بحر العلوم
بحر العلوم
موسى، قال: حدثنا إبراهيم بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: لما فتح رسول الله ﷺ مكة، خطب الناس فقال في خطبته:
«وَلاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ» وروى طاوس عن ابن عباس، أن النبيّ ﷺ قال يوم الفتح: «إِنَّهُ لاَ هِجْرَةَ ولكن جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» .
ثم قال تعالى:
[سورة النساء (٤): الآيات ١٠٠ الى ١٠١]
وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (١٠٠) وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (١٠١)
وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يقول: في طاعة الله إلى المدينة يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَمًا كَثِيرًا يقول: ملجأ ومحولًا من الكفر إلى الإيمان وَسَعَةً من الرزق. وقال القتبي: المراغم والمهاجر واحد. ويقال: راغمت وهاجرت، لأنه إذا أسلم خرج مراغمًا لأهله أي مغايظًا لهم، والمهاجر المنقطع. وقيل للذاهب إلى النبيّ ﷺ هجرة مراغم، لأنه إذا خرج هجر قومه.
وروي عن معمر عن قتادة قال: لما نزلت إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ الآية.
فقال رجل من المسلمين وهو مريض: والله ما لي عذر إني أجد الدليل في الطريق وإني لموسر فاحملوني فحملوه فأدركه الموت في الطريق، فقال أصحاب النبيّ ﷺ: لو بلغ إلينا لتمّ أجره وقد مات بالتنعيم، وجاء بنوه إلى رسول الله ﷺ وأخبروه بالقصة، فنزلت هذه الآية: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ يعني في الطريق فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ أي ثوابه على الله الجنة وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا لما كان منه في الشرك رَحِيمًا حين قبل توبته، وكان اسمه جندع بن ضمرة.
قوله تعالى: وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ يعني إذا خرجتم إلى السفر فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ ويقول: لا مأثم ولا حرج عليكم أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني يقتلكم. والفتنة في أصل اللغة الاختبار، ثم سمي القتل فتنة لأن معنى الاختبار كما قال عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ [يونس: ٨٣] أي يقتلهم. فالله تعالى قد أباح قصر الصلاة عند الخوف، ثم صار ذلك عامًا لجميع المسافرين أن يقصروا من الصلاة خافوا أو لم يخافوا. وروي عن عمر بن الخطاب ﵁ أنه سأل رسول الله ﷺ عن ذلك، فقال
1 / 332