بکائیات: ست ډمعات په عربی نفس
بكائيات: ست دمعات على نفس عربية
ژانرونه
وحيدا تذهب. وحيدا تجيء (في الليل، على فراشي، طلبت من تحبه نفسي. طلبته فما وجدته).
4
آلاف الليالي، مكورا كالجنين في بطن أمك، تمد أكف الجوع إليه. تتعرى، من يغطيك؟ يسعل صدرك يتفجر بالربو، تتشنج معدتك وأمعاؤك بالمرض القومي الأزلي، من ينعطف عليك؟ من يطعمك ويسقيك؟ يا جوعا أبديا للأنثى والأم! ومنذ تخطيت الأربعين وأنت تخاف، في الظلام تتربص عين اللص وعين الغيب، والسماء تمطر الكوارث كل يوم، وصفحة الحوادث قضاء ينزل على الرأس مع كل إفطار. ضيعت الحبيبة، فضاعت الزوجة والأبناء والأحفاد، ضاع الآباء وضاع الأجداد، ضاع الماضي والحاضر والمستقبل. صرت ترابا، عدما، هاوية معتمة في لحظة. لحظة رحت لبيتها فانعقد لسانك، شل القلب وأطبق فوق الشفتين الموت. كل سنة أو سنتين تراها صدفة، في منعطف طريق أو عند عبور شارع - إن ساء حظك لم تر إلا ظهرها، فأتتك عيناها السوداوان النافذتان كحد السيف، اللامعتان كسحر الموت - في يدها طفلاها. كان من الممكن أن يكونا منك، وحين اكتست السواد تحركت، لكن النجم المنحوس هناك. تتحسر: آه لو كانت، لو كنت وكنت وكنت ... وتمضي مسرعا إلى مسكنك، تضع المفتاح في الباب، تتحاشى عيون المتطفلين، تطالعك سدود الكتب كحيوانات منقرضة، تتفرس فيك عيون الأموات-الأحياء، طالت رقدتهم في كهف الورق المصفر! تدفن رأسك بين يديك. في بحر الحزن الأسود تغرق سفن العمر، يوم سلمت عليها - للمرة الأولى أيها الريفي - صرعت شعاعا، عصفورا وفراشة. وحفرت التاريخ على الحائط، ومعه كلمة نيتشه: حب القدر، ما زال الحفر هناك، يشبه شاهد قبر الغرباء، في أرض الغربة: «أيها العابر، قل لمواطنينا في إسبرطة: هنا نرقد مقتولين، وما زلنا في الموتى لوصاياها أوفياء.»
5
ما أشبهك بنيتشه. كم أحببته: ثورته، وجنونه، خيبته والتسليم بقدر محبوب ملعون، هل نملك إلا التسليم؟ (في أواخر حياته، بعد أن أطبق عليه ليل الجنون، لم يعد يعرف أنه نيتشه. تنظر أخته إليه فلا تملك أن تحبس دموعها. ينظر إليها ويقول: لم تبكين؟ ألسنا في النهاية سعداء؟!) واللحظة كانت مسئولة. لم تتركها تمضي وتفر؟ لحظة عجز عن تصميم في وجه الحب-الموت. عبرت لن ترجع أبدا. لم تمسكها من خصلات الشعر الذهبي. كانت تدعوك وتبتسم لك: لم أحجمت؟
وتجيء الموجة في طوفان الجري وراء الخبر المر مغموسا في أوعية الملل، اليأس، القبح، الذل. واللحظة لا ترجع أبدا. أهي فكرة ثابتة تنام على فراشها المريح؟ عزاء وتبرير؟ هل تخدع نفسك؟ تضع الدرع البراق على جثة فارس؟ كي تستمتع بالحرية خلف السور الشائك؟ تتلذذ ببكائك في كهفك؟ يا للأوهام السهلة! سهل أن تتهم النفس، تعذبها، فالتعذيب شريعة هذا العصر، لكن الفاجعة أمر، والمحنة أكبر من مشكلة الحب، فلكم أحببت وجربت. حاولت أن تكون البرجوازي الصغير - من يملك أن يخرج من جلده أو يتخلص من ظله؟ - تقرأ الجريدة، وتتابع أخبار النجوم والأغاني الجديدة، تحرص على مسلسل الإذاعة والتلفزيون، تتحسر على أيام الخير، وتقول مع ذلك: غدا يتحسن كل شيء - لكنك لا تدري كيف؟ - ومثله وضعت الخاتم في يدها (وضعته مرتين في يدين، أبرأت ذمتك ككل مواطن صالح يؤمن بالله والوطن)، وعندما أردت أن تضع يدها خلصتها منك. كانت مع الآخر ترقص وتأكل من الشجرة المحرمة - على آدم المسكين وحده - كنت مملا والكتب مملة. وجه الحكمة لا يلمع مثل وجوه العملات الصعبة، والأخرى كانت أذكى وأمر. داعبت الطفل الراقد فيك وسرت منه. أخذت منه الذهب المشرى بعرق العمر. يا من تتلوى في محراب الفكر، أحرق كتبك قبل فوات العمر. اربط ربطة عنقك، واسمع آخر أغنية فيما يطلبه المستمعون، واذكر حين يجن الليل، أنك وحدك، وحدك كإله الصمت كوحش مجروح. وحدك تتألم وتموت، حتى لو كانت في أحضانك ملكة تدمر.
