عصري بلاغت او عربي ژبه
البلاغة العصرية واللغة العربية
ژانرونه
أن هذا الكوكب يصير رويدا نحو التوحيد وليس هذا ثمرة الإرادة البشرية، ولكنه ثمرة العلم الذي محا المسافات حتى صار الانتقال من القاهرة إلى القطب الشمالي في 1944 يحتاج بالطائرة إلى أقل مما كان يحتاج إليه الانتقال من القاهرة إلى طنطا قبل مائة سنة بوسائل النقل القديمة، ومحو المسافات هذا؛ قد عمل على التقريب الجغرافي والتقريب النفسي معا ولذلك أراني أهتم في الصباح بقراءة الأخبار عن التطورات السياسية أو الاجتماعية في روسيا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو ألمانيا، كما صرت ألوك أسماء «سمطس وتشرشل وروزفيلت وستالين وشيانج كاي شيك»، كما ألوك أسماء السياسة في مصر.
التفكير العلمي من ناحية والعقلية الكوكبية من ناحية أخرى؛ كلاهما يؤثر في تطورنا السياسي والاقتصادي، ويجب لذلك أن يؤثر في تطورنا اللغوي.
فالعلم تفكير جديد يحتاج إلى لغة جديدة، وهذا ما حدث في أوروبا، فإن الأوروبيين حين شرعوا يفكرون تفكير المنطق والتجربة، تفكير الذهن واليد؛ أي التفكير العلمي؛ وجدوا أن دقة التعبير تحتاج إلى كلمات جديدة ليست لها أية ملابسات قديمة؛ فاخترعوا هذه الكلمات ليس من لغتهم، بل من لغات قديمة لا يعرفها الجمهور، وبذلك أصبح لكل علم لغته الخاصة التي لا يمكن أن يقال إنها إنجليزية أو فرنسية أو روسية، بل هي لغة العلم، فكلمة «بيولوجية» لا يعرفها رجل الشارع في لندن أو باريس أو نيويورك؛ لأنها كلمة مشتقة من اللاتينية؛ كي تعبر عن معنى لم يكن الجمهور في حاجة إليه قبل مائتي سنة مثلا، وقس على هذا كلمات كثيرة مثل: «المندلية» في الوراثة، «اليوجنية» في إصلاح النسل، «السيمائية» في المنطق اللغوي، الإسبكترسكوب، والتلسكوب، والميكروسكوب، والسييزموجراف، والكارديوجراف، والرديوفون، والتلغراف، الهرمونات من الغدد الفيتامينات ... إلخ.
فجميع هذه الكلمات وآلاف غيرها يعرفها الياباني والإنجليزي والهندوكي والأرجنتيني، ولا يحاول واحد منهم أن يترجمها إلى لغته. أولا: لأنه يحس أنه إذا اختار كلمة من لغته؛ فإنها تحمل معها ملابسات لا يعرف كيف يتخلص منها. وثانيا: لأنه عندئذ ينعزل بكلمة خاصة ليست في لغة هذا العلم التي يعرفها العلميون في الأقطار الأخرى.
فلكل علم لغته التي يجب أن تستعمل في أي مكان على هذا الكوكب، ولا يصح أن تترجم، بل هي لا يمكن أن تترجم؛ إلا مع الضرر بالتفكير العلمي، والعلم شيء جديد في عصرنا فيجب أن نقبل أسلوبه الجديد في التعبير.
وليس شك في أن المصري الذي تجابهه كلمة سيزموجراف أو إسبكترسكوب يضرس كما لو كان يمضغ حامضا؛ لأنه يحس صدمة لغوية تخالف مألوفة ولكن سرعان ما يزول هذا الضرس بالألفة.
وكلمات العلم أجنبية في جميع اللغات، وليس علينا حرج أن تكون كذلك أجنبية في لغتنا بل أن رجال العلم الأوروبيين يأخذون كلمات المتوحشين حين تكون لها دلالة في «الأنثروبولوجية» مثلا كما نرى في كلمتي «طبو» و«طوطم».
والمصري الذي يتخصص في علم ما يحتاج إلى متابعة الدراسة مدى حياته لهذا العلم، ولا غنى عن كلمات هذا العلم التي يستعملها جميع المتخصصين فيه في القارات الخمس، وهو يفكر بهذه الكلمات ومن التكليف المرهق أن نطالبه بترجمة هذه الكلمات إلى لغتنا؛ لأن كل ما نحتاج إليه أن نعرف هذه الكلمات وأن نصوغها في صيغة عربية إذا كنا سنؤلف بها في لغتنا الدارجة، أو لا نصوغها إذا كانت ستبقى مقصورة على المتخصصين.
هذا من حيث كلمات العلوم، ولكن تقلص المسافات؛ قد أحال هذا الكوكب إلى قطر واحد تسكنه أمة واحدة، وهذا يحملنا على أن نتخذ العقلية الكوكبية؛ ولذلك جرت صحفنا على أن تستعمل هذه الكلمات والعبارات الكوكبية:
بروتوكول مناقشات بيزنطية حب أفلاطوني حكومة، بيروقراطية، ديمقراطية، النظام السوفيتي، التلغراف، التليفون، الرديوفون، السينماتوغراف ... إلخ.
ناپیژندل شوی مخ