[مقدمة المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ، أما بعد فإن العلم صار مديدا طوره ، قعيرا غوره .
حيث تشعب كل فن منه فنونا ، وتبجست كل عين فيه عيونا ، حتى أعيت الذاهب في التماس مذاهبه مذاهبه ، والتبس على القايس والغارس قالبه وقالبه .
أسنت بالشوائب موارده ، وكاد يئس عن نقع الغلة به وارده ، ويغلب ديجور الجهل شموسه ، وتقحم في قلوب المهتدين شموسه .
لولا كان في قدماء الأخيار رجال جعلهم الله ورثة أنبيائه ، ومؤدين مكنون أنبائه ، رتعوا في رياض العلوم أحقابا ، وارتاضوا فيها مسرحا ومآبا ، فتدلت لهم أغصان ثمارها ، وتفتحت لهم أكمام أزهارها .
وتصفصفت لهم حوماتها ، وترحبت لصوافيهم عرصاتها ، حتى آبوا منها بطانا ، وفيها فرسانا ، وصاروا على متغلبها كالأمير ، ونهلوا من أنهارها النقاح النمير ، ونصبوا بين عذبها وأجاجها برزخا ، ونصبوا لتسكين ميدانها شمخا ، وأصلتوا صارم البيان لتسليس جامدها .
وأسرحوا سابق الأفكار لتقريب شاردها ، وجعلوا فيها أخوة وأحبية ، وميزوا عن كل فن أجنبيه ، فصار لكل علم وجهة ، وخطة وجهة ، فابتهجت لطالبها المناهج ، وانحاش قنصها للاهج وغير اللاهج .
ثم إنها لما تباينت القرون ، وصدف من عام إلى عام مرذلون ، فعجز الضالع عن عب الضليع ، وانحط الحطائط عن شأو التليع ، وانقطعت عن السكيت الرغبة ، في إدراك سابق الحلبة .
مخ ۱