزوجته سعيدة. والتقت عينا منيرة بعيني أمها فقرأت صفحة طويلة وخيل إليها أن سرها انكشف. هل تفضح عيناها مخاوفها الباطنة؟! الحق أنها استشعرت تغيرا غير حميد في قلب سليمان وسلوكه معها. قالت مرة لنفسها وهي وحيدة: لم أتزوج رجلا واحدا ولكن جملة رجال في رجل.
واستعاذت بثقافتها فقالت أيضا: لعل هذا ما يئول إليه الحب!
وتذكرت كلمات ومواقف تهادت إليها على مدى العمر من علم النفس والروايات والمسرحيات والأفلام، على أنها كرهت أن تفتح أمها ذلك الباب. وإذا بسليمان يقول مغيرا مجرى الحديث: أخيرا قررنا إدخال التليفزيون في بيتنا!
ناپیژندل شوی مخ