واحمل حائط مبكاك إلى القبر. •••
اللحظة ضاعت. (هل يتسع العمر لعودتها؟ هل يرجع دولاب الزمن الدوار فتظهر لك، تبتسم كنجم صاف خلف سحاب الدمع؟) عبثا تجمع عنها أكوام المعلومات، تشغل نفسك بالزمن القاسي. ها أنت تحاضر عنها منذ سنين. تهتف أحيانا: ما دام القلب يدق فلا يأس؛ فاللحظة فاكهة تنضج في موسمها، حين يحين أوان النضج. اللحظة - سر الوهج الخالد تحت تراب الفنانين - تحتاج لمروحة الشمس وأجنحة الريح وأنفاس المطر، سنين بعد سنين. لا تيأس أبدا، حين تزيد المحنة يأتي المنقذ. (عنوان كتاب عن أفلاطون! هذا المنقذ سيغادر كهفه، يترك كهف الأشباح، ويصعد للنور الحق. فمتى يخرج منه؟ أم خرج ولم يرجع بعد؟) تهتف بقلوب بكر: عيشوا اللحظة! لحظة الحسم والقرار والاختيار. لحظة التحدي والفعل الحر، بها يواجه الفرد نصيبه، والشعب قدره. من يخذلها، يهرب منها، من يحجم عنها يبقى مدحورا أبد الدهر. هذا قانون الزمن وسر التاريخ. من يتحد الموت يعش! من يحي الموت يكن! كلمات ضخمة.
أحيانا تتجسد، تتحقق، تنقذ فردا أو شعبا يغرق. احمد ربك أنك عشت اللحظة. لحظة عبر أخوك الجندي إلى سيناء. ما أعظمه وهو «يكرر» صيحة «بدر»! ما أكرمه وهو يلف حزام البارود على جسد أضناه الفقر؛ كي ينسف - باللحم الدافئ - درع حديد متكبر. هل تتكرر هذه اللحظة في سيناء وغزة والجولان؟ هل تنقذنا إلا لحظات الحسم الحر؟ أم نشغل عنها، نهرب منها، نستثمرها في شيكات وشعارات، في المستورد والبوتيكات، في أفلام أو حلقات، في الجشع الذاهل عن لحم الجندي المسكين؟
أخشى ما أخشاه الآن: أن تأتي اللحظة، وأنا أحتضر وألفظ آخر أنفاسي. أن تتقدم مني كالعذراء وتهمس: هل تذكرني؟ وأذكر عندئذ أنني نسيت. إني لم أكن أنا نفسي. يقول قائل يعزيك: ومن الذي حقق نفسه؟ أين الذي رضي عنها ؟ حتى الذي أنجز الأعمال الكبرى، في الفن أو الحياة، هل رضي عن نفسه؟ وربما قلت لنفسك: حقا لم تتم عملا كبيرا، ولكن آلاف الصفحات التي كتبتها - يا للذنوب الثقيلة! - لا تخلو من أنفاسك، ترجمت كثيرا، وأنكرت نفسك. أليس هذا عطاء؟ ألم تعش وتجرب كل كلمة وسطر؟ وا أسفاه!
ناپیژندل شوی مخ